سايكلوجية الإبداع

ودور المبدعين في صنع المستقبل

حسنين صادق صالح عبكة

علم النفس (Psychology) (باليونانية) هو الدراسة الأكاديمية والتطبيقية للسلوك، والإدراك والآليات المستنبطة لهما. يقوم علم النفس عادة بدراسة الإنسان وسلوكه لكن يمكن تطبيقه على غير الإنسان أحيانا مثل الحيوانات أوالأنظمة الذكية. وكذلك تشير كلمة علم النفس أيضا إلى تطبيق هذه المعارف على مجالات مختلفة من النشاط الإنساني بما فيها مشاكل الأفراد في الحياة اليومية ومعالجة الأمراض العقلية.

ويرى العلماء أن جذور المصطلح الإنجليزي لعلم النفس تأتي من موضوعين هما: الفلسفة والفسيولوجيا، وكلمة سيكولوجية (نفسية) تأتي من الكلمة اليونانية Psyche= (ENG): Soul والتي تعني الروح وLogos وتعني دراسة العلم، وفي القرن السادس عشر كان معنى علم النفس "العلم الذي يدرس الروح أو الذي يدرس العقل، وذلك للتمييز بين هذا الاصطلاح وعلم دراسة الجسد، ومنذ بداية القرن الثامن عشر زاد استعمال هذا الاصطلاح "سايكلوجية" وأصبح منتشرا.

سايكولوچيا" أوpsychology أوعلم النفس" هو العلم الذي يدرس الوظائف العقلية والسلوك. ويهتم علماء النفس (السايكولوجيين) بدراسة شخصيهة، العاطفة، السلوك، الإدراك، والعلاقات بين الأشخاص.. إلخ.

في القديم كانت السايكولوجيا تعرّف بأنها دراسة العقل والظواهر العقلية.أما في الوقت الحالي السايكولوجيا فى دراساتها تتبع المنهج العلمي القائم على الملاحظة والقياس والتقريب وتنقسم حسب:-

1- المبادئ (السايكولوجية السلوكية، والفرضية، والتكوينية، والتحليل النفسي،)

2- الموضوع (السايكولوجيا العامة، الحيوان، والاجتماعية، والتربوية، والصناعية، والمرضية....)

 3-المنهج (النظرية، والتجريبية، والتحليلية، والإحصائية، والإكلينيكية).

أما مفهوم الإبداع لغة: أبدعت الشيء: اخترعته على غير مثال سبق والمبدع هو: المنشئ أو الحدث الذي لم يسبقه أحد ففي القرآن الكريم: "بديع السماوات والأرض": أي خالقها على غير مثال سبق.

 الإبداع: أن ترى ما لا يراه الآخرون هو تنظيم الأفكار وظهورها في بناء جديد انطلاقاً من عناصر موجودة. الإبداع طاقة عقلية هائلة، فطرية في أساسها، اجتماعية في نمائها، مجتمعية إنسانية في انتمائها وهو القدرة على حل المشكلات بأساليب جديدة تعجب السامع والمشاهد.

سيكولوجية الإبداع

هو إبراز الجوانب النفسـية والعقلية والتربوية والاجتماعية في عملية من أخطر واكثر تعقيد العمليات العليا التي اختص بها الإنسان دون سائر الكائنات وهي الإبداع والابتكار، وما تتضمنه من الإجادة والإصلاح وتكريس الجهد والطاقة والتفكير وإعمال الفكر بصورة فيها إخلاص وتفان واستغراق حتى يأتي الفنان بالعمل المبدع أصحاب النظرية الجشتالتيه يرون إن الإبداع يتطلب قدرا وافرا من الصحة النفسية والشعور بالثقة للمتابعة على بذل هذا الجهد.

