الكويت بين حكم رشيد وزوبعة الفوضى

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: ابرز ما يميز حراك السياسي القائم وما شابه من صراعات خطيرة هو طريقة ادارة امير البلاد للازمة، وقدرته على تجنيب البلاد من خلال رؤية متوازنة للأمور من انزلاق الفرقاء السياسيين الى دوامة عنف راهنت عليها بعض الاطراف داخل وخارج البلاد، الى جانب براعة ملحوظة في ادارة ملف السياسة الخارجية وتغليب مصلحة البلاد العليا على الانسياق في اقطاب ومحاور انقسمت عليها دول الاقليم، مما دفع بالكثير من المراقبين الى الاشارة بالبنان الى الحكم الرشيد التي تتميز بها هذه الدولة القابعة في وادي بين البراكين.

وعلى الرغم من ان الازمة السياسية التي تعيشها الكويت باتت تمثل مصدر قلق للمجتمع، الا ان مشاعر الاطمئنان الى قدرة القيادة الكويتية في تجاوز العقبات بدت من المسلمات لدى معظم المواطنين، وهو ما انسحب بشكل ايجابي على الشؤون الاجتماعية والاقتصادية المهمة.

فيما يلقي العديد من المحللين للشؤون الاقليمية المسؤولية على التدخلات الاقليمية في افتعال الصراعات، ومساعي بعض الاطراف المناوئة في تأجيج بعض اشكال العنف الاجتماعي واخطار السلم الاهلي.

المحكمة الدستورية ترفض

وقالت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن المحكمة الدستورية العليا رفضت الطعن المقدم من الحكومة بشأن قانون الدوائر الانتخابية. وطلبت الحكومة الكويتية من المحكمة الدستورية في أغسطس آب الماضي إصدار حكم بشأن قانون يقسم الدولة الى خمس دوائر انتخابية فيما اعتبرته المعارضة محاولة لترتيب الدوائر الانتخابية بشكل يتلاءم مع رغبات الحكومة وبحيث تتركز القوة الانتخابية للمعارضة في أقل عدد ممكن من المناطق ومنعها بالتالي من الحصول على اغلبية مرة اخرى في البرلمان القادم.

ودخلت الكويت في مأزق سياسي نجم عن حكم أصدرته في يونيو حزيران المحكمة الدستورية يقضي فعليا بالغاء الانتخابات التي جرت في فبراير شباط الماضي والتي منحت النواب الاسلاميين بصفة اساسية غالبية في البرلمان. وأعاد الحكم مجلس الامة السابق المنتخب عام 2009 الأكثر تقاربا مع الحكومة.

وشارك آلاف الكويتيين في مظاهرة احتجاجية مساء الاثنين عشية صدور حكم قضائي بشأن قانون للانتخابات وتجمع حوالي 4000 شخص في ساحة الإرادة خارج مبنى مجلس الأمة (البرلمان) التي شهدت بضع مظاهرات مناهضة للحكومة منذ أواخر العام الماضي.

إلا أن احتجاجات الاثنين كانت أكبر من تلك التي شهدتها الإمارة على مدى الشهر المنصرم، وكذلك كان أيضا حضور الأمن والشرطة من حيث العدد والظهور العلني المكشوف.

وكان مؤيدو المعارضة قد نزلوا إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية في 27 أغسطس/آب الماضي، وهددوا بالخروج ثانية إذا أدرت المحكمة قرارا لمصلحة الحكومة وقضت بعدم دستورية القانون الانتخابي الحالي.

وتقول الحكومة إن هناك ثمة حاجة إلى قرار يصدر عن المحكمة المذكورة "من أجل حماية نتائج الانتخابات مستقبلا من الطعون الانتخابية".

وأظهر مرشحو المعارضة الإسلامية والعشائر أداء قويا في الانتخابات التي جرت في الكويت في فبراير/ شباط الماضي، إذ شكلوا كتلة أغلبية معارضة في البرلمان زادت من الضغط على الحكومة.

وتواجه الكويت أزمة سياسية منذ حل البرلمان، الذي تغلب عليه المعارضة، بقرار منفصل من المحكمة الدستورية نفسها في حزيران/يونيو الماضي. وقد أعاد الحكم برلمانا آخر أكثر ودَّا تجاه الحكومة، الأمر الذي اثار غضب المعارضة ودفعها إلى الاحتجاج.

ولم تشهد الإمارة الخليجية المصدرة للنفط احتجاجات على غرار الانتفاضات الشعبية الحاشدة التي اجتاحت العالم العربي. لكن التوتر تصاعد بين الحكومة، التي تهيمين عليها الأسرة الحاكمة، وبين البرلمان المنتخب.

وعلى خلفية التغيير الديمقراطي الذي يزحف على المنطقة في أعقاب انتفاضات الشوارع في دول عربية أخرى تطالب شخصيات كويتية معارضة بحكومة منتخبة وبرفع الحظر المفروض على إنشاء الأحزاب السياسية في البلاد.

وفي حين تحظى الكويت بواحد من أكثر الأنظمة السياسية التقدمية في الخليج، يظل عميد الأسرة الحاكمة، أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، يحتفظ بالكلمة الأخيرة في المسائل السياسية في الإمارة الغنية.

ويختار الأمير الشخصية التي يكلفها برئاسة الحكومة، ويختار رئيس الوزراء بدوره أعضاء حكومته التي يتولى فيها أفراد من أسرة الصباح المناصب الوزارية البارزة.

