اقتصاد مصر... رهان على الدعم الخارجي

 

شبكة النبأ: برغم من المساعي الحثيثة التي يقوم بها الرئيس المصري الجديد محمد مرسي في سبيل إنقاذ الاقتصاد المصري من أزمته الخانقة التي تفاقمت عقبت ثورة 25يناير كانون الثاني التي أسهمت بإسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك حيث أثرت الأحداث السياسية وعدم الاستقرار بشكل سلبي على ثاني اكبر اقتصاد في المنطقة العربية بحسب بعض المتخصصين الذين أكدوا في الوقت ذاته وجود تعافي نسبي قد يتحقق في الفترة المقبلة خصوصا بعد التحركات والزيارات الخارجية المهمة التي قام بها الرئيس محمد مرسي في سبيل إبعاد شبح الأزمة الاقتصادية، حيث أسهمت تلك الزيارات بطمأنة بعض الدول وأصحاب رؤوس الأموال هذا بالإضافة لحصول مصر على بعض المساعدات العاجلة خصوصا من بعض حكومات دول الخليج وهو ما سينعكس بشكل ايجابي على قطاع الاستثمار في مصر، فبعد تجنبهم العمل في مصر لأكثر من عام بسبب عدم الاستقرار السياسي يعود المستثمرون الخليجيون إليها تغريهم مؤشرات على تسوية الأوضاع السياسية وفرض لشراء أصول بأسعار بخسة. ويعد اهتمام مستثمري الخليج وهم أكثر دراية بديناميكيات السياسة وثقافة الأعمال في مصر من المستثمرين الأجانب بادرة ايجابية لاقتصاد البلاد المنهك لاسيما أن بعض الشركات الغربية تنسحب من مصر بسبب الضغوط المالية في أسواقها المحلية.

يقول ديكلان هايز العضو المنتدب لخدمات الصفقات في ديلويت الشرق الأوسط للاستشارات "هناك تحسن جديد في اقبال مستثمري الخليج على مصر هذا العام. لا ينحصر هذا في صناعة المال بل يمتد إلى مختلف القطاعات." ولا تزال آفاق الاقتصاد المصري في الأجل القريب غائمة. فلم يشهد الاقتصاد نموا يذكر العام الماضي بسبب الاضرابات العمالية وهروب رؤوس الأموال الذي أعقب الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط 2011. ويتوقع صندوق النقد الدولي ألا يتجاوز النمو 1.5 بالمئة هذا العام وهي نسبة لا تكفي حتى لتخفيف حده البطالة المرتفعة.

وذكر أحمد بدر الدين الشريك الرئيسي والرئيس المشارك في أبراج كابيتال وهي أكبر شركة للاستثمار المباشر في المنطقة ومقرها دبي "خلقت خطوات الرئيس الأخيرة لتجديد قيادة الجيش والتغلب على جمود سياسي محتمل حالة من الثقة." وأضاف "الزيارة إلى الصين تعد أحد الأمثلة على تأكيد رسالة مفادها أن مصر ترحب بأنشطة الأعمال وأن حقوق المستثمرين ستكون محفوظة ومصانة."

ووافقت معامل البرج وهي شركة مصرية ضمن محفظة أبراج على الاندماج مع معامل المختبر لخلق ما قالت إنه سيكون أكبر مؤسسة للتشخيص الطبي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. ومن بين المؤشرات على تحسن الثقة في مناخ الأعمال انتعاش البورصة المصرية. ويبدو أن الاختيارات الأسهل للمستثمرين الخليجيين في مصر ستتمثل في العمليات المصرفية التي تطرحها للبيع بنوك أوروبية تقلص عملياتها على مستوى العالم. أما المصارف الخليجية التي تتمتع بسيولة ضخمة بسبب ارتفاع أسعار النفط فلا تحتاج للسعى وراء أرباح قريبة الأجل في مصر فبمقدورها أن تعول على النمو السكاني لمصر في تحقيق أرباح في الأجل الطويل.

وقال بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي إنه بدأ محادثات تمهيدية مع بنك قطر الوطني لبيع حصة 77.2 في المئة في وحدته المصرية البنك الأهلي سوسيتيه جنرال. وقال بنك الاستثمار المصري المجموعة المالية هيرميس إن قطر الوطني قد يضطر لتقديم عرض الزامي لمساهمي الاقلية وهو ما سيفضي لاستحواذه على البنك بأكمله وأضاف أن البنك القطري قد يدفع ما يصل إلى ثلاثة مليارات دولار مقابل الاستحواذ على الوحدة المصرية من سوسيتيه جنرال.

