بورما والعنف الطائفي... مأساة إنسانية متصاعدة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تجددت الصدامات العرقية بين البوذيين والمسلمين في دولة ميانمار، والتي كانت تُعرف سابقا بإسم بورما، مؤخرا بشكل غير مسبوق، أدت الى اتساع نطاق العنف الطائفي و دمار شبه كامل في المنطقة التي تقطنها اغلبية مسلمة، حيث شكلت اعمال العنف الاخيرة مأساة إنسانية لا توصف، إذ تشن الاغلبية البوذية حربا بلا هوادة ضد آخر جيوبِ المقاومة الانسانية المتمثلة بالأقلية العرقية من المسلمين (الروهنجيا) والذين يعيشون بلا جنسية على امتداد حدود ميانمار مع بنجلادش في ظروف صعبة ويلقون معاملة سيئة من تلك الأغلبية البوذية، وتمثل احداث الفوضى الاخيرة اختبارا حقيقيا لمدى الرغبة في الإصلاح لدى الحكومة الحالية شبه المدنية، ومدى قدرتها على احتواء التوترات العرقية والدينية التاريخية التي قمعت خلال ما يقرب من نصف قرن من الحكم العسكري الذي انتهى العام الماضي.

في حين عبرت المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها من قمع الذي يستهدف المسلمين في هذا البلد، وبعد أن كشفت صور بالأقمار الصناعية تحول تجمع سكاني كان مزدهرا يوما إلى رماد خلال اسبوع من العنف في غرب ميانمار، وهي واحدة من أكثر دول آسيا تنوعا من الناحية العرقية وخاصة من المسلمين والبوذيين، حيث ان استمرار الفوضى وتفشي الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في بورما بسبب العنف الدينية ستجعل هذه البلاد تحت ديمومة الخطر.

العنف الطائفية

فقد قالت السلطات في بورما إن اعمال العنف الطائفية التي شهدتها البلاد حصدت ارواح 88 شخصا على الأقل هذا الشهر، واسفرت عن تشريد ما لا يقل عن 26 ألف شخص اضطروا للفرار من اعمال الشغب والحرق، وأحترقت مئات المنازل، بينما يحاول رجال الأمن احتواء الاشتباكات بين البوذيين والمسلمين في ولاية راخين غربي البلاد.

وذكر مسؤول حكومي إن" 49 رجلا و39 أمراة قتلوا"، مما يرفع الحصيلة الاجمالية لاعمال العنف الطائفية منذ اندلاعها في يونيو/ حزيران إلى 180 شخصا، ومعظم الضحايا ينتمون إلى أقلية الروهينغا المسلمة، ونقل عن مسؤول الذي رفض الكشف عن هويته" حوالي 300 منزلا احترقت الأحد في مدينة بوكتاو دون الابلاغ عن وقوع ضحايا".

وقال مسؤولو الأمم المتحدة الذين انضموا إلى الجولة التي نظمتها الحكومة إن العديد من النازحين الذين يعيشون في ظروف معيشية بائسة بالمخيمات أو القوارب التي لجأوا إليها أو الجزر التي آووا إليها أو قمم التلال التي هربوا إليها يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، وسمح لمسؤولي الأمم المتحدة بالانضمام إلى الجولة التي نظمتها الحكومة البورمية وشملت المناطق المتضررة في ولاية راخين، وبلغ العدد الإجمالي للنازحين منذ اندلاع العنف العنف بين الطرفين في يونيو/حزيران الماضي إلى 100 ألف شخص.

وتحدث ناجون مسلمون من العنف الطائفي في غرب البلاد الذي دام ستة أيام عن فرارهم من طلقات الرصاص والمنازل المحترقة ليهربوا على متن قوارب صيد بعد هجوم جيرانهم من عرقية راخين التي كانت تعيش يوما إلى جوارهم في سلام، وتقول الامم المتحدة ان 22587 شخصا نزحوا عن ديارهم بعد الاضطرابات بين المسلمين والراخين، وقالت اشرا بانو البالغة من العمر 33 عاما وهي أم لأربعة اطفال فرت من بلدة كياوكبيو بعد ازالة الحي المسلم بها يوم 24 اكتوبر/ تشرين الاول "طلب منا ان نبقى في منازلنا لكنهم اضرموا فيها النار"، واضافت "عندما كنا نهرب كان الراخين والشرطة يطلقون النار على الناس. لم نتمكن من اطفاء النيران. حاولنا الهرب فقط."

