السيدات والسادة المحترمون بمجلس حقوق الإنسان في جنيف السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته..
تقبلوا مني خالص التحية الإنسانية ومن كل السجناء المظلومين في
العالم ومن معي في سجن جو المركزي بمملكة البحرين الغالية. وأما بعد
فإني أهنئكم باليوم العالمي للديموقراطية متمنياً لكم ولكل التوّاقين
إلى الحرية أن ينجحوا في حركتهم السلمية إلى مستقبل أجمل، تنتعش فيه
مبادئ حقوق الإنسان وقد سبقنا وسبقكم في الدعوة إليها أنبياء الله،
وخاصة أنبياء الديانات الثلاثة الأواخر النبي موسى والنبي عيسى ورسول
الإسلام محمد (ص) الذي نعتبر الإساءة إليه وإلى غيره من الأنبياء إساءة
إلى حقوق الإنسان وليست من موارد حرية التعبير عن الرأي، لأنها تجلب
الكراهية والعنف وإزدراء الحضارات وتصادم الشعوب، وهذا ما تسعى حقوق
الإنسان لمعالجته، والإساءة لمقدسات الأمم تهدم جهود العاملين
للديمقراطية وحقوق الإنسان. إنني أشدّ على أياديكم المتعاونة للإصلاح
العالمي والسلام الشمولي وأقول..أما عن قضيتي:
فرغم العقوبة التي ستوجه لي على إخراج هذه الرسالة الممنوعة فإني
مضطر إلى الدفاع عن نفسي وحقي أمام حكومة إعتادت الكذب والمراوغة
للتغطية على فسادها القديم المستمر دون حياء. ولن اسطر هنا آلام
ومعاناة غيري لأختصر في الساحة الصغيرة للورقة ولأني أفضل الحالات
ومنها إعرفوا أن الأسوء الذي يجري من إنتهاكات في السجون وإن قلّت عما
بدأت قبل لجنة بسيوني ودخول الصليب الأحمر، ولكن تبقى المعاملة السيئة
بين مدّ وجزر حسب وتيرة الأحداث في الشارع والمزاج الحكومي.
أيها الكرام : في رسالتي إلى البروفيسور بسيوني عرّفت نفسي وقد تمت
ترجمتها لمجلسكم هذا اللغة الإنجيليزية، وهنا اشير إلى أني في الأساس
شخصية فكرية ثقافية ويأتي إهتمامي بالمعارضة السياسية كوني ضد الظلم
والكذب، ولم أنطلق في مواقفي من أي إنتماء جزئي، وسيرتي الذاتية معروفة
على مستوى البحرين ودول المنطقة والمهاجرين في أوروبا حيث عشت مع
الكثير منهم وكنت على تواصل معهم يقرأون لي ما يقرب من مائة كتاب ألفته
في الدين والسلام والأخلاق والديموقراطية والتسامح والحوار والتربية
واللاعنف والتنمية البشرية. ولعلمكم أني حائز على الوسام الوطني
للكفاءة من الدرجة الأولى من ملك البحرين على كثرة مؤلفاتي بحرينياً،
وكان قد عينني عضواً في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بعد رجوعي إلى
البحرين من منفاي الذي طال (21 عاماً) وقضيت (5) أعوام منها في
الدنمارك لاجئاً سياسياً (من 1988 – 1939) وتلقيت في كوبنهاجن علاجاً
من آثار التعذيب الذي تعرضت إليه سنة (1980) في البحرين بقسوة أشرفتُ
على الموت مرتين، وقد عالجتني هناك مؤسسة (آر سي تي) لضحايا التعذيب.
وفي لقائي مع ملك البحرين سنة (2001) قلتُ له أني لازلت أعاني من
آثار التعذيب في ظهري وقدمي بالذات فأرجوا في عهدك أن لا نرجع إلى عهد
الثمانينات ولا أحداث التسعينات، فواعدني إطمئن إننا لن نعود، لذلك
قبلتُ الدخول في المشروع الإصلاحي لأكون ناصحاً بالقرب من مواقع القرار
ولما لم أجد تأثيراً لنصائحي وبعد أن بينت للملك وكل من جلستُ معه من
كبار المسئولين منذ (2001) قدمت إستقالتي (3/ 2009) عائداً إلى عملي
الفكري والإجتماعي والنقد السياسي العام، حتى إندلعت أحداث
(فبراير/2011) وكنت فيها إلى جانب كثير من الشخصيات الدينية والوطنية
أرسلُ توجيهاتي لمن يقرأ رسائلي النصية داعياً إلى الإحتفاظ بالسلمية
وإلتزام المبادئ الأخلاقية في الإحتجاجات السياسية، وهذه الرسائل
موجودة في أرشيف مكتبي كما هي موجودة بيد جهاز الأمن الوطني حسب
إدعائهم عند التحقيق معي.
