اساطير الهولوكوست وتضليل الرأي العام

الهولوكوست والحقائق الغامضة (2)

علي الأسدي

كنت قد أشرت في الجزء السابق من هذا المقال الى تضارب الآراء حول أعداد ضحايا الهولوكوست وفيما اذا توجد أدلة كافية على واقعية رقم الستة ملايين يهودي الذي تردد مرارا في الصحافة والاعلام الرسمي والموالي للدولة الاسرائيلية. وقد أوردت ما ذكره المؤرخ الاسرائيلي البروفيسور Yehuda Baur في صحيفة ذي نيويورك تايمز الأمريكية في عددها 12\11\1989 الذي جاء فيه: أن رقم ضحايا الهولوكوست مبالغ فيه كثيرا، وانه يقل كثيرا عن نصف الرقم المتداول في المؤسسات والصحافة الاسرائيلية واليهودية حيث قدره بمليونين ونصف المليون. ويضيف، ليس كل الضحايا من اليهود بل ان مليونا ونصف منهم كانوا من البولنديين السياسيين اللذين قاوموا الاحتلال النازي. وإن على المؤرخ قول الحقيقة، والحقيقة بهذا الرقم هي فظيعة بما فيه الكفاية. (2)

وفي مقال له في الصحيفة الاسرائيلية جيروسليم بوست في سبتمبر من نفس العام قال عن الأرقام المتداولة بأنها زائفة. وعندما كان في الولايات المتحدة لإلقاء محاضرات عن الهولوكوست ردد فيها أراءه عن زيف تلك الأرقام، استلم على اثرها رسائل ومكالمات هاتفية من اسرائيل يتساءلون فيها عن سبب اشارته الى أن اقل من مليون من اليهود ماتوا في أوشفيتز؟ وقد أجاب قائلا: " على المؤرخ أن يتحاشى محاولة تأليف الأساطير، فلذلك تأثيرات خطيرة على المدى الطويل، وان البولنديين قد فقدوا حياتهم هناك مثلهم مثل اليهود وليس من العدالة تجاهل تضحياتهم، وأن كثيرا من المجتمعات قد حافظت على حياة اليهود الذين عاشوا بينهم."

ويذكر المؤرخ السويسري البروفيسور فريدريخ ستيلزيل من زويريخ، أن ما رأه في أوشفيتز بعد الحرب العالمية الثانية هم سجناء سوفييت، وأن عدد الذين مروا من خلال مركز الاعتقال بلغ (405،222) ألفا منهم (34000) الفا قضوا هناك. وفي مقال للدكتور ديفيد سيزاراني مدير مكتبة واينر في لندن بعنوان " صيانة عنبر الموت "(3)، نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في عددها يوم 29\11\1993 ذكر أن غرف الغاز في المجمع قد بنيت في عام 1948 بعد ثلاث سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية. وإن مداخن أفران الغاز قد بنيت في نفس العام، وإنها مجرد رموز. وفي مقدمة كتاب بعنوان " مناظرة حول الهولوكوست: نظرة جديدة نحو كلا الجانبين ", لمؤلفه الدكتور توماس ديلتون جاء فيها (4):

" لم تكن هناك ميزانية، لم تكن هناك خطة، ولم تكن هناك أوامر من هتلر بالقتل"، وينقل عن الخبير في الهولوكوست راؤول هيلبيرن، قوله: " ان ما بدأ فيه عام 1941هو عملية اضطهاد وقمع من دون خطة موضوعة من قبل، ولم تكن منظمة مركزيا من قبل مؤسسة ما، ولم تكن هناك وثائق أو ميزانية مالية خاصة بذلك أو اجراءات بخصوصه." ويذكر ديلتون في كتابه: " الأدلة المادية في العنبر الرئيسي غائبة. عملية القتل بالغاز التي أشيع عنها موضوع أسئلة هامة. وان الرقم "ستة ملايين " الذي يرمز الى عدد الضحايا يثير الحيرة.

 المشككون في ادعاءات الهولوكوست يقولون أن الرأي العام قد ضلل بدرجة خطيرة من قبل المؤرخين التقليديين." لكن من خلال متابعتي الشخصية لما نشره المشككون في صحة الأرقام المتداولة من قبل المؤرخين التقليديين، وتلك التي وردت على لسان المؤرخ الاسرائيلي لم أجد رقما واحدا يتفق عليه المشككون باعتباره أكثر تعبيرا عن واقع ما حدث في أوشفيتز وعدد ضحاياه. وهذا ما دفعني لمتابعة التنقيب باحثا عن الحقيقة، وبنفس الوقت كشف التزييف أيا كانت الجهة التي روجته.

ففي وثيقة ألمانية تم الكشف عنها في 8\1\ 1948 تخص المحاكمات التي جرت في مدينة كراكوف البولندية عام 1947للنظر في قضايا مجرمي الحرب ممن كانوا مسئولين عن تنفيذ الاعدامات بحق المحتجزين في مجمع اوشفيتز، اعترف المتهمون بأن عدد من قتل في أوشفيتز كان حوالي (300) ألف شخص من مختلف الجنسيات وأن اكثرهم كان من النساء. وقد حكم على 23 منهم بالاعدام وعلى 6 منهم مدى الحياة، وعلى عشرة آخرين بأحكام مختلفة أخرى، كما برئ متهما واحدا. وأدناه نص الوثيقة بالألمانية(5)وووا:

„In Krakau ging vor einem polnischen Gerichtshof der Prozeß gegen die Hauptverantwortlichen für das Konzentrationslager Auschwitz zu Ende. Die Angeklagten sind deutsche Lagerwachen oder Angehörige des deutschen Verwaltungspersonals. Es wurden ihnen unerhörte Greueltaten gegen die Lagerinsassen nachgewiesen, besonders gegen weibliche Gefangene. Insgesamt kamen nahezu 300.000 Menschen verschiedenster Nationen im Konzentrationslager Auschwitz um. Das Gericht verurteilte 23 Angeklagte zum Tode, 6 zu lebenslänglichem Gefängnis, 10 zu längeren Gefängnisstrafen, einer wurde freigesprochen. Das Konzentrationslager Auschwitz bleibt als Mahnmal der Schande so erhalten, wie es heute steht, zum bleibenden Gedenken an seine 300.000 Opfer."