دمار البلاد

فيما اعترف رئيس بورما بحدوث تدمير هائل في الجزء الغربي من البلاد الذي شهد أحداث عنف ذات طابع عرقي، وقال المتحدث باسم الرئيس ثاين ساين " كانت هناك أحداث دمرت نتيجتها قرى أو أجزاء كاملة من بلدات في إقليم راخين"، وأضاف المتحدث أن الحكومة تقوم بتشديد الإجراءات الأمنية في إقليم راخين المعروف أيضا باسم أراكان.

وأطلقت منظمة هيومان رايتس صورا أخذت عبر الأقمار الاصطناعية تشير إلى تدمير منطقة ساحلية في بورما (ميانمار) بسبب الصراع بين مكوناتها العرقية، وتقول المنظمة إن 800 مبنى ومنزل عائم أحرقت في منطقة كيوبكيو في ولاية راخين في بورما، وإن معظم الضحايا مسلمون، وتعتمد هيومان رايتس ووتش في معلوماتها عن المنطقة على صور أخذت عبر الأقمار الاصطناعية لمقاطعة كيوبكيو في الفترة بين التاسع والخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، وتشير الصور التي التقطت يوم 9 أكتوبر إلى وجود مئات المنازل الملتصقة ببعضها والمصطفة بخطوط منظمة على ساحل، التي تقع في رأس نتوء بحري، بالإضافة إلى عشرات المنازل العائمة على الخط الساحلي الشمالي.

غير أن الصور التي أخذت يوم 25 أكتوبر، تظهِر أن عددا قليلا من المنازل العائمة ما يزال قائما في هذا الحي الذي تبلغ مساحته 35 هكتارا والتي تبدو مهجورة كليا وفارغة من المنازل العائمة. وتقول المنظمة إنه ليس هناك مؤشرات على وجود أضرار ناتجة عن حريق سواء في المنطقة الغربية أو الشرقية من هذه المنطقة المدمرة.

ولم تقدم المنظمة أي معلومات دقيقة حول عدد ضحايا الصراع العرقي لكنها تقول إن معظم السكان ربما غادروا المنطقة في زوارق إلى البحر، ويقول فيل روبرتسون نائب مدير قسم آسيا في منظمة هيومان رايتس وتش، إن العنف يظهِر أن هناك حاجة ملحة لأن تقوم الحكومة البورمية بتوفير الأمن لطائفة الروهينغيا، ذات الأغلبية المسلمة، في ولاية راخين التي تعرف أيضا باسم (راكان)، ويضيف روبرتسون "أن أعمال العنف سوف تستمر إن لم تعالج السلطات البورمية الأسباب الحقيقية التي تقف وراءه".

وحذرت الأمم المتحدة من أن برنامج الإصلاح الذي تتبعه بورما حاليا سوف يتعرض للخطر إذا ما استمر العنف الأهلي بين الجماعات البوذية المسلحة والمسلمين من مجموعة الروهينغيا العرقية في هذه الولاية الغربية، وتخشى منظمة هيومان رايتس ووتش، مستندة إلى روايات شهود عيان، أن يكون عدد الضحايا أكثر مما ذكرته الحكومة، وتقول المنظمة إن الحكومة البورمية "لها تأريخ موثق بإساءة تقدير أرقام الضحايا التي قد تقود إلى انتقادات للدولة".

يقول سكان غير مسلمين في راخين إنهم أيضا تعرضوا لإطلاق النار من قبل القوات الحكومية خلال الاضطرابات وأنهم أيضا تكبدوا العديد من الخسائر البشرية، وقد أعلنت الحكومة حظر التجوال في المناطق المتأثرة بأعمال العنف، إلا أن معالجتها للمشكلة منذ اندلاعها في يونيو الماضي قد تعرضت للنقد واعتبرت غير كافية، جوناثان هيد.