ونوه سيغموند فرويد إلى عدد من العمليات النفسية والتي تعتبر منشأ الابداع ومنها الصراعات في العقل الباطن والتفريغ الانفعالي والتخيل واحلام اليقظة ولعب الاطفال واعاقة القمع النفسي والانسجام بين العقل الباطن والانا. واما التحليل النفسي الحديث فيركز على ما قبل الشعور في الإبداع. وكذلك يلعب الحدس دورا هاما في الابداع وهو حكم عقلي أو استنتاج ليس مبنى على التفكير المنطقي وانما على اللاشعور وينقسم المبدعون إلى منطق مثل السيد محمد باقر الصدر (قده) صاحب كتاب فلسفتنا والاستقراء في المنطق واقتصادنا والبنك اللاربوي في الاسلام والشيخ البهائي (قده) الذي بنى جامع الشاه في ايران والذي يعد من ابرز المعالم التاريخية والحضارية والاعجازية ومن عجائب الدنيا والعالم ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى قبل العالم وليم هارفي وغيرهم وكذلك العالم اينشتين الذي سئل استاذه هل تشعر بالبرد والظلام فأجاب استاذه بنعم فقال له البرد (هو انخفاض درجات الحرارة طبقا لقوانين الفيزياء) والظلام (هو انعدام النور) غير موجودان هذا يطابق قوله تعالى (ليخرجكم من الظلمات الى النور وكان بالمؤمنين رحيما) والى حدسي مثل العالم جابر ابن حيان مبدع علم الكيمياء نيوتن وباستور والعالم ارخميدس.

ويتميز الابداع في الفن بانه يعتمد على العقل الباطن. إن الإنسان لا يولد مبدعا هكذا، بل هو من يحرك في نفسه هذه الكوامن، فكل شخص يستطيع أن يبدع ويبتكر في مهنته وحياته.

مراحل الابداع:-

1- الإعداد/وهي مرحلة جمع المعلومات

2- مرحلة الكمون/وهي تمثل المعلومات وتوليفها شعوريا أولا شعوريا

3- مرحلة الإشراق/وهي مرحلة خروج شرارة الابداع وبدء الابداع

4- التحقيق والتنفيذ

عناصر التفكير الإبداعي

 للتفكير الإبداعي خصائص أساسية هي:

الأصالة: وتعني التميز في التفكير والندرة والقدرة على النفاذ إلى ما وراء المباشر والمألوف من الأفكار.

الطلاقة: وهي القدرة على إنتاج أفكار عديدة لفظية وأدائية لمشكلة نهايتها حرة ومفتوحة.

المرونة: وهي تغيير الحالة الذهنية لدى الفرد بتغير الموقف

وإن هناك العديد من الباحثين الذين ميزوا بين نوعين رئيسيين من الإبداع على مستوى المنظمات

1- الإبداع الفني: بحيث يتعلق بالمنتج سواء السلع أو الخدمات ونشاط تكنولوجيا الإنتاج.

2- الإبداع الإداري: ويتعلق بشكل مباشر بالهيكل التنظيمي والعملية الإدارية في المنظمة، وبشكل غير مباشر بنشاطات المنظمة الأساسية.

وقد قام (تايلور) بتقسيم الإبداع إلى مستويات مختلفة هي:-

1-الإبداع التعبيري (Expressive Creativity): وتكون فيه الأصالة والكفاءة على قدر قليل من الأهمية.

2-الإبداع الإنتاجي (Productive Creativity): وهو الذي يرتبط بتطوير آلة أو منتج أو خدمة.

3- الإبداع الإختراعي (Inventive Creativity): ويتعلق بتقديم أساليب جديدة.

4-الإبداع الإبتكاري (Innovative Creativity): يشير إلى التطوير المستمر للأفكار وينجم عنه اكتساب مهارات جديدة.

علاقة التفكير الإبداعي بالذكاء:-

لابد التعرف على هذين المفهومين ليتسنى لنا معرفة العلاقة بينهما فالذكاء يقصد بقدرة الفرد على القيام بنشاطات تتصف بخصائص مثل الصعوبة والتعقيد والتجريد والتكيف مع الهدف والقيمة الاجتماعية وظهور السلوك الأفضل والمحافظة على هذه النشاطات تحت ظروف تتطلب تركيز الجهود ومقاومة القوى الانفعالية وكذلك يعني القدرة على حل المشكلات والتصرف الهادف والتفكير المتزن والتعامل الناجح مع البيئة.

ويقصد بالإبداع قدرة الفرد على إنتاج الجديد من الأفكار والحلول غير الروتينية وذات معنى وتباينت آراء العلماء والمتخصصين والباحثين حول العلاقة بينهما فمنهم من يؤمن بها وآخرون يرون إنها تنعدم بشكل نسبي بينهما والفريق الثالث يرى أن الإبداع عملية عقلية مرتبطة بالذكاء ويذكر آخرون أن الإبداع يقيس ما يسمى بالتفكير المنتج حيث يوجد حل صحيح واحد لكل سؤال.

