الاسلام والغرب... صدام حضارات ام صراع في داخلها؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يرى بعض المحللين ان تداعيات فيلم الاساءة الى المسلمين تكشف في حقيقتها عن صراع ايدلوجياً حضاريا مزدوجا، جاء في سياق صدام حضارات وصراع في داخلها ايضا، عاكسة في مجملها الى خشية متكافئة لدى خصوم هذا المذهب او ذلك على نطاق متسع.

ويصر المحللون على كون الفيلم سيء الصيت لم يكن سوى وجه من وجوه التداخل غير المحمود بين مدارس فكرية وثقافية تنبذ احداها الآخر، في سياق حضارة واحدة لا اكثر، تعاني من جملة تناقضات غير قابلة للاندماج على الرغم من مساحة الحرية الكبيرة لا سيما في الغرب.

الا ان الصدام الداخلي في الحضارة الغربية يلتبس في ردة فعل خارجية في اغلب الاحوال، خصوصا تلك الاكثر انفعالية التي تبرز في الشرق الاوسط، الذي دائما كان في حال رجع للصدى في افضل الاحوال.

حظر إزدراء الأديان

اذ قال أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إن معارضة الغرب جعلت من المستحيل على الدول الإسلامية تحقيق هدفها فرض حظر على إزدراء الأديان بما في ذلك الأفلام والرسوم المعادية للإسلام التي فجرت أعمال شغب قاتلة.

وقال إن المنظمة التي تضم 57 دولة لن تحاول مرة أخرى الحصول على دعم الأمم المتحدة لحظر ازدراء الأديان لكنه دعا الدول لتطبيق قوانين تجرم خطابات كراهية الإسلام.

وقال إحسان أوغلو وهو تركي الجنسية "لم نتمكن من إقناعهم." وكانت المنظمة قد حاولت من عام 1998 إلى 2011 الحصول على دعم الأمم المتحدة في لفرض حظر على ازدراء الأديان. وأضاف "لا تصوت الدول الأوروبية معنا ولا تصوت الولايات المتحدة معنا."

وترى الدول الغربية نشر تلك الصور والمواد مسألة تتعلق بحرية التعبير. وكان نشر فيلم من انتاج أمريكي يصور النبي محمد على أنه زير نساء ونشر رسوم مسيئة له في فرنسا الشهر الماضي قد أدى إلى احتجاجات عنيفة ودعوات متجددة من العالم الإسلامي لقانون عالمي لمواجهة إزدراء الأديان. وأدت الاحتجاجات إلى مقتل حوال 24 شخصا.

وقال إحسان أوغلو لمؤتمر في اسطنبول إن منظمة التعاون الإسلامي قد فشلت في الحصول على حظر في الأمم المتحدة وانها لن تقوم بإحياء حملتها الدبلوماسية الطويلة من أجل هذا الحظر.

وعندما سئل عن تقارير وسائل الاعلام في الآونة الأخيرة تفيد بأن منظمة التعاون الإسلامي تود استئناف حملة من أجل حظر إزدراء الأديان قال "لم اقل هذا ابدا وأعلم أن هذا لن يحدث أبدا."

وقال إحسان أوغلو إن منظمة التعاون الإسلامي تحترم حرية التعبير ولكنها ترى أن الأفلام والرسوم المعادية للإسلام تسيء استغلال هذه الحرية وينبغي على دول الغرب تجريم ذلك من خلال قوانينها الخاصة بإزدراء الأديان أو الكراهية.

وأوضح بيان إحسان أوغلو موقف منظمة التعاون الإسلامي في وقت صعد فيه زعماء الدين الإسلامي المطالب بقانون دولي يجرم إزدراء الأديان واتهم ساسة دول الغرب بنشر الكراهية ضد الإسلام تحت حماية قوانين حرية التعبير.

وابتداء من عام 1998 فازت منظمة التعاون الإسلامي بأغلبية في الهيئات الحقوقية بالأمم المتحدة وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام لقرارات غير ملزمة بشأن "مناهضة تشويه صورة الأديان" إلا أن الدول الغربية عارضتها على انها تهديدات محتملة لحرية التعبير.

