لسنا بخير حتى في ربيعنا العربي

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كان احد اساتذتي الذي درّسني مادة اللغة العربية شغوفا بالنظافة الى ابعد الحدود، وكان شغفه في الحقيقة نوعا من انواع الوساوس القهرية او الهوس او غيره من اسماء تصفه حالته تلك في العلوم النفسية.

كان هذا الشغف وقبل ان نتعرف في مراحل لاحقة من القراءات على ميادين علم النفس وامراض النفس البشرية مدعاة سخرية واستهجان الطلاب في صفي وبقية الصفوف.

كان وحده الجنون هو الذي نعرفه امامنا رغم قلة المصابين به الذين نراهم، وبعد سنوات كثيرة عرفنا ان هناك الاكتئاب والوساوس والرهاب والقلق والفصام وغيرها الكثير من امراض النفس وادواؤها.

كثيرا ما تفاخر العراقيون بقوة تحملهم وصبرهم على جميع الويلات والمحن التي عاشوها ومروا بها، لكن هذا التحمل والقدرة على الاستمرار في الحياة لا يمر دون اثمان يدفعها العراقيون من صحتهم النفسية والعقلية، وجميع شعوب البلدان العربية ربما مرت بظروف مشابهة لما مر به العراقيون من حكام مستبدين ومن فقر ومن افاق مسدودة للمستقبل، واصابتهم كما اصابت العراقيين بجملة من الامراض النفسية التي تنعكس على السلوك الانساني داخل تلك المجتمعات.

فالربيع العربي الذي استبشرت به الشعوب العربية كثيرا، دفع بآلاف التونسيين والمصريين إلى المصحات النفسية.

فقد ارتفع عدد التونسيين والمصريين الذين يزورون بانتظام عيادات الطب النفسي بشكل ملحوظ في فترة ما بعد الثورة... وهي ظاهرة تعكس حالة القلق والخوف من المستقبل في ظل الفوضى التي يعيشها البلدان، وفق ما يذهب إلى ذلك محللون نفسيون وسياسيون.

وقال الدكتور فاضل مراد مدير مستشفى الرازي (المتخصص في العلاج النفسي) إن عدد التونسيين الذين يترددون على المستشفى ارتفع بنسبة 15 بالمئة قياسا بما قبل الثورة. وذكر مراد أنه خلال سنة 2011 استقبل المستشفى الحكومي المختص 138 ألف حالة بينما كانت الزيارات سنة 2010 في حدود 120 ألفا، أي بزيادة 18 ألف حالة. وأضاف أن الرجال أكثر عرضة للهزات النفسية "87 ألف حالة" بينما النساء "51 ألف حالة".

وقال محللون نفسيون إن ذلك مرتبط بصدمات شديدة نتيجة فقد العمل في ظل إغلاق عشرات المؤسسات الاقتصادية الأجنبية أبوابها نتيجة انعدام الأمن، وتواصل الإضرابات المطلبية، أو بسبب الخوف على الأمن الشخصي أو الأسري في ظل رواج أخبار الاغتصاب والقتل والسلب والابتزاز وقطع الطرق وهيمنة البلطجية.

وفي ذات سياق الخوف من المستقبل أكد مراد أن 12 بالمئة من التونسيين يعانون من اضطرابات نفسية، وهو مؤشر يراه مختصون بمثابة ناقوس خطر على هشاشة الوضع النفسي لمجتمع تونسي عُرف بالاستقرار.

وفي نفس اليوم الذي صدرت فيه الأرقام التونسية التي تطلق صيحة فزع، صدرت بمصر دراسة تؤكد أن 60 بالمئة من سكان القاهرة يعانون من الضغط النفسي، وأن ‏50 بالمئة منهم على استعداد لتلقي تأهيل نفسي.

وعبّر القاهريون – وفق الدراسة التي أصدرها مركز جرهرد لخدمة المجتمع وقسم علم النفس بالجامعة الأميركية بالتعاون مع الأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة – عن شعورهم بالحيرة والارتباك والقلق وقلة الشعور بالأمان خاصة مع زيادة معدلات الجريمة.

وقالت الدراسة إن سكان العشوائيات عبروا عن حنينهم إلى مرحلة ما قبل الثورة نظرا لارتباطها باستقرار حالتهم المادية نسبيا، وقدرتهم على التأقلم مع ارتفاع الأسعار خلال تلك المرحلة.

وفي سياق متصل قال الدكتور عارف خويلد، أمين عام الصحة النفسية بوزارة الصحة المصرية، إن أحداث العنف والانفلات الأمنى والبلطجة وطول المرحلة الانتقالية أثرت بشكل أو بآخر في الحالة النفسية للمواطنين، ومن ثم زيادة عدد المترددين على العيادات الخارجية للطب النفسي.

وفسر خويلد هذه الزيادة بكون المواطن بعد الثورة كان يتوقع أن تتحسن حالته المعيشية وتنخفض الأسعار، ويجد العاطلون فرصا كثيرة للعمل، لكن مع الوقت اكتشفوا خلاف ذلك، فأصيبوا بنوع من الإحباط، ثم عادوا مرة أخرى يتفاءلون بتحسن الأوضاع، ومع مرور الوقت يكتشفون غير ذلك، واستمر الوضع كذلك بين التفاؤل والإحباط، وهو ما انعكس على الحالة النفسية.

وبخصوص الفئات المعرضة للإدمان ذكر خويلد أن هناك فئات جديدة بدأت تدخل دائرة الاضطرابات بخلاف الشباب والمراهقين، وهي فئة ربات البيوت، حيث يلاحظ تردد الكثير منهن على العيادات الخارجية في الفترة الماضية.