ويؤكد بدري الأنصاري أن الأبحاث لم تشر إلى وجود علاقات ارتباطية ايجابية بين مستويات الذكاء والإبداع بل العلاقة بينهما تنحصر في المستويات المرتفعة من الذكاء ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل ذكي مبدع وان المبدع يتميز بالحد المناسب من القدرات العقلية المرتفعة وهذا يؤكد اختبارات الذكاء لا تكشف إلا عن 70% من المبدعين.

فالذكاء المقاس بالاختبارات للكتاب والفنانين وعلماء الرياضيات وعلماء العلوم المختلفة يكون فوق المتوسط تقريبا ومع ذلك لا يمكن أن تتنبأ الذكاء بالإبداعية... فقد يكون عالم بيولوجي الذي تبلغ نسبة ذكاؤه 130 درجة أكثر إنتاجية إبداعية إلى حد بعيد بالمقارنة بالفرد نسبة ذكائه تبلغ 180 درجة.

 فالذكاء والإبداع ليسا مصطلحين مترادفين فالأصالة والمرونة والطلاقة الفكرية من سمات المبدع ولكنها ليست من سمات الذكي وللتمييز بينهما نجد أن الفرد الذكي يدرك المعاني ويفهم الأمور ويؤدي المهارات بشكل ينسجم مع المعايير التقليدية المألوفة أو المتوقعة منه بينما المبدع يكون عكس ذلك تماما.

الإبداع والتحصيل:-

يخطئ الكثير من التربويين عندما يربطون بين الإبداع والمستوى الدراسي فيرسمون للإبداع دائرة لا يسير في نطاقها إلا الطلاب الذين يحصلون على درجات عالية، اعتقادا منهم بان هؤلاء الطلاب هم الوحيدون القادرون على الإبداع (فالإبداع ليس محصورا على أصحاب الشهادات العالية) فقد أثبتت الدراسات إن هناك عددا كبيرا من المبدعين لم يكونوا موفقين في حياتهم الدراسية، فمثلا" المخترع إديسون لم يقض في المدرسة سوى 3 أشهر طوال حياته وكذلك العالم اينشتاين لم يكن متفوقا" في مادة الرياضيات حتى إن مدرس مادة الرياضيات كان يركله بالكرسي الذي يجلس عليه وعلى رغم من ذلك اخرج للعالم نظريته المشهورة (النظرية النسبية). وكذلك أشارت بعض الدراسات الى وجود علاقة ضعيفة بين الإبداع والتحصيل الدراسي اولا توجد علاقة نهائيا (سالبة) كما أكدتها الدراسة الحديثة التي نشرت في جريدة الصباح وعلى موقع الاتجاه للباحثة والمرشدة التربوية ضي عبد الحسين مكي تحت عنوان التفكير الإبداعي وعلاقته بالتحصيل الدراسي.

وهذا يعني إن الكفاءة العالية في التحصيل ليست شرطا" أساسيا" لتحقيق الإبداع، وهذا ما يؤكد قوله العالم تورانس بأن تعلم المعلومات واسترجاعها يعدّ هذا مؤشرا" غير كافٍ للإبداع.

ويفسر لماذا لم يتوصل كثير من العلماء المبدعين الى مكانتهم المرموقة في البيئة المدرسية الشائعة. وفي هذا الصدد نقل اينشتاين قوله (إنني لا أكدس ذاكرتي بالحقائق التي استطيع ان أجدها بسهولة في إحدى الموسوعات)، فلذا الكثير من الإدارات المدارس والمعلمين لابد ان تكافئ كثيرا" الطلاب المبدعين.

وتؤكد نتائج البحوث ان معظم الطلاب المبدعين حصلوا على تقديرات متوسطة أو ضعيفة في التحصيل الدراسي، وهذا يعول الى أحد الأمرين:-

احدهما/أما ان المدارس بمراحلها التعليمية المختلفة لم تستطع تمييز المبدعين وقدراتهم الإبداعية!

ثانيهما/لم تستطع مكافأة هؤلاء المبدعين وإشباع حاجاتهم وقدراتهم التفكيرية الإبداعية

معوقات الابداع:-

 أضافت الدكتورة رندة الزهري بعض المعوقات الابداع الموجودة في عالمنا العربي وهي:-

1. الخوف من الفشل.

2. تجنب المخاطر.

3. عدم توافر الحرية.

5. مقاومة التغيير.

6. جمود القوانين.