ولكن دعم هذه النصوص هبط باطراد إلى ما يزيد قليلا على 50 بالمئة بحلول عام 2010 وذلك بسبب المعارضة الغربية القوية وتزايد معارضة أمريكا اللاتينية واختارت منظمة التعاون الإسلامي قرارا أضعف ضد التعصب تجاه جميع الأديان في العام الماضي.

وهذا القرار الأكثر عمومية الذي شاركت في صياغته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جرت الموافقة عليه بالإجماع. وأبرز الخلاف طويل الأمد وجهات النظر المختلفة بشأن حرية التعبير في الدول الغربية والإسلامية. وقال إحسان أوغلو إن دول الغرب لديها "فهم غريب" لحرية التعبير حتى لو أسيء استخدامها لأذى الآخرين وإهانتهم.

وردا على احتجاجات المسلمين ضد الفيلم الأمريكي (براءة المسلمين) الذي يسخر من النبي محمد (ص) أدان الرئيس باراك أوباما الفيلم في الأمم المتحدة الشهر الماضي لكنه دافع بشدة عن حرية التعبير. وقال أوباما "أقوى سلاح ضد خطاب الكراهية ليس القمع انما هو المزيد من الخطاب - أصوات التسامح هي التي تحتج على التعصب وإزدراء الأديان."

وقال إحسان أوغلو -موضحا قراره بعدم مواصلة السعي إلى حظر عالمي لإزدراء الأديان- إن المعاهدة الدولية لعام 1966 بشأن الحقوق المدنية والسياسية وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة غير الملزم لعام 2011 ضد التعصب الديني يقدمان أساسا كافيا للدول الأعضاء في الأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات القانونية. وأضاف "لدينا ما يكفي من القوانين ونحن بحاجة إلى تنفيذ هذه القوانين."

وصعد الساسة المسلمون من شجبهم للسياسات الغربية المتعلقة بحرية التعبير في أعقاب الفيلم والرسوم المسيئة للنبي محمد. وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لمؤتمر اسطنبول "لا يمكننا أن نقبل إهانة الإسلام تحت ستار حرية الفكر." وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو "نحن المسلمين نريد نفس الاحترام الذي نؤيده للثقافة اليهودية."

لكن في حين جدد كتاب الافتتاحيات وزعماء الدين الدعوات لفرض حظر على إزدراء الأديان في جميع أنحاء العالم إلا أن قلة من الزعماء الوطنيين انهوا بالفعل ردود أفعالهم البلاغية بهذه الدعوة.

وكان احد هؤلاء في الأمم المتحدة الشهر الماضي الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري الذي تعرض قانون إزدراء الأديان في بلاده لانتقادات متزايدة في الداخل والخارج بسبب انتهاكات واسعة ضد الاقلية المسيحية.

وشجع إحسان أوغلو -الذي كان يتحدث في حلقة نقاشية بالمؤتمر مع زعيم المعارضة الباكستاني عمران خان- البلدان التي لديها قوانين لإزدراء الأديان لتطبيقها ضد اهانة الإسلام ثم أضاف سريعا "ليس الموجود في باكستان بشكل خاص."

وطالبت منظمة التعاون الاسلامي يوم الثلاثاء بمنع اشكال التعبير عن "كراهية الاسلام" بالقانون مثلما تمنع بعض الدول التعبير عن معاداة السامية أو إنكار وقوع المحرقة النازية. بحسب رويترز.

وقال سفير باكستان زامير أكرم في كلمة أمام مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة "مثل هذه الأحداث توضح بجلاء الحاجة الملحة لأن توفر الدول حماية كافية من جرائم افعال الكراهية وحديث الكراهية والتمييز والترهيب والإكراه الناجم عن التشهير واستخدام الصور النمطية السلبية للاديان والتحريض على الكراهية الدينية وكذلك تحقير الشخصيات المبجلة."

وقال أكرم ان الفيلم وكذلك إحراق المصحف ونشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة تعد "محاولات متعمدة للتمييز ضد المسلمين ومعتقداتهم والتشهير بهم وإهانتهم وتحقيرهم." وأضاف ان مثل هذه الافعال تمثل "تحريضا سافرا على العنف" ولا تحميها حرية التعبير. وتابع انه ينبغي الاقرار بان كراهية الاسلام شكل معاصر من العنصرية ويجب التعامل معها على أنها كذلك.

