سلطات آل خليفة تحوّل البحرين إلى معتقلات!

مصطفى قطبي

يتعرض أبناء الانتفاضة البحرينية منذ نحو عامين على اشتعالها، للعديد من الانتهاكات الحقوقية الصارخة، من خلال الإجراءات والحملات التعسفية والإجرامية بحق الشعب، كالقتل والتعذيب والملاحقة واعتقال آلاف المحتجين وعقد المحاكم العسكرية بحق المتظاهرين، والاستهداف بشكل مباشر ومتعمد بالسلاح وبكل وسائل العنف الأخرى. ومع ذلك لا تزال الاحتجاجات مستمرة بديناميكية تفصح عن ديمومة الصراع بين الشعب المطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة السياسية والاجتماعية، وإسقاط النظام من جهة، وبين الأسرة الحاكمة التي تستخدم القمع والقتل غير المبرر ضد أبناء الشعب من جهة أخرى، في الوقت الذي تقف فيه المنظمات الحقوقية والبلدان العربية والعالمية، مكتوفة الأيدي ومغمضة العينين أمام العنف والاضطهاد غير المبرر ضد أبناء البحرين، في حين تقدم الحكومة وحلفاؤها من الغرب تعهدات لا تغني ولا تنفع الشعب البحريني، كونها وعود كاذبة جوفاء، تخفي حقيقة معرفة الوجه الآخر لحقوق الإنسان وانتفاضة البحرين، في التعامل بازدواجية وانتقائية من قبل المنظمات الدولية والبلدان العربية والغربية.‏

فالحراك في البحرين يعتبر من أقدم الظواهر السياسية في الخليج، وما يجري في البحرين من حراك شعبي متواصل منذ نحو عامين يدلل بوضوح على المخزون النضالي الذي يختزنه شعب البحرين، الذي صقلته تجربة نضالية سلمية، تهدف الى بناء دولة يتساوى فيها جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات ويتمتعون بالكرامة، دولة ديمقراطية تقوم على ما تفرزه وتقره صناديق الاقتراع. لكن الحكومة البحرينية تعاملت مع هذا الحراك السلمي بسياسة القبضة الحديدية والعقاب الجماعي، رغم مشروعية مطالب هذا الحراك، واستقدمت في تعاطيها مع هذه المطالب بمنظومة من الأكاذيب والتلفيقات والتبريرات والحجج الواهية التي لا تستند الى أي مقوم منطقي او أخلاقي أو عقلاني، متهمة المعارضة بأنها تخدم أجندة خارجية، محوّلة المطالب المحقة الى مسألة مذهبية، لتقوم بحملة من الاعتقالات العشوائية والمطاردات والملاحقات للناشطين السياسيين، مستخدمة القوة المفرطة. وعندما عجزت عن مواجهة غضبة الشعب استقدمت قوة عسكرية سعودية لقمع انتفاضة وثورة الشعب البحريني.

فمنذ قمعت الجماهير البحرينية في دوار اللؤلؤة، تتواتر الأنباء عن الانتفاضة الشعبية البحرينية، دون أي تركيز إعلامي، بل بتجاهل مقصود، لأن جزيرة البحرين تقع في خاصرة السعودية، وهي كانت دائماً أشبه ببؤرة ثورية قابلة للانتشار في محيطها الخليجي، ولا سيّما السعودية التي تتأجج نار الغضب فيها تحت الرماد الذي بدأ بالتوهج وتطاير الشرر. ورغم القمع الوحشي في دوار اللؤلؤة، الذي مارسته قوات درع الجزيرة، لم تخمد نيران الانتفاضة الشعبية البحرينية، وهي بنظر أي منصف تبدو الأوضح، والأكثر جذباً شعبياً، والأبعد عن العنف، فهي سلمية رغم التنكيل اليومي، والسجون، ومحاولات تشويه توجهاتها.

