تساءلت جميع وسائل الإعلام، منذ شهر آذار/مارس العام 2011، إذا ما
كانت السعودية ستكون هي الدولة التالية التي ستغرق في موجة الانتفاضات
التي اكتسحت المنطقة منذ بضعة أشهر. والمفارقة الساخرة هي أنّه عندما
بدأ "الربيع العربي" في كانون الأول/ديسمبر 2010 يجتاح كلّ شيءٍ بمدّه،
كان العاهل السعوديّ متواجداً في غرفة العناية الفائقة في إحدى
مستشفيات الولايات المتحدة، وفي وضع صحيّ اعتُبِر حينها في منتهى
الحساسيّة.
مملكة تترنّح مع إعلان قيام "الثورات العربية"
لم يكد الملك عبد الله يعود من فترة النقاهة في المغرب، في نهاية
شهر شباط/فبراير العام 2011، حتّى قرّر أن يصرف بصورة مستعجلة أكثر من
36 مليار دولار للقيام بمساعدات متنوّعة وبمشاريع اجتماعية واستثمارات
في مجال الإسكان، ولاتخاذ إجراءات في مجال التشغيل وسائر الخدمات
الموجّهة إلى فئة الشباب في البلاد. كما تقرّر رفع جميع الأجور
الحكوميّة بصورة فورية بنسبة 15 في المئة، إضافة إلى إعفاء جميع
المدينين العاجزين عن الدفع. وبدأ العمل بمشروعٍ استثماريّ بقيمة 400
مليار دولار على فترة تمتدّ حتّى العام 2014. بالطبع يمكن أن يبدو هذا
المبلغ عاديّاً نظراً للاحتياطات الضخمة التي تنام عليها المملكة،
والتي تقارب 450 مليار دولار. إلاّ أنّ هذا يعكس حالة الذعر التي سادت
أوساط الأسرة الحاكمة أمام التسونامي الذي هبّ على الدول العربية
الأخرى، جاعلاً مجمل الأمراء ومستشاريهم مصدومين متفاجئين.
بالرغم من ذلك قام مشتركو "التويتر" (التغريدات) السعوديون، في 11
آذار/مارس، وبينما كانت الانتفاضة المصرية في أوجها، بتنظيم "يوم غضب"
ليحتلّوا بدورهم الشوارع ويبدؤوا بحملة احتجاجات ضدّ النظام. لكن
المحاولة سرعان ما انطفأت. إذ ليس هناك أيّ تقليد للتعبئة السياسية، أو
حتّى للتجمّعات المنظمة، في هذا البلد الذي يضمّ 25 مليون نسمة؛ بينهم
70 في المئة أعمارهم ما دون الثلاثين سنة (مع معدّل عمرٍ وسطيّ للسكّان
يتراوح ما بين 19 و23 سنة، بحسب المصادر المتباعدة جدّاً في معطياتها
في الحالة السعودية)، وفيما يصل معدّل عمر الوزراء الوسطيّ إلى 65 سنة،
وحيث يتجاوز معدّل البطالة الفعليّ من جهته 40 في المئة. إلاّ أنّه منذ
منتصف سنوات الألفين، ظهر بعض المثقّفين وناشطي حقوق الإنسان يشرعون في
اعتماد طريقة العرائض أو أيضاً كتب الشكاوى يرفعونها إلى الملك، غالباً
عبر "مجلس الشورى" (الذي يستوحي التقاليد القديمة)، والذي جاء تشكيله
هو أيضاً حديثاً.