وذكرت مصادر مطلعة أن بنكا فرنسيا آخر هو بي.ان.بي باريبا يسعى إلى بيع وحدته المصرية التي يمكن أن تدر ما بين 400 و500 مليون دولار. وذكر مصرفيون أن الاهتمام بهذه الصفقة يأتي في الأساس من بنوك في دولة الامارات العربية والكويت وقطر فضلا عن تركيا لكنهم أحجموا عن تسمية هذه البنوك إذ أنهم غير مخولين بالحديث مع وسائل الأعلام.

وقال مصرفي مقيم في دبي "نبلغ عملاءنا في الخليج ان هذه ربما تكون أفضل فرصة بالنسبة لهم على الاطلاق لدخول مصر من خلال شراء أصول نوعية بأسعار مغرية." في الوقت نفسه تعتزم كيو انفست وهي شركة استثمار قطرية تملك الدولة جزءا منها الاستحواذ على المجموعة المالية هيرميس بعد أن حرمت التوترات الاقتصادية في العام الماضي هيرميس من القدرة على التوسع في أنحاء المنطقة.

كما أن هناك قطاعات أخرى غير البنوك مثيرة للاهتمام إذ يتوقع المستثمرون أن تعزز حكومة مرسي مشروعات البنية التحتية وتنتهج سياسات رامية لتعزيز إنفاق السكان البالغ عددهم نحو 80 مليون نسمة غالبيتهم من الشباب. وسيتم تمويل بعض المشروعات من قبل حكومات خليجية إذ تعهدت السعودية وقطر في الأسابيع القليلة الماضية بتقديم مليارات الدولارات لمساعدة مصر.

يقول هايز من ديلويت "لا ينحصر الاهتمام في الصناعة المالية فقط بل يمتد إلى قطاعات أخرى بينها الطاقة والنفط والغاز والسلع الاستهلاكية وفي بعض الحالات الاستثمارات المتعلقة بالطاقة المتجددة.". واشترت مجموعة صافولا الغذائية السعودية الحصص المتبقية التي لا تمتلكها في شركتين مصريتين أواخر العام الماضي في اطار خطة توسع إقليمية.

وقال المدير التنفيذي لشركة أموال الخليج للاستثمار المباشر ومقرها السعودية التي تمتلك حصصا في شركات مصرية مثل العربية لحليج الأقطان أن شركته تتطلع لاستثمارات جديدة في مصر. والبنية الأساسية قطاع آخر من المتوقع أن يقتحمه المستثمرون الخليجيون إذا ما تمكنت القاهرة من تقديم المساندة الادارية والحماية القانونية اللازمة.

وقال بدر الدين من أبراج "مستقبلا ومع حاجات مصر المتزايدة من البنية التحتية من الطرق إلى محطات الكهرباء نتوقع زيادة مساهمة المستثمرين العرب والأجانب في هذه القطاعات لاسيما في حال وضع اطار عمل ملزم للشراكة بين القطاعين العام والخاص." وحتى تتضح معالم سياسات مصر ما بعد الثورة ستبقى البلاد تنطوى على مخاطر في أعين المستثمرين. وقال مصرفي يعمل في عمليات الاندماج والاستحواذ في مصر إنه بالرغم من تحسن الاهتمام بالاندماجات والاستحواذات بشكل عام في مصر فانه لا يزال أقل بكثير عن مستواه في عام 2010 قبل اندلاع الثورة.

وقال المصرفي المقيم في دبي "هناك دائما علاوة مخاطر للاستثمارات في مصر. يدرك المستثمرون أنه بالرغم من وجود الاستقرار حاليا فان البلاد لم تنهض من عثرتها بعد." ومن بين المخاطر الرئيسية الأخرى خفض قيمة الجنيه المصري الذي يمكن أن يقلل قيمة الاستثمارات في مصر. وحتى الآن يبيع البنك المركزي المصري احتياطياته من النقد الأجنبي لمنع أي انخفاض حاد في قيمه الجنيه الذي نزل لأقل مستوى في سبع سنوات عند 6.1 جنيه للدولار من 5.8 جنيه قبل اندلاع الثورة. بحسب رويترز.

