نفط العراق... غزارة الانتاج لا تقلص مساحة الفقر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أثبتت التجارب والوقائع العملية أن جميع الحكومات العراقية السابقة، فشلت فشلا ذريعا في إدارة ثروة النفط، سواءً في الانتاج أو التسويق، مثلما فشلت ايضا في توظيف الاموال والموارد والعائدات المالية لصالح الشعب، إذ غلب على تلك الحكومات وقادتها طابع الاستئثار والفساد، ولم يتم التعامل مع ثروة النفط (وهي ملك عام للشعب) وفق سياسة حكيمة، تقدم مصلحة المواطن على كل شيء.

ويشهد القطاع النفطي العراقي حاليا تطورا وتصاعدا في الانتاج، حيث اصبح العراق ثاني اكبر دولة مصدرة للنفط بعد السعودية، وتشير التوقعات والدراسات المعنية، بأن الانتاج العراقي من النفط سوف يبلغ بحدود عام 2020 عشرة ملايين برميل يوميا، وهو سقف انتاجي كبير جدا، وقد بدأت الجهات المعنية في الحكومة العراقية (وزارة النفط وتوابعها) بالتعامل مع هذه الثروة بنوع من الحكمة فيما يتعلق بتجديد شبكة الانابيب وصهاريج النقل وتجديد منظومات الحفر والضخ وما شابه والانفتاح الواسع على الشركات المعنية بصيانة منشآت النفط العراقية، الامر الذي ادى الى زيادة ملموسة في الانتاج، ورافقته أفكار تصب في صالح المواطن، منها نظام (البترودولار) الذي يعود بالفائدة على المحافظات المنتجة للنفط حيث تحصل المحافظة على دولار مقال كل برميل نفط يتم تصديره للخارج.

لقد بات واضحا ان تطوير القطاع النفطي في عموم العراق يسير بالاتجاه الصحيح، وأن التعامل مع الشركات العالمية للصيانة والتطوير تتم بطريقة مدروسة ايضا، وهو امر قاد العراق الى ان يصبح ثاني دولة مصدرة للنفط كما ذكرنا، ولكن حينما نأتي الى قضية مدى استفادة المواطن العراقي من هذا التطور الاقتصادي المالي النوعي، فإننا نقول ان فائدة المواطن طفيفة استنادا الى واقع الحال، ولسنا هنا بحاجة الى التذكير بنسب الفقر والبطالة في العراق، مقابل عمليات فساد مالي واداري يمارسها كبار المسؤولين الحكوميين، توازيها خدمات رديئة في الكهرباء والماء والسكن والطرق ورفع القمامة والصرف الصحي، وهي مؤشرات تتناقض تماما مع النجاح في تطوير القطاع النفطي، إذ يبدو الامر كمن يحاول ملء قربة مثقوبة بالماء!، حيث تتصاعد عمليات التصدير وتتضاعف الموارد الداخلة للعراق مقابل ضعف خطير في الخدمات والحاجات الاساسية للمواطن بسبب الفساد.

وقد أشارت منظمة اقتصادية امريكية مستقلة مؤخرا الى ان العراق حقق نموا في الاقتصاد، لكن اعتماده على النفط كمصدر مالي رئيس يشكل خطرا، وهو ما يجب ان يتنبّه له قادة البلد، لأن النفط ثروة قابلة للنضوب، وان الدول النفطية المجاورة للعراق وسواها، أدركت هذا الخطر منذ زمن بعيد، لهذا قامت بخطوات مهمة وفعلية للتخلص من اعتمادها على النفط كمصدر واردات اوحد.

يُضاف الى ذلك ان العراق الذي يحث الخطى لبلوغ مستويات انتاج نفطي غير مسبوقة ينبغي أن يتبنى سياسة تنموية واضحة ودقيقة من حيث التخطيط والتنفيذ، لكي يرتفع بسقف الخدمات الى أعلى حد ممكن، إذ ليس من المعقول ولا المقبول ان تدخل العراق سنويا عشرات المليارات من الدولارات، ويبقى الفقر يعيث بمقدرات الناس، وتبقى الخدمات ضعيفة ومتهالكة وتبقى شبكة الطرق متخلفة وعشوائية، وتبقى معظم البنى التحتية بائسة.

لابد أن يلمس المواطن نتائج زيادة الانتاج النفطي ومضاعفة التصدير، وهي مهمة حكومية بحتة، سوف يُسْأْل عنها الافراد والجهات الحكومية المختصة مثل وزارتي الكهرباء والتخطيط، فضلا عن مسؤولية الحكومة ورئاستها، حتى لو انتهت مدة حكمها، لأن القانون في البلد بطريقه الى المعافاة وان دولة المؤسسات قادمة، لذا على الجميع ان يدرك بأنه سيبقى مسؤلا عما يقترف من تجاوزات حتى انتهت مدة مسؤوليته.

إن جميع ما يتعلق بثروة النفط، انتاجا وتسويقا، يشير الى تطور متصاعد، وأن بلوغ سقف العشرة ملايين ليس بعيدا، وأن العائدات المالية المليارية في تصاعد مستمر، لهذا يراقب المواطن العراقي هذا الامر بجدية، وهو لم يعد مغمض العينين مثلما كان سابقا، حيث وسائل الاعلام المفتوحة تقوم بتزويد العراقيين بكل ما يحدث على مدار الساعة، لذا على الحكومة أن تدرك بوضوح، أنها تحت مجهر المراقبة الشعبية، وعليها ان تُحسن التعامل مع المواطن بقدر نجاحها في ادارة ثروة النفط، أما النجاح في انتاج النفط وتسويقه، مقابل فشل في ادارة الاموال، وإهمال لاحتياجات المواطن وحقوقه، فسوف يضع الحكومة والجهات المعنية تحت طائلة التشكيك والسؤال دائما، وهو امر ينبغي ان يتجنبه المسؤولون المعنيون، وأن يتم الانتباه الى الشعب عموما والى شريحة الفقراء وذوي الدخل المحدود، مع السعي الى تنشيط دورة الاقتصاد العراقي ليسهم ذلك في بناء دولة قوية توازن بين ما يدخل إليها من موارد، وبين ما يستحقه الشعب من أولويات في الخدمات والحاجات الأساسية والترفيهية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تشرين الأول/2012 - 26/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م