العلاقات العاطفية... من نظرة العين الى نقرة الماوس

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في مطالع المراهقة وسنوات الشباب الاولى، كانت تستهوينا بعض القصائد الغزلية لعدد من الشعراء، القدامى والمعاصرين. قرأنا لعمر بن ابي ربيعة وصريع الغواني، وقرأنا لابراهيم ناجي والاخطل الصغير، ثم تعرفنا على نزار قباني الذي كنا نتخاطف دواوينه ونتبادلها بيننا، ونزهو بأنفسنا ونحن نردد بعض المقاطع من تلك القصائد.

كان الزمن غير هذا، وكانت مساحة الصدق اكثر مما هي في زمننا الحالي، وكانت هناك عفة في النظر وفي القول وفي السلوك اكثر مما تجدها الان. كثيرا ماكنا نردد قول ابي تمام من قصيدة له يقول فيها:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

ما الحب الا للحبيب الاول

وكم من منزل يألفه الفتى

وحنينه ابدا لاول منزل

وكنا نردد ايضا مقطعا من قصيدة لاحمد شوقي، يتناغم مع ماكنا نعتقد انه الحب، وهو الهيام، باي صورة نعتقد انها تبادلنا نفس المشاعر كنا شاهدناها في الطريق الى مدارسنا او تسكن قريبا من منازلنا.. كان المقطع يقول:

نظـــرة فـابتسامــة فســلامٌ.... فـكـلامٌ فمـوعــدٌ فلـقــاءُ

وكنا نتحاشى قراءة القصيدة بكاملها لما فيها من قيم ونصائح تربوية كنا نعتقد انها تتقاطع مع تلك المشاعر البسيطة والبدائية للحب. والقصيدة هي:

خدعوها بقولهـم حسنــاءُ.... والغـواني يغـرهن الثنـاءُ

أتراها تناست اسمي لما.... كثرت في غرامها الأسماءُ

إن رأتني تميل عني كأن لـم.... تك بيني وبينهـا أشياءُ

يوم كنا ولا تسل كيف كنا.... نتهادى من الهوى ما نشاءُ

وعلينـا من العفافِ رقيبٌ.... تعبت في مراسـه الأهــواءُ

جاذبتني ثوبي العصي وقالت.... أنتم الناس أيها الشعراءُ

فاتقوا الله في قلوب العذارى.... فالعذارى قلوبهن هـواءُ

الزمن الحالي تغير فيه كل شيء، فما عاد هناك حديث عن نظرة اولى، بل اصبح الحديث الان يأخذ طابعا من التكنولوجيا والتقدم في وسائل الاتصال وتقنياته، واصبح الحديث الان عن النقرة الاولى، وعن الشات الاول، وعن دردشة الياهو والفيس بوك.

لا تتقيد تلك العواطف والمشاعر بما يمكن تسميته بالضوابط الاخلاقية التي تعارفنا عليها تلك السنوات السابقة، بل افرزت هذه الفترة الزمنية لا ضوابطها وفوضاها على جميع الاصعدة.

تغير كل شيء، العادات، التقاليد، العلاقات الاجتماعية، التصرفات، وحتى اللغة تغيرت، واصبحت اكثر اختصارا وعامية لا لون لها ولا طعم ولا رائحة مثلها مثل العلاقات التي تعبر عنها.

