طالبان... عودة وشيكة للهيمنة على افغانستان

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: يخشى الكثير من المراقبين من عودة حركة طالبان المتشددة الى سيطرتها السابقة خصوصا وان هذه الحركة قد وسعت عملياتها الهجومية مباشرة وأصبحت تعتمد على خطط وتكتيكات عسكرية مختلفة بهدف إضعاف قدرات العدو وتحقيق مكاسب إضافية في بحسب بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان الحركة تسعى الى تعزيز نفوذها حيث يسعى قادة الحركة الى تكثيف وزيادة العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية وحلفائها مع بداية العد التنازلي لانسحاب تلك القوات من أفغانستان عام 2014، وهو ما قد يسهم بعودة نفوذ وسيطرة هذه الحركة من جديد حيث اكد تقرير صادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام ان مقاتلي طالبان سيعودون على الارجح الى الحكم في افغانستان بعد انسحاب قوات الاطلسي من البلاد عام 2014 لان الحكومة الافغانية الموالية للغرب ستعجز عن مقاومتهم اقتصاديا وعسكريا.

واكد التقرير الصادر بعنوان "بانتظار طالبان في افغانستان" والذي اعده الباحث الفرنسي المتخصص في الشؤون الافغانية جيل دورونسورو ان "النظام الافغاني سينهار حتما خلال بضعة اعوام". واضاف "بعد 2014، سيكون مستوى الدعم الاميركي للنظام الافغاني محدودا. وبعد مرحلة جديدة من الحرب الاهلية، يتوقع ان يعقب ذلك نصر لطالبان".

واعتبر التقرير ان انسحاب قوات الائتلاف التي طردت طالبان من الحكم في تشرين الثاني/نوفمبر 2001 "سيترجم تلقائيا بتقدم لطالبان، خصوصا في شرق البلاد وجنوبها". وتابع "في احسن الاحوال، ستتمكن الحكومة الافغانية من ضمان امن المدن والمناطق القليلة المؤيدة لها. الا انها ستفقد السيطرة على المناطق الريفية التي يقطنها البشنتون والولايات المحاذية لباكستان، من دون اي افق لاستعادة السيطرة الميدانية" بسبب ضعف التدريب والموارد غير الكافية في صفوف القوى الامنية.

وبحلول العام 2014، ستعاني السلطات الافغانية ازمة ثلاثية: اقتصادية مع تراجع المساعدة الغربية، ومؤسساتية وسط مخاوف ازاء امكان عدم اجراء الانتخابات الرئاسية، واخيرا عسكرية، وفق التقرير الذي يتوقع "انهيارا للنظام". وعرض الباحث الفرنسي في تقريره سيناريو سيتمكن خلاله متمردو طالبان مدعومين بعدد اكبر من المقاتلين من مضاعفة نجاحاتهم العسكرية على المستوى المحلي ثم على صعيد الولايات وصولا حتى استعادة الحكم في كابول.

ورأى ان هذه التطورات نتيجة لما اعتبره "الاستراتيجية الفاشلة" للحلف الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة والذي "سيخلف وراءه وضعا اسوأ مما كان عليه عام 2001 في بعض النواحي". الا ان هذا الرأي لا يشاطره اياه المحللون السياسيون والعسكريون في الحلف الذين يؤكدون ان القوات الافغانية ستكون قوية بما يكفي لمواجهة المتمردين. بحسب فرنس برس.

وعلى رغم انتشار اكثر من 130 الف جندي في اوج فترة وجوده في البلاد، لم يتمكن الحلف الاطلسي يوما من انهاء تمرد طالبان. ويؤكد قسم من الافغان انهم يستعدون لمغادرة البلاد خشية حرب اهلية جديدة بعد اكثر من 30 عاما من النزاعات.

400 مليون دولار

في السياق ذاته أعلنت الأمم المتحدة في تقرير ان حركة طالبان حصلت بين اذار/مارس 2011 واذار/مارس 2012 في افغانستان على 400 مليون دولار من الضرائب والهبات وابتزاز رجال الأعمال ومهربي المخدرات. وأضاف التقرير الذي اعده خبراء من لجنة العقوبات ان طالبان استولت على مئات ملايين الدولارات من المليارات المخصصة لمشاريع التنمية في أفغانستان. وحسب هؤلاء الخبراء، فان ال400 مليون دولار هذه جمعت بين اذار/مارس 2011 واذار/مارس 2012. واشاروا الى ان حوالى 275 مليون دولار ذهب الى قادة طالبان و125 مليونا الى مسؤولين محليين.

