الأردن... بين تأثيرات ربيع العرب وإصلاحات راديكالية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: بقيت الأردن خلف جدران الربيع العربي ما يقرب عامين من المظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والقضاء على الفساد في البلاد، لكنها خلال هذه المدة شهدت حالة احتقان سياسي وحراك شعبي بشكل مستمر، خاصة من لدن إسلاميين وشخصيات عشائرية ويساريين استلهموا انتفاضات الربيع العربي لكنهم ركزوا على إصلاح الحكومة بالتغيير السياسي الراديكالي والحد من صلاحيات الملك لا الإطاحة به.

وقد استخدمت القوى السياسية والشعبية المظاهرات كورقة سياسية للضغط على الحكومة لتحقيق إصلاحات تطالب بها منذ سنوات، ويرى المحللون بأن هناك عدة عوائق أو مخاوف تقف أمام التغيير السياسي الجذري في الأردن، منها السلطة الملكية المطلقة للملك الأردني عبد الله الثاني وأسلوبه السياسي ودعمه من لدن اطراف إقليمية وخارجية، والمخاوف من الاضرابات والتوترات على مختلف المجلات كما حصل في بعض بلدن التغيير العربي، وتسببت بانتهاكات حقوقية وفوضى سياسية وازمات اقتصادية، ولهذا فإنهم غير مستعدين للقيام بثورة وتقديم التضحيات من أجل إرساء نظام ديمقراطي حقيقي، كما يعتقد البعض أن التجربة في بلدان الربيع العربي تعد من أهم احد العوائق ضد التغيير في البلد، ويبقى السؤال الاهم: ما هو العائق أمام التغيير، الملك؟ أم خطر التوازن السياسي ؟ أم المخاوف من الازمات؟.

لذا على الرغم من اتخاذ الملك قرارات بشأن حل البرلمان وتعجيل للانتخابات، الا انها خطوات ربما تكون مدخلا لحل الأزمة السياسية في الأردن، الا ان المشكلة تكمن في استمرار الاحتقان السياسي وغياب الاصلاحات الجذرية التي يطالب بها المعارضون، وهذا بدوره يطرح تساؤل فهل ينزع قرار حل البرلمان فتيل الأزمة أم يشعلها؟ وهل تشكل هذه المطالب خطرا على التوازن السياسي في البلاد؟.

ويرى مراقبون بأن الغضب تزايد في الشهور القليلة الماضية وهو ما انعكس في صورة الاحتجات، لكن لم تنفذ معظم الاصلاحات التي وعد بها الملك الاردني  بعد انتهاء الاحتجاجات العام الماضي، لذا يشتد التوتر في انحاء البلاد من جديد، في ظل استمرار الأزمات السياسية الاقتصادية وكل هذه الامور تضع الأردن أمام مأزق سياسي جديد سيكون له عواقب جسيمة على الأصعدة كافة.

أضخم مظاهرة منذ سنوات

فقد نظم آلاف الإسلاميين في الأردن مسيرات في أضخم مظاهرة منذ بدأت العام الماضي الاحتجاجات التي تستلهم انتفاضات الربيع العربي مطالبين الملك عبد الله بتسريع الإصلاحات الديمقراطية، وتدفق 15 ألف محتج على الأقل من شتى أنحاء الأردن إلى الشارع الرئيسي المؤدي إلى المسجد الحسيني في وسط العاصمة عمان بعد صلاة الجمعة ورددوا هتافات تطالب بإصلاح النظام، وردد مئات الشبان الملتحين شعارات تطالب بالحرية وحمل آخرون لوحات ولافتات تندد بالفساد والنفوذ الواسع لجهاز الأمن في الحياة اليومية، وكانت جماعة الإخوان المسلمين كبرى جماعات المعارضة في البلاد دعت إلى مظاهرة (جمعة إنقاذ الوطن) للمطالبة بتمثيل سياسي أوسع وبرلمان أكثر ديمقراطية، ومرت المظاهرة الضخمة بسلام بعد أن تراجعت جماعات موالية للحكومة عن تنظيم مظاهرة مضادة في المكان نفسه مما نزع فتيل توترات أثارت مخاوف من حدوث اشتباكات.

