الهولوكوست مصدر لكسب المال

الهولوكوست والحقائق الغامضة (3)

علي الأسدي

كنت قد بينت في الجزء السابق من هذ المقال بأن رئيس التحالف اليهودي الأمريكي ومدير متحف الهولوكوست في واشنطن ميلز ليرمان الذي يحتفظ بحق رعاية متحف أوشفيتز في بولندا قد وقع عام 1989عقد اعارة طويلة لأكثر من نصف محتويات المتحف البولندي الى متحف الهولوكوست في واشنطن. لكنه قرر في عام 1998 بيع الهولوكوست البولوني بمبلغ ستة ملايين دولار الى مؤسسة أمريكية اخرى. السيد ليرمان لم يتشاور مع المؤسسات اليهودية الأخرى التي تعتبر نفسها معنية هي الأخرى بمجمع الهولوكوست بأوشفيتز. لقد أحدث خبر البيع صدمة في أوساط المؤسسات اليهودية الأخرى، مما دفع أحد ربابنتها وهو رابي آفي ويس للكتابة عنه منتقدا تصرف ليرمان وانفراده باتخاذ قرار البيع. وأدناه جزء من المقال الذي كتبه الرابي ويس بالانكليزية:

 New Revelations About the Auschwitz-Birkenau Sell-Out

by Avi Weiss

We now have in our hands the document that confirms our charge that Auschwitz-Birkenau is about to be sold out by Miles Lerman, chairman of the United States Holocaust Memorial Museum, in collaboration with the coalition of Jewish organizations he has drawn into his scheme.

The document is entitled, "Declaration Concerning Principles for Implementation of Program Oscwiecimski." Section 6 deals with the "Presence of Post-Period Elements," as follows: "Recognize as a paramount concern the delicate and sensitive problem created by the introduction of religious symbols in Auschwitz-Birkenau since its liberation in January, 1945. These symbols have created needless tensions in the past. Henceforth [italics added], there should be no introduction of post World War II elements on the site within the internationally-recognized UNESCO Protection Zones- including the introduction of religious symbols without the unanimous approval of the signatories. This prohibition does not include museological and educational elements."

نشر المقال في صحيفة: - Israel Resource Review- ألخص بعضا مما جاء فيه.:(6)

لقد عبر رابي ويس وهو نفسه رئيس تحالف يهودي عن معارضته لعملية البيع، واحتج بنفس الوقت على سماح السيد ميلز ببناء كنيسة مسيحية ضخمة هناك مع صليب ضخم بطول ثمانية أمتار، ما يعني أن ضحايا الهولوكوست لم يكونوا يهودا فحسب بل مسيحيين وهذا غير صحيح في رأيه. واحتج أيضا على تحويل أوشفيتز الى ما يشبه المنتزه السياحي، حيث أقيمت هناك مطاعم للأكلات السريعة ما يتنافي مع قدسية المكان الذي يذكر بآلاف اليهود الذين قضوا في المجمع. وقد بين أن مثل هذا التغير في طبيعة الموقع يتعارض مع توجهات منظمة اليونيسكو التي أقرت بأن الموقع وما حوله بمساحة كيلومتر واحد يعتبر معلما تاريخيا، ويجب على المسئولين عن المجمع أن يحافظوا على طبيعته والامتناع عن اجراء أي تغييرات عليه باعتباره أثرا تاريخيا. ويدعي الرابي أن المكان هو أكبر مقبرة في التاريخ، وان بناء مطاعم هناك يتعارض مع الشعور بتبجيل الأموات. هذا ما ورد باختصار في مقال السيد ويس.

 بيع الهولوكوست هو تماما كمن يبيع التاريخ، التاريخ هو الشيء الوحيد الذي له قيمة لكن ليس له ثمن، لقد بيع بستة ملايين دولار، وحتى لو بيع بستة مليارات دولار فان الفعل بحد ذاته يثبت كم هي بخسة قيمة دماء ومعاناة وأرواح ضحايا النازية من النساء والرجال والأطفال يهودا وغير يهود في المعايير الأخلاقية لقادة المؤسسات اليهودية. ويدلل بنفس الوقت أن ليس معاناة اليهود ما يشغل المنظمات اليهودية تلك، وانما المصالح التجارية التي حولته الى مصدر لكسب المال وليس شيء غير المال. ووفق هذه القاعدة وتجسيدا لها تم ويتم تجاهل حقوق شعب فلسطين في أرضه، وينكل بمواطنيه، ويطارد ويغتال قادة تحريره تماما كما طورد واغتيل اليهود من قبل النازية الألمانية. لكن التجارة بأرواح ضحايا الهولوكوست لم تنتهي بالبيع أو الشراء.

فبعد ثلاثة وعشرين عاما على اعارة محتويات مجمع الهولوكوست البولندي الى متحف الهولوكوست الأمريكي بدأت المحادثات بناء على الطلب البولندي لدراسة طلب إنهاء الاعارة واستعادة محتويات أوشفيتز من متحف الهولوكوست في واشنطن.(7)

بولندا تذكرت بعد ثلاثة وعشرين عاما أن المحتويات المعارة التي تطالب بها لها أهمية بالغة كرمز تاريخي مهم وكجزء من متحفها الحالي في أوشفينجين، لكن الطرف الأمريكي يرفض اعادتها بحجة أن اكثر المواد حساسة جدا ولا يجب أن تتحرك من مكانها، لأن ذلك يعرضها للتلف. الطرف الأمريكي في بيانه للصحافة كما نقلته وكالة الأسوشيتت بريس قال: " كلا من ممثلي المتحف الأمريكي والبولندي يناقشون بجد عدة مقترحات ونحن نبقى ملتزمون بالاستمرار معهم للوصول الى حل." لكن المتحدث لم يذكر فيما اذا سيوافق على اعادة المحتويات أم لا؟

