شبكة النبأ: تشهد منطقة اليورو حاليا
صعوبات اقتصادية خطيرة واضطرابات اجتماعية كبرى ساهمت بإضعافها محليا
ودوليا بسبب أزمة العملة الموحدة لليورو، وعلى الرغم من ذلك فاز
الاتحاد الأوروبي بجائزة نوبل للسلام لدوره المهم في توحيد القارة، لكن
شكلت هذه الجائزة مفاجأة اختلفت فيها الآراء وتعددت الانتقادات بشأن
أحقية حصول الاتحاد الاوربي عليها، ويرى بعض المحللين بأن جائزة نوبل
جاءت لتعطي دفعة معنوية للاتحاد الاوربي، الذي يسعى جاهدا لحل أزمة
الديون التي يمر بها، في حين يرى محللون اخرون بأن الاتحاد الاوروبي لا
يستحق جائزة نوبل للسلام، كون هذا التجمع للدول المفلسة سبب ازمات
اقتصادية عالمية واصبح قاب قوسين من التفكك، حيث لم تجد منطقة اليورو
الى الآن سبيلا للخروج من مشكلات الكساد الاقتصادي والبطالة والخلخلة
الاجتماعية التي تزيد الفجوة بين شمال وجنوب أوروبا وتشعل حركات
التشكيك باليورو في عديد من الدول، غير أن الخطوة الأخيرة التي أطلقتها
دول منطقة اليورو لمكافحة الازمة وهي الالية الاوروبية للاستقرار،
باعتماد استراتيجية اعادة رسملة المصارف في منطقة اليورو بشكل مباشر من
دون زيادة عبء الديون على كاهل الدول، مثلت أفضل السبل لتحقيق وحدة
اقتصادية ونقدية حقيقية، لانقاذ اليورو إلى وضع عملية طويلة الأمد لجعل
هيكل منطقة العملة أكثر قوة ومقاومة للأزمات.
في حين يرى بعض المحللين ان الكثير من المصارف الأوروبية تتجه إلى
الهاوية وربما ستسقط قريباً بسبب ازمة اليورو، وبالتالي تحتاج تلك
البنوك الى رأس المال لاحتواء أزمة الديون الحاصلة في منطقة اليورو،
إلا أن هناك خطورة تكمن في معالجة أعراض ضعف النظام المصرفي الذي قد
ينتج اقتصاداً هشاً مع ارتفاع التضخم الاقتصادي.
لكن الفوضى الاجتماعية وبرامج التقشف وأزمة الديون في اوروبا
الجنوبية خاصة، كل هذه العوامل تشكل عقبات امام مسيرة اليورو وتنذر
بتفكك تدريجي للعملة الأوربية الموحدة، مما يعني بأن معركة اليورو
ستكون طويلة وتدريجية حتى في المستقبل القريب.
اليورو والاتحاد زواج بلا حب
فقد جاءت جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها الاتحاد الأوروبي في وقت
تبلورت فيه قناعة بأن مشروع العملة الموحدة -أكثر مشروعات الاتحاد
طموحا- قد نجا من أزمة مالية استمرت ثلاث سنوات وانه لن ينهار، لكن بعد
أن تجنبت منطقة اليورو بالكاد طلاقا بائنا وخسارة بعض الأطفال التائهين
تواجه المنطقة الآن مستقبل علاقة تشبه زواج غير متكافيء بدون حب مع
استمرار الخلافات واحتمالات الانفصال في بعض المجالات، واتضح أمران
بدرجة أكبر في الأسابيع القليلة الماضية كانا مثار جدل من قبل.. فعلى
عكس الاعتقاد الذي كان سائدا في وقت سابق من هذا العام اليورو باق ومن
المرجح جدا أن يحتفظ بجميع أعضائه وعددهم 17 عضوا وأن يضيف إليهم في
المستقبل.
وغيرت ثلاثة أحداث التوقعات المتعلقة بمنطقة اليورو:
- دعم البنك المركزي الأوروبي المنطقة بالموافقة الشهر الماضي على
شراء كميات غير محدودة من السندات الخاصة بأي من الدول الأعضاء التي
تعاني مشكلات وتقبل شروط خطة انقاذ. وأوضح ماريو دراجي رئيس البنك
المركزي الأوروبي أن البنك سيستخدم أدواته في مواجهة من يراهن على
انهيار الوحدة النقدية.