ونقل التقرير عن القوة الدولية التابعة للحلف الاطلسي (ايساف) تقديرها ان شن الهجمات يكلف طالبان بين 100 و155 مليون دولار سنويا والباقي يغطي المصاريف اليومية. واشار التقرير الى انه "منذ العام 2006 نجحت طالبان في تمويل عدد كبير من الهجمات بفضل ارتفاع عائداتها". وفي ما يتعلق بالضرائب، اوضح التقرير ان ضربية بقيمة 10% تفرض على المحاصيل الزراعية خصوصا القنب الهندي وهو المصدر "الرئيسي" لعائداتها بالإضافة الى ضريبة اخرى بقيمة 2,5% على الممتلكات. بحسب فرنس برس.

ولكن طالبان التي تتصرف بانها ادارة محلية في المناطق التي تسيطر عليها، تفرض ايضا ضرائب على خدمات المياه والكهرباء وكذلك على التجار المحليين والشركات الصغيرة. ونقل التقرير عن مسؤولين افغان قولهم ان القيمة الاجمالية لعائدات الاتجار بالمخدرات تصل الى ما بين 3,6 ومليار دولار اقتطعت منها حركة طالبان حوالى 100 مليون دولار في 2011-2012. واعتبر الخبراء ان "هذا الامر يشير الى ان حركة طالبان لا تبذل جهودا كبيرة لاستغلال هذا المصدر من العائدات الكبيرة". وكذلك يعتبر الاستيلاء على المساعدات الدولية نشاطا "مربحا" يصل الى ما بين 10 و20% من مجمل العقود التي تمولها الولايات المتحدة ودول اخرى.

"هجمات من الداخل

في السياق ذاته اعلن مسؤول عسكري اميركي ان حركة طالبان متورطة في ربع الهجمات التي ينفذها جنود او شرطة افغان ضد عسكريي الحلف الاطلسي المنتشرين في افغانستان. وادت هذه "الهجمات من الداخل"، التي بلغت حدا غير مسبوق في تاريخ الحروب المعاصرة، الى مقتل 45 جنديا اجنبيا في 2012 على ايدي مهاجمين يرتدون زي قوات الامن الافغانية. وسقط ثلث قتلى قوات ايساف في شهر آب/اغسطس في ظروف مشابهة. وقال الجنرال الاميركي جايمس تيري رئيس القيادة المشتركة للقوة الدولية للمساعدة على ارساء الامن في افغانستان (ايساف) ان حوالى 25% من هذه الهجمات "على صلة بالمتمردين".

وتابع الجنرال الاميركي "بعبارات اخرى هناك اشارات (تبرهن ذلك). عندما يرتكب الجنود (الافغان) جريمة يهربون من المنطقة. ويقوم متمردون بتسهيل هروبهم. وهذا ما يشير الى نسبة ال25% التي تجسد تورط حركة التمرد". واقر الجنرال تيري انه في الحالات الاخرى "لا نعلم الاسباب الدقيقة"، مضيفا ان مسلحي طالبان يستفيدون من هذه الحوادث حتى ولم يكونوا يقفون وراءها، بهدف "ايجاد هوة بين التحالف والقدرات الناشئة لقوات الامن الافغانية".

واضاف ان ربع "الهجمات من الداخل" تحصل لأسباب "شخصية"، مشيرا الى انه بالإمكان حصر هذه الحوادث عبر "ايجاد تفهم اوسع للحساسيات الثقافية". وتابع تيري "نعلم جميعا ان هذا المجتمع مزقته الحرب على مدى اكثر من 30 عاما" وان "العديد من المشاكل يتم حلها بواسطة السلاح" في افغانستان. واعلنت وزارة الدفاع الافغانية ان مئات من الجنود الافغان تم توقيفهم او طردهم من الجيش الافغاني في خطوة تهدف لوقف الهجمات المتزايدة من الداخل ضد قوات الحلف الاطلسي. ووفق تقديرات الجنرال تيري فان عدد هؤلاء يتراوح بين 200 و300 جندي.

وأكدت حركة طالبان انها هي من تسبب في تغيير استراتيجية حلف شمال الاطلسي في افغانستان الذي قرر الحد من عملياته المشتركة مع القوات الافغانية اثر عدة "هجمات من الداخل". واكد ذبيح الله مجاهد الناطق باسم طالبان "انها نتيجة عمليات المجاهدين وتكتيكاتهم التي اضطرت العدو الى التخلي عن مخططاته". واضاف "انه انتصار حققه المجاهدون الذين نجحوا في بث عدم الثقة في صفوف العدو وان شاء الله انها بداية هزيمتهم الشاملة في افغانستان". بحسب فرنس برس.

