العالم يعاني أزمة قيادة

(من وحي عيد الغدير)

علي ال غراش

للقيادة دور في حياة الامم، وفي تنظيم وادارة شؤون الناس، وهناك الكثير من القيادات التي مرت على التاريخ، فالتاريخ سجل للأحداث، وهناك احداث لقيادات هامة تبقى حاضرة ومؤثرة في وجه الاحداث تتجدد وتزداد اهمية رغم مرور الزمن نتيجة اهميتها وما يترتب عليها من اثار ونتائج على العباد والبلاد في حياتهم ومستقبلهم، لأنها تتعلق بأمر القيادة.

من تلك الاحداث التي حاول الاعلام طوال مئات السنين الماضية تهميشها في محاولة لتغييب الحدث وصاحب الحدث واهميته، - ودفع العالم الاسلامي والعربي والعالم الانساني الثمن غاليا ولا يزال لغاية اليوم يدفع ويعاني بسبب تغييب شخصية الحدث القيادية - حدث تنصيب القائد والخليفة للامة الاسلامية الناشئة في ذلك الوقت حيث قد مضى نحو 10 سنوات من تأسيس الدولة الاسلامية في المدينة المنورة، التي هي بحاجة الى قيادة قادرة على حمل المسؤولية القيادية بمواصفات كمالية يختارها القائد الاعلى وهو الرسول الاعظم محمد (ص)، الذي تم اختياره بمواصفات من قبل الله عز وجل.

فالمسؤولية كبيرة وهي قيادة الامة وحمل الرسالة، ولان الامر كبير وعظيم وهام جدا، اذ لا ينبغي ان تترك الامة من بعد الرسول بدون تحديد النائب والولي والوصي وهو امر عقلي بديهي اذا ان كل مسؤول عن مسؤولية ما ولو كانت الاسرة او العمل او الحكم.. لابد ان يحدد من ينوب عنه في حالة غيابه، فكيف اذا كان الامر اكبر و اهم يتعلق بالرسالة وبإدارة دولة اسلامية حديثة.

ولان الامر هام جدا، فالذي اختار الحدث وزمن الحدث ومكان الحدث هو الله سبحانه وتعالي اي انه امر اللهي، حيث انزل الله على رسوله وهو عائد الى المدينة بعد حجة الوداع في مكان يقال له غدير خم في يوم 18 من شهر ذي الحجة من سنة 10 للهجرة الآية الكريمة التالية: «يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته». الآية فيها دعوة مباشرة للرسول الاعظم (ص) بالتبليغ وعدم التراخي والتأخير، اذ ان كل تعب السنين من الرسالة 30 عاما تقريبا لا تعني شيئا اذا لم تقم بالتبليغ الفوري.

ما هذا الامر والقرار الالهي؟.

 انه اعلان تنصيب الخليفة للقائد الاعلى للامة. وطريقة التنصيب كما نقلتها كتب الحديث الاسلامية انه بعد نزول الآية الكريمة السابقة امر الرسول الاعظم (ص) الناس بالاجتماع فألقى عليهم خطبة ثم قال: «كأني دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». ثم قال: « أيها الناس.. فإني لا ادري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا ». ثم أخد بيد علي (ع) وقال (ص): «أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟. قالوا: الله ورسوله أعلم. قال (ص): «إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم»، «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» قالها ثلاث مرات.« اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه.. ». - قال أبو جعفر الطحاوي (توفي سنة 321هـ): هذا الحديث صحيح الإسناد، لا طعن لأحد في أحد من رواته - ثم قام الحضور بتهنئة الامام علي (ع) بهذه المنزلة الرفيعة والمكانة العظيمة ومنهم كبار القوم من الصحابة اذ قالوا : «بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن و مؤمنة».

 بعد ذلك نزل جبرائيل بالآية القرآنية التالية: «اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دين».

ولان الحدث واثاره لغاية اليوم قائمة..، ومنها اهمية القيادة والولاية والطاعة والانقياد للأمر الالهي..، وانعكاسها على شؤون العباد والبلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية..، فان الحدث عظيم جدا، ولأنه كذلك فهو يستحق ان يكون عيدا عظيما لان فيه تم تحديد مصير قيادة الامة عبر اختيار الامام (ع) من قبل النبي الكريم (ص). ولهذا فان اتباع الرسول الاعظم ومحبي الامام علي ومحبي العدالة والحرية في العالم يفرحون بهذا الحدث وبهذا اليوم ويتم الاحتفال به عيد الغدير.

