من ضحايا النزاعات والحروب... عراقيات وأيتام

من الانهيار الى الحي الصناعي!

تحقيق: انتصار السعداوي

 

شبكة النبأ: تعاني المرأة العراقية على مدى العقود الثلاث الأخيرة، من هولَ الحروب والنزاعات العنيفة وما يصاحبها من انتهاكات وخروقات، لا ينتهي اثرها النفسي والمادي بانتهاء الحروب، ومنذ دخول القوات الامريكية عام 2003 وحصول التغيرات السياسية التي رافقت دخول الأمريكان وحتى الان، تبدّل شكل النزاعات والصراعات  من صراعاتٍ "عسكرية " مؤقته الى نزاعاتٍ داخليةٍ سياسية وطائفية غالباً ما تكون معقَّدةً وكأنّها بلا نهاية.. ولا تزال  العراقيات تدفع الثمن غالياً في بؤر التوتّر التي تشوب عراقنا الحبيب.

وحين تكون اطراف الحرب والصراعات غير معلنه فان آثارها على النساء والفتيات أكثر شمولية وبشاعة ودقةً، وقد تحولت النساء من ضحية حروب معروفة الطرفين والأهداف وقد تكون آثارها لا تتعدى كونها تحملت مسؤولية الحياة والتربية واليوميات بمفردها بعد غياب الزوج في ساحات القتال غير المجدي مع توفر مورد الانفاق في اغلب الاحيان. الى ضحية حروب ونزاعات محلية تتحمل فيها تبعات اقتصادية ونفسية واجتماعية وامنية، إذ تتورط بدون سابق انذار بفريق من الايتام واليتيمات لا تكفيها صدقة او حسنة او مبلغ تعويض لا يسد الرمق لسنة واحدة مما يوقعها في براثن اليأس، وقد تجنح للانتحار او الجنون او الانحراف الاخلاقي احيانا اخرى.

ام عمر شابة (30) سنة اديبة وصحفية من الطائفة السنية، اشارت خلال حديثها مع (شبكة النبأ المعلوماتية): احبت شاب من الطائفة الشيعية يعمل شرطي من اهالي المسيب وسكن الاثنان مدينة الاسكندرية لقربها من مكان عمله، انجبت ام عمر طفلين اسمت الاول عمر والثاني علي وعاشت بسلام مع زوجها هو يخرج الى مركز الشرطة وهي تذهب الى الصحيفة التي تعمل بها. وفي احداث الصراع الطائفي  قتل ابو عمر ورمي على باب شقتها بعد ان تلقت العائلة تهديدا في وقت سابق, تقول: ام عمر التي اصيبت بحالة نفسية عصبية ادت الى تلكؤ النطق لديها  بسبب الحادث "شارفت على الانهيار تقريبا وأنا متورطة بطفلين احداهما علي والاخر عمر اسكن شقة ايجار"، واضافت "توقفت عن العمل الصحفي وكتابة الشعر لأني لا استطيع القاء الشعر الذي اكتبه على الجمهور، بسبب مشكلتي في النطق، وقد سمحت لأخي وزوجته بالسكن معي بالشقة مقابل مساعدتي في تكاليف الحياة، وكان اخي قد استولى على الشقة تماما، ووعدني بانجاز معاملتي للحصول على تقاعد زوجي، فلم يفعل وتحولت الى خادمة لديه من اجل لقمة العيش لأطفالي وليس لي غير الياس خيار، واستل بكلامها "مرات عديدة افكر في الانتحار انا وأطفالي واحيانا أخرى افكر في الهروب الى غير عالم، افكر احيانا بالزواج من احد العجائز المتصابين والذي يعرضهم علي اخي بين الاونة والأخرى، وارى ان الانتحار اهون، ولازلت  مكتوفة الافكار والأيدي والإرادة، انتظر المساعدات التي تصلني بالسر من بعض اصدقائي القدامى وزملائي في العمل، اعرف ان لي قلما واستطيع الظهور مرة ثانية والبناء من جديد ولكني احتاج الى شجاعة بحجم الكارثة والصدمة التي تلقيتها او اكبر".