ومع ذلك أدى الدفاع عن الجنيه إلى خفض احتياطات النقد الأجنبي لمصر بأكثر من النصف ويعتقد كثير من المحللين أن البنك المركزي قد يسمح في نهاية المطاف بخفض كبير لقيمة الجنيه هذا العام أو بداية العام المقبل ربما إلى 6.5 جنيه أو 7.0 جنيهات للدولار. ولكن من خلال مساعدات من صندوق النقد ودول خليجية قد تتمكن مصر من الافلات من عملية خفض مفاجئة وغير محكومة لقيمة عملتها ويكون بمقدورها خفض قيمة الجنيه ببطء لتشجيع الصادرات. ويقول كثير من المصرفيين إن معظم المستثمرين الأجانب قد يتقبلوا عملية كهذه ولن تدفعهم للاحجام عن الدخول في عمليات استحواذ. يقول أيبك اسلاموف المحلل لدى اتش.اس.بي.سي "ربما تكون عملية خفض للعملة محكومة وخاضعة للسيطرة وإذا ما حدث ذلك ستظل العوامل الأساسية للقطاع المصرفي المصري قوية."

في السياق ذاته اعلن رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ان قطر ستستثمر 18 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة في مصر التي يواجه اقتصادها صعوبات كبيرة. ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية عن الشيخ حمد قوله ان الدوحة "ستستثمر في مصر 18 مليار دولار خلال خمس سنوات".

واضاف الشيخ حمد بعد لقاء مع الرئيس المصري محمد مرسي ان قطر ستضخ اموالا في مجالات الكهرباء والغاز الطبيعي والسياحة. وقد قررت قطر تقديم دعم مالي قيمته ملياري دولار الى مصر على شكل وديعة في البنك المركزي المصري الذي تراجعت احتياطاته من العملات الصعبة كثيرا منذ سقوط الرئيس المصري حسني مبارك في شباط/فبراير 2011.

ودفعت قطر حتى الان مبلغ 500 مليون دولار. وستدفع بقية الملياري دولار على ثلاث مراحل في ايلول/سبتمبر وتشرين الاول/اكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر، كما قال من جانبه الخميس رئيس الوزراء المصري هشام قنديل. وترجم عدم الاستقرار السياسي منذ اندلاع الانتفاضة في بداية 2011 صعوبات اقتصادية في قطاع السياحة وتراجعا على صعيد الاستثمارات الاجنبية وزيادة في عجز الميزانية وازمات اجتماعية كثيرة. وتقدم السعودية ايضا دعما ماليا الى مصر. وطلبت الحكومة المصرية من جهة اخرى قرضا قدره 4,8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لدعم الاصلاحات الاقتصادية. بحسب فرنس برس.

من جانب اخر اعلن وزير المالية المصري ممتاز السعيد اان تركيا ستقدم لمصر حزمة مساعدات بقيمة ملياري دولار لدعم اقتصادها الذي يواجه صعوبات كبيرة. وقال الوزير بحسب ما نقلت عنه وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية ان القاهرة اتفقت مع انقرة على تقديمها "حزمة مساعدات لمصر بقيمة ملياري دولار لاستخدامها في دعم احتياطي مصر من النقد الاجنبي وتمويل مشروعات بنى تحتية". واضاف ان هذه المساعدة من شانها ان "تسهم في تعزيز اوضاع الاقتصاد المصري ومساعدته على استعادة الاستقرار ومعاودة النمو". وتم الاتفاق اثناء زيارة وفد مصري رفيع المستوى الى اسطنبول.

اعفاء مصر من مليار دولار

على صعيد متصل قال مسؤول أمريكي إن حكومة الرئيس باراك أوباما تقترب من التوصل لاتفاق مع الحكومة المصرية الجديدة لإعفاء القاهرة من ديون بقيمة مليار دولار. يأتي ذلك مع سعي واشنطن إلى مساعدة مصر على تعزيز اقتصادها في اعقاب انتفاضة شعبية مطالبة الديمقراطية. وقال المسؤول إن دبلوماسيين أمريكيين ومفاوضين عن الرئيس المصري الجديد محمد مرسي يعملون لوضع اللمسات النهائية لاتفاق لكن لم يتم بعد التوصل إلى الاتفاق.

ويبدو ان هذا التقدم بشأن برنامج المساعدات والذي ضعف خلال القلاقل السياسية التي شهدتها مصر خلال 18 شهرا يعكس تخفيفا حذرا للشكوك الامريكية بشأن مرسي ورغبة في اظهار حسن النوايا الاقتصادية للمساعدة في الحفاظ على الشراكة الامريكية المصرية القائمة منذ فترة طويلة من التدهور بشكل اكبر. وكانت الولايات المتحدة حليفا وثيقا لمصر في ظل الرئيس المخلوع حسني مبارك كما انها تمنح مصر مساعدات عسكرية قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا بالاضافة الى مساعدات اخرى.