ومضافاً إلى تلك الرسائل كان لي بيان أصدرته للخروج من الأزمة قبل
تعقيدها بسفك الدماء، وذلك في (3/2011) حيث إقترحت حلاً سلمياً عبر
إجراء إستفتاء شعبي على ما تريده الأكثرية التي ستشارك في التصويت تحت
إشراف الأمم المتحدة وحضور ممثلي المعارضة والحكومة، وللبحرين سابقة
فشل هذا الإستفتاء في سنة (1971). كما وكانت لي مشاركة في مسيرة شعبية
وأخرى خاصة بعلماء الدين وحضرها الآلاف بما فيهم كبار السن على الكراسي
المتحركة والمسيرات الشعبية لا تحتاج إلى رخصة وموافقة من حكومة هي طرف
في القضية.
هذا كله يدخل تحت عنوان (حرية التعبير والرأي).. وقد أكدها لي
المحامي فريد غازي الذي يرافع ويدافع عني في المحاكم، حيث زارني قبل
شهرين وأراني مذكرته الدفاعية في ملفي وقال أنت مشمول بقانون حرية
التعبير وليس للحكومة أي أدلة ضدك قانونياً، ولذا أنت بقائك في السجن
غير قانوني، ولا أرى لتجاهل القضاء حقك في الخروج من السجن إلا رغبة
سياسية ليست بيدي، هذا مع العلم أن المحامي فريد محسوب على الطرف
الحكومي ومعين بمرسوم الملك عضواً في لجنة تنفيذ توصيات بسيوني برئاسة
علي الصالح رئيس مجلس الشورى.
أزيدكم علماً لتستيقنوا حقيقة القضاء والأيادي الخفية من ورائه، لما
حكى لي المحامي ذلك، تذكرت ما كنت ناسيه اني صباح اليوم الذي إعتقلت
فيه قبل الفجر وأنا نائم في بيت والد زوجتي بتاريخ (9/ 4/ 2011)
أدخلوني مصمد العينين في غرفة فدخل شخص تفوح منه رائحة العطر العربي
الفاخر وصفعني بشدة على خدي الأيسر وقال مرافقه إجلس وإعترف، ثم لما لم
يجد مني كلاماً يطلبه شتمني بألفاظ سوقية وأخرجني إلى الممر واقفاً
ساعة اسمع أنين المضروبين وسياط المعذبين وصراخ المتألمين، ثم جاءني
يهمس في أذني هل تتعاون معنا؟ قل نعم ليوافق الشيخ على رجوعك إلى
المنزل، قلت أي شيخ؟ قال ليس عندنا شيوخ غير آل خليفة، فقبل أن يذهب قل
لي أنك تتعاون، وإلا ستعذب وندخلك في دهاليز المحاكم حتى تتعب، فقلتُ
له : ليس عندي ما أتعاون عليه.
ذهبَ ورجعَ بعد قائق وقال هل فكرت قبل أن تندم؟ قلتُ له : أتعاون
على الإثم والعدوان!!. وهكذا أدخلوني إلى التعذيب الجسدي والنفسي والحط
من كرامتي من إستهزاء بديني ومذهبي ولمدة ثلاثة اشهر متواصلة وإسبوعين
فوقها، وإلى هذا اليوم (15/9/2012) يجعجعون بي إلى جلسات المحاكم
الصورية ومسرحيات التأجيل بعد التأجيل، وصحتي في تدهور مستمر من ظروف
السجن ومشاكلي الصحية قبل الإعتقال وسوء المعاملة وسوء التغذية بعد
الإعتقال.
