منطقة اليورو... انتكاسة تحرج اوروبا

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: كان من المفترض أن يكون اليورو أحد أكثر العملات استقرارا في أنحاء العالم لكن حدث العكس فأصبح أكثرها اضطرابا، بسبب تواصل مسلسل الأزمات وتزاحم المشكلات في طريق تقدم العملة الأوروبية الموحدة، مما يعني أن اقتصاد منطقة اليورو يتجه نحو حالة كساد جديدة، في الوقت الذي تتصاعد فيه أزمة الديون والبطالة، لتدفع عدة اقتصاديات أوربية إلى حافة الانهيار، كما هو الحال مع اسبانيا وايطاليا والبرتغال وفنلندا وايرلندا، ناهيك تضرر كل من ألمانيا وفرنسا اكبر اقتصاديين في أوربا، فبات اليوم الخوف من انهيار اليورو الهاجس الأكبر بين جميع الدولة الأوربية، ففي ظل مناورات الدول الكبرى اقتصاديا وانعدام الرؤية الاقتصادية الناجعة، بسبب التردد والمخاوف، فضلا عن انتظر كل طرف من الآخر اتخاذ الخطوة الأولى والقرار الحاسم لحل هذه الأزمة، أصبحت رحلة اليورو للبحث عن ملاذ امن واستقرار مستدام مليئة بالعقبات، كما يخيم عليها الغموض في المستقبل، وبالتالي فأن الاقتصاد العالمي برمته في عام 2012، سيعاني من تقلبات متواصلة وستعاني الأسواق المالية من تذبذبات حادة قبل أن تستقر إذا ما تمكنت بلدان العالم ومؤسساته المالية من التعامل بمرونة للتغلب على العديد من الأزمات، وبالأخص أزمة منطقة اليورو.

طريق مليء بالعقبات

فقد أزالت أوروبا مزيدا من العقبات على طريق احتواء أزمة الديون السيادية وتحقيق الاستقرار بمنطقة اليورو بعدما وافقت المحكمة الدستورية الألمانية على صندوق إنقاذ دائم وصوت الهولنديون لصالح أحزاب مؤيدة للوحدة الأوروبية، وبالإضافة إلى قرار البنك المركزي الأوروبي شراء السندات قصيرة الأجل للدول التي تطلب مساعدة وتلتزم بشروطها الصارمة ومقترحات أوروبية بتوحيد الرقابة على القطاع المصرفي بمنطقة اليورو فإن الحكم الصادر يمهد الطريق لجهد منسق لوضع حد للأزمة، لكن لا تزال هناك مخاطر على الطريق نحو اصلاح هيكل اليورو المليء بالثغرات ومازالت أوروبا لم تتوصل بعد لاستراتيجية لإنعاش النمو الاقتصادي تمكن الدول المثقلة بالديون من تخفيف أعباء الدين وتوفير فرص العمل للعاطلين.

ومن بين الدول التي حصلت على مساعدات انقاذ تتلمس ايرلندا طريق عودتها إلى أسواق رأس المال وتطبق البرتغال بقوة برنامج تقشف صارما وحصلت لتوها على عام إضافي لتحقيق اهدافها المالية، وتظل اليونان التي بدأت منها الأزمة استثناء للشعور العام بالتفاؤل الحذر لكن الحديث عن إخراج أثينا من منطقة اليورو توقف في الوقت الحالي، وقال الكسندر ستاب وزير الشؤون الأوروبية الفنلندي "بالنظر إلى الأسابيع القليلة المقبلة أرى أن هناك ضوءا في آخر النفق"، وعزا تفاؤله إلى قرار من المركزي الأوروبي بالاضافة إلى الاتحاد المصرفي المزمع وقرار المحكمة الألمانية وانتصار الأحزاب الموالية للوحدة الأوروبية في الانتخابات العامة الهولندية، وقال ستاب "لو سارت الأمور على ما يرام في الأسابيع القليلة القادمة فسنكون قد بدأنا صفحة جديدة"، وأظهر حماس السوق بعد الحكم الألماني وصعود السندات الاسبانية والايطالية والأسهم وتسجيل اليورو أعلى مستوياته في أربعة أشهر أن كثيرا من المستثمرين يعتقدون أن منطقة اليورو بدأت أخيرا السيطرة على الأزمة.