وعندما بدأت "الثورات العربية"، كان هناك على الأقل ثلاث عرائض يتمّ
تداولها في المملكة: واحدة منها وقّع عليها ألف وخمسمائة سعوديّ بارز
على الأقلّ، ما بين الليبيراليين والإسلاميين المعتدلين. تناولت
مطالبهم بشكلّ أساسيّ إجراءات تقضي بتحويل العربيّة السعودية إلى نظامٍ
ملكيّ دستوريّ. واللافت في الأمر أنّه بالرغم من أنّ الملك عبد الله
يتمتّع بشعبيّة نسبية مقارنة مع سائر أعضاء الأسرة الحاكمة، خصوصاً
بفضل ما يُعرف عنه من عدم الغرق في الفساد، ندّدت العرائض، فيما ندّدت
به، بالإنفاق الكمالي والمفرط لمبلغ 12 مليار دولار خصِّص لمشروعٍ واحد
هو مشروع الجامعة التي تحمل اسم الملك.
من ناحية أخرى، جاء قسمّ كبير من الشكاوى من عمل ناشطين متحدّرين من
الأقليّة الشيعيّة في البلاد (هم يشكّلون حوالى 10 في المئة من السكان،
إذا ما أخذنا بالأرقام الرسمية السعودية، وأكثر من ذلك بحسب الناشطين
الشيعة أنفسهم أو بعض المنظمات المدنيّة)، وغالباً ما ارتبط بحقوق هذه
الطائفة التي تهملها السلطات الوهابيّة. هكذا انطلقت الاحتجاجات أساساً
في المناطق الشرقية من المملكة، التي تقطنها غالبيّة شيعيّة وحيث
يتركّز أيضاً القسم الأكبر من الثروة والموارد النفطية، ثمّ تكرّرت
بأشكالٍ متقطّعة منذ شهر آذار/مارس 2011، بالرغم من عمليّة القمع
المنهجية التي قوبلت بها.
"ردّ" المملكة، وبداية الهجوم "المضادّ
للثورة"
فهم النظام الملكي السعودي بسرعة كبيرة الخطر الذي يداهمه، في سياق
الموجة القويّة التي تعصف بالعالم العربي، والذي يهدّد الخطّ المحافظ
برمّته الذي يعتبر نفسه خطّ الدفاع الأوّل عنه في المنطقة. وما أن زال
مفعول المفاجأة التي نتجت عن سقوط الرئيس التونسي زين الدين بن عليّ (الذي
لجأ أساساً إلى السعودية، حيث استقبله الأمير نايف، وزير الداخلية في
حينه، صديقه و"زميله" في دائرة "أصحاب القبضة الأمنيّة العرب")، وفيما
كان حكم حسني مبارك يترنّح في مصر، أبلغت الرياض حليفها الأميركي عن
كامل تحفّظها عن القبول بما يجري. أكثر من ذلك، أكّد الحكم السعودي
شجبه للخطاب الذي اعتمدته الولايات المتحدة، بعد أن كيّفته هذه سريعاً
مع الأوضاع وأعادت النظر فيه في اتّجاه دعم عمليّة نشر الديموقراطية؛
وهو خطاب اعتُبِر من دون مواربة ساذجاً وخطيراً. وفي الواقع، أكثر ما
خشيته المملكة هو مفعول الدومينو: إذ أدركت سريعاً الانعكاسات المدمّرة
لانتشار التواصل، عبر الفضاء الافتراضيّ، بين أطياف الشبيبة العربية
المرهقة من حكم الشيوخ، ورأت برعبٍ قناة جارتها قطر الفضائيّة، "الجزيرة"،
وهي تغطّي الأحداث بحماسة نضاليّة مندفعة.
وها هي عدوى الاحتجاجات تصل إلى أبواب السعودية، لتصيب في
شباط/فبراير العام 2011 اليمن، ثمّ البحرين، التي إضافة إلى أنّها
جارتها، تتصف بخصائص مؤسّساتية وسياسية وطائفيّة شبيهة بتلك القائمة في
المملكة الوهابية: أي نظامٍ ملكي شبه مطلق، مزيّن بحياة برلمانية
عشوائيّة، ذات انقطاعات متكرّرة؛ وسلالة ملكيّة بقيت صامدة بفضل الريوع
النفطيّة والحماية الأميركية؛ وفئة شيعية من الشعب، وهنا عنصر الرعب
الأهم، قرّرت أن تطالب بحقوقها، في حين لا ترى السلطات وراءها سوى اليد
الخفيّة الإيرانية. بالتالي اعتبر الحكم السعوديّ ما يحدث فيها في
منتهى الخطورة، أكثر من أيّ "ربيعٍ عربيّ" آخر.