وتسببت سنوات من المشاحنات السياسية في تعطل الاستثمارات في الكويت، إحدي أغني الدول في العالم من حيث دخل الفرد. واختصر القانون الانتخابي في عام 2006 عدد الدوائر الانتخابية في الكويت من 25 دائرة إلى خمس دوائر فقط في محاولة "للحد من شراء الأصوات الانتخابية ومن التأثير القبلي على سير الانتخابات في البلاد".

وقالت وزارة الداخلية الكويتية إنها ستتعامل بكل حزم مع تنظيم أي احتجاجات "دون ترخيص" في البلاد وذلك قبل يوم من مظاهرة أمام البرلمان.

ونقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن وزارة الداخلية قولها في بيان إن "ما صدر عن بعض الأشخاص من الدعوة وإثارة الجمهور للانضمام معهم في الاعتصامات والتجمعات والمسيرات والمبيت في الساحة المقابلة لمجلس الأمة يعد إخلالا بالأمن والنظام العام."

وحذرت الوزارة من أنها "لن تتوانى أبدا عن التعامل بكل الشدة والحزم مع أي تجاوزات أو خروج عن القانون."

وذكرت كونا أن الوزارة أكدت "إيمانها بحق جميع الأخوة المواطنين بحرية التعبير" آملة من الجميع "تحمل مسؤولياتهم في الالتزام بالقوانين التي تمنع كل أشكال الاعتصامات والتجمعات والمسيرات أو الدعوة إلى المبيت بالساحة" والإحجام عن "كل ما من شأنه التحريض على الإضرار بالأمن والنظام العام."

وأشارت الوزارة إلى أن عقوبة من ينظم موكبا أو مظاهرة أو تجمعا "دون ترخيص" أو يدعو إليها أو يشارك فيها تتضمن السجن والغرامة.

واصر المئات من انصار المعارضة على السهر في ساحة الارادة بعد نهاية التجمع بالرغم من قرار وزارة الداخلية منع اي شكل من الاعتصام في ساحة الارادة. وقال النائب الاسلامي البارز وليد الطبطبائي في كلمة امام المحتجين "من اليوم فصاعدا نقولها ان الشعب هو صاحب السيادة ونقول كما قال سعد زغلول ان الحق فوق الامة والامة فوق الحكومة، لذلك قررنا كشعب ان يكون جابر المبارك (رئيس الوزراء الحالي) آخر رئيس وزراء من ... ذرية ال الصباح".

واضاف "تكون لاسرة الصباح الامارة وللشعب الوزارة، ومنكم الامراء ومنا الوزراء"، في تاكيد على مطلب المعارضة بتشكيل حكومة منتخبة يقودها شخص من خارج اسرة ال الصباح التي تحكم الكويت منذ اكثر من 250 سنة.

من جانبه، قال النائب من المجلس المبطل خالد شخير "اعلن موقفي المتضامن مع المواطنين بالسهر يوميا في ساحة الارادة حتى تحقيق مطالبنا".

واضاف "للاسف اساس المشاكل التي نعيشها هي حرب ولاية العهد وخير دليل ابطال مجلس 2012 بخطأ اجرائي" مضيفا ان "ناصر المحمد (رئيس الوزرا السابق) ومشعل الاحمد (اخو الامير) يدركان تماما بان الاغلبية البرلمانية لن تصوت لهم لولاية العهد".

وفي تحد واضح للاسرة الحاكمة، قال شخير، وهو من ابناء القبائل "المشكلة لدينا تكمن بابناء الاسرة ويجب ابعادهم عن مناصب الوزراء ويجب تشكيل قانون ينظم عمل ابناء الاسرة الحاكمة". واضاف "نخرج من جميع المشاكل التي لابناء الاسرة ... علينا الدفع بحكومة منتخبة وهذه تتحقق عن طريقين، اما عن طريق تعديل الدستور (في) مجلس الامة او عن طريق الامة مباشرة".

ويشغل اعضاء من اسرة الصباح اهم المناصب في مجلس الوزراء ويحتفظ أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الصباح (83 عاما) بالحق في حل البرلمان متى شاء. ويتوقع كثير من المراقبين ان يفعل الشيخ صباح هذا وأن يدعو الي انتخابات جديدة بحلول نهاية العام في محاولة لتجاوز المأزق.

تظاهرة علم القاعدة

من جهة أخرى تجمع حوالى خمسمئة متظاهر قرب السفارة الاميركية في مدينة الكويت رافعين علما لتنظيم القاعدة احتجاجا على الفيلم المسيء للاسلام. وهتف المتظاهرون "اوباما كلنا اسامة" في اشارة الى الرئيس الاميركي باراك اوباما وزعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن الذي قتل في عملية شنتها وحدة من القوات الخاصة الاميركية العام الماضي في باكستان.

وتجمع المتظاهرون على مسافة حوالى خمسمئة متر من السفارة بعدما منعتهم قوات من الشرطة انتشرت بكثافة في الموقع من الوصول اليها. وانضم خمسة نواب اسلاميين الى المتظاهرين للمطالبة بطرد السفير الاميركي. وهتف المتظاهرون "الشعب يريد طرد السفير".

وتجرى تظاهرات امام البعثات الدبلوماسية الاميركية في عدد من الدول العربية والاسلامية احتجاجا على فيلم مسيء للاسلام وللنبي محمد انتج في الولايات المتحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/أيلول/2012 - 9/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م