الثقافة القانونية في زمن الاقزام

القاضي سالم روضان الموسوي

قبل ايام تلقيت رسالة من صديقي القاضي الباحث والموسوعي فتحي الجواري يبث فيها الشكوى والألم من امة لا تقرأ ولا تنتج ووقف زمانها عند عصر الفتح الاسلامي وبقيت تجتر حوادثه دون اعتبار واتعاظ، وما غاظه ان يجحد الفكر مَنْ بضاعته التفكير وصنعته الاجتهاد ويخط في يراعه قدر الامة وحد الحياة، وقارن في رسالته بما يتحصل عليه هؤلاء من اموال وما ينفقون على اقتناء مجلة علمية رصينة تعنى بشؤون عملهم وترشدهم الى المستحدث في فن صنعتهم والتي لا يكاد ثمنها يغطي كلفة طباعتها ولا تقابل من النقود مبلغا يكاد لا يرضى به طفل رضيع يعادل دولارين من النقد، فيأنفون عن اقتنائها وقراءتها ويرسلون خطابا بعدم ارسال اعدادها اللاحقة لان ليس لهم القدرة على تفعيل مفاتيح الفكر في عقولهم التي انغلقت على ما فيها من افكار ركنت في ظلامٍ فأصابها ما أصاب بضاعة تلفت من سوء خزنها وانتشر ريحها الذي يزكم الانوف.

 وما يثير الشجن في النفس ان هؤلاء ان وقفوا عند المناصب اعتلوها وان قابلوا اهل الفكر تطاولوا، ومنذ ان تسلمت الرسالة احاول ان اجد العذر الذي يسوغ لهم فعلهم، إلا اني اعجز عن ذلك، وقد يكون للبيئة التي عملوا فيها او ما اعتادوا عليه من سلوك اثر في انغلاقهم وربما هذه من سمات شخصيتهم التي اتسمت بالقوالب المنمطة وعلى وفق قول عالم الاجتماع الدكتور قيس النوري بكتابه الموسوم (الشخصية العربية ومقارباتها الثقافية) ويقصد بها الصور المنمطة التي يحملها الافراد عن واقعهم الثقافي والاجتماعي، وأحيانا يشكل الانحياز الذهني نحو الماضي قوة ضاغطة على الذهن تنعكس في السلوك لان بعض هؤلاء اعتاد على ان يكون مأموراً لا آمراً ولا يعنيه ان يجتهد انما كيف يرضي الاعلى في سلم الوظيفة والمسؤولية، وهذه محل جدل وتناقض لان رئيسهم الاعلى في مؤسستهم التي يعملون فيها رجل عرفته عن قرب عارفا بعلوم اللغة متذوقا للشعر مبصرا لروح الفن صاغيا للمتكلم يجيد فن الاصغاء والالقاء له مكتبة شخصية تضم انواع العلوم له منهج ثابت في القراءة لا ينقطع عنها مع ما عليه من ثقل في المسؤولية، ومع ذلك تجدهم في غياهب الجب يستقرون.

 لكن صديقي العزيز القاضي فتحي الجواري كان عالما بهم ومدركا لجهلهم فكتب في احد افتتاحيات مجلته (المجلة تدخل عامها الرابع من اجل كل من يقرأ) وقال (مثلما وضع البعض العقبات، فإن الخيرين لن تخلوا منهم الدنيا) وانأ اقول ان المهمة صعبة لان الثقافة القانونية لا تتوفر للمواطن اذا كان من يملك مفاتيح سلطانها لا يقرأ ويعجز عن تثقيف نفسه بالعلم وينجح في ترجيح ميزان جيبه بالمال، ويتطاول على من علمه ادب الصنعة وسنبقى نجدهم في كل ارض ومطرح إلا انهم يبقون اقزام المعرفة ولن يبلغوا الجبال طولا وزمانهم قبيح مثل قيمهم على وفق قول الشاعر

قبحت يا زمن الاقزام من زمن....... وقبحت قيمُ الاقزام من قيم

بكل ارض ارى قزما يطاولني........ ما اكبر الفرقَ بين الطول والقزم

ففاقد الشيء لا يعطيه من عدمٍ........ لا يخلق الشيء إلا الله من عدم

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/تشرين الأول/2012 - 14/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م