هل تنتصر الحكومة الإيرانية في معركة العملة؟

 

شبكة النبأ: قد تنتهي معركة الإرادة بين الحكومة الإيرانية وتجار العملات الأجنبية باستحواذ السلطات الإيرانية على جميع المعاملات التجارية على الريال مما سيضطر كثيرا من الإيرانيين إلى اللجوء إلى طرق غير قانونية للحصول على العملة الصعبة من سوق سوداء تعاني من عرض شحيح. وربما يمنح هذا الإجراء الاقتصاد الإيراني القدرة على الصمود قليلا في وجه العقوبات الاقتصادية الغربية. لكنه قد يرفع معدلات الفساد ويؤثر سلبا على القرارات التجارية للشركات ويؤجج غضبا في صفوف الطبقة الوسطى تجاه الرئيس محمود أحمدي نجاد.

وعلى مدار الأسبوعين الماضيين بدا أن سعر صرف الريال أمام الدولار الأمريكي بمثابة خط صدع في الاقتصاد الإيراني بينما تقاوم البلاد ضغوطا دولية بسبب برنامجها النووي وتنكر اتهامات غربية بأن البرنامج يهدف لصنع سلاح نووي. وأدت العقوبات إلى تراجع إيرادات إيران من تصدير النفط ودفعت الإيرانيين إلى التخلص مما بحوزتهم من الريال وابداله بعملات أجنبية مما هوى بالعملة الإيرانية. وبلغ سعر الدولار 37 ألف و500 ريال إيراني تقريبا بعدما فقد الريال نحو ثلث قيمته في عشرة أيام وثلثي قيمته في 15 شهرا.

وبالنسبة لحكام إيران الدينيين الذين يواجهون تهديدات الحرب من الخارج والغضب الكامن في الداخل فإن الحيلولة دون اندلاع أزمة اقتصادية تؤدي إلى زعزعة الاستقرار هي أولوية ملحة جدا. ويرى اقتصاديون أن إيرادات إيران من التصدير قد تتجاوز إنفاقها على الاستيراد مما يعينها على مقاومة الضغوط الغربية شأنها شأن بلاد أخرى تعرضت لضغوط العقوبات في السابق مثل العراق وصربيا وزيمبابوي. لكن ضياع الثقة بالريال في أوساط المدخرين في إيران يعني أن الحكومة قد تقلص دور المعاملات الخاصة في تجارة العملة الآن لوقف التدفق.

ويؤدي هبوط الريال إلى ارتفاع التضخم الذي بلغ حسب تقديرات رسمية نحو 25 في المئة بعدما أصبحت السلع المستوردة أكثر ندرة. ووقعت مصادمات بين شرطة مكافحة الشغب في طهران ومتظاهرين يحتجون على انخفاض قيمة العملة. وفي الوقت نفسه يتعرض أحمدي نجاد لانتقادات من البرلمان بسبب إدارته للاقتصاد. لذا فإن الحكومة مشغولة بتحقيق استقرار سعر الصرف. ويرى محللون أن فشلها في ذلك في الأيام الماضية يعني أنها قد تحتاج إلى غلق السوق الحرة الشرعية تماما وإحكام قبضتها على تجارة العملة.

يقول محمد علي شعباني المحلل السياسي الإيراني المقيم في لندن "ستكون النتيجة النهائية استحواذ الحكومة على تجارة العملة والتضييق التام على تجار القطاع الخاص أو إجبارهم على الإذعان لها للحصول على دعمها." ويضيف "هذا سيعطي الحكومة دفعة في ظل استعدادها لتلقي عقوبات أشد وطأة في الأشهر العشرين المقبلة."

وخلال الأيام الماضية حاولت الحكومة بسط سيطرتها على سوق العملة بمزيج من التهديدات والإقناع. وأوصت الرابطة الإيرانية للصرافة وهي هيئة مرخصة من الدولة أعضاءها ببيع الدولار مقابل 28 ألف و500 ريال بخصم نسبته 25 في المئة تقريبا عن سعر السوق الحرة. وفي الوقت ذاته تم القبض على عشرات الأشخاص بتهم التلاعب في سوق العملة وهو إجراء يعتبر على نطاق واسع تحذيرا لتجار العملة من عواقب تداول الريال بأدنى من السعر المقترح من جانب السلطات.

ولا يود التجار خسارة أموالهم باتباع هذه الأسعار في بيع الدولار لكنهم يخشون غضب الحكومة إن باعوا بأسعار أخرى. ويقول تجار في طهران ودبي وهي مركز رئيسي للتجارة مع إيران إن معظم تعاملات السوق الحرة على الريال توقفت في المدينتين. ويقول تاجر عملة إيراني في دبي رفض الإفصاح عن هويته بسبب الحساسية السياسية للموضوع "إن ذهبت إلى إيران الآن سيكون من الصعب فعلا الحصول على دولارات أمريكية. عليك أن تشتريها من السوق السوداء."

ويقول محللون إن الرد المرجح من الحكومة على الأزمة سيكون إخراج مزيد من التعاملات على الريال من السوق وإدخالها إلى حيز القنوات الرسمية. وفي وقت سابق من هذا العام وضعت الحكومة الإيرانية "سعرا مرجعيا" هو 12 ألفا و260 ريالا للدولار الواحد ووفق هذا السعر باع البنك المركزي الإيراني الدولار لمستوردي بعض السلع الغذائية والأدوية المصنفة كسلع أساسية. وأسست الحكومة مركزا للصرافة لخدمة مستوردي السلع الأساسية كالمواد الصناعية.

