اردوغان... الرئيس (الملا)

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يستشعر الكثير من الاتراك خطر سياسات رئيس الوزراء الحالي رجب طيب اردوغان على بلادهم، خصوصا بعد تنامي نزعة العنف والاستبداد لدى الاخير ومحاولاته المستمرة للهيمنة على مفاصل السلطات المستقلة من جهة وترسيخ نفسه كقائد اسلامي في المنطقة من جهة اخرى.

اذ تكبدت تركيا بسبب سياسات اردوغان بحسب المعارضين له خسائر مادية ومعنوية كبيرة ستكون لها عواقب في الوقت الحالي والمستقبل على حد سواء، سيما على صعيد حلم انضمام انقرة الى الاتحاد الاوربي وعلاقاتها مع البلدان العربية التي باتت تتوجس خيفة من سلوكيات رئيس الوزراء.

وترى العديد من النخب السياسية والاجتماعية التركية ان اردوغان بات يتصرف كأحد ملالي افغانستان، ضاربا عرض الحائط مكانة بلده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الامر الذي دفع الكثيرين بمطالبة رئيس حزب العدالة والتنمية الى مراجعة مواقفه، سيما مع دول الجوار.

الأتراك يفضلون جول على اردوغان رئيسا

فقد أظهر استطلاع تركي للرأي أعلنت نتائجه أن الأتراك يفضلون الرئيس الحالي عبد الله جول لتولي الرئاسة في الفترة المقبلة إذا تعين عليهم الاختيار بينه وبين رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.

وتظهر نتائج الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة (مترو بول) أن اردوغان سيواجه بعض الممانعة من المواطنين في تحقيق هدفه لتولي مسؤولية الرئاسة بعد تعديل اختصاصات الرئيس في الدستور خلال عامين.

وتنتهي فترة رئاسة جول التي تستمر سبع سنوات عام 2014 ويظهر استطلاع للمواقف السياسية أن نحو 60 في المئة من الاتراك يعتقدون أنه يجب أن يرشح نفسه ثانية في الانتخابات المقبلة.

وعندما سئل من شملهم الاستطلاع عمن سينتخبون إذا تعين عليهم الاختيار بين جول واردوغان اختار 50.9 في المئة جول و22.7 في المئة اختاروا اردوغان. في حين قال 16.1 في المئة آخرون إنهم لا يعلمون ولم يقدم 10.3 في المئة ممن شملهم الاستطلاع إجابة.

وتراجع الفارق الكبير بين الزعيمين بشدة إذا منح من شملهم الاستطلاع اختيارا حرا لمرشحي الرئاسة. وفي هذه الحالة اختار 20.5 في المئة جول و17.8 في المئة اختاروا اردوغان بينما اختار اثنان في المئة زعيم أكبر حزب معارض وهو حزب الشعب الجمهوري.

واجري استطلاع مترو بول بين 14 و19 سبتمبر أيلول في 27 إقليما وشمل 1275 شخصا. وهامش الخطأ في الاستطلاع هو 2.7 في المئة بالزيادة او النقصان.

كما أظهر الاستطلاع الذي تزامن مع اشتداد الصراع بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني أن 67.1 في المئة ممن شملهم الاستطلاع يوافقون على حل حزب السلام والديمقراطية المؤيد للاكراد.

ويرى الكثير من الأتراك ان حزب السلام والديمقراطية له صلات وثيقة بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي منظمة إرهابية. وحظرت المحاكم التركية أحزابا سياسية اخرى موالية للأكراد.

وسقط أكثر من 40 ألف قتيل في الصراع منذ ان حمل حزب العمال الكردستاني السلاح ضد الدولة عام 1984 وبلغ القتال في الأشهر القليلة الماضية أعنف مستوى منذ اكثر من عشر سنوات.

مسيرة للعلمانيين

الى ذلك استخدمت الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق الاف العلمانيين الذين شاركوا في مسيرة محظورة في العاصمة احتجاجا على الحكومة التي يرون انها اصبحت إسلامية ومستبدة على نحو متزايد.

وتبرز مشاهد الرجال والنساء المتشحين بالأعلام التركية وهم يرددون الهتافات ويرفعون لافتات عليها صور مصطفى كمال اتاتورك مؤسس تركيا الحديثة الانقسام القائمة منذ فترة طويلة في المجتمع التركي بين العلمانيين وبين الأتراك المتدينين الأكثر ميلا الى المحافظة من جانب اخر.