إننا أمام جريمة تتغطى زيفاً بإسم اتفاقية (درع الجزيرة) وهى اتفاقية نصوصها صريحة تماماً ولكن آل خليفة وآل سعود وكذا آل صهيون (لا فرق) ينزعونها من سياقها الذى يقصر التدخل الخليجي على وجود عدوان خارجي، فأين هو هذا العدوان في مملكة البحرين؟ هل هذه المظاهرات هي (التهديد الأجنبي) حتى يسوغ آل سعود لأنفسهم جريمة الاحتلال والاغتصاب للحركات وللأرض وللوطن البحريني؟!

ولا تزال الثورة البحرينية تلك الثورة التي لم تبرز في الإعلام ولم تأخذ دورها الحقيقي حيث يعمل الإعلام على التستر عن الجرائم التي يرتكبها حكام البحرين بحق المتظاهرين العزل والسلميين حيث تستخدم الميليشيات البحرينية المدعومة من مطاوعية آل سعود ضد المحتجين، أسلحة محرمة دولياً والرصاص المطاطي والانشطاري (الشوزن) والقنابل الغازية الخانقة والسامة، كما تنهال عليهم بالضرب الشديد والقمع الوحشي، وهناك تقارير سابقة تؤكد أن السلطات البحرينية استقدمت مرتزقة من الخارج لتستخدمهم بقمع المتظاهرين.‏

ورغم وضوح وعدالة مطالبها، وشعاراتها، وأصالة وطنيتها، وبعدها عن المؤثرات الخارجية، إلا أن النظام البحريني يعمد إلى استخدام أسلحة كيمياوية ضد المحتجين البحرينيين، ورفض الولايات المتحدة التوقيع على بيان مجلس حقوق الإنسان والذي يطالب البحرين بوقف الانتهاكات الدموية ضد الشعب البحريني، وهذا يفنّد مجدداً شعارات ''عرّاب الفتنة والدمار'' الأمريكي التي لا تعدو عن كونها مطية ليحشر أنفه في شؤون المنطقة العربية. فالحراك الشعبي البحريني له تاريخ في الكفاح الشعبي، وحركته الثورية من أنشط الحركات في منطقة الخليج، وأعمقها وعياً، وأطولها نفساً، وعلى مدى عقود، وتجاهلها يقع في خانة التمييز الطائفي، والتشويه، والتحريض، وتبرير القمع في بلاد تُحكم عائلياً، حيث تمتلك العائلة الوطن ملكية خاصة، وتحتكر الممتلكات والثروات وتنهبها وتتقاسمها بين أسرة آل خليفة.

في البحرين أعراض تُنتهك ومدن وقرى وأحياء تُستباح وبيوت تُدمر عن بكرة أبيها ورجال ونساء وأطفال يُقتلون بمختلف أنواع الأسلحة المحرمة وجثث يُمثل بها وشبان يُزجون بالمعتقلات ويتعرضون لشتى صنوف التعذيب الوحشي، ذنبهم الوحيد أنهم طالبوا بإصلاحات سياسية وقضائية، ولكن ذنبهم الأكبر أنهم خرجوا بشيبهم وشبابهم بنسائهم وأطفالهم وهتفوا بالحرية والكرامة والعدالة الإنسانية، وكانت جريمتهم التي لا تغتفر أنهم قالوا لا للظلم والديكتاتورية، لا للعنصرية والشوفينية، أما خطيئتهم العظمى التي دفعوا حياتهم واستقلالهم ثمناً لها فهي أنهم آمنوا بالشرعية الدولية وبأن أميركا هي ''حامي حمى الديمقراطية والشعوب المظلومة'' ولذلك فإنها ستهب لنصرتهم متناسين الخدمات والتسهيلات اللامحدودة واللامشروطة والمجانية الأمنية والعسكرية واللوجستية والاقتصادية التي يقدمها نظام آل خليفة لواشنطن!.‏

