حمد في غزة ... صفقات مشبوهة في زيارة مفاجئة

 

شبكة النبأ: شكل تراجع العلاقات الإيراني مع حركة المقاومة الفلسطينية حماس بعد الربيع العربي، وتقدم علاقتها مع الأخوان المسلمين في البلدان الربيع العربي، خصوصاً ليبيا وتونس ومصر، فسحة ذهبية لقطر كي تنطلق نحو حماس لتشكيل روابط دبلوماسية اقتصادية بهدف تمرير أجندات سياسية إقليمية على حساب حماس التي تربطها جذور تاريخية مع الاخوان المسلمين التي دعمتهم قطر دعماً رئيسياً ابان الانتفاضات العربية، تكللت تلك الفسحة بالزيارة  الدبلوماسية الاقتصادية غير المسبوقة لأمير قطر في قطاع غزة، حيث اثارت موجة كبيرة من الانتقادات والتساؤلات لدى العديد من المحللين والمراقبين الدوليين، إذ يرى بعض المحللين بأن زيارة امير قطر لقطاع عزة هي فرصة لتغيير البوصلة السياسية لحماس التي يقاطعها المجتمع الدولي من خلال تقديم الدعم اللوجستي والاقتصادي بشكل خاص، وذلك باستغلال الظروف والتحولات الإقليمية في الشرق الأوسط، في حين يرى محللون آخرون بأن تلك الزيارة القطرية من شأنها ان توسع رقعة الخلافات والانقسامات بين القيادات الفلسطينية، كونها فضلت قيادة على حساب اخرى، كما انتقدت إسرائيل هذه الزيارة المفاجئة، لأنها تعد حركة حماس المسؤولة عن أي الهجمات التي تستهدفها من قطاع غزة الذي تسيطر عليه منذ 2007، حيث تحافظ قطر على علاقات متميزة مع اسرائيل وان كانت بصورة خفية.

مما يثير الشكوك حول ماهية هذه الزيارة المثيرة للجدل، بينما يرى محللون سياسيون بأن زيارة امير قطر وزوجته الشيخة موزة هي دليل على طموح دولة قطر في أداء دور قيادي في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً مع صعود أحزاب الإسلام السياسي، حيث أرادت قطر ضرب عصفورين بحجر واحد من خلال تدشين مشاريع تنموية وخدمية لسكان قطاع غزة، وتذكير العالم بطموح دولة قطر المتنامي والإدعاء بممارسة دور قيادي في منطقة الشرق الأوسط، ومن جهة يرى بعض المراقبين بان أجندة الدوحة أهم من وحدة الفلسطينيين، وعليه فإن هذه الزيارة التي احتلت مساحة واسعة من التغطية الاعلامية العالمية، وربما تشكل الزيارة وجها سياسيا جديدا لقطر سواء كان سياسيا او اقتصايا او حقوقيا، وبالتالي يصبح طموح قطر حلم تائه صعب المنال.

سياسة متعددة المقاصد

فقد تجسد زيارة امير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني الى قطاع غزة سياسة تشجيع الاسلاميين العرب التي تنتهجها منذ سنوات بلاده الغنية بالغاز والطامحة لفرض نفسها قوة اقليمية، وسياسة قطر بدأت تاتي بثمارها مع وصول بعض الاسلاميين الذين كانوا يحظون بدعم الدوحة الى السلطة في بلادهم بفضل الربيع العربي، ما عزز نفوذ هذه الدولة التي تبقى في نفس الوقت حليفة اساسية للولايات المتحدة، وقال مدير معهد بروكينغز في الدوحة سلمان شيخ "ان قطر رأت في الثورات العربية فرصة وليس تهديدا" على عكس انظمة اخرى في المنطقة، وبالنسبة لشيخ، فان استراتيجية قطر "ليست نتيجة مقاربة ايديولوجية وعقائدية فقط"، فقطر على حد قوله "بنت علاقات مع هؤلاء الاسلاميين لانها تعتبرهم غير فاسدين وجديين على عكس الانظمة التي كانت قائمة في العالم العربي"، ومنذ وصوله الى الحكم في 1995، استضاف امير قطر عددا من القادة الاسلاميين المنفيين وشجع عدة حركات اسلامية عربية، كما عزز من نفوذ الداعية المصري الاصل الشيخ يوسف القرضاوي الآتي من عباءة الاخوان المسلمين وتؤمن له قناة الجزيرة منبرا مهما استخدمه لدعم الانتفاضات العربية.

