حماس... وآخر الأخبار

عن كسر الحصار وهروب الفارس المغوار

مهنّد علي صقّور

لم أعتقد يوماً أن يستقيلَ الشيخ اسماعيل هنية مُبكّراً من عملهِ الثوري المقاوم بهذهِ الطريقة على الأقل في هذهِ الأوقات , ولم أكن أتوقع أن ينتهي بهِ المطاف خطيباً لوذعياً لجوقةِ شعراء وأدباء وخطباء وفلاسفة الرّبيع العربي , ولم أتخيل يوماً أن يستبدلَ بندقيتهُ ويستعيض عنها بوظيفة جديدة لدى صاحب كازية قطر , ولم يكن ليخطر ببالي أن يخرج من خنادق النضال ويعتلي منبر الخطابة والشّعر ويصبح عريف حفلٍ بائسٍ يتضور جوعاً ويجترّ حنقاً وحقداً على أصدقاء أمسهِ المقاوم , ولم يدر بخلدي أن يأتي اليوم الذي أرى فيه الثائر العتيد يطالب بتحرير سوريا من ديكتاتورها وسفّاحها الذي لطالما دعى لهُ الشيخ هنية بطول العمر والنصر ودوام الصحة , والذي لطالما طبّل " هنية " لمواقفهِ المبدئية وزمّر لصمودهِ في وجه المشاريع الصهيونية.

 كل ذلك لم يخطر ببالي ولم يتسرب إلى مسامات عقلي وتفكيري إلى أن سمعتُ بأذنيّ ورأيت بأمّ عيني ذلك الاستعراض النضالي والكرنفال الجهادي الذي أقامته حماس وزعيمها المستقيل نضالياً اسماعيل هنية كرمى لعيني صاحب كازية قطر وعقيلتهُ الشيخة موزة بنت مسند , ذاك المهرجان الذي ظننتُ للوهلة الأولى أنهُ على شرف " الشيخ عز الدين القسام , أو الشيخ عبد القادر الحسيني "أو في الذكرى السنوية لاغتيال الشيخ " أحمد ياسين " ولكن سرعان ما انجلى الضباب وظهرت الصورة بوضوحٍ تامٍ , فالثائر العتيد لم يأل جهداً في استنطاق جميع معاجم اللغة العربية راجياً إيّاها أن تمنحهُ القدرة على إيفاء سمو الأمير حقّه من العرفان والشكر , فسموهُ أكبر من اللغة نفسها وكل كلمةٍ أو عبارةٍ ينطقها الشيخ اسماعيل ستبقى عاجزة عن إنصاف " الحمد " , والاعترافِ بأفعالهِ الحسنة وخاصةً أنّهُ غامر بكلّ ما يملك كي تظلّ حماس صامدة في غزة , وسهر الليالي الطوال يدعو ويبتهل إلى الله أن يحفظ حماساً واسماعيلها وخالدها , حتى أنهُ وكما قيل كان قد حسم أمرهُ بحفر نفقٍ من الدوحة إلى غزة لإيصال الإمدادات والمعونات إلى شعبها الذي كان يُذبح ويقتل بأبشع أسلوب إبادةٍ عرفتها البشرية.

"إنّ زيارتك أيّها الأمير لقطاع غزّة هي إعلانٌ رسميّ بكسر الحصار الصهيوني " بهذهِ العبارة استهلّ اسماعيل هنية ترحيبهُ بأمير سلاحف الدوحة وسائس هجنها " حمد بن خليفة " , مُستخفّاً بدماء المئات من الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا جرّاء القصف الصهيوني للقطاع والذي كان بدعمٍ وتمويلٍ خليجي" قطري – سعودي" , فتصوّروا يرعاكم الله هذهِ المهزلة , واسألوا أنفسكم هل هذا هو اسماعيل هنية الذي كان مرابطاً في أنفاق غزة طيلة القصف الصهيوني على القطاع؟ وهل هو نفسه هنية الذي أقسم الأيمان المُغلظة بأنهُ يفضّل الموت على الخروج من غزة؟ وهل هو نفسهُ هنية الذي لطالما تشدّق وادّعى بأن لا يترك البندقية إلا بعودة الأقصى الشريف؟ نعم اسألوا أنفسكم واضحكوا , وإذا لم تصدّقوا فاسألوا خالد مشعل أو عزمي بشارة فهما من يعرف , وهما من يمتلكُ الإجابة , فهنية الذي سخّر كلّ مفردات اللغة العربية واستخدم كلّ العبارات الثورية والوطنية ووصف أمير قطر بالفارس المغوار كان بنفس الوقت يحاول استدراك الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها حماس سابقاً ويحاول تصحيحها , وكأني بهِ يقول : أيّها الثوار الأشاوس.. أيّها المناضلون الأحرار.. يا أحفاد صلاح الدين إن علينا تصحيح مسارنا وتحديد وجهتنا فإسرائيل لم تكن عدوتنا يوماً ما.. لقد خدعتنا سوريا , وأوهمتنا إيران لا بل وضحكوا علينا طيلة السنين الماضية... أيّها المجاهدون صدقوني ولو لمرةٍ واحدة وثقوا أنّ من يقتل شعبهُ ويقصفهُ بالطائرات والمدافع محالٌ أن يكون صديقنا , ومحالٌ أن يدعمنا , صدقوني وادعوا معي للأمير بطول العمر "هذا من جهة , أما من جهةٍ ثانية فهو وعبر خطبتهِ العصماء كان يريد أن يقول سامح الله أخوتنا الشهداء لقد أخطأوا وذهب جهادهم ونضالهم أدراج الرياح وانطلت عليهم أكاذيب النظام السوري , وغرّتهم حفاوة طهران , أما وقد أرسل الله لنا سمو الأمير فلن نرتكب الخطيئة نفسها ولن نقع في الفخ ثانيةً.