وبرغم فوز رئيس الوزراء طيب أردوغان بفترة ولاية ثالثة العام الماضي بنسبة 50 في المئة من الأصوات يخشى كثير من الأتراك العلمانيين من أن يكون لحزبه العدالة والتنمية المحافظ اجتماعيا توجهات إسلامية تهدد الجمهورية العلمانية التي أسسها أتاتورك.

وقال متظاهر يدعى إردم سيوينح (64 عاما) وهو من ارباب المعاشات "يحاولون تحويلنا إلى إيران اخرى أو امبراطورية عثمانية جديدة ما. ونحن نعارض هذا." وأضاف "نحن هنا اليوم لتوجيه رسالة لمن يحاولون تدمير مباديء هذه الجمهورية."

وحظرت الحكومة المحلية في أنقرة والتي يسيطر عليها ايضا حزب العدالة والتنمية االمظاهرة استنادا إلى "معلومات" تفيد بانه سيتم استخدامها "للاستفزاز والاثارة". ووصف المحتجون الحظر بانه يهدف إلى إخراس معارضي الحكومة.

وقال متين ألكان (68 عاما) وهو متظاهر يضع ربطة عنق سوداء نقشت عليها صورة اتاتورك "لماذا حظروا هذه المسيرة؟ لانهم خائفون. انهم خائفون بالطبع." وأضاف ضاحكا "انظر الينا هل يبدو علينا أننا نمثل خطرا."

وتجمع عدة الاف من الأشخاص أمام مبنى البرلمان القديم في وسط المدينة ملوحين بالأعلام التركية لمحاولة تنظيم مسيرة إلى قبر أتاتورك بمناسبة الذكرى التاسعة والثمانين لتأسيس الجمهورية التركية عام 1923.

وهتف المحتشدون "اقيلوا الحكومة.. تبا لك يا طيب" في إشارة إلى رئيس الوزراء. ورددوا "سيأتي اليوم الذي سيقدم فيه حزب العدالة والتنمية كشف حساب للشعب." وهتف اخرون "نحن جنود مصطفى كمال. تركيا علمانية وستظل علمانية."

لكن قوات الأمن أقامت حواجز لمنعهم من القيام بالمسيرة ثم أطلقت الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه على الحشد الذي يضم اطفالا ومسنين عندما حاول بعض المتظاهرين اقتحامها.

وألقى البعض بمقذوفات على الشرطة مما دفعها لاطلاق المزيد من الغاز المسيل للدموع واستخدام مدافع المياه. وتدافع الناس للابتعاد عن منطقة إطلاق الغاز في حين ارتمى اخرون على الأرض يتلوون من الألم ويسعلون بسبب استنشاق الغاز.

وأخرجت عدة فتيات صغيرات من وسط الحشد محمولات بعد أن فقدن وعيهن وغمرتهن المياه. وقالت طالبة تدرس الكمبيوتر تدعى ميليسا تشيلي (21 عاما) "لماذا يفعلون هذا؟ هذا خطأ بين. نحن مواطنون من هذا البلد ولسنا أعداء." وأضافت "يريدون نظاما من نوع آخر هنا.. دكتاتورية يكون فيها أردوغان هو الطاغية."

وبعد عدة ساعات أزالت الشرطة الحواجز وسمحت للحشد بالسير إلى النصب التذكاري على بعد نحو ثلاثة كيلومترات.

وانتخب أردوغان في باديء الأمر قبل عشر سنوات بأغلبية ساحقة وشهدت تلك الفترة حالة لم يسبق لها مثيل من الرخاء مما جعله يحظى بإعجاب دول غربية تحرص على ان تصور تركيا على انها نموذج للديمقراطية في منطقة مضطربة.

لكن النقد المتزايد لاسلوبه الاستبدادي في الحكم حد من تأثير هذا النجاح. ويقبع المئات من الساسة والأكاديميين والصحفيين في السجون بتهمة التآمر على الحكومة في حين أدين أكثر من 300 من ضباط الجيش الشهر الماضي بالتآمر على أردوغان قبل ما يقرب من عشر سنوات وحكم عليهم بالسجن فترات طويلة.

وقالت لجنة حماية الصحفيين التي تراقب حرية الاعلام هذا الشهر ان الصحفيين الذين سجنتهم تركيا اكثر من الذين سجنتهم إيران أو الصين أو اريتريا. ويشير الأتراك العلمانيون ايضا إلى القيود المتزايدة على الكحوليات والتغييرات التي ادخلها حزب العدالة والتنمية على النظام التعليمي كدلالة على ان الدولة اصبحت أكثر اسلامية.

وأقام أردوغان كذلك علاقات وثيقة مع الحكومات الإسلامية في مصر وتونس وغيرهما في العالم العربي.