ويقيم الشيخ حمد علاقات جيدة مع حركة حماس التي تمسك بالسلطة في قطاع غزة، وهو استضاف رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل مرة اولى في 1997 بعد محاولة اغتياله في الاردن، وتكرس زيارة امير قطر الى غزة هذا الدعم الى حركة حماس، اذ ان الشيخ حمد هو اول رئيس دولة عربية يزور القطاع الذي تحكمه حماس منذ 2007، وتمثل الزيارة دعما سياسيا واقتصاديا لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي يقاطعها المجتمع الدولي، وقد اعلن الشيخ حمد تقديم منحة ب400 مليون دولار لاعادة اعمار القطاع.

الا ان الشيخ حمد حرص على الاتصال برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل هذه الزيارة بهدف "طمأنة" رام الله بحسب مراقبين فلسطينيين، فيما استغربت اسرائيل ان يقوم امير قطر "بالوقوف الى جانب حماس ضد السلطة الفلسطينية"، وقال المحلل السياسي عبدالوهاب بدرخان ان قطر لطالما دعمت حماس، الا ان "زيارة غزة ليس المطروح منها دعم حماس بل استيعاب حماس"، وبحسب بدرخان، فان حماس التي بات رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في الدوحة "فكت الارتباط مع النظام السوري ولا تريد ترك ايران دون ان تحصل على ما يعوض لها عن ذلك"، من جهته، قال المحلل بول سالم مدير مركز كارنيغي في بيروت "ان قطر اصبحت قوة اقليمية"، ورأى سالم ان قطر "قريبة من الاسلاميين اكثر من غيرهم، الا ان الاكثر اهمية هو طموحها بان تكون قوة دبلوماسية سياسية، وبعد الربيع العربي تاكد نفوذها كدولة اقليمية وهذا يمكنها من لعب دور في السياسة العالمية كمفتاح للشرق الاوسط". بحسب فرانس برس.

واستفاد الدور القطري من وصول الاسلاميين الذين دعمتهم الدوحة الى الحكم في تونس وفي مصر بعد انتفاضات شعبية نقلتها قناة الجزيرة مباشرة على الهواء، وكانت قطر اول دولة يزورها زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي بعد الفوز في الانتخابات، واعلنت قطر في ايلول/سبتمبر انها ستستمثر 18 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة في مصر، وهو ما يدعم الرئيس الاسلامي الجديد محمد مرسي، الا ان سياسة قطر تعرضت لانتقادات ايضا. ففي ليبيا، اتهمها قادة سياسيون ب"التدخل" في الشؤون الليبية، معتبرين ان قطر تحاول الاستفادة من التعاطف الذي تحصل عليه نتيجهة دعمها سياسيا وماليا وعسكريا للثورة ضد معمر القذافي في 2011، من اجل التأثير على السلطة في هذا البلد، كما يتساءل منتقدو قطر عن دوافع هذا البلد المحافظ الذي يستضيف على اراضيه اكبر قاعدة اميركية في المنطقة، وبالنسبة لبدرخان، فان الامرين ليسا بالضرورة متناقضين، وقال المحلل "بعد الربيع العربي، رأت الولايات المتحدة ان هناك فرصة ان لم يكن لمصالحة مع الاسلام السياسي على الاقل لهدنة معه، ورات ان قطر مستعدة للعب هذا الدور" فيما "اصبحت مصر موقع اختبار لهذا الدور".

