الكتاب وآفاق التنمية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: المعروف أن التنمية لا ترتكز على توافر الاموال فحسب، نعم أهمية وفرة المال اللازم لمواصلة التنمية، تفرض نفسها بقوة علينا اذا أردنا أن نكون من الدول المدنية الراسخة، ولكن هناك شرط آخر اذا لم يرافق المال، فإن التنمية تبقى ناقصة، أو تقتصر على الجانب المادي فقط.

بمعنى أوضح نستطيع من خلال وفرة المال أن نطوّر المنشآت والبنايات والعمارات والشوارع والحدائق، وكل ما يتعلق بتصميم المدن من الناحية الشكلية، ولكن سيبقى هناك نقص كبير يتعلق بالجانب الفكري المحايث، فإذا لم يأخذ التطور التنموي مسارين مترافقين يتوزعان على (المادي/ والفكري)، وينحصر في البناء المادي الشكلي، فإن التنمية وآفاقها تبقى محدودة، إذ ما فائدة أن تبني الشكل المادي وتبقى قضية بناء الانسان وفكره وثقافته مفقودة او ضعيفة، لا تجد من يهتم بها ويعطيها الحيّز الكافي من الوقت والتخطيط وما شابه؟.

هكذا لا تستقيم آفاق التنمية ولا تتوسع ما لم يكن هناك تطور في البنية الفكرية الثقافية للمجتمع، فحتى لو صرفت مئات المليارات في مجال العمران، وتركت الوعي المجتمعي جانبا، فإنك ستحقق تنمية ولكنها عرجاء، لأنها تقتصر على ركن واحد هو تطوير المادة وإهمال الفكر والثقافة.   

من الواضح أن المجتمع يحتاج الى تنمية شاملة في الميادين الفكرية الثقافية والبنائية المادية في آن واحد، وطالما توافرت الموارد اللازمة للتنمية، فإن الثقافة يجب أن تنمو وتسود في حياة الفرد والمجتمع، والثقافة لها ادواتها التي تنشرها بين الناس صغيرهم وكبيرهم، ولعل الكتاب من اهم وابرز مرتكزات الثقافة ووسائل نشرها، لما يتمتع به الكتاب من علاقة خاصة وراسخة مع الانسان.

هناك نوع من السحر الجاذب للانسان نحو الكتاب، حتى في ظل التطور التقني الهائل في نشر الافكار وتوصيلها عبر العالم، إلا أن الكتاب يبقى الوسيلة المؤثرة والفاعلة في نشر الثقافة وبثها الى أكبر عدد من العقول، لذا على الدولة التي تهدف الى إحداث تنمية شاملة ذات آفاق متعددة وواسعة، أن تركّز على قضية نشر الكتاب (من حيث الطباعة والتوزيع)، مع مراعاة السعر المدعوم للمطبوعات كافة.

هذا التوجه الحكومي والمدني نحو الاهتمام بالكتاب لنشر الفكر وتطوير الثقافة، يشكل النصف الآخر من وسائل التنمية واهدافها ايضا، واذا اقتصر الحال على نصف الامكانيات والوسائل لتحقيق التنمية الشاملة، واعتماد الاموال لتحقيق التنمية، فإن الامر سيكون صعبا، اذا لم يواجه الفشل في تحقيق الاهداف التنموية المبتغاة.

لدينا تجارب مجاورة وقريبة تتعلق ببلدان نفطية، حققت تطورات مادية مذهلة، من حيث البناء والتصاميم لأشكال المدن ومرافقها، لكن بقي هناك نقص في تطوير الثقافة والفكر، وبقي الانسان عاجزا عن موازاة التطور المادي، لأن فكره وثقافته بقيت قاصرة، بسبب اهمال الفكر والثقافة، من خلال اهمال ادوات التوصيل والنشر الثقافي، ومنها الكتاب الذي يعد الوسيلة الاكثر قدرة على الالتصاق بالانسان وتعبئته فكريا وثقافيا.

بالنتيجة ستعود خطوات الاهتمام بالكتاب الى رفع الانتاج كمّاً ونوعا، لأن الوعي سيأخذ دوره في هذا المجال، كذلك الثقافة العالية تساعد على الانتاج الافضل من حيث الجودة وسواها، لأننا سنتفق على ان الانسان المتعلم الواعي المثقف، سيكون عاملا منتجا ذا مؤهلات جيدة، تدفعه بالنتيجة الى تحقيق الانتاج الافضل والاكثر في الوقت نفسه.

من هنا استطاعت الدولة او الحكومة او الجهات المعنية من خلال اهتمامها بالكتاب ونشر الفكر والثقافة، أن تخلق مواطنا متميزا كونه حصل على الوعي المطلوب، وهكذا يكون الكتاب قد أسهم في تحقيق التنمية واسعة الآفاق، متعددة الميادين.

وبهذا سنصل الى نتائج مفادها حتمية اهتمام الحكومة والجهات المعنية، بالكتاب ونشر الوعي الى جانب البناء المادي المتأتي بسبب توافر المال المطلوب، لذا فإن التنمية من دون ثقافة ستبقى قاصرة، كما أن الوعي والثقافة مع فقر الموارد تبقى قاصرة أيضا في نقل المجتمع الى حال افضل.

الحكومة التي تتبنى التنمية وتسعى إليها، لابد أن تضع في أولوياتها نشر الوعي والفكر بين عموم الناس، والكتاب يتصدر وسائل نشر الفكر والثقافة، فعليها الاهتمام بالكتاب طباعة ونشرا وتوزيعا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تشرين الأول/2012 - 7/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م