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذه الدولة الصغيرة الحجم المتصلة بالسعودية مهمة جداً بالنسبة لواشنطن؟

لقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2002 هذه المملكة الصغيرة (حليف مهم لها غير عضو في الناتو) وفي شهر آذار من عام 2008 كانت البحرين في ظل حكم آل خليفة الدولة العربية الأولى التي أجرت مناورات عسكرية بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة. وليس من فراغ اتخاذ الأسطول الخامس الامريكي البحرين مركزاً له، لأن البحرين ستكون المركز الرئيسي لأي عمل عسكري أمريكي في المستقبل تقوم في منطقة الخليج. ولنذكر أن البحرين وافقت على تقديم مساعدات لوجستية في الحرب الأمريكية ضد العراق، بوصفها قاعدة عسكرية، كما وأنها ساندت المهمات العسكرية في أفغانستان. وفي هذا السياق باعت الولايات المتحدة خلال العقد الأخير إلى البحرين أسلحة تبلغ قيمتها التقديرية 104 مليار دولار. كما تشارك البحرين في برنامج التدريب العسكري IMET، هذا بالإضافة إلى توقيعها عقد شراء تجهيزات عسكرية تبلغ قيمتها 53 مليون دولار.

فسياسة الكيل بمكيالين الأميركية ليست بمستهجنة طالما وأن مصالحها هي من يحركها ويحدد توجهاتها هنا وهناك ومن هذا المنطلق تساند أميركا إرهاب الدولة المنظم الذي يمارسه نظام آل خليفة ضد شعبه.

وفي ظل هذا السكوت عن استبداد الحكام في البحرين قال ''كريس بامبري'' الخبير البريطاني في شؤون الشرق الأوسط أن النظام البحريني نظام مستبد وغير قانوني ولا يحترم حقوق الإنسان.‏ وأشار ''بامبري'' إلى 176 توصية قدمها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى النظام البحريني لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد. وقال إن هذا النظام لن ينفذ أبداً مثل هذه التوصيات لأنه نظام استبدادي لا يفسح المجال أمام الديمقراطية وحرية التعبير. مؤكداً أنه من أجل تطبيق هذه التوصيات والإشراف عليها يجب أن تكون هناك بعثة من الأمم المتحدة أو بعثة مراقبين دوليين أو هيئة حقوقية مستقلة.‏ وأضاف: طالما إن النظام الخليفي مدعوم أميركياً وسعودياً وبريطانياً لن تحل الديمقراطية ولن تحترم حقوق الإنسان في البحرين. مؤكداً أن الوعود التي يقدمها النظام لا قيمة لها لأنه لا يتمتع بالشرعية ويرتكب الجرائم بحق الأبرياء والمتظاهرين السلميين.‏ وتابع أن النظام البحريني لن يقبل أبداً بالديمقراطية لأنه إذا قبل بالديمقراطية يسقط وينهار ولهذا يعتمد على السعودية وعلى المرتزقة من أجل قمع أهل البحرين، مؤكداً أن الحل الوحيد في البحرين في نهاية المطاف هو تغيير النظام.‏

فرصاص الشوزن والقنابل الغازية والأسلحة المحرمة دولياً هي أدوات الحوار عند نظام آل خليفة والتي تستخدمها ميليشياته المدعومة من مطاوعية آل سعود لقمع الاحتجاجات، فبعد إعلانها الحرب ضد المتظاهرين البحرينيين السلميين قررت إعلان حربها ضد نشطاء حقوق الإنسان فمنعت الناشطين الدوليين من دخول البحرين للمشاهدات الشخصية وتوثيق جرائم النظام التي يرتكبها بحق هذا الشعب إضافة لحضور محاكمات الناشطين السياسيين.‏

وفي سياق متصل طالبت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان السلطات البحرينية بوضع حد على الفور ومن دون شروط للقمع القائم ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وبالإفراج الفوري وغير المشروط عن كل الذين سُجنوا بسبب ممارستهم حقوقهم الأساسية في التعبير عن آرائهم.‏

