سوريا بين الصقور والوكلاء... اوجه الصراع في الازمة

احمد الجنديل

 

شبكة النبأ: ما يحدث في سوريا من معارك مسلحّة وأحداث دامية بين النظام السوري ومعارضيه، لم يعد ينحصر داخل سوريا، ولم تكن (أزمة سورية) وفق ما تصرّح به بعض وسائل الإعلام، فما حدث ويحدث من صراع دموي مرير، جاء نتيجة صراعات إقليمية ودولية تجسدت على واقع الأزمة السورية لتحقيق المصالح الإستراتيجية واستغلال هذه الأزمة للوصول إليها.

الجبهة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، تحاول أن تحقق نصراً من خلال اختراقها للتحالف السوري الإيراني مع حزب الله في لبنان، الذي اكتسب أهمية بالغة في الصراع بعد حرب 2006، والذي ألحق الهزيمة بإسرائيل التي لم تستطع القضاء عليه، ممّا أكسبه شعبية واسعة في عموم المنطقة.

كما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى جاهدة لصياغة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بما يتوافق مع طموحاتها في السيطرة على مصادر الطاقة، خصوصاً فيما يتعلق بخارطة الدول العربية الغنية بالبترول، وما رافق هذا المسعى من تغيير في حكومات بعض أقطار هذه الدول، كما أنّ الصراع العربي الإسرائيلي لا يتحقق إلا من خلال خارطة شرق أوسطية جديدة تشرف على هندستها وصياغتها حكومة واشنطن.

الوجه الآخر للصراع في الأزمة السورية، هو الجبهة التي تقودها روسيا الاتحادية التي بدأت تستفيق بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ولا أقصد هنا روسيا التي يقودها (بوريس يلتسن) الحاكم الذي أوصل هذا البلد إلى أدنى حالات الانحطاط والتبعية، وإنما روسيا ما بعد 31 ديسمبر من عام 1990، الذي تسلّم قيادتها (فلاديمير بوتين). هذا الضابط الطيار الرياضي الذي استطاع أن ينتزع قنينة (الفودكا) من يد (يلتسن) ويدق بها على أبواب روسيا الاتحادية كي تستفيق، بعد أن فقدت الكثير من حلفائها العرب بعد حرب أكتوبر من عام 1973، فبعد هذه الحرب فقدت روسيا (اليمن ومصر والعراق) وغيرها، وعندما استيقظت لم تجد لها غير حليف واحد أخير، هو النظام السوري، فبدأت بالتشبث به خوفاً من خسارة جديدة تخرج منها روسيا الاتحادية صفر اليديْن من المنطقة بأسرها، وخوفاً من ضياع قاعدة (طرطوس) على البحر المتوسط، ممّا يخلق حالة من الإرباك في موازين القوى العسكرية والسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يفسر موقف روسيا في اجتماعات مجلس الأمن المتعلقة بالأزمة السورية.

هذان اللاعبان الرئيسان في الساحة الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية) خلقا عدّة جبهات ثانوية في تأجيج الصراع داخل سوريا وخارجها، وممّا زاد المحنة اتساعاً، والأزمة عمقاً، هو أنّ كلّ طرف يحاول أن يحرز النصر الحاسم على الطرف الآخر، وأنّ كلّ طرف يرى في هذا الصراع، مصير بلده على المدى القصير والبعيد، ونتيجة لهذا الموقف المتشنج القائم على هيمنة القوة وغطرستها، خرج الوكلاء المحليون كلاعبين ثانويين في دفع الصراع إلى مسالك خطيرة قد تحرق اليابس والأخضر في عموم المنطقة، بعضهم دخل اللعبة نتيجة الضغوط المتلاحقة عليه، وبعضهم دخلها طمعا في تحقيق مصالحه وطموحاته، والبعض الثالث دخلها بجذب من عوامل دينية وطائفية لا مجال للدخول في تفصيلاتها في هذا العرض السريع.

