فضح التكفير الدموي وطرح الاسلام الحقيقي هو الرد

نجاح العطيه

هل قمنا بواجبنا كمسلمين تجاه اسلامنا الاصيل وتجاه رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء ذكر عظمته في القرآن الكريم (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين)؟

وبما يفرضه علينا انتماؤنا لهذا الدين العظيم وضمير الفطرة الانسانية بالدفاع عن قيم النبل والحق والعدل والخير ومكارم الاخلاق التي يجسدها الاسلام المحمدي الاصيل كأرقى منهج حضاري لسعادة بني البشر كافة وما تجسده شخصية الرسول الاعظم كأعلى قيمة اخلاقية وانسانية على الارض (وانك لعلى خلق عظيم).

والتصدي بشكل فاعل وحقيقي للجهات التي تسعى بشكل بائس ومستمر لتشويه صورة الاسلام في نظر الشعوب غير المسلمة في عالمنا الانساني اليوم من خلال اعتمادها على تسويق الاسلام وفق المدعيات والاطروحات التكفيرية السلفية التحجرية الاعرابية البدعوية التي تجعل الاسلام دينا دمويا يدعو اتباعه الى التكفير وسفك دماء الابرياء واشاعة الذعر والفوضى بين ابناء الدين الواحد انفسهم اذا اختلفوا في الراي الواحد اقول هل قمنا بواجبنا هذا؟

وهل تمثل التظاهرات الاحتجاجية والغضب الذي اعترى العالم العربي والإسلامي وماشاهدناه في مظاهرات وحرائق في السفارات واحيانا تخلل هذه الاستنكارات قتل محرم ودماء سفكت هنا وهناك هل تمثل الحل الشافي الكافي للرد على تشويه الإسلام؟

ام ان الغضب والاحتجاج (وان كانا يمثلان افرازا عاطفيا طبيعيا) فانهما يشكلان رد فعل ظرفي مؤقت ضمن حدود دائرة ردود الافعال التي ننطلق منها لمواجهة معظم ما يواجهنا من مخاطر وتحديات فكرية ومحاولات تجديفية خرقاء بائسة يسوقها الصهاينة واعداء الاسلام تحاول ان تمس وتشوه اسلامنا وعقيدتنا ورموزنا الاسلامية وعلى راسها رسول الرحمة والانسانية النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ان المواجهة العملية الناجعة يفترض ان تكون وفق سياقات المبادرة والجهد الاعلامي الجمعي المبرمج والخطط الاعلامية الموضوعية لمخاطبة العقل الانساني في مختلف بقاع الارض لنشر الرسالة الاسلامية وتوضيح اهدافها لخدمة البشرية جمعاء لان المواجهة هي حراك وتحديات ثقافية مع الاخر قبل ان تكون ردود افعال ظرفية تنحسر بعد حين وينسى الامر بعدها وكان شيئا لم يكن، حيث لابد من التركيز على العقل الغربي وتغيير الصورة النمطية لديه عن الإسلام والمسلمين عبر أدوات الفعل الثقافي لإفشال رسائل 'الإسلامفوبيا' التي يبثها صانعو مثل تلك الأفلام والرسوم بمخيلتهم المريضة بتحريك ودفع من المنظمة الصهيونية العالمية ومن يمثلها من رموز الحكم في العالم الغربي الرأسمالي.

العالم الإسلامي يريد أن تعتذر هذه الدول رسميا عن الإساءة إلى الإسلام ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكننا ننسى أن الغرب الرأسمالي متربص بالإسلام ويعتبره العدو الحقيقي ضمن اساسيات مناهجه ومنطلقاته الفكرية واليات برامجه، وبعد سقوط الشيوعية في العالم كان لابد من تسريع الجهود والحث والدفع المستميت باتجاه تشويه الاسلام الاصيل باعتباره العدو الاول في اولويات الاهتمامات الغربية لاسيما بعد قيام الثورة الاسلامية الشعبية في ايران وسقوط الشاه وما تلا ذلك من احداث جسام خلال الثلاثة عقود المنصرمة..