وشارك في المسيرة كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك عام 1924 والذي يمثل المعارضة الرئيسية في البلاد. وانتقد أوغلو في وقت لاحق اسلوب تعامل الشرطة مع المسيرة.

أوروبا ستخسر!

من جهته قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ان الاتحاد الاوروبي سيخسر تركيا اذا لم يمنحها العضوية بحلول عام 2023. وهذه هي المرة الاولى التي يقدم فيها أردوغان مؤشرا على الفترة الزمنية التي يمكن فيها لأنقرة ان تستمر في الطريق نحو الانضمام الى الاتحاد الاوروبي وجاءت تعليقاته في وقت تباعد متزايد بين تركيا وكيان سياسي تشعر انه تعامل معها بفتور.

ووصلت جهود تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي التي بدأت رسميا في عام 2005 الى نقطة الجمود في السنوات الاخيرة بسبب معارضة من أعضاء رئيسيين في الاتحاد وعدم التوصل الى حل للنزاع بشأن جزيرة قبرص المقسمة.

وعندما سئل أثناء حلقة نقاش في برلين بشأن ما اذا كانت تركيا ستصبح عضوا في الاتحاد الاوروبي بحلول عام 2023 رد أردوغان بقوله "ربما لن يماطلوا معنا كل تلك الفترة الطويلة. لكن اذا فعلوا ذلك معنا حتى ذلك الوقت فإن الاتحاد الاوروبي سيخسر وعلى الأقل هم سيخسرون تركيا."

وتحتفل تركيا بمرور 100 عام على تأسيسها كجمهورية من أنقاض الامبراطوية العثمانية في عام 2023. وقال أردوغان ان تركيا التي بها غالبية مسلمة لكنها علمانية والتي يبلغ عدد سكانها 74 مليون نسمة ستعزز الاتحاد الاوروبي. واضاف ان نحو ستة ملايين تركي يعيشون بالفعل في الاتحاد الاوروبي منهم نحو ثلاثة ملايين في ألمانيا.

وتعارض مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل التي سيجتمع أردوغان معها يوم الاربعاء منح تركيا عضوية كاملة في الاتحاد الاوروبي وتفضل منحها شراكة متميزة رغم ان وزير الخارجية الالماني جيدو فسترفيله يؤيد جهود أنقرة.

وانتقد فسترفيله الذي كان يتحدث في افتتاح مبنى السفارة الجديدة لتركيا في برلين الطريق المسدود الذي بلغته محادثات الانضمام. وقال "هذا أمر سيء للجانبين وفي العام القادم نريد ان نحقق بداية جديدة للتغلب على هذا الجمود."

وفي وقت سابق من الشهر الحالي سخر وزير الاقتصاد التركي محمد ظافر جاجلايان من فوز الاتحاد الاوروبي بجائزة نوبل للسلام وندد بالاتحاد باعتباره أكثر المؤسسات نفاقا في العالم قائلا أنه "جعل تركيا تنتظر على أبوابه لمدة 50 عاما".

وأكملت تركيا فصلا واحدا من 35 "فصلا" سياسيا تحتاج كل دولة مرشحة لاستكمالها للحصول على العضوية. وتعثرت كل الفصول السياسية باستثناء 13 فصلا في مفاوضات أنقرة وتقول المفوضية الاوروبية الذراع التنفيذي للاتحاد الاوروبي ان تركيا لم تف بعد بمعايير حقوق الانسان وحرية التعبير.

نموذج للعالم الاسلامي

في سياق متصل أشاد رجب طيب أردوغان بإمكانيات تركيا كقوة ديمقراطية صاعدة قائلا ان حزبه الحاكم ذا الجذور الاسلامية اصبح نموذجا للعالم الاسلامي بعد عشر سنوات في الحكم.

وقال أردوغان في خطاب امام الالاف من اعضاء حزبه العدالة والتنمية وزعماء اقليميين في مؤتمر للحزب ان زمن الانقلابات العسكرية في البلاد قد ولى. ويبلغ عدد سكان تركيا 75 مليون نسمة.

وفي خطاب استمر قرابة ساعتين ونصف الساعة واستهدف تحديد ملامح برنامج الحزب خلال السنوات العشر القادمة تعهد أردوغان بوضع دستور أكثر تنوعا وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع أكراد تركيا البالغ عددهم 15 مليون نسمة.

وقال اردوغان في المؤتمر الذي نظم في استاد رياضي بالعاصمة أنقرة "وصفنا أنفسنا بالديمقراطيين المحافظين. ركزنا في تغييرنا على الحقوق والحريات الأساسية... هذا الموقف تخطى حدود بلادنا وأصبح نموذجا لكل الدول الاسلامية."