هكذا عندما نصحت واشنطن اعتماد طريق الحوار وحده في المملكة
المجاورة، وأوفد الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المنامة كبار
المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين بغية الدفع في اتّجاه الانفتاح،
تصدّت الرياض فجأة للأمر. وقرّرت أن تقود العملية، وأن تمسك بنفسها
بزمام الأزمة البحرينيّة. وبتفويضٍ اصطنعته من مجلس دول التعاون
الخليجي (CCG) بفضل معاهدة الدفاع المشترك، تدخّلت عسكرياً في الجزيرة
في آذار/مارس العام2011، لكي تنفّذ فيها عملية قمع قاسية. منها خرجت
الحركة الشعبية ضعيفة جدّاً ومحاصرة، في عزلة خليجية مقفلة وضاغطة.
إنّه المنطق نفسه إلى حدٍّ ما الذي تمّ تنفيذه في اليمن، حيث أدارت دول
الخليج الأزمة فيما بينها، وقادت عملية انتقال السلطة، وفي النهاية
أمّنت لعلي عبد الله صالح، أواخر كانون الثاني/يناير العام 2012،
خروجاً هادئاً من دون محاسبة، ولنظامه استمراريّة شبه تامّة.
إلاّ أنّ الرياض أدركت أيضاً سريعاً أنّها يجب أن تبني في مرحلة
ثانية، آليّات "الحلف المقدّس" المحافظ الخاصّة به. فقد حملت الأزمة
البحرينية دولة قطر على التعقّل، حيث باتت تركّز أضواء محطّة الجزيرة
على الثورة السورية خاصّة، وتماشت مع ضرورات إبقاء الأوضاع القائمة في
الجزيرة العربية. عندها شرعت السعودية في جعل مجلس التعاون الخليجي
نادياً للملكيّات المحافظة، الإسلاميّة السنيّة ضمنيّاً، المهدّدة
بموجة احتجاجات ساد اعتقادٌ بأنّها تخدم في النهاية مصالح طهران في
مسيرتها الغازية. وبدفعٍ من السعودية، وفي خطوةٍ تحدّت كل منطق
الجغرافيا العربية، وحتّى الجغرافيا وحسب، دعا هذا المجلس الخليجيّ، في
أيار/مايو 2011 نظامين ملكيين آخرين، وهما الأردن المجاور والمغرب
البعيد، إلى الانضمام إليه؛ وهو انضمامٌ بدت الدول الست الأعضاء فيه
لاحقاً غير مستعجلة على إتمامه، وهو ما يزال بعد سنة من إطلاقه فقط في
طور المشروع.
لكن مع الانتفاضة السورية، التي تجلّت صراحةً في أواخر آذار/مارس
العام 2011، راحت السعودية تنتهز الفرصة لكي تحوّل موجة الاحتجاجات
العربية لصالحها، جاعلة نفسها أداةً وسنداً للتغيير الجاري في هذا
البلد الندّ، مع ما في ذلك من مفارقات ذات أبعاد خطيرة. ففي نظر الكثير
من المراقبين، هنا أيضاً سرّعت الشكوك حول رهانات إيران في القرار
السعودي. إلاّ أنّه بالرغم من أهميّة هذا العامل، هناك أسباب أخرى تضاف
إليه. إذ بدت العلاقات السورية-السعودية عمليّاً بالغة التعقيد
والغموض، سادتها سلسلة طويلة من المواجهات والصدامات والتفاهمات
الاضطراريّة، وأحياناً إدارة مشتركة لبعض الملفّات. فطوال حكم حافظ
الأسد على سوريا، من العام 1970 إلى العام 2000، أقامت الرياض مع دمشق
علاقات طبعت بواقعيّة كبيرة، فيما يخصّ العلاقات الثنائيّة كما في
مسارح أخرى، كلبنان مثلاً والعراق والملفّ الفلسطيني، حيث تعايشت هاتان
الدولتان قسريّاً. إلاّ أنّ الأمر كان يعود إلى حدٍّ كبير للعلاقات
الشخصية بين الملك والرئيس.