الأرامل ولجنة التعويضات

اما ام سارة تلك الشابة البسيطة (ربة بيت ) من قضاء الهندية (طويريج) انجبت اربعة اطفال من زوجها قبل ان تتجاوز الرابعة والعشرين من العمر، استشهد زوجها في حادث ارهابي في طريق الفلوجة كربلاء مع ثلاثة من زملائه في يوم واحد، تقول: "في بداية الامر انهرت من الصدمة وبعد تجاوز الصدمة صرت افكر في طريقة لكسب الرزق انا واطفالي الاربعة، والا اضعتهم واضعت نفسي"، واستطردت سارة "كنا نلتقي انا وزوجات زملاء زوجي المستشهدين معه كلهن اكبر مني سنا وقد تجاوزن ازمة الانفاق، كانت اختي متزوجة من شقيق زوجي منحاني غرفة في بيتهم وإنشاء لي شقيق زوجي ملحقات منفصلة، لا كون قريبة منهم، وتابعت قولها "قسم اللقمة بين اطفاله واطفالي وفي ذات الوقت كان يراجع في معاملة الراتب والتعويضات ثم استأجرت حانوت في احدى المدارس الابتدائية، وصار لي دخل خاص بعدها استخرجت محلا لبيع الملابس المستعملة من نفس الدار بمساعدة ابني الاكبر(10) سنوات. واضافت "ها انا انازع وكأن كل يوم من ايامي هو الاخير في حياتي وهو الاول  في معاناتي، المفروض احصل على قطعة سكن من لجنة التعويضات ومر الان اربع سنوات على استشهاده ولم احصل عليها والحجج والتبريرات كثيرة، مرة الروتين ومرة القرعة ومرات عديدة الفساد الاداري والله وحده اعلم بحالي وحال ايتامي وامثالي من الارامل  فلم استلم الراتب التقاعدي لحد الان .بسبب الروتين والاجراءات المعقدة ايضا".

احفاد يتامى لأمهات ثكلى

وفيما يسمى (باللجنة الفرعية لتعويض المتضررين من جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الارهابية)، التقيت مجموعة من الامهات المفجوعات الباكيات كانت بينهن والدة الشهيد هادي ناظم كاسب، تقول ام هادي: "هادي هو ابني الوحيد لم ارزق ببنت او ولد غيرة زوجته ورزق ببنتين وولدين، قتل في سيطرة الامام عون (وهو يستقل حافلة بكيا) ذاهبة الى بغداد وترك لي اربعة ايتام والخامسة امهم والسادسة انا، ستة اشخاص كانوا سيتشردون ويتمزقون لولا رحمة الله واهل الخير والرحم وبعد ثلاث سنوات من اللهاث وراء لجنة التعويضات حصلت على المنحة فقط واستكمل معاناتي الان للحصول على قطعة سكن وراتب تقاعدي وعن كيف تعيش هي وأحفادها اليتامى لحين صرف التقاعد"، وقالت ام هادي تنتظر الرحمة من اكثر من مصدر، من اهل الزوجة احيانا ففي قلوبهم والحمد لله رحمة واحيانا نحصل على مساعدات شهرية من احدى المنظمات التي ترعى الايتام (30000) دينار شهريا، ولان الشهيد كان ابني الوحيد فلم يعد لنا احد يقوم باحتياجاتنا اليومية مثل تصليحات المنزل امو متابعة امور الاولاد في المدارس وغالبا ما يتبرع الجيران لقضاء احتياجاتنا.

والدة الشهيد (ثامر سلمان عبيد)، الذي استشهد في انفجار مفخخة في 2010 وكان عامل في كافيتريا وجرح معه اخوه احمد الذي لا زال يعاني من اثر الاصابة(جريح) وقد فقد عمله. تقول ام ثامر: "ثامر عاش يتيما وذاق مرارة اليتم وكذلك زوجته هي الاخرى بدون ابوين وترك يتيمين لازالا غضين ضعيفين. (واستدركت باكية)، هل نحن شعب كتب عليه اليتم والترمل؟ وعن مصادر عيشها لحين انجاز معاملة التقاعد"، قالت: ادور على الجمعيات الخيرية ومؤسسات الايتام ولا زلت استلم راتبا بسيط  من قسم رعاية شؤون المرأة ..وكل هذا لا يكفي (لان الشق كبير والرقعة زغيره) كما يقول المثل العراقي .