- بدأ صندوق الانقاذ الأوروبي الدائم العمل بعد خلافات وتحديات
قانونية استمرت شهورا مما أتاح 500 مليار يورو للدول التي تواجه خطر
فقد القدرة على الحصول على تمويل من أسواق رأس المال.
- أشارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارتها لليونان أن أقوى
اقتصاد في منطقة اليورو يريد بقاء اليونان في منطقة اليورو منهية شهورا
من الجدل في برلين خاصة داخل ائتلافها الحاكم بشأن طرد اليونانيين.
وفي الوقت نفسه توقفت فجأة سيناريوهات انهيار اليورو التي كانت
تطلقها بغزارة البنوك والمؤسسات الاستشارية في لندن ونيويورك على مدى
شهور، وفي أسواق الصرف تراجع الرهان على انهيار اليورو. وانخفضت عائدات
السندات وانتعشت أسهم البنوك. واصبحت البنوك الاسبانية تقترض أقل من
البنك المركزي الأوروبي بعد أن اتيح لبعضها دخول أسواق المال، وفيما
يعد مؤشرا آخر على تغير الأوضاع عدل الاقتصاديون في سيتي بنك الأمريكي
وجهة نظرهم القائلة بأنه من شبه المؤكد ان تترك اليونان منطقة اليورو
قائلين ان لاعبين رئيسيين في منطقة اليورو قرروا فيما يبدو أن خروج
اليونان سيضرهم اكثر مما يفيدهم، وخفض البنك الأمريكي تقديره لاحتمالات
"خروج اليونان" إلى 60 بالمئة من 90 بالمئة غير انه مازال يعتقد أن
احتمالات خروج اليونان من منطقة اليورو خلال ما بين 12 و18 شهرا أكبر
من احتمالات بقائها قائلا أنه من المستبعد ان توافق الحكومات الأوروبية
على إلغاء جزء من ديون البلاد الضخمة لتتمكن من الاستمرار.
ولكن لا تسقط الديون خاصة إذا كان يمكنك تأجيل القرار لما بعد
الانتخابات الالمانية المقررة العام المقبل. فربما في ذلك الوقت سيبدو
هذا الخيار منطقيا اكثر -وإن ظل يفتقر للتأييد الشعبي- مقارنة بتخلف
اليونان عن سداد ديونها بشكل فوضوي وخروجها من منطقة اليورو مع كل ما
يستتبعه ذلك من تداعيات كارثية اقتصادية واجتماعية على اليونان وأوروبا
كلها، وخرج صوت واحد على الأقل مخالف لتراجع مشكلات أوروبا إذ قال
صندوق النقد الدولي إن استجابة الاتحاد الأوروبي مازالت "ناقصة بشكل
حرج وتعرض منطقة اليورو إلى موجة من خروج رؤوس الأموال وتعزز مخاوف
الانهيار والتراجع الاقتصادي. بحسب رويترز.
