الانفصاليون في أوروبا .. مكاسب مهمة وسط الأزمة الاقتصادية

 

شبكة النبأ: من مراعي قطالونيا الممتدة في جبال البرانس إلى مرتفعات اسكتلندا التي تكسوها الأعشاب يحقق أصحاب النزعة الانفصالية مكاسب مع ازدياد شدة الأزمة الاقتصادية الأوروبية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن عدد الدول المستقلة على الخرائط سيرتفع، فقد سجل الوطنيون المطالبون بوطن للفلمنك مكاسب كاسحة في الانتخابات المحلية البلجيكية ووافقت اسكتلندا على الأحكام التي سيجري بمقتضاها استفتاء على الاستقلال عن بريطانيا عام 2014 كما يتوقع الانفصاليون في قطالونيا أن تعزز انتخابات إقليمية الشهر المقبل قضيتهم، وفي الوقت الذي تتنازل فيه الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي عن المزيد من صلاحياتها فيما يتعلق بالميزانيات والسياسة الاقتصادية لصالح الاتحاد تتعالى أصوات الشكوى وتشتد حدة الصراعات على مستوى الاقاليم على حصة متناقصة من المال العام، وفي الاقاليم الأكثر ثراء مثل اقليم قطالونيا الذي يتحدث أهله بلغتهم الخاصة وكذلك اقليم الفلاندرز حيث يتحدث الناس باللغة الهولندية وكلاهما من الاقاليم التي تتمتع بحكم ذاتي واسع النطاق يستاء الناس من دفع أموال لاقاليم أفقر من اقليم الاندلس حيث يتحدث الناس باللغة الاسبانية أو أقليم والونيا حيث تسود اللغة الفرنسية، ورغم أنه لا توجد حركة انفصالية في ألمانيا فإن اقليم بافاريا المزدهر نقل معركته ضد نظام يجبره على تحويل جانب من ايراداته لولايات اتحادية أفقر إلى ساحة القضاء، وتعتقد اسكتلندا أن بوسعها إدارة شؤونها على نحو أفضل من خلال تحقيق استفادة أكبر من احتياطيات النفط والغاز البحرية وذلك رغم أنها أفقر من انجلترا ورغم أن حكومة لندن تدعمها، ولا تقل أوجه الخلاف عن أوجه الشبه بين الحركات الانفصالية كما أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أيا من هذه الحركات لم يحقق حتى الان من الدعم الشعبي ما يتيح له تحقيق الانفصال، ويتأرجح التأييد الشعبي لاستقلال اسكتلندا عن بريطانيا بين 30 و40 في المئة ولم يطرأ تغير يذكر على هذه النسبة مع تزايد حدة المفاوضات. بحسب رويترز.

ووجد أحدث استطلاع أجرته مؤسسة متروسكوبيا الاسبانية في أواخر سبتبمر أن 43 في المئة من سكان قطالونيا يريدون الاستقلال الكامل بينما يعارضه 41 في المئة، ومن المفارقات أن قطالونيا الذي يعد من الاقاليم الأكثر ثراء في اسبانيا من حيث نصيب الفرد من الدخل وإن كان يعاني من ارتفاع ديونه يحث مدريد على وضع خطة لانقاذه من الديون في الوقت الذي يطالب فيه بالاستقلال، وقال ارتورو ماس رئيس وزراء الاقليم والذي ينتمي لحزب التقارب والاتحاد المطالب بالاستقلال ويمثل يمين الوسط "من دون دولة لن تستطيع قطالونيا البقاء."

وهو يرى أن الاقليم الذي يعد مركزا لصناعات التكنولوجيا المتقدمة والزراعة عالية الانتاجية يمول الحكومة المركزية في مدريد بأكثر مما يستفيد منها وأن بالامكان استخدام الفارق النقدي في تحسين الخدمات الاجتماعية والصحية، وبعد مظاهرة شارك فيها نصف مليون شخص في عيد قطالونيا الوطني الشهر الماضي تعهد ماس أنه إذا فاز في الانتخابات الاقليمية فسيجري استفتاء على الاستقلال. وردت مدريد قائلة أن هذا الاستفتاء سيكون غير قانوني، ويقول العديد من المسؤولين في قطالونيا وأسبانيا إنهم لا يتوقعون اجراء استفتاء بل عملية تفاوض تفضي إلى منح الاقليم سلطات أكبر في جمع الضرائب وانفاق الايرادات. وتطبق ترتيبات مماثلة في اقليم الباسك الذي يبدو ان الجماعات ذات النزعة الوطنية ستفوز فيه بالاغلبية في انتخابات اقليمية تجري هذا الشهر، وبعيد عن قطالونيا فإن الساسة الذين يتمتعون بصفات كاريزمية من أمثال اليكس سالموند الوزير الاول في اسكتلندا والزعيم الفلمنكي بارت دو فيفر حولوا حركات انفصالية هامشية إلى قوى سياسية راسخة تتمتع بالاحترام.