وثمة علامات حقيقية على أن هذه القنوات الرسمية تشهد توسعات الآن. وقالت وسائل إعلام إيرانية إن مركز الصرافة سيغطي طائفة واسعة من السلع الأساسية مثل زيت الزيتون. ونقل التلفزيون الرسمي عن وزير الصناعة مهدي غضنفري قوله إن المركز الذي يسعر الدولار بمبلغ 25 ألف و550 ريالا الآن. سيبدأ في توفير العملة الصعبة لشرائح جديدة من الشعب كالطلاب الذين يدرسون بالخارج والمرضى المسافرين للعلاج خارج البلاد. وأضاف الوزير أن مركز الصرافة يستطيع فورا لعب دور رائد في تحديد أسعار العملة بالسوق الحرة.

ومع ذلك لا يتضح ما إذا كان سيتوفر للحكومة في المدى الطويل كميات كافية من العملة الصعبة للوفاء بكل الطلب عبر القنوات الرسمية لاسيما إن أدت العقوبات إلى خفض صادراتها بنسب كبيرة وأدى ذلك إلى عجز بالميزان التجاري. وحسب صندوق النقد الدولي فإن احتياطي العملات الأجنبية لدى الحكومة الإيرانية بلغ 106 مليارات دولار نهاية العام الماضي. وتتكتم الحكومة على المستوى الحالي. لكن بعض المحللين يرون أنه ربما انخفض بعشرات مليارات الدولارات بعدما أدت العقوبات إلى هبوط الدخل الإيراني من النفط. ويقول محللون إن ما يصل إلى ثلث هذا الاحتياطي قد يكون مودعا لدى بنوك خارجية ولا يمكن التصرف فيه بسبب العقوبات الغربية.

وطبقا لأحدث بيانات رسمية تستورد إيران سلعا تجارية سنويا بمبلغ يزيد قليلا عن 50 مليار دولار. وفي العام الماضي تجاوزت إيرادات إيران من الصادرات مدفوعاتها على الواردات بمبلغ 51 مليار دولار. لكن بعض المحللين يرون أن العقوبات قد تمحو هذا الفائض هذا العام تقريبا. لكن بيانات التجارة والاحتياطيات تؤكد أن البلد ليس أمام خطر نفاد العملة الصعبة في المدى القريب لكنه قد يبدأ في ذلك خلال عام أو عامين إن تواصلت العقوبات. وتوقعت أحدث بيانات لصندوق النقد الدولي أن تحتفظ إيران بفائض تجاري ضئيل هذا العام والعام المقبل يساعدها في تلافي أزمة في ميزان المدفوعات.

وقد يدفع هذا الخطر المحتمل الحكومة إلى ترشيد معروض الدولار بشكل كبير. فمثلا تستطيع الحكومة توفير العملة الصعبة للطلاب المسافرين للخارج إن كان غضبهم سيفرز قلاقل سياسية وقد ترفض بيع الدولار لمستوردي السلع الاستفزازية أو للمدخرين من الطبقة الوسطى الساعين إلى حماية أصولهم من التضخم. وسيكون لاحتكار الدولة لتجارة العملة تكاليف أخرى. وهناك احتمال كبير جدا لحدوث فساد بين المسؤولين فيما يخص تجارة الدولار. يقول شعباني إنه سمع عن شخصيات تؤسس شركات وهمية للتصدير والاستيراد في إيران للحصول على الدولار فحسب.

ويقول ستيف هانكي أستاذ الاقتصاد في جامعة جونز هوبكنجز في الولايات المتحدة "يتوقف الأمر على هويتك الشخصية وقدرتك على الوصول إلى العملات الأجنبية بسعر معتدل. وسيكون هيكل التكلفة الخاص بك مختلفا تماما عن الآخرين." ويضيف "هذا يعني أن الاقتصاد مليء بالتشوهات. ومع ارتفاع التضخم المسألة تزداد سوءا." وربما تقنع الحكومة الإيرانية بهذه التكاليف إن سمحت لها هذه المنظومة بمتابعة معركتها مع الغرب. بحسب رويترز.

ويقول عماد مشتاق المحلل الاستراتيجي بشركة رليجير كابيتال ماركتس إن أزمة العملة ستكون أشد وطأة على الطبقة الوسطى وتجار القطاع الخاص وهم على أية حال ليسوا داعمين سياسيين كبار للحكومة. وكتب مشتاق في تقرير له يقول إنه سيكون بمقدور المقربين من الحكومة استخدام القنوات الرسمية للحصول على الدولار ولن تشعر الطبقة العاملة التي تشكل 80 في المئة من السكان أن قدرتها على الإنفاق تتراجع بشكل كبير لأن الحكومة ستوفر الدعم. وأضاف مشتاق "الضغط الاقتصادي الحالي لا يذكر مقارنة بعام 1988 حين أوقفت إيران حربها مع العراق باقتصاد مدمر بعد الهجمات بالأسلحة الكيماوية وفرض عقوبات كاملة عليها وبلوغ سعر برميل النفط عشرة دولارات." ويزيد سعر برميل النفط الآن عن مائة دولار.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/تشرين الأول/2012 - 4/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م