وشارك في المظاهرة بعض شخصيات المعارضة العشائرية الذين كانوا أعلى صوتا في انتقاد حكم الملك عبد الله من الإسلاميين الذين يطالبون بإصلاحات سياسية واسعة، وقال الشيخ همام سعيد المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين في الأردن إن قيام العاهل الأردني بحل البرلمان الذي تسيطر عليه العشائر تمهيدا لإجراء انتخابات متوقعة في أوائل العام القادم لا يكفي، وأضاف أن حزبه لن يتراجع عن قراره بمقاطعة أي انتخابات مستقبلية في ظل النظام السياسي الحالي، وقال همام "نحن نطالب بمطالب معروفة للجميع واصبحت على لسان كل مواطن في هذا البلد وهي الاصلاحات الدستورية الحقيقية وايجاد قانون انتخاب غير هذا القانون. هذا القانون مرفوض، ويقول الإسلاميون إن قوانين الانتخابات التي أقرت في يوليو تموز الماضي جرى تصميمها للحد من نفوذهم بتقسيم الدوائر لصالح المناطق العشائرية قليلة السكان والمؤيدة للحكومة حيث خصصت لها أغلبية مقاعد البرلمان.

ويقولون إن المدن كثيفة السكان وهي معاقلهم التقليدية غير ممثلة بشكل كاف، ويبقي قانون الانتخابات على نظام يهمش تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني الذين يستمد الإسلاميون التأييد منهم لصالح الأردنيين الذين يمسكون السلطة بقبضة قوية ويشكلون العمود الفقري لقوات الأمن والجيش التي تتمتع بنفوذ قوي، ومن شأن مقاطعة حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين - وهي المعارضة الوحيدة المؤثرة في الأردن - أن يهدد بتقويض شرعية البرلمان القادم، وبالرغم من تنامي التأييد للإسلاميين في المناطق العشارية النائية إلا أن لديهم تأييدا أقوى بين الأردنيين من أصل فلسطيني الذين يعيش كثير منهم في مخيمات لاجئين بائسة ويواجهون تمييزا متزايدا ضدهم في الحياة اليومية، وتراقب النخبة السياسية الأردنية بقلق اكتساب الإسلاميين في تونس ومصر وليبيا أرضا معتبرين صعودهم علامة على تمكين الأردنيين من أصل فلسطيني في المستقبل. ويشكل الأردنيون من أصل فلسطيني غالبية سكان المملكة ويعانون من ضعف شديد في التمثيل السياسي لكن نخبهم الاقتصادية تمثل العمود الفقري للاقتصاد، ويقول سياسيون إن الملك عبد الله الذي يحكم الأردن منذ عام 1999 أجبر على اتخاذ خطوات حذرة فقط نحو الديمقراطية حيث ترى العشائر التي تشكل قاعدة سلطته أن الإصلاح يهدد مزاياها السياسية والاقتصادية.

معركة كسر عظم

في سياق متصل يشهد الاردن اجواء مشحونة مع انطلاق مسيرة ضخمة للحركة الاسلامية تطالب بالاصلاح بالتوازي مع مسيرة موالية للنظام يتوقع ان يشارك بها نحو 200 الفا، فيما يبدو معركة "كسر عظم" بين الجانبين كما يرى محللون، وتوقع الاسلاميون مشاركة 50 الفا في مسيرة "جمعة انقاذ الوطن"، فيما اعلن منظمو مسيرة "الولاء والانتماء" حشد 200 الف شخص في ذات المكان والتوقيت، ويقول زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن، "مسيرتنا الحاشدة ستكون حضارية هادفة وسلمية وملتزمة نحن لا نتحدى احدا ولا نستفز احدا"، واضاف انها "تأتي لتأكيد مطالبنا التي تتضمن قانونا انتخابيا، عصريا وعادلا، ومكافحة جدية للفساد واصلاحات دستورية تفضي الى حكومة ومجلسي نواب واعيان منتخبين"، وانتقد بني ارشيد بشدة "الاشاعات الاستفزازية" معتبرا "كل من يطلق اشاعات حول تسميات مختلفة للمسيرة او شعارات تنادي باسقاط النظام او تنحي الملك جهات مشبوهة تحاول صناعة ازمة وتوتير المجتمع". بحسب فرانس برس.

واكد ان الحركة الاسلامية "رفعت منذ بداية الحراك الشعبي قبل نحو عامين شعار اصلاح النظام وهو منطلق من رؤية وتصور سياسي يقدر مصالح الاردن العليا ونلتزم بهذه السياسيات"، واعتبر انها "سياسات راشدة تستوجب خطوات ايجابية من النظام ووقف ماكينة الاشاعات وشيطنة الحركة الاسلامية والتحريض والتجييش بين مكونات المجتمع"، من جانبه قال عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، "هذه المرة ليست استعراض عضلات وانما محاولة كسر عظم وهذا خطير بالمعنى السياسي والأمني"، واضاف ان "الاسلاميين قادوا مظاهرات عديدة كانت سلمية وضمن اطار القانون ومظاهرة الجمعة ليست استثناءا"، ورأى انها "احيطت بكثير من الاشاعات والتحريض والشيطنة بان الاخوان يتحضرون للتظاهر والصدام مع الأمن".