وعزف هؤلاء الزعماء على نغمة تزايد الاستياء من الأحزاب التقليدية التي تمثل يمين الوسط ويسار الوسط وتقاسمت مسؤولية تنفيذ اجراءات تقشف في الأزمة الاقتصادية منذ عام 2008، وقد استغل سالموند نظام تفويض السلطة إلى المجالس المحلية المعمول به في بريطانيا لتجنيب اسكتلندا بعضا من أكثر تدابير التقشف اثارة للاستياء التي فرضها رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون مثل زيادة رسوم التعليم الجامعي وبعض رسوم الرعاية الصحية، أما دو فيفر فقد نادى بخفض الانفاق بدلا من الزيادات الضريبية التي فرضها الائتلاف الاتحادي في بلجيكا بزعامة رئيس الوزراء الاشتراكي ايليو دي روبو، وكان الزعيم الفلمنكي حذرا في مقابلة في اليوم التالي لفوزه في انتخابات مدينة انتويرب التي تعد حصنا للاشتراكيين منذ ثلاثينات القرن الماضي. فشدد على ضرورة التوافق والتدرج بدلا من الاندفاع إلى الاستقلال.

وسئل دو فيفر عما إذا كان يشعر أن لديه أغلبية تحقق له الاستقلال فقال "هذا الامر ليس مطروحا على جدول الاعمال الان"، وحث رئيس الوزراء دي روبو على بدء التفاوض قبل الانتخابات العامة في 2014 لتعديل الدستور الاتحادي بما يقلل من صلاحيات الدولة الاتحادية، ويعيش في اقليم الفلاندرز 6.3 مليون نسمة من سكان بلجيكا البالغ غددهم 11 مليون نسمة، وسئل دو فيفر عن أوجه الشبه مع قطالونيا واسكتلندا فقال "الناس تعقد هذه المقارنة كثيرا لكننى أرى أوجه الخلاف على نحو خاص. فنحن لسنا أقلية في بلادنا كما أننا لسنا قطعة واحدة في لعبة يلعبها عدد كبير من اللاعبين. نحن بلد فريد"، ورغم هذه الفروق فإن التعاون بين المطالبين بالانفصال في أوروبا في ازدياد إذ يشتركون في تكتيكاتهم ويستلهمون الأفكار من بعضهم بعضا، كذلك فإن عيونهم مركزة على كيبك الذي فاز فيه حزب انفصالي في الانتخابات الاقليمية الشهر الماضي لكن دون الاغلبية اللازمة لمواصلة المطالبة بالانفصال، كما أن صعود نجم الحركات الانفصالية في أوروبا يمثل جزءا من تبدل الأجيال حيث تتراجع الأحزاب السياسية التي تضرب بجذورها في الصراعات الطبقية خلال القرن التاسع عشر أمام مد قوى أحدث برزت للوجود خلال حياة الناخبين الحاليين.

ومن هذه القوى حركة الخضر صاحبة الدعوة للحفاظ على البيئة والمتشككون في الوحدة الأوروبية من أقصى اليمين والجماعات المناهضة للهجرة إلى أوروبا بالإضافة إلى أصحاب النزعات الانفصالية الذين اكتسبوا خبرات في المجالس النيابية المحلية وأجهزة الحكم المحلي، وكانت نتائج اللامركزية في العديد من الدول الأوروبية منذ السبعينات والثمانينات أبعد ما يكون عن تحصين الدول من احتمالات الانفصال بل إنها عملت على ترسيخ الانفصاليين في المشهد السياسي، وقد أدى تزايد دور الاتحاد الاوروبي ومنح سلطات أوسع للمجالس المحلية في العديد من الدول إلى تقليص سلطات دول في أوروبا بما يخفف من مشكلة الانفصال.

لكن بعض الحكومات الاوروبية تلعب بورقة الخوف من الانفصال عن أوروبا في سعيها لاقناع الناخبين بعدم اختيار الاستقلال، فقد حذر رئيس الوزراء الاسباني المحافظ ماريانو راخوي من أن أي اقليم يختار الاستقلال سيجد نفسه خارج الاتحاد الاوروبي لان انضمام دول جديدة لعضوية الاتحاد يتطلب موافقة بالاجماع، وقال راخوي في خطاب "إذا كنت خارج أسبانيا وخارج الاتحاد الاوروبي فأنت في الفراغ محكوم عليك بالعدم"، ويقول مسؤولون أوروبين إن اسكتلندا لن تنضم تلقائيا للاتحاد الاوروبي إذا اختارت الانفصال. فهذا سيتوقف على مفاوضات معقدة حول اقتسام الدين العام ومسائل إدارية أخرى. كما أن لندن سيكون لها أن تستخدم حق النقض (الفيتو).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/تشرين الأول/2012 - 6/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م