الاسراف بالتوقيف وسلب الحريات

نهج للفكر الشمولي

رياض هاني بهار

يشكل التوقيف الخطأ، إحدى الهفوات التي لا يمكن السكوت عنها بالدول الديمقراطية، ولا تمررها مرور الكرام، بل تقف عندها كثيرا، وتفتح أبحاثا وحلولا للوقوف على مدى القصور في التحقق، وتحديد المسبب ولأن الحرية شيء ثمين ومقدس بالنسبة إلى هذه الدول، فإنها تقرر التعويض في حالة الخطأ، لجبر الضرر المادي والمعنوي الذي نتج عن استعمال «الدولة» عبر موظفيها للقوة أو الخطأ، اما في عراقنا لانزال نعمل بعقلية القرون الوسطى والفكر الشمولي مسيطر على عقل بعض القضاة ويعتبر التوقيف تأديبا ونروض خصومنا (اكسر خشمه) واتجهت بعض من محاكم التحقيق الي الاسراف بتوقيف الاشخاص ليقضوا الموقوفين شهورا قبل أن تقرر المحكمة الافراج عنهم من التهم الموجهة إليهم بداعي عدم توفر الادلة ليطرح سؤال حول دور محكمة التحقيق في كل هذا الذي يحدث.

بالاطلاع على الاحصاءات المنشورة بكتاب يمثل نشاط السلطة القضائية العراقية خلال عام 2011 بموقع السلطة القضائية (136ص) (منجزات مكاتب التحقيق القضائي لسنة 2011 ) والمتضمنة الارقام التالية (مجموع ما مسجل من الدعاوى (82757 )غلق منها (69456) واحيلت الى المحاكم (13301)، اما الإحصائية المنشورة بعدد القضايا الإرهابية في طور المحاكمة بلغت (4255) والمحسوم منها(3837) ولم يوضح الحسم (حكم او افراج) احصائية غير واضحه ولم توضح هذه الإحصائية عن عدد الموقوفين وافرج عنهم بدور التحقيق، يتضح من الاحصاءات انفة الذكر ان عشرات الاف تم توقيفهم وافرج عنهم بدور التحقيق ولم نتعرف عن المدد التي قضوها في التوقيف اي نظام عدالة يرتضي هذا التعسف، غير أن بعض قضاة التحقيق كانت لهم قراءة ثانية وأصبحوا يعتبرون أن المتهم مذنب إلى أن تثبت براءته من يتحمل مسؤولية المعاناة التي تعرض لها هؤلاء الأبرياء؟ وأين يكمن الخلل في كل هذا الذي يحدث؟ وهل يستخدم قاضي التحقيق جميع السلطات المخولة له؟

بالرجوع إلى القانون العراقي نجد أن الدولة العراقية غير مسؤولة عن الخطأ القضائي، وبالتالي فإن الذين كانوا ضحية هذه الأخطاء ما عليهم سوى أن يصبروا ويحمدوا الله على أن القضاء لم يساير ما جاء في محاضر الاوراق التحقيقية وقرار الإحالة، ومنحهم البراءة، وفي غياب مسؤولية التعويض يبقى سؤال من يقف وراء ارتكاب هذه الأخطاء (الزج بأبرياء في المواقف) قائما؟ أصابع الاتهام توجه هنا إلى محكمة قاضي التحقيق، بالنظر إلى أن المشرع خول إليها مجموعة من الآليات من أجل الوصول إلى الحقيقة، بدءا بالتحقيق الابتدائي الذي هو مجموعة من التحريات تستهدف استكمال جمع الادلة، يحق لها في نهاية الأمر أن تقرر ما إذا كان مناسبا أو غير مناسب إحالة القضية على المحكمة المختصة وبعده ينتقل القاضي إلى التحقيق القضائي وقد خوله المشرع الوقت الكافي من أجل التحقيق مع المتهمين وإجراء مواجهات بينهم، بل خوله حق القيام بإنابة قضائية، وذلك حينما يتعذر عليه القيام بنفسه بإجراء التحقيق في جزء منه، لأسباب قد ترجع إلى كثرة القضايا المحالة عليه، أو ضرورة الانتقال إلى مكان لا يدخل في اختصاصه المكاني، وخول المشرع لقاضي التحقيق العديد من الصلاحيات الأخرى التي من شأنها أن تساعده على الوصول إلى حقيقة الأمور، وتفادي وضع متهمين رهن التوقيف، وحتى يكون تحقيق قاضي التحقيق شاملا ومستندا على دلائل وإثباتات قوية، فقد أجاز المشرع لقاضي التحقيق، في إطار جمعه للأدلة، غير أن الواقع يظهر أن بعض قضاة التحقيق لا يستعملون هذه الوسائل ويكتفون بمحاضر التي تعرض عليهم من الشرطة او المحقق القضائي، لتكون النتيجة الزج بأبرياء في المواقف تتبعها مساومات يستفاد منها الطفيليين والفاسدين الطارئين

وقد عقد مجلس القضاء الاعلى يوم الاربعاء الموافق (10/ 10/ 2012) جلسته رقم (12) لعام 2012 التي ناقش فيها عددا من القضايا المدرجة على جدول اعماله، والمسائل المهمة فيما يتعلق بملف الموقوفين على ذمة التحقيق، (وتوصل الاجتماع الى وجوب تعاون الجهات التنفيذية في تنفيذ قرارات قضاة التحقيق وزيادة عدد قضاة التحقيق والمحققين القضائيين لإنجاز القضايا بأقرب وقت، وكذلك اختيار قضاة تحقيق من الصنفين الاول والثاني كلما امكن ذلك، ورصد حالات خرق القانون في المواقف اذا حصلت واتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين).

الخلاصة

الحلول ياسيدي ليست بزياده عدد القضاة والمحققين القضائيين بل باتباع اليات متوافقة مع العصر ولاسيما نحن بالألفية الثالثة ونعمل بأدوات القرون الوسطى بمعزل عن الزمن الحقيقي لماذا يلتجا القاضي الى توقيف المتهمين ؟ وهناك جواز قانوني في اغلب مواد قانون العقوبات بإطلاق سراحه بكفالة ضامنة، لابد للمهنيين من تكريس هذا السلوك بالوسائل البديلة ما يزال ينظر الى توقيف المتهمين في مرجعية من يملك السلطة باستعمالها كأنها بمثابة جزاء غير مباشر أو وسيلة ردع قبل المحاكمة. وهذا السلوك يمارس حاليا، ويناقض قرينة البراءة. وكيف نجبر ضرر الموقوف التي تنتهي قضيته بقرار الافراج أو البراءة أليس الخطأ في العفو أفضل من الخطأ في العقوبة؟ ان هذا الاتجاه يزرع الكراهية عند الاف من الاشخاص الذين لحقهم ضررا من الاجراءات التعسفية وهو اتجاه كان سائدا بالأمن العام (نعتذر جبناك بالخطا) انتبهوا ولا تجعلوا من التعسف مبدا، كيف ينام قاضي التحقيق وبذمته مئات من الموقوفين ؟ ولم يدركوا السياسيين الجدد حجم الكارثة واثارها على نظام العدالة ومستقبلها ام انهم متفرجون؟

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الأول/2012 - 27/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م