العراق.. إمبراطورية الخوف

ناجي لطيف العسكري

أحيانا يصل بالإنسان أن يتكلم مع اللاوعي في داخله ويحرك أشياء لا تتحرك ويعطي روحاً لمن لا روح له فيفضفض ما في داخله من هواجس وخوف ورعب من مستقبل بني للمجهول في عصر لا شيء فيه حقيقي، لم يكن العراق وهماً ولكن الكلام معه قد يزيد أوجاعه، ليس لنا سوى الحديث معه بعد أن أغلق الجميع أبواب أذانهم وأصبحنا نصرخ في صحراء قاحلة لا صدى يرد لنا ولا مجيب.. فلم اجد ادفى من حضن العراق ارتمي فيه واعتصر دموع الحزن واتحدث معه كي اواسيه في محنته..

 حينما يكتب الكاتب كلاماً صادق، فاعلم أن السطور تكتب بقطرات من دمه، وأيام من عمرة، ويرتفع برأيه إلى عقيدة راسخة، وتفعل العقيدة عملها في نفوس قرائها، فيؤمن بالرأي وصاحبه، ويعيش الكاتب بهؤلاء ويعيش لهم ومعهم، لم نكن يوماً واعظي سلاطين، فقد تربينا في مدرسة أهل البيت، وارتفع دورنا إلى الالتزام والمسؤولية، هذا ما يجعلنا خالدين رغم موتنا، نتجاوز عمرنا الافتراضي، نحيك خيوط قد تنسجها يوما الأمة، وامتنا خالدة خلود الأرض، ومن عليها، لا تهديد يخضعنا، ونحن لا نلين.. ولا نستكين، ولا يتزحزح عن موقفنا، وانّا سقنا في الأصفاد يوماً، فقد حررننا ومات سجاننا.. جعل أثقلنا الحديد وما زدنا الا إصرارا على الشموخ. سجنونا.. أعدمونا.. عذبونا.. صلبونا، ولكننا بقينا نرفع هامت عزنا نحو السماء فانحنى تحت قدمينا العالم يمجدنا فهو لا ينكر ما قدمنه له، ونحن من علمه، ونحن إلى مراتب الشرف قادة، نحن شعب لا نموت اذا جعنا ولكن نقتل اذا ما سلبت كرامتنا..

اذا قال الشعب يذعن الطغاة، فالشعب أقوى من الظلم، وان طال ذلك، ولكن يفرض ارادته، فلا خفافيش الحكم تحمي سيدها، فلابد لليل أن ينجلي، ولابد أن يزول الشر، ويبقى سحرك يا بلدي. لا تخف يا بلدي ليس الرجال وحدهم الذين يفدوك، ولكن النساء مع الرجل يقدمون أنفسهم دونك، فأنت عزهم وشرفهم، كم أخاف عليك يا بلدي من غربان تأكل جسدك، تدعي أنها طيور سلام في يوم من أيامك الترابية وتصدقهم.. ولكن لابد أن تزول الغمامة عن وجهك وترى من أحبك ومن أبغضك.. لا تغفر يا بلدي إلى من باع نهرك، وأغلق موانئك، وتعاقد كذباً لخدمتك، ولا تغفر إلى من قتل ولدك وهجر أطفالك، وسبا نساءك، لا تغفر الى يزيد عصرك فأنت الحسين، قتلت بحد السيف، تبقى ويموت يزيدا..

بالأمس بكيت دماً ازرقاً على كتبك التي رميت في دجلة، واليوم يرمون أبناءك في دجلة. يدفعهم الحقد الأسود وهم يرون سيدهم مريض، لابد لهم أن يستغلوا مرضك ويقتلون أبناءك، وتمثل بأجسادهم.. سيدي.. قد قتلوا بالأمس ابنتك العروس، وهي تلبس فستانها الأبيض، الذي طالما حلمت فيه منذ نعومه أظافرها، وقتلوا حلمها أن ترى دميتها التي تحتضنها قبل أن تنام يكون لها ولداً ترضعه ولكنهم قلعوا صدرها لكي لا تحلم من جديد..

في كل يوم يخرجون من خيرك الكثير ويبذرونه على بطونهم المنتفخة وأبناءك يموتون كل يوم من الجوع، يدمرون بيوت أولادك الطينية ليبنوا لهم قصور يتمنون أن تكون سرمدية سيدي فيك العدل أصبح كلام ينطقه حتى اللصوص ولا يتهرب منه رجال الدين، سيدي ترتشف كل يوم دماء الخلود من أجساد أبناءك وهم يقدمون القرابين صغار كبار نساء رجال الم تكتفي فقد شابت رؤوس أطفالنا وأسقطت النساء حملها، سيدي أصبح الكذب على كل لسان قسيس، السياسي يقول أن السياسية هي (فن خدع الناس) يتباهون بكذبهم، فالأمس البعيد قالوا أن نورك يا عراق لن ينطفئ واليوم أنا كتب لك على ضوء فانوس، اعرف انك سوف تقول لي مستغرباً ( أليس الفانوس شيء يضاء به قبل التاريخ ) نعم هو ذاك، نحن نعيش في قرن الواحد والعشرين ولكننا فيك نعيش قبل التاريخ بيوتنا من الطين ونأكل كل ما يقدم لنا لا نعرف ما هو ولكن الجوع يدفعنا إلى الأكل، كل يوم يموت أولادك من الطعام فهو أن وجد فهو فاسد..

ماذا أقول لك فقد أدميت قلبك الرحيم أكلمك عن أولادك الذين رموا يوسف في البئر أكلمك عن أولادك الذي باعوا ترابك، أكلمك على إخوانك الذين يخنقونك كل يوم، أكلمك على أخيك السعودية يقتلنا كل يوم ويحلل دماءنا وكأنك أنجبتنا من بغي لا نعرف لحلة دمنا سوى أني ابنك، أكلمك عن أخيك الكويت فهو يقطع الهواء عنك وأنت مصلوب يتمنى موتك يحلم بإرثك ومكانتك، أكلمك عن أخيك تركيا فهو ابن سعد في عاشوراء يقطع الماء عن عيالك..

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/أيلول/2012 - 5/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م