بدوره قال المركز الإعلامي بجمعية الوفاق الوطني إن الانتهاكات اليومية التي تمارسها قوات النظام في البحرين ضد المواطنين تسببت عشرات الآلاف من الإصابات والأضرار للمواطنين في منازلهم وفي مناطقهم بسبب قمع وبطش وإرهاب قوات النظام ضدهم. وأضاف المركز الإعلامي أن هذه الانتهاكات تسببت في إزهاق أرواح عشرات المواطنين، وإصابة عشرات آخرين بعاهات مستديمة، إلى جانب آلاف المصابين والجرحى نتيجة البطش والقمع والتنكيل واستخدام القوة المفرط، وسياسة العقاب الجماعي ضد المناطق والقرى لمعاقبة المواطنين على مواقفهم وآرائهم السياسية.‏

فقصة التضليل والتهميش المتعمدة لما تشهده البحرين من ثورة شعبية سلمية حقيقية، باتت مفضوحة، فالمطالب الشعبية المحقة والعارمة بالحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والعدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبعدم تهميش قطاعات واسعة من الشعب، تصبح أعمال شغب وعنف لتقويض أركان البلاد ومحاولات خارجية لإدخالها في نفق الفوضى والاستتباع السياسي، تستوجب عمليات القمع ومواجهة الثائرين بسياسة الاعتقالات وبالقوة والبطش وطلب الحماية من قوة ''درع الجزيرة'' ! والتدخل العسكري المباشر من القوات السعودية، لكن الحقيقة أن كل ذلك يجري لحماية وإنقاذ نظام فاسد متهالك يوشك على السقوط بفعل الثورة الشعبية السلمية العارمة، والتي لولا هذا التدخل السافر، لكانت أطاحت به منذ الأيام الأولى لها قبل أكثر من عام... كما أنه يجري بهدف قتل الربيع البحريني في مهده وعدم السماح له بالتمدد والانتقال إلى بقية أنحاء الخليج العربي، الذي يشهد العديد من مدنه ومناطقه المختلفة تململاً شعبياً واضحاً، نتيجة غياب الديمقراطية والحريات العامة والمساواة والعدالة.

وبالرغم من قبول النظام البحريني لتوصيات لجنة ''بسيوني''، إلا أن السلطة ما زالت مستمرة في ذات المحاكمات وتغض الطرف عن ممارسات يجرمها القانون كحرق البيوت وحرق السيارات واستخدام الغازات المسيلة للدموع والقتل خارج القانون والآلاف من الخطب التحريضية الطائفية والشتائم التي تصدر بحق جزء كبير ومكون رئيسي من الشعب البحريني.‏

وقال لورد ''إيريك إيفبري'' عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس اللوردات البريطاني: يجب تجميع شهادات ضحايا التعذيب في البحرين حتى يمكننا محاسبة الجناة أمام المحاكم البريطانية أو الأميركية، فالتعذيب محرم دولياً ونحن لم نتمكن من منع دخول نجل ملك البحرين رغم تورطه في التعذيب، بزعم عدم توفر الأدلة.‏ وانتقد ''إيفري'' الصمت الدولي المعيب وازدواجية موقف الحكومة البريطانية وطالبها بمنع دخول أفراد العائلة الحاكمة في البحرين للأراضي البريطانية بل وبمحاكمتهم على ممارساتهم ضد القانون الدولي، وإلغاء الامتيازات الغربية التي تعطى للمنامة حتى تلتزم بتنفيذ توصيات لجنة ''بسيوني''.‏

