جائزة نوبل للسلام والاتحاد الأوروبي... مفاجأة تثير الشكوك

 

شبكة النبأ: أثارت جائزة نوبل للسلام التي منحت للاتحاد الأوروبي للعام 2012، جدلا كبيرا بين الدول الأوروبية، حيث اختلفت الآراء وتعددت الانتقادات بشأن أحقية هذه الجائزة، فقد وقع الاختيار على الاتحاد الأوروبي لينال تلك الجائزة لإسهاماته التاريخية في دفع السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان الى امام، منذ أكثر من نصف قرن، إذ تتفاخر جمعية الاتحاد الأوروبي بأنها شهدت اطول فترة دون حروب في تاريخ الدول المنتمية اليها، لكن في الوقت نفسه يشهد الاتحاد الأوربي حاليا صعوبات اقتصادية خطيرة واضطرابات اجتماعية كبرى ساهمت باضعافه محليا ودوليا بسبب ازمة اليورو، ويرى بعض المحللين بان جائزة نوبل جاءت لتشجيع اوروبا التي تهزها الازمة المالية الكبيرة، في حين يرى محللون اخرون بأن الاتحاد الاوروبي لا يستحق جائز نوبل للسلام، كون هذا التجمع للدول المفلسة سبب ازمات اقتصادية عالمية واصبح قاب قوسين من التفكك،  كما ساهم هذا الاتحاد بخلق عدة ازمات دولية من خلال استراتجيات سياسية قمعية واستعمارية خاصة في منطقة الشرق الاوسط، فعلى الرغم من ان هذه الجائزة يلفها الغموض والتشكيك بسبب الدوافع الايدلوجية والعنصرية التي تغلفها، الا ان هذه الجائزة تحظى باهتمام كبير من لدن الكثير من المهتمين، نتيجة لاحتكاكها ببعض الاحداث والتطورات العالمية، علما بأن الاتحاد الاوروبي ليس اول مؤسسة تنال هذه المكافأة لان منظمة الامم المتحدة والصليب الاحمر سبق ان نالا الجائزة، الى جانب مؤسسات اخرى، وعليه فإن تلك المعطيات آنفة الذكر تطرح سؤالا موحدا، هل يستحق الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام؟.

أزمة الاتحاد الأوروبي

فقد منحت جائزة نوبل للسلام عام 2012 الجمعة للاتحاد الاوروبي الغارق اليوم في ازمة منطقة اليورو لكن الذي ساهم في احلال السلام في القارة العجوز منذ اكثر من نصف قرن كما اعلنت لجنة نوبل النروجية، وقال رئيس لجنة نوبل النروجية ثوربيون ياغلاند ان "الاتحاد الاوروبي ساهم مع هيئاته السابقة منذ اكثر من ستة عقود في تشجيع السلام والمصالحة والديموقراطية وحقوق الانسان في اوروبا"، وتاتي هذه الجائزة على خلفية انقسام بين الدول الاوروبية التي اصبح تضامنها على المحك حاليا اذ ان الاقتصادات الكبرى في الشمال تسعى جاهدة لمساعدة دول الجنوب في مواجهة صعوبات اقتصادية كبرى بسبب دينها العام الكبير والتي تعتمد اجراءات تقشف صارمة، وهذا الاختبار الذي لا تزال نتائجه معلقة كشف عن انشقاقات عميقة في البنية الاوروبية التي تشهد تراجعا في استطلاعات الرأي حيث يرى كثيرون ان الاتحاد كثير البيروقراطية.

