الهولوكوست والحقائق الغامضة

علي الأسدي

مع هبوب رياح الرأسمالية على شرق أوربا الاشتراكية أصبح كل ممنوع مباح، تارة بالمجان، وتارة أخرى بأبخس الأثمان. فقد بيعت للشركات متعددة الجنسية صناعات السفن العملاقة البولندية في كدانسك التي كانت الثانية في أوربا من حيث النجاح والضخامة، تلتها صناعات الحديد والصلب ومجمعات الصناعات الخفيفة والآلات والمعدات الزراعية والسيارات ومناجم الفحم الأغنى في العالم وغيرها بأسعار رمزية مقابل عمولات استلمها سماسرة من فاقدي الضمير والوطنية. تلك كانت ممتلكات شعب لا شركة خاصة أو فرد، استغرقت منه لبنائها أربعة عقودا من الكدح والتضحية تم بيعها خلال بضعة أيام أو أسابيع لترسيخ نظام اقتصاد السوق. وترسيخا لمبادئ هذا السوق عادت سوق الدعارة وتجارة الرقيق الأبيض حرة كما كانت في عهد ما قبل الاشتراكية، متقدمة أشواطا نحو العولمة والتجارة الحرة. لقد بيع كل شيء حتى الهولوكوست ورماد الموتى وعذاباتهم، حتى أرواحهم ومقتنياتهم في تجارة لم تخطر على بال آدم سمث وريكاردو وساي منظروا الرأسمالية الأوائل، ولم تخطر أيضا على بال منظري الرأسمالية الجديدة فريدمان ومدرسته.

الهولوكست كلمة يونانية قديمة وتعني القتل أو التعذيب بالنار. أما " أوشفيتز " فهو الاسم الذي أطلقه النازيون على المدينة البولندية " OSWINCIN التي أقيم فيها مركز الاعتقال الرئيسي في أوربا الذي عرف فيما بعد بالهولوكوست نسبة الى محرقة الجثث التي شيدت هناك. وتدعي المنظمات اليهودية واسرائيل أن أكثر من ستة ملايين يهودي من الرجال والنساء والاطفال وملايين أخرى قد تم قتلهم في ذلك المركز ومن ثم حرق جثثهم وطمر رمادها في الحقول المحيطة بالمكان، وهو الأمر الذي لم تثبت صحته بالصورة التي يتم عرضها في وسائل الاعلام، وهناك أسبابا وأهدافا سياسية وراء ترويج تلك الصورة المأساوية المحزنة سأتحدث عن تفاصيلها لاحقا.

مركز الاعتقال في أوشفيتز يحتل مساحة ثلاثة كيلومترات مربعة في تلك المدينة الصغيرة المعزولة في الجنوب البولندي، ويضم مباني ومسقفات عديدة من الخشب لأغراض مختلفة. فمثلا هناك قاعات خصصت لاقامة المحتجزين، وأخرى لمنامهم، بينما خصصت أخرى لتناول الطعام، وبحسب مخطط مركز الاعتقال كانت هناك مباني تم تخصيصها كأفران لحرق جثث الموتى ممن يحكم عليهم بالموت أو ممن يتوفون بسبب المرض وتقدم العمر. لتذكير القارئ العزيز أن حرق جثث الموتى شائع في أسيا كجزء من تراث ديني وشعبي لأكثر شعوبها، وفي أوربا ايضا تتبعه اجزاء كبيرة من المجتمع، وفي وقت يستخدم الأسيويون اخشاب الأشجار للحرق يستخدم الأوربيون الأفران الغازية والكهربائية لنفس الغرض.

 لم تتوفر سجلات تبين معلومات عن أسباب اعتقال وموت الذين يتم جلبهم الى المجمع. كان المعتقلون من مختلف الجنسيات والدول المحتلة من قبل النازيين الألمان، يرسلون بواسطة القطارات عبر أوربا لتنتهي بهم مباشرة الى مجمع أوشفيتز وغيره المنتشرة في بولندا حينها، لكن أوشفيتز هو أكبرها. أما أعداد الناس التي كانت تنقل في القطارات فغير معروفة بدقة، واختلفت الروايات تبعا للهدف الذي تروج له هذه أو تلك الجهة، لكن الشائع أن العدد كان بآلاف وليس بالمئات، بل أن بعض الوكالات الاسرائيلية واليهودية تصر على أنهم بالملايين، وهو أمر بعيد عن الواقع وفق كل المقاييس آخذين بالاعتبار حجم المباني والقاعات، والطاقم الاداري، ومساحة المركز ذاته وسعة المدينة، وكذلك خدمات النقل بالقطارات التي كانت تجلب المعتقلين الى أوشفيتز.

 غرف الغاز التي قيل الكثير عنها تتسع لعشرة أشخاص كحد اقصى، وعدد المتوفر وعدد الغرف الموجودة في المجمع يعد بأطراف الأصابع، مما يضع في موقع الشك رقم الستة ملايين يهودي الذين مروا عبر غرف الغاز تلك. لهذا تعددت واختلفت وجهات النظر عن واقعية وجود الهولوكوست والغرض الذي وجد من أجله. ونفس الشيء يقال عن حقيقة استخدام هذا الصنف من الغاز السام أو ذاك والغرض من استخدامه، فان انتشار الأمراض السارية بين ذلك العدد من السكان وانعدام الرعاية الصحية قد كان سببا بحد ذاته لوجود محرقة الجثث للتخلص منها تحاشيا لانتشار الأمراض فيما لو تم طمرها في الحقول المجاورة. كما ان قسوة الظروف المناخية في ذلك البلد كان سببا هو الآخر في وفيات الكثيرين من نزلاء المجمع اضافة للجوع والتقدم بالعمر.