إذاً اسماعيل هنية قدّم استقالتهُ لسمو الأمير كمقاومٍ وثائر , وسلّم أسلحتهُ ومقاتليهِ لأصدقائه الجدد , بل سلّم غزة بكاملها مقابلَ شيك ب300 مليون دولار , ولتذهب فلسطين إلى الجحيم , وليذهب حقّ العودة إلى جهنّم , فلقد كفى اللهُ المؤمنينَ القتال حسب "قرآن" أمير السلاحف المؤمنة , فلكم كنتَ ساذجاً وبسيطاً يا صديقي غسّان كنفاني , ولكم كنتَ عدائياً فرواياتكَ عن همجيةِ الصهاينة وبربريتهم وعنصريتهم كانت هراءً في هراء , ونضالك الذي قرأنا عنهُ وعشعش في قلوبنا وذواكرنا لم يكن سوى مغامرة من مغامرات الجنون , ودعوة إلى حفلات الموت المجاني , فمنصور لن يشرّق إلى صفد بعد اليوم , وبندقية أبي الحسن تعبت وأكلها الصدأ , وشجرة البلوط التي كثيراً ما جلست تحتها اقتُلِعت من أرضها لتحل محلّها " مولات قطرية " بضاعتها إسرائيلية الصنع , اعذرني يا صديقي لأنّ كلّ ما كتبتهُ لا يساوي اليوم كلفة الأوراق التي كُتِبَ عليها , وهو في أعلى توصيفٍ لهُ لا يساوي برميل مازوت في قاموس اسماعيل هنية , ولا يساوي قبلةً واحدةً من وجنتي " موزة بنت مسند" ورهط مسند.

أتساءل اليوم والجميع يجب عن أن يتساءل عن حالِ الشهيد " عبد الرحيم محمود" الذي فارق الحياة ولم تفارق البندقية يدهُ , عبد الرحيم الذي سقط وهو يردد " سأحمل روحي على يدي.. وألقي بها في مهاوي الردى.. فإما حياةٌ تسرّ الصديق.. وإما ممات يغيظ العدا" , أتساءل ماذا كان سيفعل وهو يرى غزّة بكاملها تُحملُ على يدي اسماعيل هنية ليلقي بها في قاعدة " العيديد والسيلية " كرمى لحمد وبيريز وهيلاري " وانتقاماً من سوريا وطهران , بعد أن أنهى خالد مشعل أوراق البيع , وأخلى مكاتب حماس في سوريا , واستعاض عن رائحة الزعتر البري بروائح الغاز والكاز , خالد مشعل الذي اتخذ من الليل مطيةً ويممّ أعتاب اسطنبول ليقدّم بيعته لولي أمر المسلمين جلالة السلطان المعظّم " طيب رجب أردوغان" دام ظلّهُ. ليعودَ ويعمل موظفاً بدرجة منافق عند أعرابي جاهل اسمه " حمد بن خليفة " على شاكلة أفلاطون الدوحة " عزمي بشارة" الذي اعتنق الوهّابية مؤخّراً.