انّ الأزمة السورية، أصبحت مفتاحاً لمعرفة الكثير من أسرار الصراع القائم على الساحتين، الإقليمية والدولية، كما انها كشفت لنا خارطة مصالح الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، وسلطّت الأضواء على مساراتها وتداعياتها على مجمل ما يدور في هذه المنطقة.

سنقدم نموذجين لبعض الوكلاء الذين دخلوا الساحة كلاعبين ثانويين، لتحقيق أهدافهم من خلال تحقيق أهداف الصقور.

تركيا

منذ سنوات طويلة، وتركيا تحاول أن تنهج طريقاً يمنحها الثوب الأوربي، ويكسبها الهوية الغربية، وهذا ما يفسر لنا سعيها الحثيث لانضمامها إلى الاتحاد الأوربي، وتحذيرات رئيس الوزراء (أردوغان) في عدم الانسياق وراء الأزمة السورية كونها تؤثر على الأمن القومي التركي.

هذا التيار التركي يقابله التيار الآخر الذي يرفع الهوية الإسلامية، ويؤكد على أنّ تركيا جزء لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط، وقد مارس هذا التيار ضغطا كبيرا على دفع الحركات الإسلامية للوقوف إلى جانب المعارضة الإسلامية السورية.

ورغم أنّ ما يحصل من اضطرابات وعمليات عسكرية داخل سوريا فقط، إلا أنّ شرر ما يحدث بدأ يصل إلى تركيا مهدداً أمنها القومي، وذلك من خلال الحريق الذي بدأ به حزب العمال الكردستاني، وبطريقة تصاعدية أثارت الدهشة لدى المراقبين السياسيين، الا أنّ تركيا ورغم هذا الحريق، فقد وجدت في الأزمة السورية فرصة سانحة لخروجها كقوّة إقليمية فاعلة في حسم المعضلات الجسام التي تحيق بالمنطقة، كما أنّ الأمل في تحقيق موقعها السابق في قيادة المنطقة بدأ ينتعش في رأسها، لهذا أسرعت إلى تبني موقفا معادياً للنظام السوري، سينعكس سلباً أو إيجابا في المستقبل القريب، بعدما كانت العلاقات بينهما تسير على خير ما يرام.

السبب الآخر الذي جعل تركيا تسرع إلى اتخاذ قرار التخلي عن النظام السوري، ووقوفها إلى جانب المعارضة، وتبني موقف الوكالة في هذا الصراع، كونها العضو البارز في حلف (الناتو) في المنطقة، والذي لم يعد لوجوده مبرراً بعد انهيار حلف (وارشو)، إلا أنّ تركيا رغم إدراكها هذه الحقيقة فقد أسرعت للعب دور (الوكيل).

الجامعة العربية

عمل الجامعة العربية هو انعكاس حقيقي لواقع وعمل الحكومات العربية، ولقد انعكست ظاهرة التصدعات والتباين الحاد في مواقف الحكومات العربية على عمل الجامعة، وأصبحت أسيرة للدول العربية صاحبة المال والنفوذ، تسير في ركبها، وتدور في فلكها، وتتأثر بقراراتها.

كان موقف الجامعة العربية في بداية الأزمة السورية منسجماً مع أهدافها إلى حد بعيد، والزيارة التي قام بها (نبيل العربي) إلى دمشق بعد توليه منصب الأمين العام للجامعة العربية، ومقابلة الرئيس السوري بشار الأسد، وتنديده بالتدخل الأجنبي في سوريا، والتأكيد على شرعية النظام السوري كرد على إعلان الرئيس الأمريكي (باراك أبوما) القائل بأنّ الأسد فقد شرعيته، جعل الأسد يعلن عن قيامه بحزمة من الإصلاحات. ومع انّ الجامعة العربية قد أخذت على عاتقها معالجة الأزمة السورية من خلال بعثة الوساطة التابعة لها، والتي شملت رئيس الوزراء القطري، ووزراء خارجية مصر وعمان والسودان والجزائر وأمينها العام (نبيل العربي) حيث أكدت بعثة الوساطة هذه على عدة نقاط أهمها: الوقف الفوري للعنف، وسحب الجيش من المدن، والإفراج عن المعتقلين، والجلوس على مائدة الحوار، وفتح الأبواب أمام الصحفيين الأجانب وتسهيل عملهم مع اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتهم، وأخيراً دخول بعثة مراقبة متعددة الجنسيات تابعة للجامعة العربية.

