حتى لا أتهم انني اقف ضد المجلس الاعلى في مقالاتي، كما هاجمني
بعضهم حينما تعرضت بالنقد لتصريحات سابقة للسيد عمار الحكيم، والاخير
لديهم شخصية مقدسة لايجب التعرّض لها حالها حال جميع الاحزاب السياسية
العراقية والعربية، ليبرالية أم اشتراكية، إسلامية شيعية ام سنية، التي
تقدّس رموزها وترفعها فوق مستوى البشر، فإنني اود التأكيد في بداية
المقالة بان التصريح الذي اضعه اليوم على مبضع النقد ومشرط التفكيك
وطاولة التحليل، وهو عنوان مقالتي اعلاه، يشكل نموذج للمنهج الحاكم في
السياسية العراقية اليوم، وصورة نمطية، لكل اسف، لتعامل الاحزاب
والتيارات السياسية مع مناصب الدولة العراقية.
فالتحدث بمنطق الحصص بالنسبة للمناصب السياسية لايختص بالمجلس فحسب
بل أن جل الأحزاب السياسية في العراق التي تتقاسم المناصب والغنائم فيه
تعتبر العديد من المناصب بانها حصتها وان من الخطأ ان تذهب لغيرها
لانها جزء من استحقاقها الانتخابي او القومي او الطائفي. ولهذه الاحزاب،
في حقيقة الامر، تبريرات ومسوّغات بعضها يمكن قبولها بالرجوع الى
تاريخها النضالي المتجسد في مقارعة اعتى ديكتاتورية في الشرق الاوسط
والتي تمثلت في نظام الطاغية صدام حسين.
فبعد ان أعلن أمين بغداد السيد صابر العيساوي، في الثامن من أيلول
الفائت، عن استقالته من منصبه، بدأت العيون، السياسية طبعا وليست عيون
المواطن البسيط المسكين الذي يحلم ان يكون موظف في أمانة العاصمة وليس
أمينها، اقول بدأت تتجه العيون صوب هذا المنصب، الذي يدر اموالا طائلة
على من لايخاف الله ويخلو قلبه وضميره من الحس الوطني والانساني،
وحينها أعلن المجلس الاعلى فورا أن منصب الامانة من حصته لثلاثة اسباب:
1- قطع الطريق على كل حزب يفكر في استيزار هذا المنصب لعلمه ان هذا
المنصب محط انظار الكثير من الاحزاب والكتل السياسية.
2- ان المجلس الاعلى يمر الان في مرحلة ضعف سياسي واضح، فيما يتعلق
بمشاركته في الحكومة التنفيذية فضلا عن مستوى تمثيله البرلماني، وليس
فيما يتعلق بشعبيته وموقعه بين الناس اذ بدا مؤخرا اكثر تنظيما وافضل
من عهده السابق على المستوى الشعبي، لذا يُصبح من السهولة على بقية
الاحزاب ان تستولي على هذا المنصب.
3- اقدام المالكي، بحسب ما نقلته بعض الصحف، على تعيين وكيل امانة
بغداد للشؤون الادارية عبد الحسين ناصر المرشدي لادارة امانة بغداد
بالوكالة خلفاً للسيد العيساوي الى حين اختيار شخص اخر تتفق حوله
الاطراف لتولي المنصب"، ومن الممكن للمنصب بالوكالة في العراق، كما
يُدرك ذلك قادة المجلس الاعلى، ان يستمر لعدة سنوات كما هو الحال في
الكثير من المناصب التي يشغلها الكثير بالوكالة منذ سنوات.
اعلان المجلس الاعلى ان " "هذا المنصب من حصة المجلس الأعلى،" كما
جاء على لسان السيد شبر في حديث لوكالة السومرية نيوز 26 من الشهر
الماضي، مؤشر على رغبته الحقيقية بتعيين شخص تابع له في هذا المنصب او
بمعنى اخر حصر تعيين المنصب بترشيح المجلس حصريا، بل أكد سيد شبر بان
المجلس لايقبل أن يكون أمين بغداد بالوكالة، مشيرا إلى أن المجلس قدم
لرئيس الوزراء " أسماء عدد من المرشحين ليترك له حرية اختيار من يراه
مناسباً" داعيا رئيس الحكومة نوري المالكي إلى " عدم تهميش المجلس
الأعلى ووضع أمانة بغداد تحت مسؤوليته ".
ويجب ان نشير، من باب الموضوعية والامانة في نقل التصريحات
وتوجهاتها، أن هنالك من يشترك في رؤية اعتبار منصب الامانة من حصة
المجلس، فقد بيّنت النائبة عن العراقية فائزة العبيدي في تصريح لـ
"المدى" الخميس 27-9-2012 إن "منصب أمين بغداد هو من حصة المجلس
الأعلى، وأن الأمر لا يزال مبكرا على ترشيح بديل عن العيساوي". لكننا
نعلم، كما هي الحال دائما في الكثير من تصريحات الاحزاب، ان بعض منها
ليس حبا في فلان بقدر ما كونها بغضا باخر واظن ان هذا التصريح هو من
هذا القبيل، حيث تخشى القائمة العراقية من تولي مقرب من المالكي هذا
المنصب.
بعض النواب من كتلة المواطن، وهو اسم اعضاء المجلس الاعلى في
البرلمان، انطلقوا من رؤية اخرى ومبرر اخر لمطالبة رئيس الوزراء بهذا
المنصب، اعتمادا على وقوف المجلس خلال السنين السابقة مع المالكي، وفي
قضية المحاولة الاخيرة لسحب الثقة عنه الذي كان المجلس فيها احد من
وقفوا مع المالكي وكانت لهم رؤية مستقلة حول موضوع سحب الثقة عنه.
وفي هذا السياق اكد السيد عزيز العكيلي بان كتلة المواطن وضعت الكرة
في ملعب المالكي من" خلال عدم طرح اي اسم بشكل علني لنرى مدى وفائه
لكثير من مواقف المجلس الاعلى على مر السنوات الماضية وفي احلك الظروف
حيث وقفنا بجانبه في السراء وعليه ان لايبخس حق المجلس بمنصب الامين
لبغداد"، وأظن ان المالكي سوف لن ينس هذا الموقف ولا سوف يهمل رغبة
المجلس في الحصول على منصب الامين كنوع من الترضية او المكافأة على
مواقفهم معه.
كل هذه الآراء والتبريرات والمواقف المتعلقة بمنصب الامين تدل على
شيء واحد لايقبل التأويل والتفسير والتخريجات، وهو ان المنهج الذي يسير
عليه قطار العملية السياسية مازال في مراحله الفتية، ان استخدمنا
عبارات متفائلة ولم نلجأ او نحتكم للغة المتشائمة ونقول يسير في مسار
خاطئ وبانتظاره عواقب وخيمة.
فالحديث عن المناصب بمنطق الحصص أمر مؤسف ومثير للأسى لا يرضى اي
عراقي متطلع لعراق ديمقراطي تسوده العدالة والحرية خصوصا وقد شارفت
التجربة السياسية العراقية على بلوغها العشر سنوات، مما ينبغي الان
التفكير بجدية في استخدام منطق سياسي اخر في ادارة الدولة وفي تسيير
اعمالها وخدمة مواطنيها.
alsemawee@gmail.com |