كسر العزلة وعودة حماس

في سياق متصل كسر أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عزلة حكومة حركة حماس الاسلامية في قطاع غزة بزيارة رسمية ستثير استياء إسرائيل والقادة الفلسطينيين المنافسين لحماس في الضفة الغربية، وقالت اسرائيل انها "مندهشة" من أن تنحاز قطر وهي حليف للولايات المتحدة في الخليج لجانب دون الآخر وتدعم حماس. وقال متحدث اسرائيلي أن الامير "القى بالسلام تحت الحافلة، وقطاع غزة معزول عن العالم تقريبا بسبب الحصار البري والبحري الذي تفرضه اسرائيل لمنع استيراد الاسلحة والمعدات العسكرية.

وقالت السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس في الضفة الغربية والمدعومة من الغرب إنها تأمل ألا تقوض الزيارة جهود المصالحة الفلسطينية أو تمثل موافقة على الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وإيذانا ببدء زيارة دولة في كل ملامحها فيما عدا اسمها فقط عبر الامير القطري وزوجته الشيخة موزة برا إلى غزة من مصر على رأس وفد كبير وكان في استقباله اسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة حماس في غزة وحرس الشرف، واصطف مئات الفلسطينيين وهم يلوحون بالأعلام الفلسطينية والقطرية أثناء مرور موكب الامير على الطريق السريع الرئيسي المليء بالحفر والذي تعهدت قطر بإعادة تعبيده، وقال هنية للأمير القطري في كلمة ألقاها في موقع مدينة جديدة ستبنى بأموال قطرية "انت اليوم تعلن كسر الحصار من خلال هذه الزيارة التاريخية، واضاف "اننا اليوم نعلن انتصار الشعب الفلسطيني على الحصار من خلال هده الزيارة التاريخية ... نقول لك شكرا سمو الأمير وشكرا قطر لهده الوقفة العربية النبيلة.. تحية لدماء الشهداء التي أوصلتنا لهده اللحظة، وانتقد الشيخ حمد الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقال في كلمة بالجامعة الاسلامية في غزة ان القضية الفلسطينية ما زالت جرحا نازفا في الجسد العربي مع استمرار اسرائيل كل يوم في تغيير وجه الارض الفلسطينية من خلال انشطتها الاستيطاني، والتهويد في الضفة الغربية وخاصة في القدس.

لكنه القى باللوم عن بعض الفشل على الاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين الذي قوض "المقاومة". وقال انه حان الوقت لطي صفحة الخلاف وفتح صفحة اكبر للمصالحة، وترفض حماس توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل ووجهت انتقادات لاذعة لعباس بسبب جهوده غير المجدية للتفاوض بشأن اقامة دولة فلسطينية، وفي واشنطن قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند ان الولايات المتحدة قلقة بشأن الدور "المزعزع" الذي تلعبه حماس في المنطقة، واضافت "وصف القطريون ذلك بأنه مهمة انسانية." وقالت "نأمل ان تكون الفرصة انتهزت لتوضيح اهمية ان يتحدث الفلسطينيون والاسرائيليون الى بعضهم البعض، وهذه أول زيارة يقوم بها رئيس دولة إلى غزة منذ سيطرة حماس على القطاع عام 2007 بعد اقتتال داخلي مع حركة فتح. وكانت اسرائيل سحبت قواتها والمستوطنين من القطاع قبل ذلك بعامين.

ووصفت قطر الزيارة بانها لفتة انسانية لافتتاح مشاريع إعادة إعمار تمولها الامارة. وبعد تخصيص 250 مليون دولار لهذه المشاريع في بادئ الامر اعلن هنية وهو يبتسم انه تم زيادة المبلغ الى 400 مليون دولار، ولقطر الامارة الصغيرة التي يبلغ عدد مواطنيها نفس عدد سكان غزة تقريبا طموحات لاستثمار ثروتها الكبيرة من الغاز الطبيعي لتحقيق نفوذ دبلوماسي واقليمي. وكانت داعما رئيسيا للجماعات الاسلامية التي اصبحت الرابح الاكبر من انتفاضات الربيع العربي، وبرغم عدم تخليه عن أي من سلطاته المطلقة في الداخل يساند الامير القطري الانتفاضات الشعبية في دول عربية اخرى ويتيح تلفزيون الجزيرة القطري مجالا لمعارضي العديد من الحكام العرب، وكانت قطر الدولة العربية الرئيسية التي منحت الغطاء السياسي للعملية التي قادها حلف شمال الاطلسي في ليبيا للاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي وتقود المعارضة العربية لبشار الاسد في سوريا وتقدم السلاح والاموال للمعارضين، لكن سياستها المزدوجة اصابت قوى اقليمية ودولية بالحيرة اذ تقدم دعما كبيرا للجماعات الاسلامية بما في ذلك حركة حماس بالتوازي مع اقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وتستضيف قطر واحدة من اكبر القواعد الامريكية في المنطقة. بحسب رويترز.

