الحاشية الوشاة... سلطة جديدة بالدولة العراقية

رياض هاني بهار

في العراق تزايد نفوذ الحاشية، وبات البعض منهم يؤدّون أدواراً حاسمة في صناعة القرارات. هذا النفوذ هو تعبير عن طبيعة النظام السياسي العراقي الجديد، وان تسليط الضوء على هذه الفئة الطارئة التي تتحكم بكثير من مجالات الحياه واصبح من الضروري التعرف على حجمها وعدتها واساليبها ونمط تفكيرها وظروف تزايدها.

المتابع للمواقع الوظيفية العليا في العراق يلاحظ أن المقربين من رئيس السلطة غالباً ما يحتلون مواقع مؤثّرة، وخاصةً في بداية الحكم حين ينحو الحكام منحى تقريب الأصدقاء ووضعهم في المراكز الحساسة للدولة (الأمن، الاقتصاد، الإعلام).

طبعاً التفسير الذي يُعطى لهذا التوجه في البداية هو أن مركز الحكم حديث عهد بالحكم، وأنه يحتاج إلى من يثق بهم لمساعدته على تدبير شؤون الدولة. ليجد الشعب نفسه أمام طبقة سياسية جديدة تحتل مستويات عليا في هرم السلطة، وتملك ثروات مهمة. وهذا يفرض عليها أن تبحث عن جميع السبل للحفاظ على الوضع القائم وتحصينه من جميع التهديدات التي يمكن أن تذهب بمصالحها وامتيازاتها المادية والمعنوية. ولكن عندما تسقط تفاحة السلطة في أيديهم، يتحولون إلى فرعون جديد بعباءة إسلامية؟، الـ «الحاشية» تعني الهامش. تنطبق على الثوب فإنها تعني أطرافه، سواء أكانت بالأهداب أو بدونها. «حاشَ»، في اللغة العربية، معناها إبعاد الفرد، وجعله على هامش الجماعة، في منأى عنها، الحاشية» تشير كذلك إلى النّوق الصغيرة التي تطوف حول قطيع الكبار، وتتسلل بينه. صغار حول الكبار.

من هم؟ (اللمه) او (الزلم) او (الحوشيه) او(الحمايه) او(الحراكه) او (البطانه) او (العصبه وهي مشتقه من العصابة) او (اللقامه) لو افترضنا ان عدد الوزراء ووكلائهم ومن بدرجتهم واعضاء الرئاسات الثلاث واعضاء مجلس النواب ومن على شاكلتهم واعضاء مجالس المحافظات والمحافظين والمستشارين وقاده الجيش والشرطة يبلغ(الفين) وتتراوح حماياتهم مابين (20 لغاية 100) ولو قدرناهم بشكل تقريبي (اربعون الف) او اكثر واذا برز من هؤلاء (الف متنفذ) يكفي ان تتخلل اي بنية مؤسساتية لانه لايعرف الا تحقيق مصالحه وتجدهم منتشرين بالوزارات والمؤسسات لتحقيق منافعهم اليومية ويزيحون بأساليب خبيئة ايا من يقف امام تنفيذ مصالحهم واغلبهم يتمتع (ثقافة الخمط) او(ثقافة انتهاز الفرصة) الحاشية فهي دولة الطبقات بامتياز، فيتربع على قمة الحياة الاجتماعية الحاشية وحاشية الحاشية وخليط من الانتهازيين والوصوليين وأنصاف المثقفين الذي يبادرون إلى خلق ستار حديدي يصعب خرقه.

اسباب ظهورها ونعرضها بإيجاز ان المسؤول بالعراق الجديد لايرى العالم الواقعي (الميداني) بل يستقرؤه من العالم الافتراضي (الهاتف والتلفزيون ومسؤول الحماية ومدير مكتبه ومن يثق به من اقاربه اذا كان لديه اقارب بالعراق) هذا هو عالمه الذي يعيشه مع العرض ان اغلب اعمارهم فوق الستين وقضى ثلاثه ارباع عمره بالمهجر بعيدا عن الوطن ومعاناته والبعض منهم لايعرف اين تقع (سبع ابكار) فاعتمد بالمطلق الى مسؤول حمايته او قريبا له من ضمن طاقمه وتبقى تصورات المسؤول الجديد رهينة الحاشية لا اكثر.

