كيف نصنع مقومات الثقافة؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الواقع الثقافي العربي ومنه العراقي بطبيعة الحال، يشي بوضع بالغ الخواء، حيث التعويل على الشكل الثقافي اكثر بكثير من الجوهر، وتكمن الطامة الكبرى، ان المؤسسة الثقافية الاعلى هي من تتبع هذا الخواء والشكلية في الاداء الثقافي، ويغيب عنها اي تصور حقيقي ومدروس لصناعة ركائز الثقافة الصحيحة والراسخة والفاعلة في بناء المجتمع.

لذا فإن المثقفين العرب ومنهم العراقيين ومعظم المعنيين بأمر الثقافة يفتقرون للرؤية بعيدة العمق والأفق، إنهم لا يبتعدون ببصرهم وبصائرهم الى الاعماق، وكأنهم يخشون كل شيء جاد، فتجدهم يراودون القشور والسطوح دائما، ربما لأنهم قصيرو النظر قليلو الصبر فقيرو الرؤى، وعاجزون عن ربط الأقوال بالافعال فيما يخص الثقافة، إنهم حتى هذه اللحظة يستغربون حين تتحدث معهم عن صناعة الثقافة، وأنها اصبحت سلعة كغيرها، وأن الربح فيها مشروع ومطلوب.

وأن تحقيق الربح المادي من العمل بالثقافة صار أمرا محتوما لانه ينمّي الثقافة وينشرها ويجعلها متاحة للجميع، فقير أو غني، ضعيف او قوي، مغرم بالثقافة أم مجافٍ لها، قطعا لا أعني تقريع الذات بهذه الكلمات والآراء، ولكنني حانق فعلا، غاضب وساخط بشدة، هناك من القائمين على الثقافة لا يريد لها أن تنهض، لا يريد لها أن تخرج من تأثيره وسطوته، لا يريد\ لها أن تصل لعامة الناس، كأنه يخشى فقدان الامتيازات وما شابه، ولكن لم يعد الامر مقبولا ولا مستساغا ولا نحن قادرين على هضمه!.

قبل أيام تحدث مغترب عراقي عن مطعم في احدى المدن الاسترالية، قال: وأنا أمرّ على هذا بجوار المطعم رأيت طابورا طويلا يتجّه الى بوابته، تصورت – والكلام للمغترب- أن هناك أكلة جديدة مثيرة دفعت الناس الى الوقوف والانتظام في الطابور الطويل، ولكن تبيّن أن المطعم يبيع نسخا من كتاب جديد وصله تواً،،!. الى هنا انتهى كلام المغترب.

تُرى ما علاقة المطعم ببيع الكتب؟ وهل يخطر في بال القائمين على الثقافة العربية والاسلامية، أن يروجوا للفكر في المطاعم أو غيرها، وهل يمكن أن نتصور من اصحاب الاموال والاثرياء (القطاع الخاص) أن يفكروا بتشغيل أموالهم في مشاريع ثقافية ربحية، تقدم الطعام والعصائر والثقافة في سلة واحدة؟!، ثم هل هناك طرق جديدة نبتكر من خلالها أبوابا ونوافذ جديدة لتسويق الثقافة ونشرها بين عموم الناس ومختلف العقول والمستويات؟، إذن هي ليست كلمات لجلد الذات وتقريعها، إنها وقائع نعيشها ونلمسها.

هناك تقصير خطير من لدن القائمين على الثقافة، يشترك فيه الساسة القياديون المسؤولون بطبيعة الحال، ولكن متى كان السياسي حريصا على الثقافة والمثقف، كلنا نعرف طبيعة الصراع الأزلي بين الطرفين، (المثقف والثقافة / السياسي والحكومة)، لذا هي مسؤولية المثقفين أولا وأولا وأولا، واذا تراجعت الثقافة تراجعت أمة بأكملها، وهذا التراجع يتحمله المثقف أولا، هناك كسل وخلل في التعامل مع الثقافة في مجال الترويج والتسويق والنشر.

التجارب العالمية المتاحة في هذا المجال معروفة، يمكننا الاستفادة منها، قادة الثقافة اليوم يتحملون المبادرة والتأسيس لتحويل المشاريع الثقافية الى حقل الصناعة والربحية المدروسة، لم تعد الثقافة استهلاك يثقل كاهل الدولة او القطاع الخاص، مثقفو العالم المتطور يبدعون بتلاحق واستمرار في مجال تحويل الثقافة الى صناعة، والمثقف الى صانع ماهر، قد يبدو الامر مرتبط في سلسلة شائكة متعددة الاطراف (اجتماعية ثقافية اقتصادية سياسية حضارية)، ولكن يبقى على الدوام دور المثقف يتقدم الادوار كلها.

المثقف العراقي العربي خامل متردد كسول، يترقب ما يجود به السياسي عليه، هذه العلّة لا نريد أن نغادرها أو نتخلص منها، نلهث وراء السياسي وما تمنحه يده (المعطاء لنا) نحن سليلو التكسّب والاعتياش بالمدح، لا نريد أن نغادر خانة تأليه السياسي من اجل العطايا!.

لم يعد الامر قابل للصمت، من يتصدر قيادة الثقافة اليوم، في العراق والدول العربية والاسلامية، تقع عليه مسؤولية تحويل الثقافة الى صناعة والمثقف الى صانع ماهر ومستفيد في آن، ولا يعني التملص من هذه المسؤولية خلاصا من عواقبها،، التأريخ لا ينسى أحدا يستغل قيادة الثقافة لتحقيق مصالحه مقابل فشل في نشر الثقافة وتعضيدها، لذا على قادة الثقافة، التصدي لمهمة تصنيع الثقافة وتحويلها الى مصدر ربحي متنام، أو اعلان التنحي والفشل، وترك القيادة لمن يتمكن من تحقيق هذا الهدف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/تشرين الأول/2012 - 14/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م