ويرى محللون ان الزيارة محاولة من امير قطر لاستغلال نفوذه في العواصم الغربية للمساهمة في تحسين صورة حماس في عيون الغرب ودفع الحركة باتجاه التيار السياسي الرئيسي مستغلا خلافهم مع ايران بسبب الصراع في سوريا كنقطة انطلاق لكسر تأثير طهران عليهم للابد.

وتم اصلاح القليل من الاضرار في غزة منذ الهجوم المدمر الذي شنته القوات الاسرائيلية لثلاثة اسابيع على القطاع في اواخر 2008 وبدايات 2009 لمنع حماس وغيرها من الفصائل الاسلامية من اطلاق الصواريخ وقذائف المورتر على جنوب اسرائيل.

وتزامنت الزيارة مع جولة أخرى في الصراع بين اسرائيل وحماس. وأصيب ضابط اسرائيلي بجروح خطيرة بسبب انفجار على الحدود مع غزة وتوعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باتخاذ "رد قوي" يأتي غالبا في صورة ضربات جوية اسرائيلية، وقال ايجال بالمور المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية إن الامير الذي سبق والتقى مسؤولين اسرائيليين "لم يشرف السلطة الفلسطينية بزيارة"، ولم يسبق ان قام الامير بزيارة لعباس او لحكومة فتح في الضفة الغربية، واضاف المتحدث "لا يفهم أحد لماذا سيمول منظمة تشتهر بارتكاب تفجيرات انتحارية واطلاق الصواريخ على المدنيين. بمعانقة حماس يكون امير قطر حقا شخصا يلقى السلام تحت الحافلة، وترفض حماس نبذ العنف او الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، وخففت حماس من حدة موقفها بقولها انها ستقبل بهدنة تستمر لعقود مع اسرائيل مقابل اقامة دولة على حدود ما قبل حرب 1967، كما تنفي أي نية لاقامة دولة منفصلة في غزة، وأثار البرنامج النووي الايراني إمكانية اندلاع حرب مع اسرائيل يحتمل ان تشارك فيها حماس من الجنوب وحزب الله اللبناني من الشمال.

وسعى الشيخ حمد في السابق للوساطة بين حماس وفتح لإنهاء الانقسام بين الفصيلين الذي أضعف القضية الفلسطينية. لكن محللين فلسطينيين يقولون انه لم يعد هناك الان أي احتمال للمصالحة، وقال المتحدث بالمور ان حماس لم تقبل بشروط اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الاوسط كي ينظر لها على انها طرف شرعي. لكن اسرائيل تعترف بان حماس تسعى لتضييق الخناق على الجماعات الاسلامية المتشددة التي ترفض قبول قرارها غير المكتوب بشأن وقف اطلاق الصواريخ على الدولة اليهودية، وقال يوسي كوبرفاسر المدير العام لوزارة الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلية "معظم الانشطة لا تأتي الآن من حماس. تأتي من مصادر أخرى، واضاف في حديث للصحفيين "كما شاهدنا في أماكن أخرى عندما تأتي القوى الاسلامية الى السلطة فانه يجب عليها الوضع في الاعتبار أشياء أخرى وليس (فقط) الارهاب، يجدون انفسهم في وضع محرج بعض الشيء."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/تشرين الأول/2012 - 13/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م