ولكن يبقى للقضية وجهها الاخر فلماذا نغطي عامدين او غير عامدين على هذا الوجه ولا نكون صرحاء مع أنفسنا وقبل أن نرى القشة التي في عيون الآخرين علينا ان نرى الخشبة التي في عيوننا؟

نعم كما قلنا حقيقة أن الغرب والصهيونية العالمية يتربصون بالعرب والمسلمين، ولكن الجزء الآخر من الحقيقة ويشكل العنصر الذاتي للقضية الاسلامية عندنا كمسلمين هو أن هناك تقصيرا كبيرا منا ولسنا معذورين فيه، وأن هناك لبسا وتشويها كبيرين لدى الشعوب الغربية عن حقيقة الإسلام ونحن السبب في هذا الامر، وأن عمليات الإرهاب التي تلصق بالإسلام في أوروبا وأميركا وغيرها تقدم صورا مرعبة ومزعجة جدا عن الإسلام، وتشوش لدى المتلقي الغربي الرؤية لهذا الدين السمح، وهذا ما يجب تغييره من خلال اصلاح ذات البين وتنقية الاسلام من البدع والضلالات التي اقحمت فيه ومن ثم الحراك نحو الفعل الثقافي قبل ان نوجه سهام اللوم على اعداء الاسلام الواضحين.

فحوى الرسالة الخطيرة التي غالبا ما تصل إلى الفرد الغربي وبقية شعوب العالم والتي هي من صنع مدارس التكفير السلفية البدعوية المتحجرة التي تشكل الضد المشوه للاسلام المحمدي الاصيل والتي هي انتاج مشترك لمختبرات الصهيونية العالمية مع الفقه الوهابي التكفيري البائس هي أن الإسلام دين عنيف وانتشاره قائم على السيف وقطع الرؤوس وأن الجلد وقطع الأطراف هي عقوبات صارمة جدا تقام بمجرد الشبهات وليس اليقين، وأن الإسلام يكفر المسلم فيه اخاه المسلم ويقتله ويشوه ويمثل بجثته ويكفر الأديان الأخرى حتى ان صور قطع الرؤوس والقتل التكفيري الدموي الهمجي البشع في العراق جرى عرضها بالمجان في ارصفة وشوارع اوربا كي يعزف الشباب الاوربي عن الدخول في هذا الدين بعد ان قرأوا عنه انه دين الانسانية والرحمة والفضيلة والتسامح، وأغلب الأجانب لا يعرفون عن الإسلام سوى أنه يسمح للرجل بالزواج من أربع نساء في وقت واحد ويقصر ثيابه ويطلق لحيته.. تلك هي الصورة الذهنية التي ترسخت لدى الآخر عن شخصية بعض المسلمين أنهم 'إرهابيون' من خلال عملية تفجير برجي مبنى التجارة العالمي المفبرك في أميركا أو أحراق المترو في بريطانيا أو إسبانيا او ماجرى في العراق من قبل تنظيم القاعدة الذي جعلته الولايات المتحدة يرتكب اقذر انواع القتل وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث بحق العراقيين الابرياء وهو مايحدث حاليا في سوريا وفق سياقات نظرية الفوضى الخلاقة التي اشار اليها الرئيس الامريكي جورج بوش في تبريراته عن السماح بجلب افراد القاعدة الارهابيين لممارسة ابشع انواع الارهاب بحق العراقيين الابرياء .

وحق لنا ان نتساءل بعد كل هذه العقود الطويلة ما الذي فعلته الأموال العربية لاسيما اموال دول النفط الخليجية في الفضاء الإعلامي والثقافي العالمي، هذه 'الميديا' الجبارة التي تتيح لنا أن نقدم أنفسنا للعالم، وأن نقدم قيم الإسلام الكريمة العادلة، وعظمة رموزنا الدينية. لو راجعت القنوات الفضائية التي أنشئت في السنوات العشر الأخيرة على كثرتها فسوف تجد أنها أظهرت صورة الضد النوعي المشوه للإسلام وهو 'الإسلام التكفيري الدموي الظلامي المتشدد'.

وكم صرف النظام السعودي وبقية انظمة الخليج من مليارات الدولارات الفلكية الخيالية على مدى العقود الثلاثة المنصرمة على نشر الفكر السلفي التكفيري حتى في الجامعات الغربية والشرقية والاسلامية بين طلبة الجامعات المسلمين من اجل ابراز الوجه المشوه غير الحقيقي للاسلام الاصيل وطرح البديل الاسلامي الوهابي التكفيري النوعي المسخ لدين الرحمة والانسانية.

نتذكر ان المخرج السوري المرحوم مصطفى العقاد اخرج فيلم 'الرسالة' قبل 32 عاما وقدم خدمة كبيرة للدين الإسلامي في الغرب، والغريب أن مصطفى العقاد استشهد على إثر عملية تكفيرية انتحارية قام بها الارهابيون الوهابيون التكفيريون فى الأردن فى فندق يحمل اسم القدس.