وسارع عدة قادة اوروبيين الى الترحيب بهذه المكافأة، واكد رئيس المجلس الاوروبي هرمان فان رومبوي ان الاوروبيين تمكنوا من "تجاوز الحرب والانقسامات" لتشكيل "معا قارة سلام وازدهار"، من جهته، قال رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو ان جائزة نوبل للسلام "شرف كبير لمجمل الاتحاد الاوروبي ولمواطنيه ال500 مليون"، وكان رئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز عبر عن سروره بمنح جائزة نوبل للسلام للاتحاد الاوروبي. وقال شولتز "اشعر بالتأثر الشديد وبشرف كبير لان الاتحاد الاوروبي فاز بجائزة نوبل للسلام"، وبين اول الدول الاوروبية التي اصدرت ردود فعل، قالت المانيا "نرى في ذلك تشجيعا لمشروع كبير لاحلال السلام مثله الاتحاد الاوروبي في القارة الاوروبية التي نادرا ما شهدت فترات سلام طويلة"، واضاف ان "لجنة نوبل النروجية ترغب في التركيز على ما تعتبره النتيجة الاهم للاتحاد الاوروبي وهي نضاله الناجح من اجل السلام والمصالحة والديموقراطية وحقوق الانسان" مشيرا الى انه ساهم في انتقال اوروبا "من قارة حرب الى قارة سلام".

وقال "اليوم، اندلاع حرب بين المانيا وفرنسا امر غير وارد"، والاتحاد الاوروبي الذي تاسس في اعقاب الحرب العالمية الثانية بدفع من الدول الست الموقعة على اتفاقية روما عام 1957، كان يعرف انذاك باسم "المجموعة الاقتصادية الاوروبية" وساهم في ارساء الاستقرار في قارة غالبا ما كانت تشهد نزاعات. بحسب فرانس برس.

ورغم ازمات النمو المتكررة، جمع الاتحاد مصائر اعداء الامس واصبح اكبر سوق مشتركة واول قوة اقتصادية في العالم حيث ان حركة تنقل الاشخاص والاملاك والخدمات ورؤوس الاموال مضمونة، وعلى مر السنوات توسع المشروع ليشمل 27 دولة كانت لفترة خلت تقع، على جانبي "الستار الحديدي" وفيها تفاوت اقتصادي واجتماعي وثقافي كبير ويتشارك 17 منها الان بعملة واحدة، وبحسب رئيس لجنة نوبل يلاغلاند، المؤيد للمشروع الاوروبي والذي يشغل حاليا منصب امين عام مجلس اوروبا، فانه يعود الى الاتحاد الاوروبي ان يقرر من سيستلم الجائزة في اوسلو في 10 كانون الاول/ديسمبر في ذكرى مولد مؤسس هذه الجوائز السويدي الفرد نوبل.

ومن المفارقات ان النروج التي تمنح فيها هذه الجائزة العريقة، ليست عضوا في الاتحاد الاوروبي وقد رفضت مرتين الانضمام الى صفوفه خلال عمليتي استفتاء في 1972 و 1994، وبحسب اخر استطلاعات الرأي فان حوالى ثلاثة من اصل اربعة من سكان النروج يرفضون اليوم الانضمام الى الاتحاد الاوروبي وتشاطرهم الحكومة هذا الرأي، من جهته هنأ رئيس الوزراء النروجي ينس ستولتنبرغ الاتحاد الاوروبي على هذه الجائزة لكنه استبعد مرة جديدة انضمام بلاده، ومع هذه الجائزة المؤلفة من ميدالية ودبلوم وشيك بقيمة 8 مليون كورون سويدي (923 الف يورو)، تعوض لجنة نوبل عن اغفال تاريخي، فغالبية المعلقين كانوا يجمعون على القول على انه بعد غاندي، كان المشروع الاوروبي "الغائب الاكبر" عن مجموعة الفائزين بهذه الجائزة، ومنحت الجائزة السنة الماضية الى ثلاث ناشطات في مجال حقوق الانسان، اليمنية توكل كرمان والليبريتان ايلين جونسون سيرليف وليما غبويي.

انتقادات عديدة

في سياق متصل اعتبر جان-دومينيك جولياني رئيس مؤسسة روبرت شومان التي انشئت في ذكرى رجل السياسة الفرنسي الذي وضع الميثاق التاسيسي للمشروع عبر الاعلان الذي يحمل اسمه الصادر في ايار/مايو 1950 انه "امتياز كان يجب ان يمنح منذ فترة طويلة"، وذكر بان المشروع الاوروبي "هدأ اوضاع قارة كانت قارة حروب وبلغ فيها الهول ذروته في القرن العشرين مع عقيدتين شموليتين تعتبران بين الاسوأ وحربين عالميتين" من اسوأ الحروب.