حينا أضم هذه القصة بما توصل إليه المحامي فريد غازي أكتشف أني ضحية
المزاج السياسي الذي يدير القضاء البحريني بريموت كنترول ولي أن أتساءل
: إن إعتراف الحكومة بأخطائها جزئياً كما في الصحافة وتصريحات مسئوليها
بأنهم عالجوا كثير من الأخطاء وأنهم مستمرون في الإصلاح الديمقراطي
والعمل بحقوق الإنسان، أليس هذا يعني أن إعتقالي وإعتقال أمثالي في
بداية الأحداث جاء في زمن الأخطاء.. إذن لماذا نحن في السجن الآن أليس
الإستمرار في إحتجازنا إستمرار للإنتهاكات وعلماً أن الذي يعرفه شعبنا
عن المسئولين الحكوميين هو الوعود الفارغة والكلام المعسول من غير فعل
مأمول...
ولا أستغرب حينما أقرأ في الصحافة الرسمية تصريحات المسئولين حول
تحسن أوضاع السجون والعمل الجاد لحقوق الإنسان ولا أستغرب لأن الكذب
جزء من الفساد الإداري في الحكومة، وهو شرط لمواصلة السرقات بمئات
المليارات من المال العام عبر فنون الكذب الإعلامي لتضليل البسطاء من
الناس ولينسوا ما يحاك عليهم خلف الكواليس...
وهكذا فليس ما يقدّمه الوفد الرسمي إلى مجلسكم الموقر إلا فصل من
الكذب دفاعاً عن إنتهاكاتهم السابقة والجارية لحقوق هذا الشعب الذي ملّ
من مراوغة الحكومة ومحاولة الإلتفاف على مطاليبه العادلة، وكفى لهذه
الحكومة ما إضطرت إلى الإعتراف به من مجاوزات وإخفاقات في الملفات
الإسكانية والإقتصادية والخدماتية والصحية والعمرانية، كفاها ما نقرؤه
في صحافتها الرسمية من تناقضات في الصفحة الواحدة، كفاها ما ورد في
تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية على مدى ثمان سنوات، فلا يحاسب
أحد من الحكوميين فضلاً عن محاكمته.. كفاها فلتترك موقعها لرجال جدد
وكفاءات لم تتلوّث أيديهم بالسرقات التي لو كانت واحدة منها في الدول
الديمقراطية لسقطت الحكومة برمتها. ولكن هنا في البحرين هذه الحكومة
تنقل من فسادها المالي والإداري إلى إنتهاكات ساحقة لحقوق الإنسان ضد
من يحتج على الفساد الأول ويطالب بإصلاحات حقيقية، نحن ضحايا التعذيب
نموت ببطء كما يموت شعبنا وأهلنا خارج السجن على حساب أن لا يحاسب
المتنفذون الحكوميون على فسادهم وإنتهاكاتهم. وهؤلاء يتكلمون عن دولة
القانون، وامصيبتاه!!
بالله عليكم يا أصحاب الضمائر الإنسانية أين هذا القانون ليحاسبهم
عما إعترفوا به من جرائم مالية وفساد إداري متجذر في المؤسسات
الحكومية؟ وهم يعترفون في الصحافة بعجز البرلمان من إلزام الحكومة
بقانون.. والقضايا كثيرة..