على الجانب الآخر وفي مفارقة تستحق التوقف والتأمل وتثير اكثر من علامة تعجب وسؤال نكتشف أن مصر حسني مبارك لم تسمح بعرض فيلم الرسالة على شاشة التلفزيون إلا منذ أربعة أعوام فقط.. بسبب ظهور شخصية 'حمزة بن عبد المطلب' عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) التي اعترض الأزهر الشريف وبضغط من النظام على تجسيدها. لا شك أن هذا الفيلم قدم بشكل او باخر وجها صحيحا وحقيقيا للإسلام.

أن الإسلام دين الرحمة والعطاء والعدل الاجتماعي وهو دين لا يرفع فيه سلاح إلا في مواجهة سلاح، وهو دين يعترف بالديانات الأخرى وبحقها في إقامة العبادات في كنائسهم ومعابدهم وهذا ما شهده تاريخ الاسلام منذ بزوغه وحتى اليوم في البقاع الجغرافية التي انتشر فيها.

ولكننا بدلا من أن نسعى لتقديم صورة صحيحة للإسلام المحمدي الاصيل نطالب فقط ومن ضمن ما نطالب به من اجراءات ظرفية بمقاطعة كل ما هو أميركي وسويدي ودانماركي. لقد سمعنا أحد النقاد وهو يطالب بمنع الأفلام الأجنبية من المشاركة في مهرجانات السينما العربية، معتقدا أن هذا هو طريق المقاومة مثلما حدث مع الكاتب النرويجي الشهير'هنريك أبسن' عندما طالب بعض المثقفين أثناء حملة الغضب ضد النرويج بعدم الاحتفاء بمئويته في مصر والعالم الإسلامي لأنه نرويجي الجنسية وهكذا ندور في دائرة مفرغة.. الإسلام ورسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) يهاجمان ولا نعرف كيف نحمي ديننا ورسولنا الكريم.

وانتم ترون انه مازالت صورة المسلم والعربي وبشكل متلاحق تزداد من حولنا تشويها وتحريفا لاسيما وان بعض من يدعي الاسلام وهم السلفيون الوهابيون التكفيريون ومن خلال تطبيق فتاوى علماء التكفير السلفيين المتحجرين في السعودية ما انفكوا يمارسون ابشع انواع الجريمة والقتل وتكفير المسلمين وتمزيقهم وقطع رؤوسهم باقذر واشنع الصور.

غضب المسلمين في الدول العربية والعالم الإسلامي رد فعل طبيعي، ولكننا لا نزال نبدد طاقتنا فلن تصدر تشريعات تمنع فيها الدول الأوروبية مثل هذه الأفلام، ولو تصورنا جدلا أنها منعت من دور العرض فسوف تجدها على النت متاحة للجميع.

البديل الواقعي لدينا وهو من ضمن البرامج العديدة للدفاع عن الاسلام الاصيل هو أن نسارع باقتحام 'الميديا' العالمية والعمل على تقديم أعمال فنية ومنجزات ثقافية قادرة على تخطي حواجز اللغة واختلاف الثقافات ليراها العالم ويعرف حقيقة الإسلام.

هذا اذا اردنا بشكل واقعي فعلي ان نقيم حائط الصد الحقيقي للدفاع عن الإسلام وللتصدي للرسوم والأفلام المسيئة للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وللاسلام.

أما المظاهرات الاحتجاجية السلمية فهي قد تفرغ شحنة الغضب بشكل عاطفي مؤقت ولكنها أبدا لا تحسم المعركة التي نراها ثقافية بالدرجة الأولى ناهيك عن ان اسلوب إشعال الحرائق وقتل الآخرين الابرياء فهو محرم في الاسلام ولايعكس اخلاقنا الاسلامية او سلوكياتنا التي اوصانا بها القران الكريم ورسولنا الاكرم صلى الله عليه واله وسلم.

وعلينا أن نقتحم الفضاء الإعلامي والثقافي العالمي بكل قوة ضمن مشروع فكري علمي منهجي طويل المدى وجهود جمعية تنسيقية بين المرجعيات الدينية والفكرية في عالمنا الاسلامي الذي يفتقر في يومنا الحاضر وللاسف لعنصر توحيد الكلمة وكلمة الوحدة لإظهار وجهنا الحضاري والثقافي المشرق وعظمة ديننا وخلق نبينا الكريم سيد الكائنات (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي روي عنه انه قال ( انما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق) وللحديث بقية.

* كاتب وباحث عراقي

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/أيلول/2012 - 3/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م