ماهي الوشاية؟ الوشاية من الفعل وشي وشية، ووشي الكلام كذب فيه، والنمام يشي الكذب يؤلفه ويلوّنه ويزيّنه، فالواشي إذاً هو النمام الذي ينقل الخبر المذموم للمنقول إليه بنية إلحاق الأذى، وهذا باستعمال نار الفتنة بين طرف وآخر، والوشاية لا تكون إلا من ضعيف الشخصيّة المتملق الحاقد والحسود. الوشاية ظاهرة توجد في المجتمعات بأكملها، إلا أن نسبها متفاوتة بين مجتمع وآخر، وتترجم ردات فعل المجتمعات، فالمجتمع المنغلق تكثر فيه الوشاية التي تجمع بين الحقد والخوف، فهي تتناقض مع الاطمئنان. وإذا كانت الوشاية هي وسيلة من وسائل زرع الفتنة بين الأفراد والجماعات، فإنها بين الشعوب والمجتمعات تعتبر مادة قذرة بل أقبح أسلوب للترويج والدعاية، لأنها تفضي إلى توتر مدمر للعلاقات، وتلوث ثقافة التعاون والتضامن بين الشعوب بترهات خادعة، ناهيك أنها تنزع الثقة والمحبة من النفوس، وفي حاضرنا كأمسنا عشنا الظاهرة ولم يسلم شعبنا من هذه الأبواق الجهنميّة، وتتطلب من المسؤول الأخذ بعين الاعتبار الغاية من وراء تلك الوشاية خاصة أنها تمس أجهزة معينة يفترض فيها النزاهة، بل إن اغلب الوشايات أضحت خاصة أنه في حالات معينة تستعمل لتصفية الحسابات أو الانتقام، يأمرنا القرآن بثلاث وصايا من «حسن الظن» وأن «لا نغتاب» و«عدم التجسس» ونحن نعمل ضدها بحرص ودأب، فلا نحسن الظن بالإنسان، ونظلم النبات والحيوان،!

إننا نغتاب الآخر بأنه (؟؟) ونجعل ملفا اسود بذهن المسؤول عن(س) من الناس ولاتتغير الصورة بسهولة لان ثقافة المسؤول ناشئة عن(القيل والقال عندما كان خارج العراق) و(الثقة المطلقة بالحاشية) ويهدر ساعات طوال لسماع النميمة، وينشئ أنظمة أمنية تجسسية بحجم الديناصورات اللاحمة للبحث عن خصومة لا لخدمة الامن الوطني، التي أصبحت خطرا حتى على نفسها وعلى ذات المسؤول بشبكة أوسع من الأنترنيت كما اسلفنا، في وطن لا تعمل فيه الخدمات العامة، يعيش حالة الطوارئ حتى يوم القيامة وهذا جزء من تخلفنا الحضاري، الغاية منها لتصبح وسيلة ضغط من الواشي أو محاولة للانتقام، وهو ما يفسر بكثرة تلك الوشايات التي تكون الغاية منها خلق نوع من البلبلة أو الإضرار بشخص معين،كما أن تلك الثقافة تولدت عنها الرغبة في الانتقام، خاصة أمام بعض الحالات التي ينتصر فيها اللاقانون على القانون.

وهذا التصور المقصور سحق كثيرا من الشرفاء نتيجة جهل المسؤول وشراسته وهي طبيعة التافهين الذين لايصلحون ان يكونوا رجالات دولة بل يصلحون قادة عصابات،لان القاعدة القانونية تنص(أن لا عدالة بدون الاستماع إلى جميع الأطراف)، ولكن لمن المشتكى إن كان الظالم نفسه المسؤول وإن كان مصابا بعمى الألوان بعد ان أصابه الخرس والصمم أيضا فأضحى مثل صنم تقوده الحاشية التافهة وباي مسار تريد.

لماذا لم ينزل الي الشارع بين الناس بدل الثرثرة بالفضائيات ويبيع الطرزانيات على الشعب المسكين (اللباقة بالكلام واجادة فن الخطابة التي هي جزء من ثقافته) واجاده التأشير (بالاصبع عندما يكون عصبيا) يفتعل العصبية والتي لا تنطلي على العراقيين، لماذا لم يتواجدوا في اماكن الازمات، وما المانع أن يخصص جزءا من وقته لزيارة المحافظات والوزارات واتخاذ القرارات التنفيذية من مواقع الاحداث، وأرى أن ينتبه الي الحاشية التي حوله، كل هؤلاء لم يطرأ عليهم أي تغيير، واقول أن تلك الحاشية التي تسير في نظام عفي عليه الزمن، ولم يعد يصلح مع القرن الواحد والعشرين، هؤلاء يجيدون فن التطبيق، وهندسة النفاق ليس حبا في القادم بقدر الاحتفاظ بالمزايا المادية وغيرها من الاستثناءات وكل ذلك يقع تحت بند «الخمط »، بل ازيد على ذلك وأقول أن سيطرتهم علي المسؤول، وابعاده عن الناس، وعزله عن المجتمع، وإيهامه أنه في خطر إذا خرج من مكتبه، وأن نزوله الي الشارع ومقابلة الناس رجس من عمل الشيطان.

فبدل أن ينصت الحكام الجدد لنبض الشعب والنزول على مطالبها البسيطة مازال يصم أذنيه ولا يسمع سوى صوت حاشيته وزبانيته الذين لا هم لهم سوى مصالحهم ولو على حساب مصالح البلد، تارة بطرحهم نظرية المؤامرة والتدخل الأجنبي في حين هم المسؤولين الحقيقيين في تفقير شعوبهم وأحد أهم الأسباب تخلف العراق، ترفض هذه الأصنام البشرية الشوهاء تكسير تمثالها القديم المصنوع من قيم الاحتيال والاستعلاء والاستغلال واصطياد المكاسب واقتناص الامتيازات. ترفض كل الحفريات الجارية لضبط مواطن التسريبات الخطيرة التي تعاني منها ميزانية الدولة. وهي الآن تمارس كل الطرق الممكنة لاصطياد آخر طرائدها وللحفاظ على مكاسبها وغنائمها.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 31/تشرين الأول/2012 - 15/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م