ودعا أوباما مبارك في نهاية الامر إلى التنحي مع مواجهته احتجاجات جماهيرية في بداية 2011 ولكن الرئيس الامريكي واجه انتقادات لاستغراقه وقتا اطول من اللازم لتأكيد التأثير الأمريكي. وغيرت واشنطن التي تشعر بقلق منذ فترة طويلة من الاسلاميين سياستها العام الماضي لفتح اتصالات رسمية مع جماعة الاخوان المسلمين التي تقف وراء فوز مرسي. واستقال مرسي رسميا من رئاسة حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين بعد فوزه.

ويقول محللون إن من بين الوسائل التي يمكن ان تؤثر بها الولايات المتحدة على اتجاه السياسة في مصر التي تعد محور سياسة واشنطن في المنطقة منذ توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979 تقديم دعم اقتصادي في الوقت الذي تحاول فيه القاهرة تفادي ازمة في ميزان المدفوعات والميزانية .

وتعهد أوباما في البداية بتقديم مساعدة اقتصادية للقاهرة العام الماضي . ومازالت توجد عقبات امام استكمال اتفاق تخفيف الديون الذي قالت تقارير انه يتضمن مزيجا من الغاء دفع ديون وعملية معقدة "لمبادلة الديون" ولم يعرف على الفور متى قد يتم اعلان التوصل لاتفاق. ولكن حتى مع مضي المفاوضات قدما في القاهرة اشارت واشنطن ايضا الى تأييدها لقرض قيمته 4.8 مليار دولار تسعى مصر للحصول عليه من صندوق النقد الدولي وتأمل بان تضمنه بحلول نهاية العام لدعم اقتصادها المترنح. وزارت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي مصر الشهر الماضي لمناقشة هذا الامر. بحسب رويترز.

وكانت الحكومة المؤقتة التي عينها المجلس العسكري في مصر قد تفاوضات على قرض قيمته 3.2 مليار دولار قبل ان تسلم السلطة لمرسي في 30 يونيو حزيران. وزادت حكومة مرسي بعد ذلك من حجم الطلب. وقالت لاجارد إن صندوق النقد الدولي سيبحث قضايا مالية ونقدية وهيكلية ووعدت بأن يكون الصندوق شريكا في "رحلة مصرية" للإصلاح الاقتصادي.

الفجوة التمويلية

من جانب اخر تشير تقارير إلى أن الفجوة التمويلية في الاقتصاد المصري قد تصل إلى 11 مليار دولار، وأن قرض صندوق النقد الدولي البالغ 4.8 مليارات دولار سيغطي جزءا فقط من هذه الفجوة. ويتطلع خبراء ومحللون اقتصاديون إلى الدور الكبير الذي تلعبه الدول العربية وخصوصا الخليجية منها في دعم الاقتصاد الهش للبلاد والذي تآكل بشكل كبير منذ ثورة 25 يناير/ كانون الأول 2012.

وقالت نيفين الشافعي، نائب رئيس هيئة الاستثمار المصرية "هناك العديد من المؤشرات الإيجابية حيث تمكنا من الحصول على مبالغ مالية من البنك الدولي بقيمة 840 مليون دولار ومن المملكة العربية السعودية ما قيمته 1.5 مليار دولار بالإضافة إلى تعهدات بقيمة ملياري دولار من قطر وكل هذه تعتبر مؤشرات جيدة، ونأمل أن تبدأ الأمور بالتحسن." وأضافت الشافعي "الفجوة التمويلية في مصر تفوق الـ 4.8 مليارات دولار وهي قيمة قرض صندوق النقد الدولي، وقد تصل هذه الفجوة في بعض التقديرات إلى 11 مليار دولار، إلا أن زيارة صندوق النقد لنا هو أمر في غاية الإيجابية." وأشارت إلى "أن قبول صندوق النقد الدولي إقراض مصر يعتبر صوتا يعكس الثقة بالاقتصاد المصري، ومع بدأ الأوضاع السياسية بالاستقرار فإن ذلك سيشجع المستثمرين للدخول إلى السوق المصرية مرة أخرى."