ومن بين الضيوف الذين حضروا المؤتمر الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس قرغيزستان ألمظ بيك أتامباييف ورئيس منطقة كردستان العراق شبه المستقلة مسعود البرزاني.

ومنذ عام 2002 فاز حزب العدالة والتنمية تحت قيادة أردوغان في ثلاثة انتخابات متتالية بأغلبية ساحقة لينهي بذلك عصرا من الحكومات الائتلافية الهشة تخللته انقلابات عسكرية ولتصبح أطول فترة تشهدها تركيا لحكومة يرأسها حزب واحد منذ اكثر من نصف قرن.

وتضاعف نصيب الفرد من الدخل ثلاث مرات تقريبا منذ ذلك الحين وأعادت تركيا ترسيخ وضعها كقوة اقليمية حيث ينظر حلفاؤها إلى سياستها التي تمزج بين النظام الديمقراطي المستقر والثقافة الاسلامية على انها نموذج يحتذى في منطقة مضطربة.

وقال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطيينة في كلمة امام المؤتمر إن تركيا أظهرت الوجه المشرق للاسلام. وأضاف مخاطبا أردوغان انه الآن لم يعد زعيما في تركيا فحسب بل اصبح زعيما في العالم الاسلامي ايضا.

لكن المنتقدين يتهمون أردوغان باتباع نهج استبدادي قائلين انه يكمم افواه معارضيه ويستخدم المحاكم لاسكات خصومه. ويقولون ايضا انه فشل في ايجاد اي بادرة أمل لانهاء الصراع المستمر منذ 28 عاما في جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية.

ووضعت الأزمة في سوريا المجاورة تركيا في طليعة الجهود الدبلوماسية الدولية حيث تعتبرها واشنطن طرفا اساسيا في دعم المعارضة السورية والتخطيط لفترة ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد.

وفي خطاب مليء بالبلاغة فقير في التفاصيل اشار أردوغان إلى النجاحات التي حققها حزب العدالة والتنمية على مدى السنوات العشر الماضية لكنه أقر بأن تركيا لا تزال تواجه تحديات كبيرة.

وقال ان تركيا تحتاج بشدة إلى دستور جديد ليحل محل الدستور الذي وضع بعد انقلاب عسكري قبل ثلاثة عقود داعيا أحزاب المعارضة للتشاور بهذا الشأن في وقت لاحق العام الحالي.

وقال "سنواصل جهودنا لوضع دستور جديد قائم على الحرية ويسمح بالتنوع." ويحبذ أردوغان التحول إلى نظام رئاسي للحكم مماثل لما هو قائم في فرنسا. وليس سرا انه يطمح في الحصول على المنصب لانه لا يستطيع بموجب لوائح الحزب الترشح لفترة اخرى رئيسا للوزراء في الانتخابات البرلمانية القادمة المقررة عام 2015.

ولم يعط أردوغان أي إشارة إلى مستقبله السياسي بعد هذه الفترة قائلا انه "سيؤدي اي وظيفة تعهد إليه."ويشعر المعارضون بالقلق من تشديد أردوغان قبضته. ويحاكم مئات السياسيين والأكاديميين والصحفيين بتهمة التآمر على الحكومة في حين صدرت احكام بالسجن لفترات طويلة بحق اكثر من 300 ضابط بالجيش هذا الشهر في محاولة مزعومة للاطاحة به قبل نحو عشر سنوات.

ويشكك المنتقدون ايضا في سياسته بشان الصراع مع المتمردين الأكراد في المنطقة الجبلية بجنوب شرق البلاد والواقعة على الحدود مع العراق. ودارت اشتباكات بين الجانبين في الاونة الاخيرة وصفت بانها الاعنف منذ سنوات. وتعهد أردوغان بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع أكراد تركيا لكنه طالبهم بالتنديد بعنف حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على انه جماعة ارهابية.

وقال أردوغان "نريد فتح صفحة جديدة اعتبارا من اليوم ونريد ان نجعلها صفحة سلام واخوة مع اخواننا الأكراد." وأضاف "نتوقع من اخواننا الأكراد اتخاذ خطوة نحونا وأن ينددوا بالارهاب ويقولون كفى." وقال أردوغان في لقاء تلفزيوني ان اجهزة المخابرات قد تجري محادثات مع ممثلين لحزب العمال الكردستاني في الوقت المناسب.