7. انخفاض الدعم الجماعي.

8. فقدان التحفيز.

9. التوبيخ العلني.

10. العقاب في حال الفشل.

مبادئ الإبداع

هناك مبادئ أساسية لتنمية الابتكار او الإبداع في شتى الفنون:-

1. إفساح المجال لأيّة فكرة أن تولد وتنمو وتكبر ما دامت في الإتجاه الصحيح، ما دام لم يتم القطع بعد بفشلها، فكثير من الاحتمالات تبدّلت إلى حقائق وتحوّلت احتمالات النجاح فيها إلى موفقيّة، لذلك يجب أن يعطى الأفراد حرية كبيرة ليبدعوا، ولكن يجب أن تتركز هذه الحرّية في المجالات الرئيسيّة للعمل وتصبّ في الأهداف الأهم.

2. إن الأفراد مصدر قوة المنظمة، والاعتناء بتنميتهم ورعايتهم يجعلها الأكبر والأفضل والأكثر ابتكارا وربحاً، ولتكن المكافأة لتشجيعهم على أساس الجدارة واللياقة باستمرار. 

3. احترام الأفراد وتشجّيعهم وتنمّيتهم لإتاحة الفرص لهم للمشاركة في القرار لكي يحققوا النجاحات للدوائر والوزارات التي ينتمون اليها وبالتالي يحققوا اهم عملية تطويرية للبلد.

4. التخلّي عن الروتين واللامركزيّة في التعامل ينمّي القدرة الإبداعية، وهي سبيل التقدم والنجاح في المستقبل.

 5. تحويل العمل إلى شيء ممتع لا وظيفة فحسب، ويكون كذلك إذا حوّلنا النشاط إلى مسؤولية، والمسؤولية إلى طموح عن طريق العمل لأنها الطريق الأفضل لتطوير الكفاءات وتوسيع النشاطات ودمج الأفراد بالمهام والوظائف وإقامة المهرجانات والمؤتمرات سواء على الصعيد المحلي او الإقليمي لكشف ولجذب المهارات والموهوبين ابتداء من هم بسن رياض الأطفال الى موظفي الدولة.

6. التجديد المستمر للنفس والفكر والطموحات، وهذا لا يتحقّق إلاّ إذا شعر الفرد بأنّه يتكامل في عمله، فالعمل ليس وظيفة للفرد فقط بل يستطيع من خلاله أن يبني نفسه وشخصيّته أيضاً، وإن هذا الشعور الحقيقي يدفعه لتفجير الطاقة الإبداعيّة الكامنة بداخله وتوظيفها في خدمة الأهداف، فكل فرد هو مبدع بالقوة في ذاته وعلى المدير أن يكتشف مفاتيح التحفيز والتحريك لكي يصنع أفراد مبدعين بالفعل ومن منظمته كتلة خلاّقة.

7. تشجيع المبدعين والموهوبين من قبل وزارات الدولة كافة ودعمهم لأنهم نواة تطور البلد وطاقاته الكامنة، ولكي نستثمر الجهد والوقت فلابد للدولة الالتفاتة نحوهم وتسخير كافة إمكانياتها لاستقطابهم في جميع النواحي وكافة التخصصات الحياة العامة.

8. ليس الإبداع نسخة ثانية أو مكررة في البلد، بل الإبداع أن تكون النسخة الرائدة والفريدة، لذلك ينبغي ملاحظة تجارب الآخرين وتقويمها أيضاً وأخذ الجيّد وترك الرديء لتكون أعمالنا مجموعة من الإيجابيّات، فالمنظمات وفق الإستراتيجية الإبتكارية إمّا أن تكون قائدة أو تابعة أو نسخة مكررة، والقيادة مهمة صعبة وعسيرة ينبغي بذل المستحيل من أجل الوصول إليها، وإلاّ سنكون من التابعين أو المكررين وليس هذا بالشيء الكثير.

9. لا ينبغي ترك الفكرة الجيدة التي تفتقد إلى آليات التنفيذ، بل نضعها في البال، وبين آونة وأخرى نعرضها للمناقشة، فكثير من الأفكار الجديدة تتولد مع مرور الزمن، والمناقشة المتكررة ربّما تعطينا مقدرة على تنفيذها، فربّما لم تصل المناقشة الأولى والثانية إلى تمام نضجها فتكتمل في المحاولات الأخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/أيلول/2012 - 10/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م