وفيما يتعلق بالمخاوف المتنامية لدى الشارع المصري من وجود تبعات سياسية واقتصادية غير معلنة مقابل قبول صندوق النقد إقراض مصر، قالت الشافعي: "تصريحات وزير المالية تؤكد عدم وجود أي شروط من شأنها التأثير على قيمة الجنيه المصري، ونحن لازلنا ننتظر معرفة ما هي الشروط الأخرى، أما فيما يتعلق بإمكانية رفع أسعار الوقود المحلية فلا زالت المحادثات جارية بهذا الشأن." بحسب CNN.

ويذكر أن الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي المصري ارتفع إلى 15.127 مليار دولار مدعوما بوصول 500 مليون دولار كالدفعة الأولى من الوديعة القطرية البالغة ملياري دولار، وذلك بعد هبوط هذه الإحتياطي إلى 14.42 مليار دولار خلال العام الماضي وأحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

الجنيه المصري يتراجع

في السياق ذاته هبط الجنيه المصري لأدنى مستوى في أكثر من سبع سنوات ونصف السنة عقب نشر البنك المركزي بيانات عن احتياطيات مصر من النقد الأجنبي قال بعض الخبراء الاقتصاديين إنها تظهر ضعفا كامنا. وقالت المجموعة المالية هيرميس إن البنك المركزي يبدو ملتزما بسياسة تسمح هبوط تدريجي للجنيه. وقالت هيرميس إن ضعف الجنيه يشير إلى أن "البنك المركزي يتحرك بشكل أكثر جرأة نسبيا عما توقعنا...مما يشير إلى أن توقعاتنا بوصول الجنيه إلى 6.40 جنيه مقابل الدولار في نهاية 2013 ربما تتحقق في وقت أقرب". وعدلت هيرميس الآن توقعاتها للجنيه بالتراجع إلى 6.25 جنيه مقابل الدولار بنهاية 2012 بدلا من 6.10 جنيه مقابل الدولار في وقت سابق.

وأنفق البنك المركزي ما يزيد 20 مليار دولار لدعم الجنيه منذ اندلاع الثورة الشعبية العام الماضي التي أدت إلى نزوح السياح والمستثمرين وهما مصدران رئيسيان للعملة الأجنبية.

من جانبه قال الرئيس المصري محمد مرسي إنه لن يفرض ضرائب جديد أو يخفض قيمة الجنيه المصري وإن حكومته ستعتمد بدلا من ذلك على الاستثمار والسياحة والصادرات لإصلاح الاقتصاد الذي أنهكته اضطرابات سياسية دامت عاما ونصف. ويقول اقتصاديون إن مرسي (61 عاما) لديه فرصة لإحداث تغيير اقتصادي إذ لا يزال يحظى برضا سياسي بعد مرور 50 يوما من توليه الرئاسة بعد أول انتخابات حرة تشهدها مصر.

لكن يتعين عليه توخي الحذر حتى لا يثير غضب الشعب الذي انتفض للإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي لأسباب من بينها ارتفاع الأسعار وانتشار الاعتقاد بأن النمو الاقتصادي المتسارع في السنوات الأخيرة من حكم مبارك لم يكن يصل إلى الفقراء. ومن بين الإجراءات التي اقترحها اقتصاديون خفض قيمة الجنيه الذي لم يتراجع إلا خمسة بالمئة فقط خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية بالرغم من تراجع أعداد السياح والمستثمرين. لكن حين سئل مرسي إن كانت الحكومة تفكر في خفض قيمة الجنيه قال "لا على الإطلاق. هذا غير وارد على الإطلاق."

وخفض قيمة الجنيه من شأنه أن يشجع الصادرات وأن يوقف نزيف احتياطيات النقد الأجنبي التي تراجعت أكثر من النصف منذ الانتفاضة لتصل إلى 14.5 مليار دولار. لكنه سيرفع أسعار الشاي والسكر والواردات الأخرى التي يشتريها الفقراء. فالقمح الذي يعد من الواردات الرئيسية وهو السلعة الغذائية الأساسية مدعوم بشدة.

واستبعد مرسي فرض أي ضرائب جديدة في الأجل القصير على الأقل. وقال "ليس هناك ضرائب جديدة في هذه المرحلة تفرض على الشعب المصري." وتابع "لكن المنظومة الضريبية تحتاج إلى مراجعة لكي يصل الدعم الحكومي إلى مستحقيه لا إلى كل من يستحق أو لا يستحق... هناك خطة متدرجة لكي يتحمل دافع الضريبة المسؤولية الحقيقية ويدفع من عليه ضريبة حقيقية الضريبة المستحقة عليه." وأضاف أن هذه ستكون "مراجعات وليست ضرائب جديدة". وقال "أنا لا أتحدث عن تشريع مفاجئ للناس بدفع ضرائب جديدة دون دراسة وإنما نريد تخفيف العبء عن الفئة الأكثر فقرا. نريد دعم الفقراء والمحتاجين."