ويحاول الصندوق تحفيز منطقة اليورو وخاصة ألمانيا على المضي قدما
بخطى أسرع على طريق الوحدة المصرفية وتكامل مالي أكبر وتغيير في سياسة
المزج بين التقشف والتوسع، واقر الصندوق بأنه كان قد هون من الاضرار
التي لحقت بالنمو نتيجة خفض الميزانية وحث أوروبا على الحد من إجراءات
التقشف مما قوبل برفض وغضب وزير مالية ألمانيا، ويظهر التغير في الرؤية
لأوضاع منطقة اليورو بشكل أوضح في أسواق المال منه في الشوارع حيث ستظل
تداعيات أزمة الديون السيادية مستمرة لسنوات قادمة، ويمزق خفض الانفاق
والركود نسيج المجتمعات من مدريد إلى أثينا مما يدخل العديد من اسر
الطبقة المتوسطة في حيز الفقر ويخرج العديد من العاطلين والشبان من
شبكة الأمان الاجتماعي، وغيرت هذه الأزمة ميزان القوى في أوروبا فاعطت
المانيا وحلفاءها في الشمال نفوذا أكبر في اتخاذ القرار في منطقة
اليورو يرتبط بتصنيفهم الائتماني في حين جعلت دول الجنوب أضعف وأكثر
اعتمادا، وأوروبا التي تسير بسرعتين وإن كان في نفس الاتجاه قد تتحول
الان إلى أوروبا مزدوجة الأولى تمثل النواة الصلبة بميزانيتها وقواعدها
الصارمة في حين تمثل بريطانيا والسويد وبعض الدول الأخرى الدائرة
الخارجية الفضفاضة أكثر، ورفضت المانيا التي تعتزم تجنيب دافعي الضرائب
تحمل المزيد من أعباء دول اليورو إصدار سندات مشتركة لمنطقة اليورو أو
تقديم ضمان مشترك لودائع، ويحاول وزراء مالية المانيا وهولندا وفنلندا
استبعاد أي استخدام لأموال صندوق الانقاذ الأوروبي بأثر رجعي، غير أن
برلين تدعم الفكرة الصاعدة المتعلقة بوضع ميزانية مستقلة لمنطقة اليورو
للتعامل مع الصدمات الاقتصادية كما ان مساندتها لهيئة رقابية موحدة على
البنوك ستفتح الباب أمام توزيع أكبر للمخاطر على المدى الطويل.
سلاح مكافحة الازمة
في سياق متصل اطلقت دول منطقة اليورو رسميا ابرز سلاحها لمكافحة
الازمة وهو "الالية الاوروبية للاستقرار" براسمال 500 مليار يورو، في
حين تبقى التساؤلات قائمة حول ضرورة خطة انقاذ شاملة لاسبانبا ام لا،
وبدأ وزراء مالية الدول ال17 الذين التقوا لوكسمبورغ، بالاجتماع بصفتهم
حكام "الالية الاوروبية للاستقرار" ما يدل على شهادة ولادة هذه الاداة
المالية الدائمة التي ستحل محل صندوق الانقاذ الحالي، اي الصندوق
الاوروبي للانقاذ المالي، واعلن رئيس مجموعة يوروغروب جان كلود يونكر
ان "اطلاق العمل بالالية الاوروبية للاستقرار يشكل مرحلة تاريخية في
بناء الاتحاد النقدي، وباتت منطقة اليورو تتمتع بجدار حماية دائمة
وفعالة".
واكد يونكر في مؤتمر صحافي ان "الالية الاوروبية للاستقرار ليست
اداة منعزلة، انها ضمن مجموعة ادوات لتعديل حوكمة منطقة اليورو"، وستحل
هذه الالية في وقت لاحق محل صندوق الانقاذ الحالي، الصندوق الاوروبي
للانقاذ المالي. وستتعايش الاليتان حتى نهاية حزيران/يونيو ما سوف يسمح
بتجميع قدرتهما على تقديم القروض لتبلغ 700 مليار يورو في وقت ما،
وسارعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الى منح هذه الالية درجة اعلى،
ايه ايه ايه، الامر الذي يسمح بالاقتراض من الاسواق مع افضل معدلات
الفوائد.
وهذه الالية استراتيجية لانها ستتمكن من اعادة رسملة المصارف في
منطقة اليورو بشكل مباشر من دون زيادة عبء الديون على كاهل الدول. الا
هذا الامر مشروط بتطبيق الاوروبيين الية مراقبة مصرفية متوقعة في بداية
2013 على افضل تقدير، وامكانية اعادة رسملة المصارف بشكل مباشر تثير،
الى اعلى حد، اهتمام اسبانيا التي حصلت في حزيران/يونيو على خط ائتمان
بقيمة 100 مليار يورو من منطقة اليورو لمؤسساتها التسليفية.
لكن المانيا وهولندا وفنلندا - الدول الاكثر تشددا في منطقة اليورو
- المحت اخيرا الى ان ذلك لن يطبق على المصارف التي تواجه صعوبات مالية
قبل دخول الالية حيز التطبيق، واعلن وزير المالية الايرلندي مايكل
نونان للصحافيين على هامش الاجتماع انه يشكك في توضيح هذه النقطة، لكن
"السياسة التي قررها رؤساء الدول والحكومات في 29 حزيران/يونيو هي
السائدة"، كما قال، وشدد على ان الفوارق في معدلات الفائدة بين الدول
الاوروبية عادت، بعد القفزة التي سجلتها، الى المستويات التي كانت
عليها بعد قمة 29 حزيران/يونيو الامر الذي يدل على ان "الاسواق تعتبر
اننا (...) سنطبق ما تم اقراره" في تلك الاثناء.