ويمكن القول دون مبالغة، أنّه من هذه الناحية أوّلاً وعلى الأخصّ،
سوف تسوء العلاقات السورية-السعودية عندما خلف بشار الأسد والده: فمن
اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في بيروت في العام
2005، إلى كيفية إعادة تركيب السلطة السياسية في العراق بعد العام
2009، مروراً بسلسلة من المحطّات الأخرى، سيشعر العاهل السعودي (ويصرّح
بذلك) بأنّ نظيره السوري و"محميه" السابق يكذب عليه ويخونه ويفضّل عليه
تحالفه الوثيق أكثر فأكثر مع طهران. هكذا عندما بلغت العاصفة الثورية
سوريا، جاءت ردّة الفعل الأولى للملك عبد الله هي نفسها كما في الأماكن
الأخرى: تفادي حصول العدوى، وإخماد الاحتجاجات، وشراء الإبقاء على
الوضع القائم. وقد بذل جهده، خلال الأشهر الثلاثة الأولى، لإقناع بشار
الأسد بتهدئة الشارع عبر القيام بإصلاحات، مقترحاً حتّى أن يدعمها هو
نفسه ماليّاً. وراح يضغط، مع نظرائه في مجلس التعاون الذين أصبحوا
بالغي القدرة داخل الجامعة العربية، لكي لا يتمّ التطرّق إلى المسألة
السورية، في حين كانت الأزمة الليبية قد أخرجت هذه المؤسسة من سباتها،
للمرّة الأولى على الأرجح. وقد وصل به الأمر حدّ القيام "بمساومة"
جديدة، تقضي بالسكوت الإيراني-السوري عن عمليات القمع في البحرين مقابل
تغطية دول الخليج لعودة الأمور إلى الهدوء في سوريا.
ثمّ حدث الانعطاف في مرحلة ثانية. ففي الأول من شهر آب/أغسطس 2011،
وخلال شهر رمضان، وجّه الملك إلى الشعب السوري رسالةً شخصية، وهي وسيلة
نادرة جدّاً في التقاليد الدبلوماسية السعودية تشير إلى خطورة الأوضاع،
عبّر فيها عن سخطه على وحشيّة أعمال القمع وأكّد دعمه للثوار. وبعد
أسابيع تجمَّعت المعارضة السورية واتّحد قسمٌ من فصائلها في مجلسٍ وطني
سوريّ برز فيه بشكلٍ فادح تأثير قطر والسعودية ومساعيهما الحميدة، إلى
جانب تركيا وبعض الدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة.
حينها بدا أنّ زمن الانكفاء تحت تأثير صدمة الثورات المفاجئة قد
ولّى. حتّى أنّه، في مطلع العام 2012 ارتسمت صورة جديدة لمملكة عربيّة
سعوديّة ناشطة: في سوريا مع قرار تسليح الثوار المناهضين للأسد؛ وفي
مصر للضغط أكثر فأكثر للحدّ من صعود القوى التي اعتبرتها معادية لها.