المجتمع الدولي متهم بممارسة النفاق بأسوأ أشكاله بسكوته عما يجري في البحرين من قتل وتعذيب وسجن واعتقال ومطاردات وانتهاك لحرمة المنازل، طالت حتى الأطفال الأبرياء، إذ وصل عدد السجناء منهم قرابة (200) طفل لم يبلغوا الحلم، فأين دعاة الدفاع عن حقوق الطفولة؟ وأين دعاة حقوق الإنسان؟ وأين دعاة حماية الديمقراطية؟ وأين دعاة الدفاع عن الحرية والكرامة؟‏

لماذا يملأ المجتمع الدولي الفضاء صراخاً وعويلاً إذا قتل مواطن في بلاد أخرى، ولا يحرك ساكناً أو ينبس ببنت شفة تجاه القتل والاعتقال على يد نظام القبيلة الفاسد الحاكم في البحرين وبمساعدة نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، والذي كان قد أرسل قواته العسكرية المدججة بالسلاح الفتاك إلى البحرين بعد حصوله على الضوء الأخضر من المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، التي تدعي أنها تعمل على نشر الديمقراطية في المنطقة، كما أنها تدعي بأنها تبذل قصارى جهدها لحماية حقوق الإنسان في دول المنطقة من خلال تشجيعها ودعمها للحراك الشعبي الذي تشهده دول المنطقة؟‏

فلماذا مثلاً لم يسع مجلس الأمن الدولي إلى مناقشة ما يجري هناك؟ لماذا لا تبادر الدول التي تدعي الحرص على حماية حقوق الإنسان من القمع السلطوي في بلدانها إلى طرح القضية في مجلس الأمن فتتخذ ما يلزم من إجراءات كما فعلت في ليبيا مثلا أو اليمن، أو كما تفعل اليوم بشان الملف السوري؟ فهل يختلف شعب البحرين عن شعوب الدول الأخرى؟

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة: لماذا سكتت المنظمات الدولية، ولماذا جاء ردّ بعضها باهتاً وماسخاً، ولماذا لم تعرض قضية هذا الشعب وقمعه أمام مجلس الأمن الدولي؟ ولماذا لم ترسل الجامعة العربية لجنة مراقبين إليها؟ ولماذا لم يطالبوا بتنحية الملك حمد بن عيسى آل خليفة، كما طالبوا الرئيس بشار؟.

فالأمر يشير بوضوح إلى تسييس رسالة المنظمات الإنسانية والدولية التي تهيمن على قراراتها دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية بما يخدم مصالحها ومصالح شركائها، وبالتالي نشاهد أن العلاقات السياسية بين حكام الخليج الذين يملكون النفط والغاز وبعض القوى الكبرى تحول دون اتخاذ إجراءات دولية ضد انتهاك هذه الأنظمة لحقوق الإنسان.‏

كما أننا نكاد لا نقع في العديد من وسائل الإعلام والفضائيات، التي أخذت على عاتقها رعاية ما يسمى بالربيع العربي، على خبر أو تحليل أو معلومة مهمة لما يجري في البحرين، وكأنه غير موجود، في حين تسلط الأضواء الكاشفة على ما يحصل في بعض البلدان العربية الأخرى، بل تعقد الندوات وجلسات الحوار، وتدفع الأموال، وتجري المطالبات بالتدخل الدولي والأجنبي.‏ فقط حراك شعب البحرين، أو انتفاضته، لم تحظ بعناية الفضائيات (العربية)، وفضائيات الديمقراطيات الغربية، المعنية بحقوق الإنسان، والحريات، وحق التظاهر، وصناديق الاقتراع!

فانتفاضة شعب البحرين لا سند لها، ولا دعم، ولا رعاة، ولا تشملها مبادئ حقوق الشعوب في التحرر من الاستبداد، وديمقراطية صناديق الاقتراع، والمساواة بين المواطنين... فقط: لأنها تقع قرب آبار النفط، وقواعد الاحتلال الأمريكي، وتهدد في حال انتصار شعبها هذه المصالح التي لا تقبل التسامح، فلا إنسانية، ولا إجماع دولي، ولا رأي عام، ولا لجان حقوق الإنسان، ولا ارتجاف في صوت العجوز الشمطاء كلينتون وهي تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان... فالبحرين حيث الأسطول الخامس الأمريكي شيء... البحرين بجوار السعودية... وسورية بجوار (إسرائيل) شيء آخر!