ويقول محللون إن الفرد يمكن أن يتعايش مع أزماته الخاصة ويلقى لها الحلول، لكنه لا يمكن أن يشعر بالاستقرار في ظل أزمة عامة لا يستطيع التأثير فيها أو المساهمة في حلها، وهذا ما يفسر ارتفاع حالات المرضى النفسيين الذين يشهادون المخاطر أمام أعينهم ولا يقدرون على درئها.

وفي السعودية تزامنا مع الحراك الشعبي في القطيف والاحساء، فقد قفز عدد المرضى النفسيين في المنطقة الشرقية خلال عشرة أشهر، إلى أكثر من عشرة آلاف مريض، قاموا بمراجعة العيادات النفسية الخارجية، بعد أن كان عدد الحالات المراجعة في العام الماضي لا يتعدى 2129 حالة.

وقد وصل عدد مراجعي العيادة الإستشارية النفسية التابعة للوزارة الى 27 الفا و 677 خلال العام الماضي شملت مختلف الامراض النفسية كالفصام والاكتئاب والصرع والهوس والتخلف العقلي والقلق والادمان.

وكان عدد المصابين بالاكئتاب ممن راجعوا العيادات النفسية في المستشفى خلال العام ذاته بلغ 4263 من كلا الجنسين، والادخالات والمراجعين للعيادات النفسية في المستشفى الى 15546.

اما في الاردن فيقدر أطباء ومختصون عدد الاردنيين الذين يعانون من اضطرابات نفسية بمليونين و750 ألف أردني، غالبيتهم الساحقة تعاني الاكتئاب والقلق، فيما يعاني 60 ألف أردني من الفصام العقلي، وهو الاخطر، ونسبته لا تتجاوز 1 في المئة من عدد السكان.

و من الصعب على الاهل معرفة اعراض اي مرض نفسي موضحا انه اذا كان الاب في اسرة ما يعاني مثلا من الفصام العقلي، فاحتمال اصابة احد الابناء واردة باحتمال الوراثة. وقال ان المرض النفسي يتراوح بين الامراض البسيطة مثل الخوف من الحيوانات او المناطق المزدحمة او المرتفعات وغيره، والامراض الشديدة مثل الفصام العقلي المزمن.

والاصابة تصبح مرضا اذا تسببت بمعاناة الشخص او من حوله مشيرا الى ان مرض (الوسواس القهري) يعتبر من الامراض التي يعاني المريض ومن حوله من نتائجه، فيما قد يعاني من حول المصاب بالاكتئاب كذلك من نتائج اصابته بالمرض اذا اصبح غير قادر على القيام بعمله في الحياة.

والاعراض البيئية التي تؤدي الى الاكتئاب متفاوتة مثل الفقر والضغوطات السياسية، والاجتماعية وغيرها وكلها عوامل تزيد من الاصابة بالمرض.

هذا وقد كشفت آخر إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن مرض الاكتئاب يحتل المرتبة الثالثة من بين إجمالي أسباب الوفاة بعد أمراض القلب وحوادث الطرق، بالإضافة إلى أن الأمراض النفسية تتسبب في حدوث عدد كبير من الوفيات وحالات العجز. وأوضحت أنها تمثل 8،8% من عبء المرض الإجمالي الناجم عن الاعتلالات الصحية في البلدان منخفضة الدخل وتمثل نسبة 16،6% في البلدان متوسطة الدخل.

والاكتئاب يصيب الجنسين في جميع الفئات العمرية ونسبته لدى الذكور البالغين 10%، بينما يصل إلى 25% لدى النساء البالغات.

وهو حالة من انخفاض المزاج والحزن وفقدان المتعة في معظم الممارسات الحياتية اليومية وهذه الحالة قد تعتري الإنسان لأسباب معينة أو قد تكون بلا سبب بحيث تؤثر على تفكيره وسلوكه وانفعالاته وقد يتعدى تأثيرها إلى المحيطين به.

وفيما يتعلق بأسبابه فأن الدراسات أشارت إلى أن هناك عوامل جينية مرتبطة بالاكتئاب وتساعد على ظهوره في الأبناء إذا كانت البيئة المحيطة بهم تساعد على ذلك، وتوجد أسباب عضوية كاضطراب كيميائي يحدث بسبب انخفاض نسبة بعض النواقل العصبية في بعض مراكز الدماغ، أو زيادة نشاط الغدة الكظرية "فوق الكلوية"، أو انخفاض نشاط الغدة الدرقية، أو قد يكون بسبب خلل في بعض الهرمونات، ويوجد ما يسمى باكتئاب ما بعد الولادة حسب بعض النظريات، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات، وبعض الأسباب الاجتماعية كالأحداث المأساوية والاعتداءات الجسدية أو الاغتصاب أو وفاة قريب، والطلاق بعد زواج فاشل وغيرها من الضغوط الاجتماعية أو الأسرية والاقتصادية، ومشاكل الأبوين أمام الأبناء. وتظهر أعراض الاكتئاب من خلال شكوى المصاب من الحزن، وانخفاض المزاج، وفقدان الاستمتاع بالحياة، والشعور بالخمول والكسل، وسرعة الإجهاد، وضعف الدافعية، والنظرة السوداوية للذات والآخرين ولجميع الأحداث ويصاحب ذلك عدم القدرة على التركيز واضطرابات النوم والشهية. وقد يصل المكتئب إلى تمني الموت بل قد يفكر فيه أو يقدم على الانتحار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الأول/2012 - 27/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م