وفي بنغلادش، قال مسؤولون في شرطة الحدود إن عددا من الزوارق التي تحمل بورميين من طائفة الروهينغيا كانت تنتظر بهدف عبور النهر من بورما إلى بنغلادش. وقال المسؤولون البنغاليون إن 52 شخصا من الروهينغيا قد أعيدوا إلى بورما خلال الأيام القليلة الماضية، وكان المسلمون في كل أنحاء بورما قد تخلوا عن الاحتفال بعيد الأضحى بسبب أعمال العنف.

محنة جديدة

على الصعيد نفسه تحدث مسلمون نجوا من ستة أيام من العنف الطائفي في غرب ميانمار عن فرارهم من طلقات الرصاص والمنازل المحترقة ليهربوا على متن قوارب صيد بعد هجوم جيرانهم من عرقية راخين التي كانت تعيش يوما إلى جوارهم في سلام.

وقالت اشرا بانو (33 عاما) وهي أم لأربعة أطفال فرت من بلدة كياوكبيو بعد إزالة الحي المسلم بها يوم 24 أكتوبر تشرين الأول "طلب منا أن نبقى في منازلنا ولكن أضرمت فيها النار"، وأضافت "عندما كنا نهرب كان أبناء الراخين ورجال الشرطة يطلقون النار على الناس. لم نتمكن من إطفاء النيران. حاولنا الهرب فقط"، وتمثل البلدة التي تقع على مسافة نحو 120 كيلومترا إلى الجنوب من سيتوي عاصمة ولاية راخين أهمية كبرى لأكثر استثمارات الصين في ميانمار استراتيجية وهو خط الأنابيب المزدوج الذي ينقل النفط والغاز الطبيعي من خليج البنغال إلى أقاليم الصين الغربية المتعطشة للطاقة، وقالت زوميلة البالغة من العمر 63 عاما وهي تبكي وسط حشد من الناس في مخيم تي تشونج "هاجمنا الراخين بمدي.. أشعلوا النيران في منازلنا رغم أن ليس بها شيء يهمهم. غادرت بالملابس التي أرتديها فقط"، وقال عبد الأول (30 عاما) إن الشرطة وقفت موقف المتفرج والراخين يحرقون منازلهم، وأضاف "الراخين يضربوننا والشرطة تطلق النار علينا. ركضنا نحو البحر ولاحقونا وأخذوا يضربوننا ويطلقون النار علينا... يجب أن أبدأ حياة جديدة الآن. بحسب رويترز.

غير أن أحد البوذيين الراخين أبلغ رواية مختلفة وقال إن الراخين والمسلمين اشتبكوا مع بعضهم بعضا بالمدي والسيوف والهراوات وبعد هزيمة المسلمين قاموا بإشعال "النيران في منازلهم كخيار أخير ولاذوا بالفرار". وقدر الرجل أن ما يتراوح بين 80 و100 قارب يقل مسلمين غادرت كياوكبيو في ذلك اليوم، وترجل رجال ونساء حفاة من قوارب صيد وتسلقوا الجسور الطينية إلى مخيم تي تشونج وهم يحملون أطفالا وبعض الاغراض التي أنقذوها من الحريق، وقالت نورا حسين (54 عاما) وهي احدى سكان كياوكبيو "رأيت الكثير من القتلى.. لم نرد على العنف. كيف يمكننا ذلك؟ نحن نعيش في مكان محاط بقرى الراخين. هربنا إلى الشاطيء وفررنا بالقارب"، والمساعدات الوحيدة في المخيم عبارة عن أجولة من الأرز من برنامج الأغذية العالمي ويمكن استخدام الأجولة الخالية كحشيات للنوم. وينام كثيرون أسفل الأشجار، ولم ير مراسل أي أطباء وبعض سكان المخيم يعانون من الملاريا والأطفال عراة ويعاني كثير منهم من سوء التغذية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/تشرين الأول/2012 - 14/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م