ويتفق المحلل السياسي لبيب قمحاوي مع الرنتاوي ويرى في تزامن مسيرتي الجمعة "معركة كسر عظم" تهدف الى افتعال ازمة، ويقول ان "الحكومة تسعى الى تأزيم الوضع عبر تجييش اعلامي هائل ضد الاخوان، واختيار نفس المكان والزمان لمسيرة مضادة يهدف الى افتعال ازمة"، واشار الى انها "معركة كسر عظم مع الاخوان لان المسيرة المناوئة ستضم عناصر من الدولة بلباس مدني تستطيع القيام باعمال عنف ثم تتنصل الدولة وتقول ان لا علاقة لها بالامر وان هذه قوة سياسية مختلفة تتقاتل ومستقبلا تمنع المسيرات"، ورأى ان "هناك احتمالا آخر بان يمنع وزير الداخلية المسيرتين بحجة منع العنف، والهدف الاساسي طبعا منع مسيرة الاخوان"، وما فاقم المخاوف من وقوع صدامات الجمعة نقل صحيفة "الرأي" الحكومية عن مصادر مطلعة قولها ان قوات الامن العام والدرك "لن تتواجد في مكان المسيرتين خوفا من ان يحسب ان الامن العام وقف مع جهة ضد جهة اخرى"، وهو ما اعتبره الرنتاوي "شائعة مقلقة"، لكنه اضاف "لا اعتقد ان الامن سيتخلى عن وظيفته وواجبه فهو ادى وظيفته باقتدار خلال العامين الماضيين في جميع الاحتجاجات وهذا حسب له، فلماذا نخسر هذه الصورة؟"، اما قمحاوي فرأى ان "التهديد بعدم وجود قوات الأمن هو دعوة الى فوضى واقتتال وتخويف للراغبين بالمشاركة في مسيرة الاخوان من احتمال الصدام".

من جانبهم، اعلن منظمو مسيرة "الولاء والانتماء" تخصيص 113 حافلة كبيرة لنقل المشاركين من المحافظات الى عمان وتوزيع آلاف القبعات والقمصان التي تحمل صور الملك عبد الله الثاني، واعتبر جهاد الشيخ، وهو احد منظمي المسيرة وصاحب صفحة "شباب الولاء والانتماء للوطن ولقائد الوطن" على موقع فيسبوك، انها "مسيرة مختلفة عن جميع المسيرات الاخرى خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات ورفضهم قانون الانتخاب واتضاح ارتباطهم باجندات خارجية وتلقيهم تعليمات من الاخوان في مصر بالتصعيد"، وكانت الحركة الاسلامية اعلنت مقاطعتها الانتخابات النيابية المؤمل اجراؤها نهاية العام الحالي "لعدم وجود رغبة حقيقية في الاصلاح"، واعتبر عاهل الاردن في 12 ايلول/سبتمبر ان الاسلاميين يسيئون تقدير حساباتهم بشكل كبير عبر مقاطعتهم الانتخابات، وبلغ عدد الناخبين المسجلين للمشاركة في الانتخابات المقبلة منذ مطلع آب/اغسطس وحتى الآن، مع تمديد فترات التسجيل، نحو 1,9 مليون من نحو ثلاثة ملايين شخص يحق لهم التصويت من اجمالي عدد السكان البالغ 6,8 مليون نسمة.

حل البرلمان وانتخابات مبكرة

فيما أمر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في بيان ملكي بحل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات نيابية مبكرة ويؤمل أن تنظم قبل نهاية 2012. وتجري الانتخابات النيابية بحسب الدستور الأردني مرة كل أربعة أعوام، وبحسب البيان ان "الارادة الملكية السامية صدرت بإجراء انتخابات نيابية لمجلس النواب وفق احكام القانون"، واقر مجلس النواب في تموز/يوليو الماضي تعديلا على قانون الانتخاب خصص 27 مقعدا لقائمة وطنية مفتوحة، الا ان الحركة الاسلامية اعتبرت انه "لا يصلح كبداية لاصلاح حقيقي"، وبحسب التعديل سيضم مجلس النواب المقبل 150 مقعدا بدلا من 120، 27 منها للقائمة الوطنية و15 للكوتا النسائية و108 مقاعد فردية، والقائمة الوطنية التي اقرت مؤخرا لأول مرة مفتوحة امام الاردنيين تصويتا وترشيحا احزابا وافرادا ويحق للشخص التصويت بصوت للقائمة وصوت آخر لدائرته الانتخابية، وتطالب المعارضة وخصوصا الحركة الاسلامية، التي قاطعت كذلك انتخابات عام 2010، بقانون انتخاب عصري يفضي الى حكومات برلمانية منتخبة ومجلسي نواب واعيان منتخبين. بحسب البي بي سي.