وبشأن مدريد، سيكتفي الوزراء بدراسة اجراءات التقشف والاصلاحات التي
قررتها الحكومة اخيرا، في حين تجري دراسة ضرورة ان يتقدم هذا البلد
بطلب مساعدة شاملة لاقتصاده، وقال وزير المالية الالماني فولفغانغ
شويبله لدى وصوله الى لوكسمبورغ ان "اسبانيا ليست بحاجة الى مساعدة.
هذا ما لا تتوقف الحكومة الاسبانية عن تكراره"، ومنذ اشهر عدة، تمتنع
مدريد عن التقدم بهذا الطلب خشية ان تفرض عليها شروط جديدة مقابل خطة
الانقاذ. ففي حين تقلبت معدلات فوائد الاقتراض الاسبانية منذ اشهر عدة
حوالى ال7 بالمئة، فقد تراجعت بقوة بفضل اجراءات مكافحة الازمة التي
اعلنها البنك المركزي الاوروبي في بداية ايلول/سبتمبر، ولن تتخذ منطقة
اليورو ايضا اي قرار حول اليونان. وسيكتفي الوزراء بعرض حالة المالية
العامة والمفاوضات بين اثينا والجهات الدائنة الدولية. بحسب فرانس برس.
ولم يتم التوصل الى اي اتفاق حول هذا البرنامج الذي يعتبر شرطا
مسبقا لصرف دفعة جديدة من المساعدة بقيمة 31,5 مليار يورو. وقد تم
تعليق المفاوضات التي ستستانف، واقر رئيس الوزراء اليوناني انطونيس
ساماراس بان بلاده لن تتمكن من الاستمرار من دون مساعدة الا "حتى نهاية
تشرين الثاني/نوفمبر". وقال "بعد هذا التاريخ، الصناديق ستفرغ".
فوضى في اوروبا الجنوبية
على الصعيد نفسه مع المسيرات المكثفة في البرتغال واسبانيا وتظاهرات
رجال شرطة ضد زملائهم الذين لم يتركوا الوظيفة في اليونان، تثير خطط
التقشف التي فرضها الاتحاد الاوروبي موجة اعتراض متنامية يخشى ان تؤدي
الى خريف اجتماعي حار في دول اوروبا الجنوبية.
وقد عدلت الحكومة البرتغالية اخيرا عن فرض اجراءات رفضتها حركة
احتجاج غير مسبوقة في البلاد التي تعيش بمساعدة مالية. وهذه الاجراءات
هي زيادة قيمة اقتطاعات الضمان الاجتماعي التي يسددها الموظفون وخفض
متزامن لتلك التي تسددها الشركات، وفي وقت سابق نزل مئات الاف الاشخاص
الى الشارع في لشبونة وفي نحو ثلاثين مدينة في البرتغال للاحتجاج على
هذه الاجراءات تلبية لدعوة حركة انشأتها شبكات التواصل الاجتماعي
وفاجأت النقابات، وفي اليونان، دعت النقابتان الرئيسيتان في القطاعين
الخاص والعام الى اضراب عام لمدة 24 ساعة والى تظاهرات ضد السلة
الجديدة لاجراءات التقشف الجاري بحثها الان.
واعرب الخبير السياسي ايلياس نيكولاكوبولوس عن خشيته من "حادث"
اثناء المسيرات قد يؤدي الى اثارة حوادث عنيفة في في بلد يعاني من
صعوبات مالية ضخمة وحيث لا تتوقف شعبية حزب النازية الجديدة "الفجر
الذهبي" عن الارتفاع، والنقطة المشتركة بين البلدين تكمن في الاستفادة
من قروض منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي مقابل فرض خطط تقشف صارمة
واصلاحات هيكلية لتحرير الاقتصاد على امل تنقية ماليتهما العامة وتخفيف
الديون، والدولتان الجارتان اللتان تمران بصعوبات مالية ايضا، وهما
اسبانيا وايطاليا، تجدان نفساهما مضطرتين تدريجيا لتبني برامج تقشف من
دون لجوئهما حاليا الى مساعدة مالية من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد
الدولي.