وعليهِ لن أكون مُخطئاً إذا ما قلتُ أن زيارة " أمير السلاحف" إلى غزة تُعتبرُ زيارة تاريخية بكلّ المقاييس , فبموجبها استقالت حماس من النضال والمقاومة , وتمّ قبولها في دوائر النفوس الوهّابية , وأُعفي مناضلوها من مهامهم الجسام وأُحيلوا على المعاش ولكن في معسكرات وهّابية على الحدود السورية , ولن يكون غريباً أن نرى بعد فترة قصيرة فضيلة المفتي " اسماعيل هنية " في استضافةٍ من قبل فيصل القاسم على منبر الجزيرة , ليتحفنا بفتاويهِ النضالية , ويطربنا بهرطقاتهِ حول الحرية والديمقراطية , وليس من المستغرب أيضاً أن يصدر قريباً عن دور النشر التابعة لكازية قطر كتاباً جديداً لفضيلة المفتي يحمل عنوان " عودة إلى الصواب" يتحدث فيه عن الخديعة الكبرى التي وقع في فخّها , ويشرح فيهِ أيضاً كيف أن القيادة في سوريا هي التي كانت تطلب من تل أبيب إغلاق المعابر ومحاصرة القطاع ومنع الهواء والماء عن أهل غزة , وأن الطائرات التي كانت تقصف غزة بالفوسفور الأبيض كانت تقلع من مطار المزة العسكري وغيرهِ من المطارات السورية , ويصرّح علناً أن المخابرات السورية هي من قام بتصفية المبحوح في قطر لأنه كان على وشكِ البوح بحقائق حماس المخدوعة , ويكشف للمرة الأولى كيف أن " إيران" هي من ورّطت حماس وغيرها من فصائل المقاومة في هذهِ المغامرة المجنونة والهيستريا الثورية , وأنّ الحرس الثوري هو من حاول تشييع حماس لتكون رأس الحربة في مواجهة السنة في المنطقة. وغير ذلك من الحقائق التي قد تغيّر تاريخ المنطقة.

إذاً في زيارةٍ هي الأولى من نوعها كما وُصِفت , قررت حماس اعتزال العمل النضالي , وإلقاء البنادق وجعب الرّصاص واستبدالها بمحال صنع السواطير والأحزمة الناسفة , وغيّرت خطّ جهادها ليصبح باتجاهِ دمشق وغيرها من المحافظات السورية , لتكتب فصلاً جديداً في تاريخها النضالي والثوري على إيقاع الفتاوي الجهادية , طمعاً بالوصول إلى الجنان الافتراضية ومنادمة الحور الحسان عبر صكوك غفرانٍ مسبقة الدفع منحتها لهم " الدوحة والرياض" , تاريخاً جديداً مشفوعاً بالدّعاء من قبل حاخامات تل أبيب الذين باركوا هذا العمل المقدّس ودعوا لهُ بالنجاح.

غير أنّ المُضحك في تلك الزيارة التاريخية كما اعتبروها ووصفوها شيئان اثنان الشيء الأول هو " الدكتوراه الفخرية " التي قدّمتها الجامعة الإسلامية لسمو أمير السلاحف الذي باعتقادي لا يعرف العام الذي اغتُصبت فيه فلسطين , ولا يعرف معنى "دكتوراه فخرية" إلا إذا كانت وحسب معرفتهِ عبارة عن إرشادات تنفعهُ في عملهِ " كسائس هجن" من الدرجة الممتازة , وربّما تكون تقديراً من عمادة الجامعة لسموهِ على خلع والدهِ من الإمارة وإحالتهِ إلى صعلوكٍ من صعاليك دهماء العرب , لا أعرف.. المهم مُنِح الدكتوراه وانتهى الأمر , أما الشيء الآخر المُضحك فهو الهلع الذي أصاب الأمير لدرجة أنهُ هربَ من قاعة الاجتماعات لمجرد عثور رجال أمنهِ على مُسدس في القاعة , تخيّلوا أيّها الأصدقاء أن أميراً مقداماً وفارساً مغواراً "كالحمد" على حد تعبير الشيخ "هنية" يفرّ لمجرد رؤيته مسدس , فهل ستصدّقون أنّ فارساً كهذا سيكسر حصار غزة ويفتح معابرها ويحرّر أسراها؟

 أترك الجواب لكم غير ملزمين بوقتٍ مُحددٍ لتجيبوا عليه , المهم أنّ فضيلة الشيخ اسماعيل هنية قام بواجبهِ على أكمل وجه , وأرضى ضميرهُ أمام الله وفلسطين والأقصى , وأبرأ ذمتهُ تجاه آلاف المشردين الفلسطينيين , وتأكدَ من أنهُ لا زالَ خطيباً مفوّهاً , نسخ الأوائل وهيهات هيهات أن يُدرك شأوهُ الأواخر وأنّى لهم ذلك؟ وقد باركهُ وخلعَ عليهِ خلع القبول والرّضى الفارس المغوار وكاسر الحصار ومزلزل الأمصار وهازم الأشرار الفجّار وحامي عرض الدّار والجار سمو الأمير المهذار السمسار " حمد بن خليفه" ورهطِ آل ثاني التّجّار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/تشرين الأول/2012 - 13/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م