في ديسمبر عام 2006 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إتفاقية
(حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة) والتي تقر بأنه يتمتع كافة أفراد المجتمع
بحقوق الإنسان ذاتها بما فيها الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية
والسياسية وجاء بالمادة الثالثة لتلك الاتفاقية مبادئ عامه يجب أن
يلتزم بها الدول الموقعة على تلك الإتفاقية منها احترام الفوارق وقبول
الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية ومنها
أيضاً احترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة واحترام حقهم في
الحفاظ على هوياتهم.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة المعاقين عقليا في
أي مجتمع تتراوح بين 1-3% وأن هذه النسبة لا تتأثر بالحدود الاجتماعية
والطبقة الاقتصادية والثقافية وتختلف نسبة الإعاقة العقلية من مجتمع
لآخر تبعاً لعدد المتغيرات في المجتمع مثل درجة الإعاقة وتعريفها وجنس
الشخص المعاق والعمر وهي تختلف أيضا باختلاف برامج الوقاية التي تستخدم
في هذا المجتمع وتشير أيضاً معظم التقديرات لنسبة انتشار الإعاقة
العقلية في أي مجتمع من المجتمعات بأن النسبة تتراوح ما بين 2-3% من
المجموع الكلي للسكان مما يعني أن الوطن العربي يوجد به وحسب الأرقام
الموجودة بالتقرير الإقليمي حول حالة السكان لعام 2011 والذي أطلقه
صندوق الأمم المتحدة للسكان فيوجد في الوطن العربي حوالي 7.2 مليون شخص
عربي معاق ذهنياً على الأقل تقدير حيث بلغ عدد سكان الوطن العربي 367.4
مليون شخص عربي، ملايين من الأشخاص المعاقين ذهنياً يعيشون في وطننا
العربي وبالطبع أغلبهم من الفقراء والمحتاجين وهم لا يطمعون في الكثير
من خيرات الحياة ولكن أكثر ما يطلبون هو أن يصبح كل واحد منهم قادر على
الإعتماد على ذاته ويكون شخص عامل ومنتج في المجتمع.
وقد قامت الجمعية الامريكية للتخلف العقلي بتقسيم الإعاقة الذهنية
الي اربع مستويات وهي البسيطة والمتوسطة والشديدة والحادة وهذا على حسب
معدلات الذكاء لكل حالة وحسب التعريفات الموجودة في الأبحاث لتقييم
قدرة هؤلاء الأشخاص على الحصول على قرض لإدارة مشروع خاص بهم فإنه في
تقديري الشخصي يمكن منح القروض للفئتان الأولي والثانية أما الفئة
الثالثة فهي تمنح بعد دراسات الحالة ولا يتم منح القرض للفئة الرابعة
من تلك الفئات لعدم القدرة الواضحة على إدارة مشروع خاص بهم.
والسؤال المطروح للمناقشة في تلك المقال هل يمكن لصناعة التمويل
الأصغر مساعدة تلك الفئات والعمل على التمكين الإجتماعي لهم برفع
مستوياتهم الإقتصادية عن طريق تقديم خدمات تناسب طبيعتهم وموضوعة في
الأساس لخدمة فئات ذوي الإعاقة الذهنية؟.
دعونا أولاً لكي لا أغالي في تقديراتي وتصوراتي بأن التمويل الأصغر
قادر على تنمية أي فئة من الفئات التي تعاني العوز والفقر أياً كانت
طبيعة تلك الفئة أن نضع بعض الحقائق أمام أعيننا ونحن نناقش ونفكر
ومنها أن التمويل الأصغر هو نشاط إستثماري بحت ولكن الهدف منه هو تحقيق
أهداف إجتماعية وتنموية عن طريق تقديم خدمات مالية شاملة مثل (الإقراض،
الإدخار، التأمين، التحويلات نقدية...) والتي تشبع الإحتياجات المالية
لدى الفئات المستهدفة وذلك لتمكين تلك الفئات من مواجهة الفقر ولزيادة
قدرتهم على إنشاء وتدعيم أنشطة خاصة بهم تعمل على زيادة الدخل وتوليد
فرص العمل وتحسين أحوالهم الإقتصادية والمعيشية كما أن عميل التمويل
الأصغر هو ذلك الشخص الفقير محدود الدخل القادر على العمل وإستخدام
الخدمة المقدمة له لزيادة دخلة وتحسين أحواله المعيشية بمعني أن تقديم
خدمات التمويل الأصغر مرهونة بمدى استعادة الأصول التي تم منحها
للعميل.
مما سبق يتضح أننا كممارسين للتمويل الأصغر نهتم في المقام الأول
بأن نمنح ونحصل القروض صحيح أننا نقوم بهذا العمل للحصول على أغراض
تنموية للمجتمع وأفراده ولكن في نهاية المطاف نتعامل بحرص لكي لا نفقد
أصولنا النقدية حيث نكون قادرين على استمرار واستدامة الخدمات المقدمة،
وفي الحقيقة أنني لم أسمع عن برامج معدة من مؤسسات التمويل الأصغر
لتمويل خاص للفئات ذوي الإعاقة الذهنية في مصر او الوطن العربي وعند
بحثي وتدقيقي في هذا الأمر لم أصادف حتى إنعقاد مؤتمرات أو ورش عمل
لمناقشة هذا الموضوع سوى القليل جدا منها والشائع خدمته في مؤسسات
التمويل الأصغر المصرية والعربية هو خدمة المعاقين جسدياً فقط وأعتقد
أن مؤسسات التمويل الأصغر العربية لم تفكر في هذا الأمر لوجود سوق كبير
جداً من الأشخاص الطبيعيين الذين لم يتم خدمتهم بعد حيث أن أرقام فجوات
التغطية في الأسواق العربية كبيرة جدا إذا ما قورنت بالمحقق فعلاً.
على العموم دعونا نتصور كيفية خدمة هؤلاء الأشخاص لو جاز إنه يمكن
خدمتهم فعلاً على أرض الواقع فمؤسسات التمويل الأصغر لا تمتلك الخبرات
الطبية لتحديد مدي قدرة هؤلاء الأشخاص للحصول على قرض وإدارة مشروعات
خاصة بهم ولهذا لا يمكنها أن تمارس هذا النشاط بشكل مباشر ولكنها
يمكنها أن تمارسه من خلال عمل بروتوكولات أو اتفاقات عمل مشترك مع
الجمعيات والبرامج المتخصصة في رعاية هؤلاء الأشخاص وأعتقد انهم ليسوا
بالقليل في الوطن العربي حيث يتم تقييم الحالة من الناحية الطبية من
قبل تلك البرامج ويتم المنح من مؤسسات التمويل الأصغر وأيضا يمكن
لمؤسسات التمويل الأصغر تطوير منتج خاص يناسب الأشخاص ذوي الإعاقة حيث
يمكننا ان نشكل مزيج من مدد سداد وقيمة مبالغ وما الى ذلك من خصائص
المنتج والتي تناسب الفئات ذوي الإعاقة.
الخلاصة أن مؤسسات التمويل الأصغر المصرية والعربية يمكنها خدمة
هؤلاء الفئات بطريقة أو بأخرى ولو حتى بالطريق الغير مباشر لو إتخذت
هذا القرار. |