بالتالي تمّ تحريك الشبكات السلفية التي لطالما رعتها الرياض، من أجل
خدمة هذه السياسة الأكثر هجوميّة، والمتميّزة عن تقاليد المملكة
الوهابية الدبلوماسية الأكثر "مسالمة" حتّى ذلك الحين. حتّى أنّه تمّ
توظيف بعض هؤلاء الجهاديين، كما يتبيّن من تدفّق المقاتلين من مختلف
النزعات الإسلامية إلى سوريا ابتداءً من شتاء العام 2012. فإذا كان
التغيير حتميّاً، على ما بدا سائداً من اعتقاد في الرياض، من المفترض
العمل لكي يأتي لمصلحة القوى التي إذا استلمت الحكم ستثبّت نفوذ
السعودية وما تولّده من شعورٍ بالأمان. وإذا كان سيعاد ترتيب أوضاع
المنطقة، فليكن ذلك على الأقل ليخدم احتواء النفوذ الإيراني في الشرق
الأوسط، الذي يكاد أن يصبح على قدم المساواة الاستراتيجية مع السعودية.
السعودية ما بين المخاطر الإقليمية والهشاشة
البنيوية
في الحقيقة، تجد السعودية نفسها منذ أكثر من ثلاث سنوات (أي قبل
انطلاقة الثورات العربية بكثير) أسيرة محيط إقليميّ مضطرب، شبه ثوريّ
هو أيضاً. إذ إضافة إلى المعضلة الضخمة التي واجهتها الرياض، وكذلك
مجمل الأنظمة في الخليج، من صعود إيران ذات التطلّعات الاستراتيجية
والنوويّة المقلقة، أتى الهمّ الرئيس للمملكة من صنعاء. بالتالي وظّفت
السعوديّة قسماً مهمّاً من جهازها السياسي-الأمني للتعامل مع الحكم
اليمنيّ المهتزّ أكثر فأكثر بفعل التمرّد "الحوثي" - التي لم تر الرياض
فيه مرّة أخرى سوى يد طهران الخفية - ولمواجهة موجة الاحتجاجات
المتنامية ضدّ حكم عائلة الرئيس صالح "الجمهوريّ".
وفي خطوة نادرة بالنسبة إلى دولة تستند دبلوماسيّتها عادةً على بناء
توافقات مدعومة ماليّاً كما يجب، وصل الأمر بالجيش السعودي حدّ تجاوز
الحدود في تشرين الثاني/نوفمبر 2009 لكي يفرض "السلم" في المناطق
المتمرّدة؛ حيث كان يخشى خطرها على المملكة ذاتها. في الوقت نفسه، غرقت
الطاقات السعودية في حربٍ باردة تُخاض بين الرياض وطهران: وذلك في
لبنان حيث كان يجب دعم حكومة سعد الحريري الحديثة العهد بالأموال
لمواجهة حزب الله الذي يزداد قوّة؛ وفي العراق حيث فرض إعلان الانسحاب
الأميركي على السعوديين أن يضطلعوا بمسؤوليّات كبيرة لكي لا يتمّ ملء
الفراغ الحاصل بالنفوذ الإيراني حصريّاً؛ أو أيضاً في تركيا، وهي القوة
الطامحة إلى "تمثيل" السنّة في المنطقة، ما كان يغيظ الأمراء السعوديين
إلى حدٍ كبير. من دون أن ننسى الجبهة الفلسطينية حيث كان على الرياض،
في آنٍ معاً، أن تنعش الحكم المشلول والمشكّك فيه لرأس السلطة
الفلسطينية محمود عبّاس، وضمان شبكة أمان بالحدّ الأدنى عبر محاولات
متكرّرة لرعاية المصالحة مع حركة حماس. كان عليها القيام بكلّ ذلك في
ظلّ مناخٍ دوليّ يزداد ضيقاً مع التداعيات المتتالية لاعتداءات 11
أيلول/سبتمبر، التي زعزعت نوعاً ما الثقة التي كانت قائمة بين الولايات
المتحدة والوهابيّة في الخليج؛ هذا مع صعود قوى بديلة أو منافسة صراحة
في المربعات الموالية، أو أيضاً مع الوهن التدريجيّ في موارد المملكة
نفسها، وبدرجةٍ أولى وهن مجموعاتها الحاكمة والقائدة.