 لكن كل هذه الاسباب لم تشكل سببا مأساويا يمكن استغلاله لكسب التعاطف الانساني كما هو الحال مع موضوع ابادة اليهود بالغاز وحرق جثثهم بالملايين لسنين خلال الحرب العالمية الثانية. مثل تلك الروايات قد راجت بشكل واسع بعد أن تحول المجمع ومنشآته المختلفة الى متحف ومعلم سياحي يدر الملايين من الدولارات سنويا لأصحابه، حيث يؤمه السواح من مختلف انحاء أوربا. فقد حولت بعض قاعات المجمع الى معارض مثيرة للحزن والأسى بما تحويه من بقايا ومقتنيات الضحايا الشخصية لترسيخ المأساة في نفوس كل من يزور تلك المواقع، ويظل يتذكرها ويرددها أمام الآخرين مقرونة ببراعة الوصف والتمثيل. ووفق هذه القواعد تجسد المأساة اليهودية سابقا عبر التاريخ كما يرويها التلمود واساطير ربابنته وكما توظف الآن سياسيا بنجاح منقطع النظير من قبل القسم الأكبر من قادة يهود العالم وبخاصة لقادة المتعصبون الاسرائيليون.

ويمكن التحقق من ذلك عند استعراض محتويات متحف الهولوكوست في كل من أوشفيتز في بولندا وواشنطن وتل أبيب، تجدها واحدة، أما مستعارة، أو مستنسخة عن الأصل. فهي تضم أحذية وحقائب سفر وأطراف صناعية وملابس ونظارات طبية وأغطية رأس ولعب أطفال ورموز نازية وصورا لأكداس الجثث أو الجماجم البشرية يمكن بسهولة تلفيقها والادعاء بعائديتها ليهود أو غير يهود وغير ذلك كثير. ومن ضمن المعروض ايضا القاعات التي حشر فيها المعتقلين في أمكنة نومهم المفصلة بحيث يصعب النوم فيها إلا ويكون جسم النائم مكورا إغالا يتعذيبهم. ومن ضمن المعروض للمشاهدة شعر الضحايا من النساء اللواتي تحلق رؤوسهن قبل أخذهن الى غرف الغاز، وعينات من الأنسجة المصنوعة من شعر رؤوسهن. شعر النساء المعروض هناك ما يزال يحتفظ بلونه الأشقر ما يدل على أن الضحايا كن شابات شقراوات في مقتبل العمر في حين أن لون شعر وبشرة اليهود داكنا قريبا من لون شعر الشعوب الشرق أوسطية وجنوب أسيا. ومن الروايات التي تروى أن الحراس الألمان كانوا يجبرون الشابات على الخروج عاريات من قاعاتهن الى الفناء الخارجي شتاء، حيث درجات الحرارة ما دون الصفر وتصل احيانا الى -25 درجة مئوية، ويكون الثلج حينها قد غطي الأرض بنحو 20 – 25 سم، وبنتيجة ذلك يقضين بسبب التجمد والمرض.

 لقد اختلفت الروايات بشأن عدد ضحايا الهولوكوست من اليهود وبحقيقة وجوده بكونه كان مخصصا لقتل اليهود، وهنا أيضا يأخذ الهدف السياسي دوره البارز كاملا، فاسرائيل التي لم تكن قد وجدت كدولة أثناء الحرب العالمية الثانية تدعي أن عدد اليهود الذين قضوا فيه تجاوز الستة ملايين وأن أكثريتهم من اليهود (95% ). السوفييت في حينه ادعوا أن عدد الضحايا هو بحدود أربعة ملايين مواطن بحسب المؤرخ البريطاني ديفيد إرفين. (1) بينما جاء في السجلات التي تم العثور عليها بعد نهاية الحرب ان عدد الضحايا هو ( 68 ) ألفا من مختلف الجنسيات ولمختلف الأسباب. وقد اتضح ذلك في جداول دونت فيها أسماء الضحايا وجنسياتهم وأعمارهم وأجناسهم وتواريخ وفاتهم وميلادهم ودياناتهم دون ذكر سبب الوفاة. وتشير المعلومات بتلك الجداول أن أصول الضحايا لم تقتصر على اليهود. حيث تعددت اصولهم لتشمل مواطنين من بلدان شتى احتلها النازيون وشهدت حركات مقاومة شعبية واسعة شارك فيها البولونديون والسلافيون والرومان والبلغار، كما ضمت الجبسي والمعاقين ومثلي الجنس وذوي البشرة السود علما بأن عددا كبيرا من المعتقلين كان يموت بسبب المرض وتقدم العمر والجوع والخوف من المصير.

 ويعترف المؤرخ الاسرائيلي البروفيسور في Yehuda Baur بحسب صحيفة ذي نيويورك تايمز الأمريكية في عددها 12\11\1989 أن رقم الضحايا مبالغ فيه كثيرا، وانه يقل كثيرا عن نصف الرقم المتداول في المؤسسات والصحافة الاسرائيلية واليهودية حيث قدره بمليونين ونصف المليون. ويضيف، ليس كل الضحايا من اليهود بل ان مليونا ونصف منهم كانوا من البولنديين السياسيين الذين قاوموا الاحتلال النازي. وإن على المؤرخ قول الحقيقة، والحقيقة بهذا الرقم هي فظيعة بما فيه الكفاية. (2)

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/تشرين الأول/2012 - 29/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م