ويعادل العجز في ميزانية السنة المالية 2012-2013 نحو 25 بالمئة من إجمالي الإنفاق. واعتمدت الحكومة على البنوك المحلية للحصول على التمويل لكن الأموال المتاحة للإقراض لدى هذه البنوك تضاءلت. وأدى هذا إلى ارتفاع أسعار الفائدة على بعض أذون الخزانة إلى نحو 16 بالمئة مما يؤدي إلى اتساع العجز. بحسب رويترز.

وقال مرسي "نحن نحاول بكل الطرق... أن نقلل هذا العجز ونتصور أنه خلال عدة سنوات -من ثلاث إلى خمس سنوات- يمكن لهذا العجز أن ينخفض انخفاضا ملحوظا." وتابع "الآن الأمر أكثر استقرارا من ذي قبل. الاحتياطي الأجنبي الموجود في البنك المركزي الآن فوق حد الخوف وفوق الخط الأحمر." وأضاف "المحور الأساسي هو الاستثمار وتشجيع المستثمرين والسياحة والتجارة الخارجية والتصدير.. هذا الذي نسعى فيه أكثر من القروض."

حل مشاكل المستثمرين

من جهته قال رئيس الوزراء المصري هشام قنديل إن حكومته تعمل جاهدة على حل مشاكل المستثمرين وكشف النقاب عن أن هناك وحدة خاصة تابعة له تعمل من أجل توفيق أوضاع المستثمرين لتجنب عملية تحكيم دولي باهظة التكلفة. وقال قنديل "هناك وحدة صغيرة تابعة لي شخصيا تعمل مع الوزارات المعنية (بما فيها) وزارة الاستثمار ووزارة الزراعة حتى يتم توفيق الاوضاع بما يضمن عودة هذه المشاريع والاراضي مرة اخرى للعمل."

وتسعى الحكومة المصرية إلى تسوية نزاعات على أسعار أراضي وقضايا أخرى مع نحو 20 مستثمرا أجنبيا ومحليا في محاولة لتجنب عملية تحكيم مكلفة ولبناء الثقة في مصر. ومر الكثير من المستثمرين العرب والأجانب في البلاد بمشاكل أعاقت أعمالهم خاصة بعد ثورة 25 يناير التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك وبعد صدور أحكام قضائية برد أصول واراض اشتروها بأسعار بخسة إلى الدولة.

وقال قنديل "في كثير من الاحيان لم يكن هناك فساد لكن كانت هذه هي طريقة العمل في مصر فبالتالي لابد من تفهم ذلك. "اذا كانت هناك قضايا في المحاكم بالتأكيد لا نستطيع ان نتدخل في عمل القضاء .. لكن اذا لم تكن هناك مشكلة امام القضاء واذا كان يمكن حلها فنحن نعمل على ذلك جاهدين." ويتهم كثير من المصريين حكومة مبارك بإبرام صفقات أفادت الصفوة الغنية وكبار المسؤولين على حساب بقية افراد الشعب.

وأوضح رئيس الوزراء أن تسوية مشاكل المستثمرين في مصر سيبعث "برسالة طيبة جدا ليس فقط لصاحب العمل لكن ايضا لزملائه في نفس الدولة أو في الدول الاخرى أن هذه الحكومة جادة في حل مشاكل المستثمرين وجادة في تشجيع الاستثمار." وذكر قنديل أن مصر تستقبل حاليا كثيرا من المستثمرين الذي يسعون لبحث فرص الاستثمار في البلاد.

وقال "نطرق ابوابا كثيرة واخرون يطرقون ابوابنا ايضا. ففي أول يوم عمل بعد أن توليت مهام منصبي جاء وفد ليبي وفي نفس الاسبوع جاء القطريون ثم الكويتيون والامريكيون وصندوق النقد بعد ذلك." ومضى قائلا "كثيرون طرقوا أبوابنا اولا للتعرف على احوالنا والخطوط العامة لعمل نظامنا السياسي والاقتصادي وكثيرون منهم يعودون مرة اخرى... للتحدث عن العمل."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/أيلول/2012 - 8/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م