  البولنديون يتحدثون عن الاعارة وكأنهم يجهلون ان ميلز ليرمان قد باع الهولوكوست في أوشفيتز واستلم الثمن عام 1998 وان المحتويات التي يطالب بها الطرف البولندي لم تعد ملكية بولندية منذ اليوم التي وضعت المؤسسة اليهودية الأمريكية التي يرأسها ليرمان يدها على أوشفيتس عام 1989. لكن مسئولي المتحف البولندي يتباحثون منطلقين من اتفاق الاعارة الذي وقع 23 عاما مضت والتي انتهت مدته منذ ثلاث سنوات، وأن الوقت قد حان لاستعادته. المحتويات المعارة ليست رزما بريدية يمكن حملها الى المطار والعودة بها الى بولندا، انها نصف منشآت أوشفيتز، حيث تشمل قاعات بكامل محتوياتها من أثاث ومعدات ثقيلة وخفيفة لمختلف أغراض مركز الاعتقال، اضافة الى مقتنيات السجناء الشخصية، واذا لم أكن مخطأ فان واحدا أو أكثر من أفران وغرف الغاز قد نقلت واستقرت في متحف الهولوكوست في واشنطن.

 لقد اتهم مدير المتحف البولندي في أوشفيتز المؤسسة اليهودية الأمريكية التي استعارت محتويات المجمع بالاخلال بالعقد المبرم عام 1989 والذي انتهت مدته عام 2009. وبين بأنه طالب عدة مرات الجهة الأمريكية بضرورة اعادة المواد المستعارة وأنه لا خيار آخر له طبقا للقانون البولندي. المواد المستعارة كما يذكر المسئول البولندي بالغة الأهمية ليس فقط لواشنطن بل لنا ايضا، ومما يدل على اهمية التحرك البولندي هو مشاركة وزيري الخارجية والثقافة في المحادثات، أما صفقة بيع مجمع أوشفيتز فلم يكشف النقاب عنها في المحادثات، وتبقى الأسئلة المتعلقة ببيعه بدون إجابة، لأن السيد ليخ فاونسا وحكومته التي تمت الاعارة والبيع في عهدهم يلتزمون الصمت خشية الفضيحة.

وبينما ينشغل البولنديون والمؤسسات اليهودية في شأن محتويات الهولوكوست وعائديتها، فان النشاط الاقتصادي الربحي المعتمد على الهولوكوست وضحاياه فمستمر ومزدهر على قدم وساق، والسياح يتدفقون دون انقطاع للتعرف على تاريخ وأحداث الهولوكوست. بنفس الوقت تتدفق التبرعات المالية من شتى انحاء العالم تحت عنوان صيانة منشآت الهولوكوست في بولندا. فعلى سبيل المثال لا الحصر تبرع الاتحاد الأوربي العام الماضي بمبلغ مقداره خمسمائة وتسعة ملايين دولارا، والولايات المتحدة بمائة وخمسون مليون دولار، وألمانيا بمليون دولار اضافة الى استعدادها للمساهمة في اعادة بنائه. واسكوتلندا تتبرع بمائتين واربعة عشر مليون باوند لارسال طفلين من كل مدرسة سنويا لزيارة الهولوكوست. ومدير متحف الهولوكوست البولندي يطلب من الاتحاد الأوربي هذا العام مائة وستون مليون دولار لصيانة الهولوكوست. وقد طالب عدد من الناجين من الهولوكوست في اسكوتلندا ارسال نصف مليون باوند كمساعدة سنوية للهولوكوست. وقد علق ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا على ذلك قائلا، انه نوع من أنواع الدعاية. (7)Conservative leader David Cameron branded 'sick and ignorant' in Auschwitz row - after describing school trips to Auschwitz as a headline-grabbing "gimmick" | Taxpayers to cough up for day trip to Auschwitz for pupils from every UK school - And what about the carbon footprint of this useless stunt?|

 إن أموال التبرعات المستلمة منذ المباشرة بتحويله الى معلم سياحي تكفي لبناء هولوكوست جديد في كل مدينة بولندية كما في الولايات المتحدة، حيث انشأ عددا من متاحف الهولوكوست استذكارا لضحايا النازية في أوشفيتز. لكن من يدري ربما الدعوة لصيانة مجمع أوشفيتز أكثر استعطافا لاستمرار تدفق المساعدات المالية الى المسئولين عن ادارة وصيانة متحف الهولوكوست في OSZWENCINIE.الكثير من الحقائق التاريخية المرتبطة بالهولوكوست بقيت بعيدة عن علم واهتمامات الرأي العام العالمي، بينما أضفي على البعض الآخر الغموض والضبابية في حين سلطت الأضواء على جوانب محددة من تاريخ تلك الحقبة الفظيعة من الحرب وما تلاها من معاناة انسانية صعبة الوصف وغير قابلة للنسيان مدى الدهر.

المعضلة المحيطة بالهولوكوست منذ اكتشافه لأول مرة بداية الحرب العالمية الثانية ليست حول حقيقة وجود أو عدم وجود الهولوكوست، فهو واقع ولا شك في ذلك، بل بالمغالات بما اصاب اليهود كجنس ودين وهوية وتوظيف ذلك لخدمة اهداف سياسية تمحورت حول مبررات قيام دولة لليهود وتقديم كل أنواع الدعم لها، ليشمل الدفاع عن اهدافها التوسعية على حساب الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. لقد أصبح هذا بديهة معروفة ومن يناقشها يتهم بمعاداة السامية واسرائيل، بنفس الوقت الذي يتم فيه التجاهل التام لتضحيات المواطنين الأخرين من غير اليهود.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/تشرين الأول/2012 - 9/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م