مسيرات لإنقاذ الوطن

على الصعيد نفسه تعود جبهة العمل الاسلامي ومعها أكثر من ثمانين حركة شعبية أردنية إلى الشارع استجابة لدعوات تنظيم مسيرة "انقاذ الوطن" الجمعة، التي وصفت بالاضخم منذ سنوات، لرفع جملة من المطالب سبق وأن رفعت خلال الاحتجاجات التي سيطرت على الشارع الاردني اخيرا، وأكدت أحزاب المعارضة أن من أبرز هذه المطالب اجراء تعديلات دستورية تمكن الشعب من أن يكون مصدرا للسلطات واقرار قانون انتخاب ديمقراطي عصري يمثل الارادة الشعبية بالاضافة الى "وقف تدخل الاجهزة الامنية في الحياة السياسية والمدنية، وتمسكت حركة الاخوان المسلمين الأردنية بضرورة تنفيذ تلك المطالب واستمرار فعالياتها الاحتجاجية بشكل سلمي حتى حدوث ذلك، وقال علي أبو السكر رئيس مجلس الشورى في جبهة العمل الاسلامي: "هذه المسيرة ليست لتحدي ولا لكسر ارادة أحد، هي مسيرة سلمية الغاية منها التعبير عن مطالب الشارع الأردني واحداث اصلاح حقيقي"، وأضاف أبو السكر : "منذ عشرين شهرا نرفع المطالب نفسها التي تشمل احداث اصلاح حقيقي يوصلنا الى انتاج حكومة دستورية ومجلس نواب فاعل وحقيقي يمارس ارادته في محاربة الفساد والفاسدين"، وكانت أحزاب المعارضة الاسلامية قد أعلنت عن رفضها المشاركة في الانتخابات النيابية الاردنية المزمع عقدها نهاية هذا العام الجاري لاعتراضهم على ما وصفوه "بسياسة الصوت الواحد" وعدم اعتماد مبدأ التمثيل النسبي. بحسب الي بي سي.

ووصفت الحكومة الاردنية دعوات الاخوان المسلمين والمعارضة بالخطوات الترهيبية التي أدت الى سيطرة التوتر والقلق على الشارع الاردني، وحملت الجهات الرسمية الاردنية جبهة العمل الاسلامي مسؤلية أي تجاوز للقانون قد يتم خلال يوم المسيرة، وأكدت الاوساط الرسمية الاردنية أن توقيت تنظيم المسيرات الاحتجاجية هذه يهدف إلى ما هو أبعد من الاحتجاج في الشارع في اشارة إلى ماحدث في دول الربيع العربي، وقال ممدوح العبادي النائب في مجلس النواب الاردني: "إلى ماذا يهدف الاخوان المسلمين؟ هم يهدفون فقط الى تسلم السلطة والاستحواذ عليها، نحن نؤيد التعبير عن الرأي والتظاهرات السلمية لكن ليس بهذه الطريقة والتهويل والتحشيد الذي يهدف لزعزعة الاوضاع في الساحة الاردنية، من ناحيته، قال مجيد منصور المحلل السياسي الأردني: "لا يمكن أن يتم تعديل الدستور في الشارع"، وأضاف أن ألية تعديل الدستور موجودة في الدستور نفسه ولا يمكن اجراء ذلك الا من خلال المؤسسة التشريعية وقنواتها الدستورية وهي البرلمان"، وبينما أكدت سلطات الامن الاردنية على اتخاذها التدابير كافة للحفاظ على الارواح والممتلكات العامة الاردنية، أعلنت اللجنة المنظمة "لمسيرة الولاء والانتماء للوطن" المؤيدة للنظام الاردني تأجيل مسيرتها التي كان من المفترض أن تتزامن مع مسيرة "انقاذ الوطن" وسط العاصمة عمان وذلك لرغبتها في تخفيف حدة الاحتقان وعدم الاحتكاك مع الاحزاب المعارضة، بحسب تعبيرها، يأتي ذلك بينما حذرت الاوساط الرسمية والشعبية الاردنية من تطور المشهد الميداني من المطالبة بالاصلاح ومكافحة الفساد الى المساس بالامن والامان في الشارع الاردني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/تشرين الأول/2012 - 20/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م