يتبدى لي وضوحا مثلما يرى معي الكثير من أهل هذا الوطن أن التعليم
في بلادنا أصبح قاصراً وعاجزاً، على الرغم مما أنفق عليه من أموال ورغم
جميع محاولات التطوير التي تنادي بإصلاحه، فلم يتمكن بعد من إدراك
أهدافه المرجوة التي ما زالت على شكل أحلام بعيدة المنال، وليس بخفي عن
أحد وعلى الرغم من كثرة مؤسساته فلم يتمكن بعد من المساهمة في نهوض
مجتمعنا بشكل حضاري، هذا ولم نشهد أي فروق جوهرية ذات دلالة في مجال
تنمية المجتمع، سواء سياسياً أو إقتصادياً أو فكريا أو إجتماعيا، بل
على عكس المتوقع، نرى أن مشكلاتنا تتزايد يوما بعد يوم والامراض
الاجتماعية تتعدد صورها، ويبقى رصيدنا في الانجازات فيما مضى من حضارة
سبعة ألاف سنة نتغنى بها ونمضي في ركابها، ولعلها أصبحت التراث الحضاري
الذي نزوره دائما ونتغنى به في المسلسلات والافلام من خلال عرض
البطولات الدرامية على شاشات التلفاز.
وما نراه الأن ومحصلته تتجلى في صور التطرف بكل أشكاله، ليصبح الكل
عدواُ للكل، لنرى أن الجميع أصبح محتكر للحقيقة، وظهروا في ثوب
الادعياء للون واحد من الفهم وأصبح الكل يغني على هواه.. وللاسف لم نرى
حضور للتعليم في قضايا المجتمع، بل نرى غيابا متعمد وهجرة العاملين في
حقل التعليم بأشكاله وأنواعه بالفرار سعيا وراء كسب العيش، وقد نراهم
تقهقروا إلى مكاتبهم مكتفين بالثرثرة التي لا تتجاوز حدود الهمس، كما
اختبأوا في بطون الكتب المقررة، يقلونها على علاتها لطلابهم، لقد غابت
العدالة وتلاشى مبدأ تكافؤ الفرص، وإذ بنا نرى أن العديد من مريدي
التعليم قد حرموا من فرص حقيقية للتعليم والنهوض، خاصة بعد أن صار
التعليم سلعة تجارية تباع علنا في مجال تجارة التعليم، فلا أظن أن
التعليم قد إستطاع أن يلبي حاجات المجتمع كما ينبغي له، فلا دور فاعل
لمؤسسات التعليم الجامعي وغير الجامعي في الحد من العنف المجتمعي، بل
على العكس فإننا نرى داخل حرم المؤسسات التعليمية من العنف والتطرف
ودعوات الجهالة التي تعصف بمستقبل الاجيال، إذ تبدو أنها لا تملك من
أمرها شئياً، وبإختصار فبدل أن تكون مؤسساتنا التعليمة عقل الأمة
وأدواتها للنهوض، صارت فاقدة البصر، تنتظر من يأخذ بيدها ويرشدها الى
طوق النجاة... ولعل يأتي دور التعليم الفني وهو قاطرة التنمية وطوق
النجاة الحقيقي بإعتباره يمثل بابا سحريا لحل العديد من المشكلات
المعقدة التي يعاني منها المجتمع المصري وعلى رأسها بالقطع مشكلة
البطالة وما يستتبعها من آفات مجتمعيه كالانحراف والادمان وخلافة وكذلك
الهجرة غير الشرعية بكل ما يتبعها من مخاطر..
ولذا ظهر العديد من المبادرات لتطوير التعليم الفني وضمان جودته
والتي تقوم على إستكمال المهارات التطبيقية لطلبة التعليم الفني وتعظيم
دور التدريب المهني للطلاب من خلال إشتراكهم بمراكز التأهيل المهني
وتنمية المهارات التابعة لوزارة الصناعة ووزارة القوى العاملة والعمل
على تطويرها وتأهيلها وفقا للمعايير الموضوعية وتحويلها الى مراكز
إقتصادية صغيرة من خلال دعمها ماديا وفنيا وتطويرها تدريجيا للوصول الى
مستوى جيد.
وهذا بطبيعة الحال لا يتأتى إلا من خلال ورش حديثة وتدريب علمي جاد
لكي يتم تقديم خريج فني وصناعي مؤهل للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة،
إذ يتبدى أن المشكلة الحقيقية التي تعترض تقدم الصناعة في مصر تتمثل في
خريج التعليم الفني غير المؤهل لسوق العمل. وإذ نرى أن التعليم الفني
بما عليه الحال الان أصبح يساهم ويضيف للبطالة كل عام مئات الالاف من
العاطلين وإن هؤلاء هم السبب الرئيسي في العديد من المشكلات الاجتماعية
والجريمة في مصر ولو تم بالفعل تأهيلهم وضمهم لسوق العمل سنتجنب العديد
من المشكلات وعلى رأسها البطالة التي تضرب الاقتصاد المصري في مقتل كل
يوم، وغني عن البيان فإن مصر لن تتطور إلا من خلال التعليم الفني الذي
نجحت فيه دول جنوب شرق آسيا واليابان وألمانيا والتي يوجد فهيا أقوى
نظام صناعي في العالم، إذ هي تعتمد على خريج فني مؤهل، كما لا يفوتني
أن أنوه بأن التعليم الفني لا يجد قدر من الاهتمام في مصر بالرغم من
كونه قاطرة التنمية ومصدر التطور الاقتصادي لانها لم تدعم هذا النوع من
التعليم بالشكل المطلوب والذي يصفه البعض بتعليم من الدرجة الثانية، إذ
نرى الاسر المصرية لا تعترف به وتستنكره، لاننا لم نرعاه بالشكل الكافي
والذي يجعله مطلبا حيويا للطلاب بعدما ظل البعض يتعامل معه على أنه
معبر أخر الى الجامعة. |