عندما خلف الملك عبد الله الملك فهد في العام 2005، كانت الآمال
كبيرة، سواء داخل المملكة أم لدى حلفائها وحماتها الغربيين؛ لدرجة أنّ
العاهل السعودي، الذي أحاطت به هالة سمعة الانفتاح والشفافيّة النسبيين،
والذي نُسبت إليه رغبته في إجراء إصلاحات حقيقيّة، اعتبر قادراً على
تحضير بلاده للأوقات الصعبة التي بدت تباشيرها، ولجعل الرياض قطباً
عربيّاً له وزنه في اللعبة الإقليمية. لكنّ هذه الآمال لم تراعِ تلف
النظام نفسه. إذ لم تنظر من ناحية إلى حالة العطالة، التي أصبحت في هذه
الأثناء بنيويّة، التي يعاني منها الجهاز السياسي-الدبلوماسي ما جعله
أقل وأقلّ اتّصالاً بالتغييرات الجارية في العالم؛ كما لم تأخذ بعين
الاعتبار، من ناحية أخرى، تعقيدات آليات اتّخاذ القرار التي راحت
تتنامى (بحكم أعمار بعد الزعماء المعنيين بها وتعدّدهم) على رأس النظام
العائلي الذي بات أكثر فأكثر عاجزاً عن تنظيم أموره الخاصّة.
حالة الملك عبد الله (89 عاماً) الصحيّة صعبة منذ زمنٍ طويل؛ ووفاة
ولي العهد الأمير سلطان عن عمرٍ يناجز 83 عاماً؛ التي لحقت بها بعد ستة
أشهر تقريباً، وفاة ولي العهد المعيَّن حديثاً الأمير نايف (79 عاماً)؛
ثمّ المسارعة إلى تعيين الأمير سلمان (78 عاماً) لهذا المنصب: كلّ هذه
دلالات على وهن الجهاز السياسي المعطّل هو أيضاً بشكلٍ بنيويّ. فإذا
تمّ احترام ترتيب وراثة الحكم بدقة ليُطبَّق على أبناء مؤسّس المملكة،
الملك عبد العزيز، فإنّ سلسلة حكم الشيوخ على رأس السعودية لا تبشّر
بأيّ تغييرٍ حقيقيّ في المملكة. ومجمل ذلك آفاق لا تحمل آمالاً كبيرة
في التكيّف، سواء للتقدُّم في الورش الداخلية الضخمة في بلدٍ يتعطّش
إلى التحديث، أو لمواجهة التحدّيات في منطقة ستشهد في غضون سنةٍ واحدة،
تغيّرات في العمق.
* هذا المقال تم نشره في النشرة العربية
لصحيفة لوموند ديبلوماتيك أكتوبر – 2012، وهو مساهمة للباحث في كتاب
"القطيعة. حالة العالم في 2013"، الذي حققه برتران بادي ودومينيك
فيدال.
** أستاذ العلوم السياسية في باريس، باحث في
الأكاديمية الدبلوماسية الدوليّة.
.......................................
مراجع:
- Bertrand BADIE et Dominique Vidal, « La Cassure,
l’état du monde 2013 », Editions La Découverte, Paris, 2012.
- J.BRADLEY, «Saudi Arabia’s Invisible Hand in The
Arab Spring», Foreign Affairs, octobre 2011.
- B.HAYKEL, «Saudi Arabia vs.the Arab
Spring»,Project Syndicate, avril 2011.
- M.KAMRAVA, «The Arab Spring and the Saudi-Led
Counterrevolution», Orbis, vol.56, n°1, hiver 2012.
- S.LACROIX, Les Islamistes saoudiens. Une
insurrection manquée, PUF, «ProcheOrient», 2010. |