وقرر حلف شمال الاطلسي تقليص عملياته المشتركة مع القوات الافغانية بعد مقتل 51 من جنوده منذ بداية السنة بيد شرطيين او جنود افغان، الحلفاء المفترض ان يسهروا على امن البلاد بعد انسحابه في 2014. ويعد هذا القرار انتكاسة واحراجا لقوة الحلف الاطلسي في افغانستان لا سيما انها جعلت من تدريب القوات المحلية احد المحاور الاساسية في استراتيجية الخروج من نزاع تحول الى مستنقع.

الامم المتحدة تدعو طالبان

من جانب أخر دعت بعثة الامم المتحدة في افغانستان حركة طالبان الى وقف استخدام قنابل يدوية قريبة من الالغام ضد الافراد بعد ان تسببت احدى هذه الشحنات بمقتل 18 شخصا، غالبيتهم من النساء والأطفال. ولاحظت البعثة في بيان انه "وعلى الرغم من ان حركة طالبان منعت، بواسطة زعيمها الملا عمر، استخدام الالغام المضادة للأفراد في 1998، منددة بهذه الأسلحة التي تعتبرها غير إسلامية و مناهضة للبشرية ، فان العناصر المناهضين للحكومة لا يزالون يستخدمون قنابل يدوية الصنع قريبة من الالغام المضادة للأفراد والتي لها مفعول مدمر على المدنيين". وتدعو بعثة الامم المتحدة حركة طالبان الى "تجديد منعها لهذه الاسلحة بصورة علنية" والى "وقف استخدامها".

و ادى انفجار قنبلة يدوية الصنع الى مقتل 18 شخصا على الاقل وجرح 15 اخرين بينهم ستة اطفال وسبع نساء كانوا يتوجهون على متن حافلة صغيرة الى حفل زواج في ولاية بلخ (شمال)، بحسب البيان. وكانت مصادر امنية اشارت الى 19 قتيلا. بحسب فرنس برس.

ونفت حركة طالبان التي تعتبر الاعتداءات الانتحارية والقنابل اليدوية الصنع اسلحتها المفضلة، في بيان مسؤوليتها عن الهجوم، موضحة ان مقاتليها لا يتواجدون في المنطقة التي وقع فيها الانفجار، وهو ما تعترض عليه بعثة الامم المتحدة. وتسبب القنابل اليدوية الصنع اكبر الخسائر في صفوف المدنيين.

اتفاقية سلام

الى جانب ذلك ذكرت صحيفة جارديان البريطانية ان بعض شخصيات طالبان مستعدة للتفاوض على ابرام صفقة سلام شامل تتضمن تواجدا عسكريا امريكيا طويل الامد في افغانستان ولكنها لن تقبل حكومة حامد كرزاي . ونقلت الصحيفة عن تقرير سينشره المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والامنية قوله ان طالبان مصممة على القيام بانفصال حاسم عن القاعدة في اطار تسوية وهي مستعدة لأجراء مفاوضات بشأن تعليم الفتيات.

ونقلت الصحيفة عن التقرير قوله ان "طالبان ستكون مستعدة للتفاوض على وقف لإطلاق النار في طار تسوية عامة وكجسر ايضا بين اجراءات بناء الثقة والقضية الاساسية المتعلقة بتوزيع السلطة السياسية في افغانستان." وقال المعهد ان تقريره والذي جاء تحت عنوان "وجهات نظر طالبان بشأن المصالحة" اعتمد على مقابلات مع اربعة اشخاص من طالبان لم يتم ذكر اسمهم ومنهم اثنان كانا وزيرين في حكومة طالبان السابقة ومازالا قريبين من الدائرة المقربة من القيادة.

وقال احد من تمت مقابلتهم والذي وصف بانه عضو مؤسس لطالبان ان الجماعة ربما تقبل استمرار العمليات الامريكية المضادة للإرهاب والتي تستهدف القاعدة مادامت قواعدهم لا تستخدم كنقاط انطلاق لشن هجمات على دول اخرى او للتدخل في السياسة الافغانية.

وقال التقرير انه من وجهة نظر طالبان فان اي وقف لإطلاق النار سيحتاج لتبرير اسلامي قوي ولا يمكن ان يلمح لاي شكل من الاستسلام. وتعارض طالبان منذ فترة طويلة اجراء مفاوضات مع حكومة كرزاي ولا تعترف بالدستور الافغاني الذي تمت الموفقة عليه في عام 2003. بحسب رويترز.

ولكن مسؤولين امريكيين قالوا انهم يرون علامات على ان عداء المتمردين لمحادثات السلام ينهار. ومع وصول العنف في افغانستان الى اسوأ مستوياته منذ ان اطاحت قوات تدعمها الولايات المتحدة بحركة طالبان في 2001 يحرص الغرب على السعي لإجراء مثل هذه المفاوضات في ضوء خطط انسحاب معظم القوة الاجنبية التي يقودها حلف شمال الاطلسي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تشرين الثاني/2012 - 18/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م