واقرت برناديت سيغول التي تتولى ادارة الاتحاد الاوروبي للنقابات في
بروكسل بالقول "هناك تصاعد لحركة الاحتجاج في كل هذه الدول"، وقالت
ايضا ان "سكان الدول التي تواجه صعوبات مالية في اوروبا الجنوبية
يدركون ان معالجة التقشف المتشددة هذه لا تعمل، فهم لا يرون نهاية
النفق، وهذا ما يغذي اليأس والغضب الاجتماعي"، وفي اسبانيا، يزداد حجم
الاستياء اثر سلسلة تخفيضات في الموازنة معلنة في تموز/يوليو وتتضمن
خصوصا زيادة ضريبة القيمة المضافة منذ الاول من ايلول/سبتمبر وهو ما
زاد من التاثير السلبي على القوة الشرائية.
وامام موجة برامج التقشف، تقر سيغول بان النقابات "في وضع صعب".
لانها في غالبيتها تواصل الدعوة الى حل اوروبي تضامني لمواجهة الازمة
التي تستدعي مع ذلك حدا ادنى من قبول مبدا التقشف. بحسب فرانس برس.
لكن يبدو ان النقابات عاجزة امام تصاعد الحركات الشعبوية الداعية
الى القطيعة مع اوروبا والى العودة الى القومية او مطالبات انفصالية
كما في المناطق الاسبانية، بحسب ما قالت برناديت سيغول، واضافة الى
التفكيك التدريجي للدول-الراعية الذي يؤدي الى تدهور المساعدات
الاجتماعية وزيادة الضرائب، تعاني دول الجنوب اكثر من بقية اوروبا من
تصاعد معدل البطالة الذي يطال الشبيبة خصوصا، وفي مقابلة مع صحيفة وول
ستريت جورنال في شباط/فبراير، راى رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو
دراغي في ارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب دليلا على اختفاء "النموذج
الاجتماعي" الاوروبي الشهير الذي جرى التفاخر به منذ اجيال، وتامل
برناديت سيغول ان تدرك السلطات الاوروبية الرهانات. وقالت "لا يمكن
تطبيق اصلاحات تعطي الاولوية للمنافسة وتضعف الحماية الاجتماعية، بينما
يستمر الاحتيال المالي لدى الشركات والتهرب الضريبي المعمم"، واضافت "لقد
سجلنا في خطاب (جوزيه مانويل) باروزو عن حال الاتحاد اشارة الى ضرورة
عدم لمس قلب النموذج الاجتماعي لبلد ما، انها خطوة متقدمة. لم يقل ذلك
العام الماضي. الان ينبغي الانتقال الى الافعال".
وحدة حقيقية
الى ذلك يعكف مسؤولو الاتحاد الأوروبي في بروكسل منذ يونيو حزيران
الماضي على بحث أفضل السبل لتحقيق "وحدة اقتصادية ونقدية حقيقية" في
إقرار ضمني بأن العملة الموحدة التي تمخضت عنها معاهدة ماستريخت لعام
1992 معيبة وغير مكتملة، ويشير السعي وراء "وحدة حقيقية" إلى أن قادة
أوروبا بدأوا يتحولون من التركيز على إدارة الأزمة الحالية لانقاذ
اليورو إلى وضع عملية طويلة الأمد لجعل هيكل منطقة العملة أكثر قوة
ومقاومة للأزمات.
والهدف هو دعم هياكل الحوكمة القائمة بقواعد أكثر الزاما للانضباط
المالي ورقابة مصرفية موحدة وتنسيق أكثر كفاءة فيما يتعلق بالسياسة
الاقتصادية ورقابة أكثر ديمقراطية على عملية صياغة السياسات بمنطقة
اليورو، وستكون المعركة بشأن طبيعة الوحدة المعدلة المقترحة طويلة
وتدريجية، وفي قال رئيس المجلس الأوروبي هرمان فان رومبوي الذي يقود
عملية الاصلاح "لا نفكر في تغيير جذري بمنطقة اليورو أو تحويلها بشكل
مفاجئ إلى كيان مختلف تماما."