وقال جولياني "عبر وقف ذلك بطريقة دائمة، ابتدع الاتحاد الاوروبي شيئا لم يكن قائما في تاريخ البشرية، التوحيد السلمي لقارة" الذي استند الى المصالحة الفرنسية الالمانية من اجل وقف الحروب نهائيا، وبعد اكثر من 62 عاما على اعلان شومان و55 عاما بعد معاهدة روما عام 1957 التي منحتها قاعدتها القانونية، اصبح بامكان السوق الاوروبية المشتركة للدول الست في البداية (فرنسا والمانيا وايطاليا وهولندا وبلجيكا ولوكمسبورغ)، ومع التوسع شرقا في 2004 ثم في 2007، جمع ايضا تحت سقف واحد نصفين كانا منقسمين في اوروبا خلال نصف قرن عبر "الستار الحديدي" في حين ان اتفاقية شنغن للتنقل بدون جوازات سفر تطمح لالغاء المراكز الجمركية في تلك الدول.

والاتحاد الاوروبي رائد ايضا في المساعدة الانسانية والمساعدة على التنمية وفي مقدمة حملة مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، كما يحاول ايضا لعب دور المصلح على الصعيد الدبلوماسي لا سيما في اطار المفاوضات حول الملف النووي الايراني، لكن هذه المكتسبات لم تعد كافية بالنسبة للمواطنين. فالسلام اصبح امرا واقعا. وبعد التوسع شرقا، جاء "التعب" من توسيع اوروبا والذي انعكس سلبا على وضع تركيا المرشحة للانضمام الى الاتحاد منذ 25 سنة، والتي بدأت الان تدرس خيارات اخرى.

وعلى الصعيد الاقتصادي فان الكتلة لم تعد مرادفا للازدهار، ويعاني الاتحاد من نمو ضعيف مزمن ونسبة بطالة مرتفعة وشعور متزايد بالتراجع النسبي في مواجهة صعود الصين والهند والبرازيل. لذلك وجهت الولايات المتحدة انظارها الى تلك المنطقة، وتراجع اهتمامها بالقارة العجوز، ورفض مشروع الدستور الاوروبي في 2005 في فرنسا وهولندا، الدولتان المؤسستان، وجه ضربة قوية للحلم القديم بالفدرالية. واصبح المشككون في اوروبا يتقدمون في كل الدول تقريبا لا سيما منذ ان بدا الاتحاد غارقا في الازمة. بحسب فرانس برس.

والمؤسسات الجديدة التي انشاتها اتفاقية لشبونة لم تقم بشيء لاعادة اطلاق المشروع. وتبقى السياسة الخارجية والدفاع المشترك غير قائمين لان الدول تعتبر على الدوام هذا المجال من اختصاصها، وفي هذا الاطار اضافت ازمة اليورو المستمرة منذ 2010 الى الاجواء الصعبة. وانهيار هذا المشروع الرائد يمكن ان يؤدي الى زعزعة استقرار كل الاتحاد الاوروبي.

ويرى البعض مثل زعيم تيار الليبراليين الاوروبيين غي فرهوفشتات او المؤيد للخضر دانيال كون بنديت ان الخلاص لن ياتي الا عبر قفزة فدرالية كبرى لتحويل الاتحاد الاوروبي الى اتحاد سياسي، ويرى المشككون في التكامل الاوروبي ان اليورو على العكس اثبت فشله وانه على الاتحاد الاوروبي ان يتحول الى منطقة واسعة للتبادل الحر. وفي بريطانيا تعلو اصوات مطالبة باستفتاء حول الخروج من الاتحاد الاوروبي.

الصحف الاوروبية

من جهتها رأت الصحف الاوروبية ان منح الاتحاد الاوروبي نوبل للسلام هو مجرد تذكير بتاريخ "نجح في الاستمرار 67 عاما بلا نزاع في القارة" لكنها شككت في توقيت تخصيص هذه الجائزة له بعدما اصبح "تجمعا لدول مفلسة الى حد ما".