إنّ ما طرحته الجامعة العربية من بنود لمعالجة الأزمة السورية، لم ترفضه حكومة دمشق، لكنّ الذي حصل وأثار دهشة الجميع، هو قرار الجامعة العربية القاضي بتعليق مشاركة سوريا في برامج هذه الجامعة، وهو لا يختلف عن الموقف الذي اتخذته الجامعة العربية مع ليبيا في أزمتها التي أطاحت برأس العقيد (معمر القذافي)، وكان من تداعيات هذا القرار، هو تصريح الملك (عبد الله) ملك الأردن إلى وجوب تنحي الرئيس (بشار الأسد)، وجاء هذا التصريح في نفس اليوم الذي اتخذت فيه الجامعة العربية قرار تعليق عضوية سوريا، وبذلك فقد فتحت الجامعة العربية نفقاً جديداً للأزمة، فبعد قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية يوم 12 نوفمبر، أعلنت الجامعة العربية في السابع والعشرين منه، فرض عقوبات على سوريا، شملت حظر سفر على كبار القياديين فيها، وتجميد الأموال السورية في البلدان العربية، ووقف التعامل المالي مع بنوك سوريا، ممّا جعل النظام السوري يستنكر هذه القرارات التي تهدف إلى عزل سوريا عن محيطها العربي، وأوضح الرئيس السوري، بأنّ سوريا قد وقعت ضحية لمؤامرة دولية تدار من قبل القوى الإقليمية والعالمية على حد قول الرئيس السوري.

كما أنّ الجامعة لن تتوقف عند هذا الحد، بل أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي إغلاق سفاراتها، وناشدت المجتمع الدولي إلى اتخاذ تدابير سريعة للإطاحة بنظام بشار الأسد، والوقوف إلى جانب المعارضة ومدّها بالمال والسلاح، وتسخير وسائل الإعلام لهذا الغرض، ومع هذه التطورات السريعة، حصل الطلاق بين سوريا والجامعة العربية.

لقد بلورت الأزمة السورية محوريْن كبيريْن على الساحة العالمية، الأول تقوده الولايات المتحدة الأمريكية مدعوماً من قبل الاتحاد الأوربي وإسرائيل ودول التعاون الخليجي وبعض الدول العربية، والمحور الثاني الذي يمثل روسيا الاتحادية متحالفا مع إيران وسوريا وجنوب لبنان والصين وكوريا الشمالية وبعض دول أمريكا اللاتينية، وإذا ما حصل تطور في الاتجاه لهذين المحوريْن، فستلحق بالمحور الأول كلّ من اليابان (هناك اتفاقية بين اليابان وأمريكا لحماية اليابان من قبل أمريكا) وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول، بينما تلتحق في المحور الثاني الذي تقوده روسيا الاتحادية دول كالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها من دول الهند الصينية.

لا أحد يستطيع التكهن بما يجري في المستقبل القريب، ولا أحد يستطيع القول بأن حرباً وشيكة الوقوع، ما دامت الانتخابات الأمريكية على الأبواب، لكنّ الأحداث تشير إلى تأزم في الأوضاع، بسبب الموقف الإيراني وتمسكه بمشروعه النووي، وما دامت روسيا الاتحادية ترى أنّ الطريق الذي دخلته سيفضي بها إلى الفوز في مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية على قيادة العالم.

انّ الأيام القادمة ستكشف لنا المزيد من الحقائق، وستقدم لنا أحداثاً ربما لم ننتبه إلى الإشارة إليها في هذا الاستعراض السريع.

ومهما تكن الأمور فإننا على أبواب تغييرات كبيرة ستطرأ على خارطة المنطقة، وعند وقوعها، سيكون لكل حادث حديث.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/تشرين الأول/2012 - 22/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م