أين هذا القانون ليحاكم الذين حولوا الإحتجاجات السلمية إلى كارثة
دموية وإختلقوا لها عبر إعلامهم قصصاً طائفية؟ أين هذا القانون ممن
ذكرهم تقرير بسيوني بأنهم إستخدموا القوة المفرطة وإلى آخر الإنتهاكات
والجرائم، والتي منها مداهمة بيوتنا لإعتقال الناشطين، فما من بيت إلا
ويخرجوا منه بغنائم من حلي نسائنا وذهب أطفالنا وسرقة كافة الأشياء
الثمينة والنقود وتكسير كل شيء بما فيه محتويات المطبخ من الثلاجة
والأجهزة والكؤوس والأواني وهذا ما فعلوه في منزلي وصادروا حتى صوري
الشخصية والعائلية وملفاتي ومخطوطاتي وما يعادل (عشرين) ألف دولار من
أمانات الناس عندي لتوزيعها على الفقراء والأيتام وطباعة كتب تربوية
وتوزيعها مجاناً بين الناس، فهل يتكلم القانون هنا أم يخرس ليتكلم فقط
ضد المحتجين على سلوكهم؟
يتهمون المعارضة بالطائفية! والمعارضة قدمت علناً مطاليبها ذات
النفع الوطني العام، وماذا عن الطائفية الرسمية في توزيع أكثر المناصب
أهمها لطرف واحد تجدون صورهم لكل مشروع حكومي في صحافتهم وتجد هذه
الطائفية في كتب المناهج المدرسية التي يدّرسون فيها بالإجبار أولادنا
أفكارهم الخاصة مذهبياً وبلونها المتطرف، ولما كنتُ عضواً في المجلس
الأعلى شكلت لجنة رباعية وبحضور مندوب من وزارة التربية والتعليم لحذف
ما يضر بالوحدة الوطنية في هذه الكتب المدرسية، وبعد إنتهاءنا من
المهمة الشاقة لنا دخل الطائفيون من الفكر الوهابي وحركوا خيوطهم لقطع
الطريق علينا، فالطائفية في الطرف الحاكم أشد وأقدم لنا وعليها الأدلة
والشواهد الكثيرة التي ليست هنا مساحتها. وعن الطائفية السياسية حدّث
ولا حَرَج وهذا وفد النخب الشعبية للمعارضة الوطنية الشريفة قد حمل إلى
مجلسكم الكريم بعضاً من ذلك والعجيب أن ما شاهدناه على أرض الواقع
الرسمي من الطائفية البغيضة هو ما قرأناه في تقرير البندر، بمعنى أن
الواقع جاء تنفيذاً للمخطط الذي ندعوكم لقراءته في ما نشره بندر الخبير
الإستشاري لحكومة البحرين.
وأما كلامهم عن عنف المعارضة فهو مردود لعدة أسباب، أهمها البحث عن
البادئ في العنف وبرصاص حكومي راح ضحيته أكثر من مائة شهيد ومئات آلاف
الجرحى وذوي العاهات.
ثم هل ما يفعله بعض الشباب دفاعاً عن أنفسهم وعن بيوتهم ومناطقم في
ظل غياب المبادرة الحكومية لقبول مطاليبهم المشروعة يعد عنفاً في عُرف
الثورات الشعبية والقانون الدولي؟
ثم لماذا يُدان هذا العنف ويعتقل عليه الفرد ويتم تلبيسه تهماً أكبر
لم تطرأ بباله، ثم لا يُدان عنف البلطجية الموالين للحكومة وصورهم
منشورة حول العنف وكسر السيارات والمحلات التجارية.
نحن ضد العنف وتاريخنا يشهد ومؤلفاتنا مطبوعة ومحاضراتنا تنطق
بشفافية كاملة، ولكن أين العدالة في قراءة ملف العنف وأين الإنصاف
والحيادية؟ هذه هي الحلقة المفقودة لدى حكومة ترى نفسها دائماً على
الصواب والمعارضين لها عملاء للخارج!
وهل يعقل هذا الزخم الشعبي الكبير من النساء والرجال والأطفال الذين
يخرجون إلى المسيرات منذ قرابة سنة وثمانية أشهر يكونوا عملاء لدول
أجنبية، ولا تنسوا مسيرة واحدة قدّرها مراسل (سي إن إن) ستمائة ألف
متظاهر، فإتهام هذه الإرادة الشعبية الواسعة بالأجندة الخارجية إستهتار
بالشعب وهذا من أسباب تصلّب شبابه الرافض لهذه الإهانة الرسمية
المتكررة.. وتسمي الحكومة هذا التصلّب الطبيعي عنفاً ولا تحسب قمعها
العشوائي عنفاً بدرجة الإرهاب الحكومي.
أيها السادة الأعزاء.. سيداتي العزيزات..
أشكركم في السطر الأخير وثقتي كبيرة بضمائركم أنها ستعينكم في
مصداقيتكم، فالمرجو أن تنتصروا لحقوق المظلومين والضعفاء والسجناء في
بلادنا لتعود الحقوق الإنسانية إلى أصحابها ويعيش الجميع في بحرين
الأمن والأخوة.. بحرين العزة والإزدهار والمحبة...
شكراً للمرة الأخيرة ودمتم سالمين بسلامة القيم الإنسانية.
* 16/سبتمبر/2012م |