وكتبت مجلة دير شبيغل الالمانية "فكرة جيدة وفائز سىء"، وقالت المجلة "لا احد يستطيع ان يجد مأخذا جديا على منح جائزة نوبل للسلام الى الاتحاد الاوروبي وهذه هي المشكلة (...) لكن القرار كان سيعكس شجاعة اكبر لو منحت الى رجل يجسد اليوم ما تفتقد اليه السياسات الاوروبية وهو جاك ديلور" الرئيس الفرنسي السابق للمفوضية.

وفي تعليق بعنوان "ستون عاما من السلام على الرغم من الازمات"، كتبت صحيفة لوسوار المسائية البلجيكية ان "المواطنين الاوروبيين الذين لدى كثيرين منهم اسباب لليأس، عليهم ان يعتبروا هذه الجائزة اليوم تذكيرا بما هي عليه اوروبا حتى الآن كجهة فاعلة كبرى في تشجيع التقدم والديموقراطية"، وهذا الرأي عبرت عنه ايضا صحيفة لا ستامبا الايطالية (يمين الوسط). وقالت الصحيفة ان "الجائزة تأتي مفاجأة في واحدة من اصعب اللحظات في عملية التكامل القاري وبينما لا تكف الازمة عن ضرب العائلات على حافة تمرد اجتماعي ممكن"، واضافت "انه اعتراف عملي اخيرا لطريق سمح بمرور 67 عاما بدون نزاع في اوروبا".

من جهتها، قالت صحيفة فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ ان "المشروع الاوروبي ليس مشروعا من الماضي ويبقى مهمة للمستقبل". واضافت ان "جائزة نوبل للسلام يفترض ان تمنح الاوروبيين شجاعة مواصلة العمل من اجلهم جميعا"، ورأت صحيفة دي فيلت الالمانية المحافظة ان "جائزو نوبل مكافأة على معجزة وتشجيع على الاستمرار في الايمان بالمعجزات"، وتشاطرها زميلتها الفرنسية لوفيغارو هذا الرأي قائلة ان نوبل "تشجيع لاوروبا التي تهزها الازمة وتذكير بان "اللجنة النروجية ميزت عملية بناء سمحت باحلال السلام في القارة لفترة طويلة"، اما صحيفة ليبراسيون اليسارية الفرنسية فكتبت ان "منح الاتحاد الاوروبي جائزة نوبل للسلام احتاج الى جرأة هائلة في اللحظة التي يواجه فيها تشكيكا لا سابق له في مصيره ويواجه ازمة تتجاوزه". بحسب فرانس برس.

من جهتها، وجهت الصحف البريطانية انتقادات كبيرة لمنح الاتحاد الجائزة، باستثناء فايننشال تايمز التي رأت في ذلك "اعترافا ملائما لمأثرة تاريخية"، فقد عنونت ديلي ميل المحافظة "نوبل للسلام تمنح للغباء"، ونشرت تحته صورة لمتظاهرين يونانيين يرتدون بزات نازية خلال الزيارة الاخيرة للمستشارة انغيلا ميركل لاثينا، واستخدمت الاندبندنت ايضا صورة لمحتجين يونانيين قرب تصريح للجنة النروجية يقول ان الاتحاد "مشروع فريد احل السلام في مكان الحرب".

وصدرت اشد الانتقادات من صحيفة تسود دويتشه تسايتونغ الالمانية (يسار الوسط) التي اعتبرت انها "مكافأة على الماضي وتحذير للمستقبل".

وكتبت الصحيفة "الاتحاد الاوروبي حائز نوبل للسلام؟ هذا التجميع للدول المفلسة الى حد ما والمنقسمة حول اكبر مشروع مشترك والوحدة النقدية التي اصبحت قاب قوسين عن التفكك؟،  انه امر مبالغ فيه من قبل اللجنة النروجية التي يتوجب عليها العمل لتؤخذ قرارتها على محمل الجدية على الامد الطويل"، واخيرا طرحت صحيفة بيلد الشعبية الالمانية سؤالا عمليا هو "من سيتسلم الجائزة؟"، متسائلة "هل استحق باروزو ومجموعته هذه الجائزة فعلا؟".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/تشرين الأول/2012 - 9/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م