لا شك أن من لا يعرف شيئاً عن البحرين، بات يدرك الآن حقيقة الوضع هناك، وأسباب تجاهل هذه الثورة الشعبية، والتغطية على أحداثها وتفاصيلها، والمتمثلة باتهام جهات خارجية، كما العادة، بدفع شباب البحرين إلى التظاهر والاحتجاج على الأوضاع القائمة. ‏فالمبادئ لا تتجزأ، ومن يدعي حماية حقوق الإنسان ودعم المطالب بالحرية والديمقراطية هنا أو هناك، عليه، لإثبات مصداقيته أن يدعم ثورة البحرين التي تطالب فعلاً بالتغيير نحو الأفضل، نحو مجتمع حر، منفتح وديمقراطي وتعددي. ‏

في البحرين ثورة شعبية سلمية مطلبية محقة، تحاول جهات عدة التغطية على مجرياتها ووقائعها وأحداثها. في البحرين ثورة شعبية سلمية، لم تعد مجدية محاولات قمعها أو التغطية عليها وحرفها عن مسارها ومصيرها، أو التخفيف من وقع تأثيرها المتزايد على محيطها الخليجي، فالشعب البحريني بكل شرائحه، سيثبت أنه أقوى من كل هذه الأساليب، ومن كل محاولاتهم البائسة، وسيتمكن من رسم مستقبله وتحقيق حلمه في الحرية والديمقراطية والعدالة، طال أمد ثورته أم قصر، ومهما اشتد بطش النظام وداعميه.

ونحن بدورنا نقول إن الأصل في انتفاضة وثورة الشعب في البحرين مسألة سياسية، ولا يمكن أن تحل إلا بحل سياسي سلمي، وديمقراطي، وأن المواطنين في البحرين هم في الأصل مواطنون بحرانيون عرب أولا وقبل كل شيء، لا يغير من ذلك انتماؤهم لهذا المذهب أو ذاك.

وأمام عدم إصغاء الحكومة البحرينية، إلى لغة العقل والمنطق، وأمام استخدام الحل الأمني والقمعي، والذي طال البحرين وبكل مدنها وقراها، توحدت قوى المعارضة البحرانية بكل أطيافها ومكوناتها، ورفعت سقف مطالبها السياسية، مؤكدة أنها ماضية في طريقها، المعمد بدماء الشهداء وعذابات الجرحى، وآهات المعتقلين، وهي طريق شاقة وطويلة، ولكنها وفي النهاية ستنتصر، ولو طال الطريق، لأنها ارادة شعب.

فكربلاء الحسين (ع) هي الأصل وكربلاء البحرين هي الفرع، والثانية بين طياتها الجارية فضحت الجميع منها شخصيات فكرية وعلمائية وسياسية وثقافية وكذلك على مستوى الدول والهيئات الإعلامية والدينية وغير ذلك من التجمعات الرسمية والأهلية على المستوى الإسلامي والعربي والعالمي، وسوف تستمر قضية الشعب البحريني المظلوم في فضح الكذابين والمدلسين والمزورين من زمرة ما يسمون برجال الدين والمفكرين الإسلاميين لأنها وبكل بساطة أصبحت مقياس ومعيار قيمي وأخلاقي وإنساني للصراع بين الحق والباطل.

وأخيراً وليس آخر، متى ستستمع حكومة البحرين لصوت الشعب، وتستجيب لمطالبه المشروعة والعادلة لأن فيها خير للمواطن والوطن أم أنها ستستمر بسياسات لن تحمل إلا المخاطر للبحرين وأهلها؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 31/تشرين الأول/2012 - 15/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م