اقل ما يمكن تسمية العواطف في العوالم الافتراضية هو الانفلات العاطفي والخديعة الكبرى، والجميع يعلم بحجم الخديعة لكنه مصر على المشاركة والاستمرار فيها. وقد وصف احد الباحثين المغربيين تلك التطورات المتسارعة قائلا: هكذا أضحى الناس ينسجون علاقات اجتماعية من خلال مواقع الدردشة، وأنتجت أحاسيس إنسانية افتراضية، توجت بزيجات ناجحة أو بمشاكل وصلت إلى ردهات المحاكم. كما أن الأنترنيت تحولت إلى حلم للترقي الإجتماعي، لذا تجد أغلبية الشباب يسهرون الليالي من أجل الفوز بشقراء غربية أو بعجوز أوروبي، عساهم ينقذونهم من ويلات الفقر، و ينقلونهم إلى الفردوس الأوروبي الجميل. و من بين إفرازات الانترنيت كذلك، تلك الدردشة اليومية المرئية المتواصلة على مدار اليوم بين المغاربة و عائلاتهم في بلاد المهجر والتي أنتجت سلوكيات جديدة، وضربت عرض الحائط التواصل الإنساني المباشر، هكذا يقول الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بوجدة، السيد بن يونس مرزوقي على هامش لقاء (الإعلام والهجرة): (عائلاتنا التي كانت تأتينا بشوق كل سنة، وتجلس معنا خلال العطلة الصيفية، لم تعد كذلك، فماعدا اليومان الأولان، فعائلاتنا تغادرنا إلى المنتجعات الصيفية و إلى أماكن أخرى، وهذا محصلة التواصل من خلال الأنترنيت).

وتجب الإشارة كذلك إلى أن مواقع الدردشة من خلال الأنترنيت، خلقت أحاسيس جديدة من قبيل (الحب الإفتراضي)، وولدت مشاعر مختلفة من الغضب والهستيريا و الحقد والتجاوب اتجاه أشخاص بعيدين دون رؤيتهم بشكل مباشر، وأضحى الشباب أكثر عزلة، وقلت النقاشات وتبادل الرؤى داخل الأسر نظرا للإنشغال بسبب الشبكة العنكبوتية.

يتساءل الدكتور أسامة عثمان، في هذا العصر المادي، هل نعاني مبالغة في الحب، أم نقصانا فيه؟ لو تصفحنا المواقع الاجتماعية والمنتديات، ما يسمى بالعالم الافتراضي، فإننا ندهش من كمية المادة الدائرة حول نوع من الحب، وهو الذي بين الرجل والمرأة، أو الشباب والفتيات. ولكن لو نزلنا إلى الحياة المجتمعية، وإلى الحياة الاجتماعية، في الأسر، وبين الأزواج، فإننا قد نذهل ثانية؛ لنقصان هذه المفردة: الحب على المستوى الفعلي، وحتى اللفظي.

فهل تضخّم الحبّ في العالم الافتراضي؛ تعويضا عن افتقاده من الواقع اليومي؟ وقبل أن نجيب عن السؤال، من الضروري تأكيد أن الحب في العالم الافتراضي، وتحديدا بين الرجل والمرأة لن يزيد المتورط فيه إلا تعبا، من دون جدوى، وهو لن ينجح في التعويض عن افتقاده في الحياة الاجتماعية، إلا إذا قاد هذا الحب، وعلى نحو جاد، نحو علاقة واقعية شرعية؛ بالزواج.

وقد يكون الحب الافتراضي محاولة للتعويض؛ ذلك أن خفوت العلاقة بين الزوجين قد تدفع الزوجين، أو أحدهما، إلى البحث عمن يشبع له هذا الاحتياج العاطفي. وكذلك قد يجذب الحبّ الافتراضي الشباب والفتيات من غير المتزوجين؛ بغيةَ الدخول إلى هذا العالم، وخوض مغامرات، أو توهّم العثور على زوج.

لكن هذا العالم الافتراضي مجهول، محفوف بالمخاطر، والخداع، فقلما يعرف الطرف، الطرف الآخر، وقد يكون في بلد آخر؛ ولو كان في البلد نفسه فإن من شأن هذه العلاقة، والمفترض فيها، أن تصبح واقعية، وهنا يتوجب البتّ فيها: هل تتوّج بالزواج؟ أم تبقى خارج الشرعية؛ فتجلب الأضرار الاجتماعية؛ فضلا عن الإثم، والمخالفات الشرعية.

وقد يقود هذا الحب الافتراضي إلى التسلية وتمضية الوقت، حين يرتبط الذكر، أو الأنثى بعدد من الأحباب، فهل ثمة امتهان للذات، وللآخر أكثر من هذا؟!

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تشرين الأول/2012 - 26/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م