صانعة المكانس وايتام الحي الصناعي

ام احمد صانعة المكانس تقول: "زوجي لايزال على قيد الحياة لكنه مصاب اصابات بالغه سببت له اعاقة 70% وما نحتاج اليه ليس الطعام فقط بل تكاليف العلاج احنت ظهورنا، اضطر اولادي الثلاثة ترك الدراسة وتوجهوا للعمل في الحي الصناعي مع احد اقاربنا واحدهم تخصص بمصاريف العلاج والأطباء فقط والثاني والثالث  تكفلا بمصاريف الاطعام والمدارس"، وتابعت قولها "اما انا فلجأت الى سف (حياكة) المكانس وصناعة المراوح اليدوية من خوص النخيل او خياطة (اكياس التبضع) من اكياس الطحين وأبيعها في السوق ..وكل هذا لا يجعل الحياة تستمر  بشكل طبيعي بل تسير بطيئة متحجرة مؤلمة، وتمتمت ام احمد "حسبي الله ونعم الوكيل "، وأضافت ام احمد مع اقرانها من النساء "ان الاجراءات الروتينية المعقدة للدوائر ذات العلاقة بحادثة الاستشهاد او التضرر قد تستمر سنوات عديدة" .

سكرتير اللجنة الفرعية للتعويض

ومن جانب أخر، في اللجنة الفرعية لتعويض المتضررين من جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الارهابية، قال صفاء سالم جابر سكرتير اللجنة: "ن الفترة الزمنية المحتملة التي تستغرقها معاملة التعويضات لتصبح نافذه قد تستغرق عام كامل، هذا اذا كانت مستوفية جميع الشروط والمستمسكات، بعدها تحصل عائلة الشهيد على المنحة البالغة 4 ملايين دينار عراقي، وبعد ذلك يبدا المواطن بنفس الخطوات من جديد وهي التقرير الطبي وتسجيل الحادث في مركز الشرطة ومستمسكات النفوس وغيرها". وتطالب دائرة التقاعد بحضور الشخص نفسة الى بغداد حتى لو كان عاجر او مريض لإصدار البطاقة الذكية علما انه لم يستلم أي متضرر لحد الان أي راتب. ومرة اخرى تطالب البلدية بنفس المستمسكات للحصول على قطعة ارض وهي لا تعتمد قرار اللجنة المركزية الصادر من بغداد والمرسل اليهم من قبلنا. وهذا ما يجعل المواطن واكثرهم من النساء او كبار السن في دوامة من دائرة الى دائرة ولعدة سنوات.

دائرة رعاية شؤون المرأة

ومن جهة دائرة رعاية شؤون المرأة في كربلاء، اوضحت مسؤولة القسم والتابع لرئاسة الوزراء العراقية ابتسام خضير "ان جميع الارامل والمطلقات والعاجزات ويتيمات الابوين والمكفوفات والمهجورات مشمولات برواتب قسم رعاية المرأة البالغ (100) الف دينار فقط مضافا لها (25) الف لكل طفل وهي مستمرة لحين حصول عوائل الشهداء والمصابين على اول راتب تقاعدي والمقرران يكون اعتبارا من 1/1/2010"، واضافت: وعليه فان الدائرة تستعيد المبالغ المصروفة بعد 1/1/2010، من الراتب التقاعدي المتراكم والتي يفترض ان تصرفه دائرة التقاعد، وهناك مشروع اقتراح مطروح على البرلمان مقدم من قبلنا وبواسطة وزيرة المرأة للحصول على اعفاء هذه العوائل من المستحقات التابعة لدائرة رعاية المرأة".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تشرين الأول/2012 - 26/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م