يشكل الهولوكوست بالنسبة لليهود رمزا لمعاناة لم يمر بها شعبا آخر في التاريخ، وخاصة في فترة الستة سنوات من صعود النازية في أوربا، حيث تعرضوا خلالها للاضطهاد والملاحقة والقتل دون سبب أو مبرر بل فقط لأنهم يهود، وهي حقيقة لا يمكن إلا إدانتها، وبدون شك أن الكثير من الحركات الوطنية والانسانية قد تضامنت بدون شروط مع يهود ألمانيا وفي غيرها من الدول. لكن أمام ذلك التضامن غير المشروط أدارت اسرائيل ظهرها والمنظمات اليهودية الموالية لها لحقوق غير اليهود من مواطني فلسطين الذين اغتصب وطنهم ونكل بهم وهجروا من بيوتهم ومزارعهم وقراهم. الشعب الفلسطيني يعاني من القهر والاضطهاد والسجون والقتل والتمييز والفصل العنصري تحت ظل احتلالهم للعام الثالث والستين. ممارسات وموقف كهذا يجب أن يدان هو الآخر ويعترف للفلسطينيين بحقوقهم وتعويضهم كما عوض اليهود عن الأضرار التي لحقت بهم خلال تلك الحقبة المظلمة من التاريخ، لكن مثل هذه الادانة لم تحصل أبدا.

لقد جرى استغلال موضوع الهولوكوست من قبل وسائل الاعلام والثقافة والتعليم والديبلوماسية بشكل منظم لاستعطاف دول ومنظمات وأفرادا للتبرع ببلايين الدولارات سنويا للدولة الاسرائيلية والمنظمات اليهودية المنتشرة في العالم. من جهة أخرى تمكنت وسائل الضغط الاسرائيلية في الدول الغربية من اصدار قوانين تحرم وتعاقب كل من يروج الآراء المشككة أو الرافضة لفكرة أو حقيقة الهولوكوست أو التقليل من أهمية الصورة المأساوية عن اليهود.

لقد جرم عددا من الكتاب والمؤرخين الذين تحدوا وجهة النظر الاسرائيلية، أو أبدوا أراء مغايرة لإثبات خطأ وزيف الهالة التي أحيطت بموضوع الهولوكست. وقد شرعت بالفعل قوانين عقابية في كل من المانيا والنمسا واستراليا وفرنسا وكندا لمعاقبة من يتحدى تلك الصورة المبالغ فيها عن معاداة السامية. وتقوم المنظمات اليهودية في الدول الأوربية بتشجيع حكوماتها على ارسال تلاميذ المدارس في رحلات الى بولندا لزيارة مجمع الاعتقال النازي في أوشفيتز والتعرف من هناك على الهولوكوست لترسيخ صورته وفكرته في عقول ونفوس الأجيال الصاعدة ليضمنوا مؤازرة وتعاطف جيل المستقبل مع اسرائيل باعتبارها ضحية وينبغي الوقوف معها ودعمها دون شروط.

مجموعة لخ فاونسا التي تولت السلطة بعد التغيير كانت على اتصال وثيق بالاستخبارات الأمريكية والصهيونية لسنين عديدة قبل تبني مشروع اطاحة الاشتراكية في بولندا عام 1989، ولهذا فانهم يشعرون بالامتنان العظيم للدعم الأمريكي \ اليهودي، وهذا ما سهل على الولايات المتحدة فرض ارادتها في اقامة الدرع الصاروخي الموجه ضد موسكو على أراضيها، اضافة الى شروط أخرى ليس هنا مجال بحثها.

لقد كانت أحدى أسهل مطالب المؤسسات اليهودية الأمريكية من حكومة لخ فاونسا بعد تسلمها السلطة مباشرة في عام 1989هي وضع يدها على منشآت ومحتويات مجمع أوشفيتز البولندي. لقد تم لهم ما أرادو مقابل عقد شكلي بإعارة بعض محتوياته بالإجارة الطويلة لمتحف تحت نفس الاسم وهو متحف الهولوكوست في واشنطن. كما نقلت الكثير من محتويات مجمع أوشفيتز البولوني الى متحف للهولوكوست في اسرائيل على مبدأ الاعارة الطويلة ايضا. لقد أصبح للعالم عددا من متاحف الهولوكوست ولا نعلم بالضبط أيهم الأكثر امانة في التعبير عن مآسي ضحايا الهولوكوست، وأيهم الأكثر تعبيرا عن النفاق في استغلال مآسي الضحايا لجمع الأموال باسمهم. فأرقام السواح الذين تتنافس عليهم شركات السياحة تزيد عن المليون ونصف المليون سائح سنويا في بولندا وحدها.

ميلز ليرمان رئيس كل من التحالف اليهودي الأمريكي ومتحف الهولوكوست في الولايات المتحدة وبالتعاون مع المعهد العبري لصيانة أوشفيتز اللذان يرعيان متحف الهولوكوست في بولندا منذ عام 1989، قررا بيعه بمبلغ ستة ملايين دولار فقط لا غير في عام 1998دون التشاور مع المؤسسات اليهودية الأخرى التي تعتبر نفسها معنية هي الأخرى بالهولوكوست البولندي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/تشرين الأول/2012 - 5/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م