العنف في الجيش التركي

من جانب آخر بات العنف تجاه المجندين الشبان في الجيش التركي اثناء خدمتهم العسكرية ظاهرة لم يتم الكشف عنها حتى الان بسبب الخوف والارتباك غير ان تحقيقا مستقلا نشرت نتائجه رفع الستار لاول مرة عن هذه القضية.

ويبلغ اورهان من العمر 24 عاما لكن سلوكه المتردد وقلة كلامه تعطيه نصف تلك السن. قبل ثلاثة اعوام تعرض الشاب اثناء خدمته الى الضرب المبرح من طرف ملازم وعريف جعلا منه مكسر عصاهما. وخرج من الاعتداء محطما وكسيحا.

ما زال اورهان حتى الان يجد صعوبة في رواية عذاباته. وقال متلعثما "ضربوني يومين او ثلاثة بالتوالي. ركلات وصفعات. ضربوني بالعصي". وتابع "من قبل كنت اقوم بجميع الاعمال. الآن وركي مكسور ولا يمكنني العمل (...) امكث في البيت واصلي".

حوكم الملازم الذي ضربه عسكريا وحكم عليه بالسجن ستة اشهر مع وقف التنفيذ وغرامة بقيمة 3000 ليرة تركية (1250 يورو) خفضت الى 1500 ليرة. اما الضابط الذي غطى على المنفذ فتمت تبرئته.

وفيما يبقى اورهان بلا اوهام في ما يتعلق بنتيجة استئناف القضية يظل والده مصمما. وقال موسى ابروجي "ليس لدي شيء ضد العسكريين لكنني اريد ان يتعاقب الذين ارتكبوا هذا العمل، فهو لن يجد عملا بعد الآن". وتابع "سنذهب الى النهاية، الى الموت ان لزم الامر للحصول على حكم مؤات واحقاق العدالة".

ايدن قنطار هو والد غاضب آخر بعد مقتل ابنه اوغور في تشرين الاول/اكتوبر 2011. فبعد ايداعه سجنا عسكريا في شمال قبرص بعد مشادة مع جندي آخر تعرض للتعذيب طوال سبعة ايام.

واكتفت رئاسة الاركان باطلاع الاب عبر الهاتف ان ابنه تعرض لازمة صرع قضى على اثرها. ويقول قنطار باكيا "عند وصول ابني الى المستشفى كانت شفتاه متورمتين كالبالون، كما لو انه تم تغطيسه في المياه الغالية. رأى اكثر من 20 شاهدا ماذا فعلوا به. لكن التقرير لم يشمل ايا من تلك الامور". ويتابع "لا اريد ان يعيش آباء آخرون هذا الشعور او ان يموت الشبان لمجرد انهم يقومون بخدمتهم العسكرية".

في تركيا لم تجرؤ اكثر من حفنة من الاشخاص على كسر الصمت علنا والتحدث عن اعمال العنف التي يعرض اليها 400 الف مجند. لكن جدار السرية هذا بدأ يتصدع.

فمنذ نيسان/ابريل 2011 نشر متطوعون في "المبادرة من اجل حقوق المجندين" اكثر من 600 شهادة على موقعهم على الانترنت تتحدث عن الشتائم والتعذيب مرورا والترهيب والاهانات والحرمان من مختلف الامور.

وكشف التقرير المنشور الجمعة الشهادات ال432 الاولى بكل وحشيتها، وهي ليست الا الطرف الظاهر من كتلة الجليد. وقال تولغا اسلام احد مؤسسي المشروع "من المؤكد ان الارقام التي ننشرها اقل بكثير من الواقع". وتابع "كلنا خدمنا في الجيش والجميع يعلم ما يحدث هناك (...) لكن الناس ما زالوا يهابون الجيش (...) من الصعب كسر قانون الصمت من المرة الاولى لكننا نتمكن من ذلك تدريجيا".

فمؤخرا صرح احد مسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم حسين شيليك علنا ان جميع المجندين يتعرضون للاساءة في الجيش. ويسعى اصحاب "المبادرة" من خلال التقرير والشهادات التي رفعت الى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان الى اقناع نوابهم الذين توخوا الحذر حتى اليوم بالتحرك. كما تم تحديد موعد للقاء وزير الدفاع عصمت يلماز.

وقال مؤسس آخر للمشروع يغيت اكساك اوغلو "الجيش اكد لنا ان الحالات التي ذكرنا ليست الا استثناءات. هذا بالضبط ما كانت الشرطة تقوله ردا على اتهامات التعذيب في التسعينات. ينبغي ان يتوقف ذلك". واضاف متفائلا "لم ينتقد اي من النواب الذين زرناهم مشروعنا"، مؤكدا "انه مؤشر جيد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/تشرين الثاني/2012 - 20/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م