وفي هذا اليوم عيد الغدير نرفع أسمى التهاني والتبريكات لكل انسان في كل مكان ومن كل الأديان في العالم بمرور الذكرى السنوية لتنصيب امير صوت العدالة الانسانية وامير الحق والحقيقة وامير الضمائر الحية وامير الحكم والبلاغة والفصاحة، وامير الشجاعة والبطولة والفداء وامير المؤمنين والولي والوصي بعد النبي الكريم محمد (ص) الامير الخالد الامام الامام علي ابن ابي طالب، ذكرى التنصيب الالهي بيد خاتم الانبياء الرسول الاعظم محمد ( ص) للإمام علي بالولاية وقيادة الامة. حيث قال الرسول الأكرم وهو يرفع يد الامام علي : اللهم من كنت موالاه فعلي مولاه.

ففي هذه الساعات حيث يحتفل العالم بذكرى هذه المناسبة العظيمة تنصيب الخليفة وتحديد الشخصية الثانية نفس النبي لإكمال الرسالة وقيادة الامة، فما اجمل في هذا اليوم التاريخي والديني والانساني ان يتم التركيز على أبعاد شخصية الامام علي (ع) العظيمة الخالدة، و بالذات البعد الانساني حيث ان علي عليه السلام هو صوت العدالة الانسانية وضمير الانسان الحر المحب لخالقه ولأخيه الانسان، وصاحب الوجدان الروحي والذوبان مع الخالق.

وما احوج العالم في هذا الوقت الصعب الذي يعاني ازمة قيادة حيث غابت المشاعر الانسانية الحقيقية وغابت العدالة والحرية وفشلت القيادات السياسية والروحية...، وضاعت الشعوب ووصلت الى حد اليأس..، فما احوج شعوب العالم الى التعرف على شخصية القائد للبشرية بعد خاتم الانبياء محمد (ص)، التي تم تهميشها لغاية اليوم في الكتب المدرسية وفي الاعلام في العالم الاسلامي، ودفع العالم العربي والاسلامي بالخصوص والعالم الانساني بشكل عام الثمن غاليا نتيجة التغييب والتهميش لهذه الشخصية القيادية الاهم بعد شخصية الرسول الاعظم (ص) انها شخصية الامام علي ابن ابي طالب (ع) الخالدة، الشخصية القيادية حسب المواصفات التي يريدها الخالق.

ولهذا ينبغي على محبي وموالي الامام علي عليه السلام ان يكونوا دعاة للإمام علي (ع) الانسان من خلال اخلاقهم وتعاملهم وانصاف الناس من انفسهم، ودعم العدالة والحق والحقيقة والحرية ورفض الظلم والعدوان ونصرة المظلومين في كل مكان، وان يعملوا على نشر وكتابة اي معلومة حول شخصية الامام علي (ع) وبأي لغة لا سيما ان نقل ونشر المعلومات في هذا الوقت بفضل التقنية والاتصال اصبح أمرا سهلا ومتاحا.

حتما المرء يعجز من التعبير وإعطاء هذه الشخصية العظيمة حقها التي لا يعرفها الا الله والرسول الاعظم كما قال الرسول: «يا علي لا يعرفك الا الله وأنا، ولا يعرفني الا الله وانت، ولا يعرف الله الا انا وانت». ولكن العالم - الناس - بحاجة للتعرف على هذه الشخصية القيادية الخالدة لينجو ويخرج مما هو فيه من ضياع ودمار. فالعالم يعاني من ازمات بسبب سوء تصرف القيادات التي قادت وتقود البعيدة عن مبادئ وقيم شخصية الامام علي القيادية.

 فالإمام علي ابن ابي طالب عليه السلام امير الحق والحقيقة وصوت العدالة الانسانية والشجاعة والفداء.. ليس فقط لمحبيه ومواليه بل للبشرية.

تعـدد الحبّ لــكـن حـبه أزلــي.. ما قيمة الحب إن لم ينتمي لعلي

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/تشرين الثاني/2012 - 19/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م