العراق والوعي الشعبي... مفهوم العمل المدني

 

شبكة النبأ: نعني بالوعي الشعبي، هو التطور التفكيري في كيفية خلق الظروف المناسبة للانتاج الافضل في ميادين العمل كافة، وليس الحكومية الوظائفية حصرا، إذ هناك دول كبيرة استطاعت أن ترسخ مفهوم العمل المدني التطوعي بين عموم افراد المجتمع، حتى اصبح هذا النوع من العمل طبيعة حياتية يومية مستساغة من لدن الجميع، وتم بناء مدن كبيرة ومشاريع كثيرة وفق اسلوب العمل التطوعي، بعد أن هضم الجميع مفهوم الخدمة المدنية ودورها في تطوير حياة المجتمع من خلال الاسهام في النهوض بالبنى التحتية.

ما نراه في العراق عدم اهتمام بهذا الجانب، مع شيوع حالة اللامبالاة لدى المسؤولين والمواطنين على حد سواء، ولكن تقع المسؤولية على ذوي القرار وليس على المواطن، فهم يتحملون نتائج رفض عام الناس لهذا النوع من اساليب البناء، لاسيما أن الجهات الرسمية لا يخطر في بالها تعميق الوعي الشعبي في هذا الاتجاه، لذا فإن المجتمع العراقي يفتقد حاليا الى التقدير الصحيح لأهمية العمل الطوعي، ليس على المستوى الشعبي فحسب، إنما هناك تراجع رسمي في هذا الصدد، ناهيك عن التراجع السافر لدور المنظمات المعنية ومعظمها تنتسب الى منظمات المجتمع المدني.

أما التساؤل الحاضر بيننا الآن هو، هل تقوم منظمات المجتمع المدني المعنية بتطوير مفهوم الخدمة المدنية بدورها؟ وسوف يردف التساؤل الاول تساؤل ثان، هل تقوم الجهات الرسمية بدورها المطلوب في هذا المجال؟. ولعل الاجابة المأخوذة عن الواقع ستؤكد بصورة قاطعة على أن منظمات المجتمع المدني المعنية وغيرها من الجهات الاهلية لاتزال تدور في فلك المصالح والفوائد الفردية والشللية، وهي لاتزال تجلس في ابراجها العاجية بمعزل عن الشعب وكأنها تمارس دور القيادة الفخرية لا غير، فلم نر الجهد الفعلي المطلوب الذي ينزل الى الشارع ويساعد الناس على هضم وقبول واعتياد الخدمة المدنية الطوعية في حملات البناء والتنظيف وسواها، وهي التي نقلت المجتمعات من حالات التخلف والتردي والضمور الى درجات عليا من الرقي والتمدّن، ولا نعرف بالضبط لماذا لاتؤدي هذه المنظمات ما يقع على عاتقها من مسؤوليات كبيرة في قضية نشر ثقافة العمل الطوعي بين الناس؟ مع أنها مدعومة بعوامل القدرة على نشر هذه الثقافة العملية ماديا ومعنويا أيضا. ولو تحدثنا عن الجهد الرسمي في مجال نشر مفهوم الخدمة المدنية كسلوك وفكر يسهم بتطوير المجتمع، فإن الوقائع الملموسة تشير الى إهمال كلي لهذا الجانب، ولعل الحكومة ومؤسساتها تجهل قدرة العمل الطوعي على تعزيز الروح الوطنية لدى الافراد، كما أنها قد تجهل الطاقات التي يتمتع بها المواطن حين تتعزز فيه روح المواطنة، عن الآخر الذي لا يعرف ما هي المواطنة ولم يجرّب الشعور بها.

بالنتيجة حين تعمل الحكومة ومؤسساتها المعنية على بناء المواطن المؤمن بالعمل الطوعي، فإنها كمن يساعد نفسه على تحقيق الاهداف المطلوبة منه، وهذا عمل يصب بالنتيجة في صالح الحكومة ايضا، لذا فإن التقصير الحكومي في هذا المجال ينعكس على الاداء الحكومي نفسه، وينعكس على طبيعة حياة المجتمع ومدى اقترابه من روح العصر او العكس، هنا لابد من التأكيد على أن دور الحكومة في مجال نشر وتطوير الخمة المدنية بين افراد وشرائح المجتمع ينبغي أن يسبق غيره ويتقدم الادوار الاخرى إذا لم يكن مثالا لها لأن المؤسسات الحكومية تتمتع بقدرات عملية مادية تنظيمية قد تفتقد لها الجهات الأقل منها في الترتيب والمسؤولية، لذلك لابد من أن يتعاضد الجميع حكومة ومنظمات مدنية معنية، على نشر وترسيخ مفهوم وثقافة وسلوك الخدمة المدنية بين الجميع، ويمكن وضع آليات وخطوات عمل اجرائية من لدن لجان مختصة تطبَّق على الواقع، فتنجح بنقل المجتمع العراقي الى مرحلة البناء الجديد من خلال الاهتمام بأساليب التمدن كما فعلت المجتمعات التي بنت نفسها بعقولها وأيديها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/أيلول/2012 - 9/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م