وقال "عدم القيام بذلك سيكون مثالا واضحا على ازدواجية المعايير. يجب التعامل مع كراهية الاسلام في القانون وفي الممارسة بشكل مساو لمعاداة السامية وخصوصا في التشريعات."

وأضاف أكرم ان من الملح "وضع حد مقبول دوليا بين حرية التعبير والتحريض على العنف والكراهية."

ويدعو مشروع قرار قدمته الدول الافريقية وأيدته المنظمة الدول إلى ادخال بند في قوانينها الجنائية الداخلية يضمن محاكمة المسؤولين عن ارتكاب اي جرائم تتعلق بالعنصرية أو كره الاجانب.

ومشروع القرار الذي يعبر عن الاسف "لاستهداف الرموز الدينية والشخصيات المبجلة" هو واحد من اكثر مشاريع القرارات المثيرة للخلاف من بين 32 مشروع قرار يصوت عليها المجلس الذي يضم 47 دولة.

وقالت قبرص متحدثة بالنيابة عن الاتحاد الاوروبي في نقاش ان المعاهدة الدولية القائمة المتعلقة بمناهضة جميع اشكال العنصرية والتعصب كافية وان الهدف الاساسي يجب ان يتمثل في تطبيقها بفاعلية.

وقال سفير قبرص ليونيداس بانتليدس "... في عدة اجزاء من العالم قد تستخدم العقوبات الجنائية ضد خطابات الكراهية كوسيلة لاسكات المعارضين وقمع حرية الفكر والرأي والتعبير."

انتشار الإسلام في أوروبا

في سياق متصل أثار كردينال من الروم الكاثوليك ضجة في الفاتيكان بعرض فيلم على موقع يوتيوب يحمل توقعات مثيرة بشأن انتشار الإسلام في أوروبا. وكان مقطع فيديو مدته سبع دقائق يحمل اسم (التركيبة السكانية للمسلمين) "Muslim Demographics" حديث تجمع دولي للأساقفة يوم الاثنين بعد يومين من عرض الكردينال بيتر تركسون للفيلم أثناء فترة مناقشة حرة.

وقال الأب توماس روزيكا في إفادة للصحفيين الذين لم يسمح لهم بحضور جلسات المجمع الكنسي وهي الأولى منذ عرض الفيلم "عندما وصلنا هذا الصباح سئلت عدة مرات من خطط ذلك؟ ولمن كان ذلك؟ من يقف وراء ذلك؟"

وقال إن الفيلم أثار "أقوى" مناقشة حتى الآن في المؤتمر الذي يستمر ثلاثة أسابيع وقال أحد الأساقفة انه سيرد على تركسون من خلال تقديم تقرير به بيانات مغايرة. وجعل الفيلم الإسلام على قمة جدول أعمال المجمع الكنسي الذي حضره 262 من الأساقفة. وقال روزيكا "الإسلام كلمة ترددت كثيرا."

وقد وضع مستخدم مجهول الفيلم على موقع يوتيوب عام 2009 وشوهد أكثر من 13 مليون مرة. ويجمع الفيلم بين الموسيقى المثيرة وإحصاءات سكانية ويزعم أن دولا أوروبية مختلفة مثل فرنسا "ستصبح في غضون 39 عاما جمهورية إسلامية."

وأشار منتقدون إلى أن أرقام نسبة المواليد المستخدمة في الفيلم -التي تدعي أن المرأة الفرنسية تنجب في المتوسط ​​1.8 طفل في حين أن المرأة الفرنسية المسلمة تنجب 8.1 طفل - لا يمكن أن تكون حقيقية لأن فرنسا لا تجمع الإحصاءات وفقا للديانة.

وتشير دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث ومقره الولايات المتحدة إلى أن عدد المسيحيين في عام 2010 قد بلغ 2.18 مليار ونصفهم من الكاثوليك. وقال المركز إن إجمالي عدد المسلمين من جميع الطوائف 1.6 مليار ومن المتوقع أن يزيد عددهم بنسبة 35 في المئة إلى 2.2 مليار بحلول عام 2030.

