قصور السلطات... حشر مع الناس عيد!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يقول علماء النفس، أن الانسان بطبعه يميل الى تقليد الآخر، بالفعل والقول، وكلما اتسعت الظاهرة، كلما تضاعف عدد المنخرطين فيها، لدرجة أنها تُصبح عملا مقبولا، حتى لو كان خاطئا، لهذا يردد الناس في مثل هذه الحالة، المقولة ذائعة الصيت (حشر مع الناس عيد)، وقد لا ينطوي الامر على خطورة او ضرر عندما تكون الظاهرة جيدة وتصب في صالح الفرد والمجتمع، فحين تتعلق بالتكافل المجتمعي مثلا، هذا فعل رائع ويصب في البناء السليم، لكن المشكلة تكمن في تحوّل الظاهرة السلبية الى فعل جماعي مقبول ومسوَّغ في آن.

مثال الظواهر التي تسيء للمجتمع، قضية الفساد بأنواعه، أي الفساد الاداري والمالي والاخلاقي ايضا، هذه الانواع من الفساد، تحوّلت الى أفعال مبررة ومقبولة تحت مقولة (حشر مع الناس عيد)، بمعنى كلما يزيد عدد الافراد والجماعات التي تقوم بأعمال الفساد، كلما اصبحت هذه الظاهرة مبرَّرة ومقبولة بين اوساط المجتمع، في هذه الحالة يقوم المجتمع بتدمير نفسه من دون أن يعي ذلك.

في الدولة التي لا تحترم مواطنيها، تنشأ ظواهر كارثية، وحينما تهمل الحكومة المجتمع، وتتلكّأ في تقديم الخدمات الانسانية الاساسية، وتتعامل بمكاييل متعددة، وتغيّب مبدأ تكافل الفرص وترفض المساواة بين المواطنين، وتلغي الحريات، وتكمم الاعلام وحرية الرأي، وتمضي قُدما في التجاوز على المال العام، وتراعي اصحاب المناصب والنفوس الجشعة على حساب الشعب وحقوقه، في حكومة كهذه ودولة كهذه، يُصبح مبدأ (حشر مع الناس عيد) مشاعا وفاعلا في المسار الخاطئ، والمشكلة ان الناس يجدون في الدولة والحكومة عدوّاً لهم، فيتعاملون معها كأعداء، بدلا من السعي الى الاصلاح والمبادرة بالمعالجات الصحيحة.

لذلك عندما يُسحَق المواطن ويُهمَل كليّاً من لدن الحكومة، سوف يشعر بالاجحاف والغبن، وسيعاني كثيرا من الشعور بالاهمال، وهذا بدوره يولّد لديه رد فعل عدائي ربما يتطور ليصبح تخريبي، فهو بدلا من أن يطالب بحقوقه بالطرق السلمية كالمظاهرات واطلاق الرأي والاستفادة من الاعلام والمنظمات المعنية، فإنه قد لا يجد هذه الاساليب متاحة له في استرجاع حقوقه، وقد يجهلها تماما، وربما تمنع عليه الحكومة نفسها اللجوء الى هذه الاساليب الصحيحة في التعبير عن المعارضة والمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية، وربما يجد من سبقه الى انتهاج العمل التخريبي كتعبير عن معارضته للحكومة، حينئذ، وتحت تبرير (حشر مع الناس عيد)، لا يبقى أمام المواطن سوى الانجرار الى الظواهر المدمرة للبناء المجتمعي، مثل الانخراط في اعمال الفساد بأنواعه، والارهاب وما شابه.

هنا لابد أن تنهض المنظمات المدنية المعنية، اضافة الى النخب الاصلاحية في المجتمع، الى بث الوعي المطلوب والفعل الصحيح بين الناس، فالدولة هي ملك المواطنين وليس ملك الحكومة، والتخريب الذي يطال الدولة، لا يطال الحكومة ومن يتبع لها من اعضاء كبار يتربعون على المناصب الحساسة، لذا فإن أي عمل ذي طابع تخريبي لا يمكن أن يتم تبريره تحت هذه المقولة او تلك، ولا يمكن القبول بمنهج (حشر مع الناس عيد)، في تعميق الظواهر التخريبية التي تزيد الاوضاع سواءً بدلا من معالجتها.

يشترك في معالجة هذه الظاهرة الوعي المجتمعي نفسه، واذا كان المواطن يشعر بالغبن من الحكومة او الدولة، ينبغي أن يصطف الى المعارضين الواعين الحريصين على دولتهم، أولئك الذين يعلنون معارضتهم بأساليب متمدّنة، تكفل لهم ايصال اصواتهم ومطاليبهم الى المعنيين من الحكومة والى غيرهم، عبر وسائل الاعلام والقنوات المتاحة لذلك، قد لا تتحقق الاستجابة بالسرعة المطلوبة، لكن في جميع الاحوال تكون المعارضة السلمية هي الطريق الاكثر صوابا في اعلان الرأي والمطاليب، وهي الطريقة التي لا تتسبب في الضرر حتى لو اصبحت فعلا جماعيا يقوم به الجميع تحت تبرير (حشر مع الناس عيد).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/تشرين الأول/2012 - 5/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م