وهناك ثلاث رؤى على الأقل تتنازع مستقبل منطقة اليورو.
والسيناريوهات المطروحة هي إما عدم تقاسم أي أعباء على الاطلاق أو
تقاسم أعباء الديون والالتزامات القديمة أو تقاسم أعباء الديون الجديدة
دون القديمة وإن كان من المرجح أن تكون النتيجة -على غرار ما يحدث
دائما في الاتحاد الأوروبي- مزيجا مشوشا من جميع الخيارات.
- السيناريو الأول
تريد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل صاحبة النفوذ الأكبر بين
القادة الأوروبيين مزيدا من الرقابة المركزية على الميزانيات الوطنية
والاصلاحات الاقتصادية مع انشاء "صندوق تضامن" صغير جديد خاص بمنطقة
اليورو لاثابة الدول الملتزمة وتخفيف أثر التغييرات الموجعة.
وتعارض ميركل باصرار المشاركة في تحمل أعباء ديون والتزامات حكومات
منطقة اليورو أو بنوكها سواء من خلال صندوق لسداد الديون أو اصدار
سندات مشتركة لمنطقة اليورو أو وديعة مصرفية مشتركة كضمان أو اجراء
اعادة رسملة مباشرة بأثر رجعي للبنوك التي حصلت على مساعدة صندوق انقاذ
منطقة اليورو، وأفضل وصف لموقفها المعلن بشأن مستقبل منطقة اليورو هو
معارضة المشاركة في تحمل الأعباء. وتشاركها في هذا الموقف هولندا
وفنلندا.. الدولتان الأخريان صاحبتا التصنيف الائتماني المتميز بشمال
أوروبا.
ويرى رئيس الوزراء الفنلندي يركي كاتينين الأمر باعتباره أخلاقيا.
وقال "يتساءل الناس في فنلندا إن كان من الصواب أن ندفع ثمن أخطاء
الساسة في دول أخرى. من الواضح أن هذا ليس عدلا"، ولم تستبعد ميركل
امكانية اصدار سندات مشتركة لمنطقة اليورو في المستقبل البعيد في نهاية
عملية طويلة من التكامل المالي والاقتصادي. ويعتقد كثير من مسؤولي
الاتحاد الأوروبي أنها ستصبح أكثر قبولا لحلول اقتسام أعباء الديون بعد
الانتخابات العامة في ألمانيا في سبتمبر أيلول المقبل، لكنها في الوقت
الحالي تريد مزيدا من الانضباط قبل أي شيء وهو ما يتضح في مقترح
ألمانيا بتعيين مفوض أعلى لمنطقة اليورو له صلاحية الاعتراض على
الميزانيات الوطنية، وعبر اندرياس دومبرت عضو مجلس إدارة البنك المركزي
الألماني عن موقف ألمانيا بلغة شبه دينية حيث قال في تجمع بدبلن إن أي
وحدة مصرفية لمنطقة اليورو يجب ألا "تتستر على خطايا الماضي" وذلك على
سبيل المثال بتحمل جزء من الديون المصرفية للحكومة الايرلندية، وأضاف "أي
شيء آخر سيرقى لكونه تحويلا للأعباء المالية."
إلا أن كثيرا من المحللين يعتقدون أن ميركل ستضطر لاتخاذ خطوة أكبر
صوب تحويل بعض الاعباء المالية أو تقاسم أعباء الديون للحصول على
موافقة فرنسا على تدخل الاتحاد الأوروبي بصورة أكبر في الرقابة على
الميزانيات والاصلاحات الاقتصادية الوطنية، وقال جان بيساني فيري مدير
مركز بروجل للابحاث الاقتصادية في بروكسل "عدم المشاركة في تحمل اعباء
الديون لن يكون مقبولا لدى فرنسا... لا أتوقع أن يستطيع الألمان فرض حق
الاعتراض على ميزانيات الدول دون التنازل بشأن سندات منطقة اليورو"،
وأضاف "ربما هذا ما تريده أنجيلا ميركل لكنها لن تحصل عليه."