ولم تكن علاقة الفاتيكان مع الإسلام على نحو سلس دائما. ففي عام 2006 القى البابا بنديكت السادس عشر خطابا في روزنبرج رأى بعض المسلمين أنه هجوم على الإسلام.

وبسؤاله عن رد فعله لعرض الكردينال الفيلم في الفاتيكان حذر يحيى بالافشيني نائب رئيس الطائفة الإسلامية في إيطاليا من حرب أرقام قائمة على اساليب التخويف من قبل أي طرف.

وقال بالافشيني "أعتقد أننا ينبغي أن نركز كمسلمين ومسيحيين على تحدياتنا المشتركة بدلا من أن نتحدى بعضنا بعضا في مواقف مخيفة حول من يزيد أو ينقص." وأضاف "انها مسؤوليتنا المشتركة كأخوة ومؤمنين بالله."

محاكمة قبطي

من جهتها بدأت محكمة شمال القاهرة محاكمة قبطي مصري بتهمة ازدراء الأديان وتحقير الذات الإلهية بعد اتهامه بانه نشر على صفحته على موقع فيسبوك مقاطع فيديو من الفيلم المسيء للاسلام الذي فجر موجة من الغضب والعنف في عدد من البلدان الإسلامية. وقررت المحكمة تأجيل النظر في القضية الى 17 تشرين الاول/اكتوبر المقبل لإتاحة الفرصة لمحامي صابر لدراسة القضية.

وألقي القبض على ألبير صابر (27 عاما) في 13 أيلول/سبتمبر الجاري بعدما تجمهر مئات المسلمين الغاضبين تحت بيته متهمين اياه بنشر مقاطع من الفيلم المسيء للاسلام على الانترنت، وقام ألبير بالاتصال بالشرطة لحمايته لكن الأخيرة ألقت القبض عليه ليقدم للمحاكمة بتهمة ازدراء الديانتين الإسلامية والمسيحية، وفقا لمنظمات حقوقية.

ويواجه صابر تهما تصل عقوبتها للسجن خمس سنوات. وقال صابر، الذي ظهر في قفص المحكمة شاحبا وحليق الرأس بزي الحبس الاحتياطي الأبيض، "أنا متهم بأشياء لم أفعلها على الإطلاق"، متابعا "حسابي على الفيسبوك مسروق منذ 2010 وقمت بتحرير محضر بذلك". بحسب فرانس برس.

وأضاف ان "90% من أصدقائي مسلمون ونأكل ونشرب سويا ولا اكره أي دين"، مضيفا ان "بعض المتشددين استغلوا الفيلم وقدموني كبش فداء". وتابع صابر وقد بدت على وجهه آثار عراك "تم التحقيق معي تحقيقا دينيا.. المحقق سألني عن إيماني بالقرآن وعن معتقدات ديني"، متابعا "كما تعرضت للتمييز أثناء التحقيق فتم طرد المحامي الذي حضر معي عندما اعترض على الأسئلة الدينية". وأضاف "معتقدي الديني ليس محل نقاش مع الناس".

وتأتي القضية فيما يشعر المصريون الاقباط بالقلق ويخشون من ان يدفعوا ثمن الفيلم المسيء للاسلام الذي انتجه في الولايات المتحدة قبطي يقيم في هذا البلد. ويشكو الاقباط منذ سنوات من تعرضهم للتمييز وخصوصا من عدم تعيينهم في الوظائف العليا في الدولة ومن فرض قيود على بناء الكنائس.

وأبدى أحمد عزت، محامي المتهم، اعتقاده بأن القضية ربطت بقضية الفيلم المسيء للرسول دون أن يكون لموكله شأن بها. وقال "البير ليس له علاقة بالفيلم المسيء لكن قضيته أخذت في هذا السياق كجزء من تهدئة الرأي العام الغاضب"، متابعا ان "القضية تدور في إطار من التمييز والإدارة غير الجيدة للعدالة خاصة بحق المنتمين للأقليات". وحضر الكثير من ناشطي المجتمع المدني، وأغلبهم من المسلمين، المحاكمة بالإضافة لمحامين مسيحيين قالوا إنهم جاءوا للدفاع عن حرية الرأي والتعبير.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/تشرين الأول/2012 - 4/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م