- السيناريو الثاني
لكن ليس كل الألمان لديهم هذه الرؤية القاطعة. فقد اقترح مجلس
المستشارين الاقتصاديين لحكومة برلين انشاء صندوق مؤقت لسداد الديون
يصدر سندات مشتركة لمنطقة اليورو من أجل مساعدة الدول في سداد ديونها
المرتفعة بما يتجاوز الحد الأقصى لاتفاقية الاتحاد الأوروبي البالغ 60
بالمئة، ويمكن أن نطلق على ذلك السيناريو المشاركة في أعباء الديون
والالتزامات القديمة، ومن شأن ذلك أن يساعد الدول المثقلة بالديون مثل
اليونان وايطاليا وايرلندا -وربما أيضا فرنسا وألمانيا- على العودة
لمستويات ديون يمكن تحملها خلال 15 إلى 20 عاما بينما تظل كل دولة
مسؤولة عن ديونها الجديدة.
وتبنى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند هذه الصورة لسندات منطقة
اليورو والتي يرى بعض الخبراء أنها تتفق مع القرارات الاخيرة للمحكمة
الدستورية الألمانية لأنها لا تؤدي لتحويل الأعباء بصفة دائمة، وقال
أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي مازحا إن هذا يضاهي النهج الكاثوليكي
الخاص بغفران الخطايا وإنه لن ينجح في دول شمال أوروبا التي يعتنق
معظمها المذهب البروتستانتي، ومن الصور الأخرى لتقاسم الأعباء القديمة
السماح لآلية الاستقرار الأوروبية وهي صندوق الانقاذ الدائم لمنطقة
اليورو بضخ رأس المال مباشرة في البنوك التي أنقذتها حكومتا اسبانيا
وايرلندا الحاصلتان على مساعدات انقاذ، وسيتيح ذلك لدبلن ومدريد ازالة
الديون المصرفية من ميزانيتيهما ما يسهل عودة أيرلندا لأسواق رأس المال
العام المقبل ويضمن استمرار قدرة أسبانيا على دخول الأسواق دون الحاجة
لانقاذ سيادي، لكن ميركل تستبعد حتى الآن انشاء صندوق لسداد الديون أو
إعادة رسملة البنوك بأثر رجعي بشكل مباشر. بحسب رويترز.
- السيناريو الثالث
والنهج البديل الذي يفضله كثير من الاقتصاديين والساسة أصحاب التوجه
الاتحادي هو التركيز على تجميع القروض الجديدة بانشاء وكالة جديدة
مشتركة لديون منطقة اليورو تصدر السندات نيابة عن الدول الاعضاء بحد
أقصى معين لكل دولة، وسيتم إما منع الحكومات من اصدار سندات بما يتجاوز
هذا السقف أو أن تفعل ذلك بضمان وطني، وهذا الخيار المتمثل في تقاسم
اعباء الديون الجديدة دون القديمة تفضله المفوضية الأوروبية لكن
المحكمة الدستورية الألمانية استبعدته صراحة ولذلك سيتطلب من برلين أن
تعدل قانونها الأساسي، وسيؤدي ذلك أيضا لسباق دائم غير متكافئ تكون بعض
الدول فيه مثقلة بالأعباء الناجمة عن ديون قديمة سيادية ومصرفية، ومن
المنتظر أن يتكلف تنظيف ميزانيات البنوك الاسبانية المتضررة من انفجار
فقاعة عقارية نحو أربعة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وهي اضافة
ليست كبيرة للدين الوطني إلا لو تفاقمت التزامات اسبانيا، لكن دافعي
الضرائب الايرلنديين تحملوا التزامات توازي 40 بالمئة من الناتج المحلي
الاجمالي وهو عبء ضخم سيؤثر على الاقتصاد على مدى جيل كامل ما لم يمد
الاتحاد الأوروبي يد المساعدة، ويصف المسؤول الأوروبي الذي طلب عدم ذكر
اسمه حل المشاركة في أعباء الديون الجديدة بأنه طريق بروتستانتي للغاية
نحو الخلاص. حيث تبدأ كل دولة بخطيئتها الأصلية. |