والعقبة التالية هي اسبانيا. يتعرض رئيس الوزراء ماريانو راخوي لضغط ليطلب برنامج مساعدة محدودا بما يتيح لصندوق الانقاذ شراء السندات الاسبانية عند صدورها وللبنك المركزي الأوروبي التدخل لخفض تكاليف الاقتراض قصيرة الأجل مع استمرار اسبانيا في أسواق رأس المال، وأخذ راخوي خطوة أخرى حينما قال إنه يدرس طلب مساعدة من المركزي الأوروبي ولن يعترض على تدخل صندوق النقد الدولي في الرقابة على المالية العامة لمدريد.

وسواء لأسباب تكتيكية أم لاعتبارات الكبرياء الوطني أو خوفا من العواقب السياسية فهو يؤخر تقديم مثل هذا الطلب ربما على أمل أن يتجاوز الانتخابات الإقليمية في 21 أكتوبر تشرين الأول وعقبة تمويلية في أواخر أكتوبر بدون مساعدة خارجية، ويقاوم راخوي ضغط ألمانيا لوضع شروط اضافية متعلقة بالسياسة المالية لأي برنامج مساعدة رافضا فكرة خفض معاشات التقاعد وهي عقبة رئيسية أمام المالية العامة الاسبانية، ولم يعد من المتوقع انهيار منطقة اليورو قريبا بعدما أعلن المركزي الأوروبي أنه سيشتري سندات الحكومات المتعثرة شريطة أن تحافظ على الانضباط المالي وتنفذ اصلاحات اقتصادية.

وقال نورييل روبيني الخبير الاقتصادي في جامعة نيويورك إن البنك المركزي الأوروبي يتيح الوقت للساسة لإصلاح عيوب تصميم اليورو، ومعظم المتشائمين الآن هم من حماة السياسة التقليدية للبنك المركزي الألماني الذين يخشون ان تؤدي استراتيجية الانقاذ إلى مخاطر اخلاقية وتسيب في السياسة المالية وارتفاع التضخم وانهيار اليورو في نهاية المطاف وليسوا من منتقدي العملة الموحدة الانجلوساكسونيين.

وقال يورج كريمر كبير الاقتصاديين في كومرتس بنك "سيكون لدينا اتحاد في الالتزامات وهو ما سيغير شخصية الاتحاد النقدي ليصبح وحدة نقدية على النظام الايطالي. سيكون هناك نقاط تشابه بينه وبين ايطاليا السبعينيات والثمانينيات." وهذا تصريح يعكس وجهة نظر الكثيرين في المؤسسة المالية الألمانية المتحفظة، ووقف البنك المركزي الألماني وحيدا في معارضة قرار المركزي الأوروبي بشراء السندات ورددت وسائل الاعلام الالمانية انتقاداته على نطاق واسع، لكن أحد دروس هو أن أصحاب الانتقادات الحادة فشلوا في التأثير سواء على المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي ايدت المركزي الأوروبي بقوة أو قضاة المحكمة الدستورية وهم أعلى جهة رقابية في ألمانيا.

ويتزايد التأييد فيما يبدو للوحدة الأوروبية داخل المؤسسة السياسية في برلين بالرغم من تحذيرات شديدة من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بولاية بافاريا حليف ميركل الذي يخشى من رد فعل الناخبين في الانتخابات المقبلة بالولاية، ويدعم حزبا المعارضة الديمقراطي الاشتراكي والخضر توثيق الاتحاد المالي والاقتصادي الأوروبي بما في ذلك اصدار سندات مشتركة لمنطقة اليورو في نهاية المطاف وهو ما يتيح لميركل شريكا بديلا محتملا في الائتلاف بعد الانتخابات العامة بألمانيا العام المقبل. بحسب رويترز.

وربما شجع ذلك رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو المتحفظ عادة على الدعوة في خطاب له إلى قاعدة سيادية أوسع نطاقا للانتقال إلى اتحاد ديمقراطي للدول، إلا أن فكرة التكامل السياسي لا تحظى بتأييد شعبي في كثير من الدول مثل فرنسا وهولندا التي صوتت بالرفض في استفتاءات على دستور أوروبي في 2005، وهناك عقبات أخرى أمام التوصل لحل سلس لأزمة منطقة اليورو مثل فشل اليونان المتكرر في تحقيق الاصلاح المالي والاقتصادي المستهدف إلا انه لا يوجد ما يدل على أن الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد يستعدان لقطع المساعدات عن أثينا بالاضافة إلى المشاكل المالية التي تواجهها قبرص وسلوفينيا.

ويخشى الاقتصاديون أيضا أن تخفق فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا والمساهم المهم في صندوق الانقاذ في خفض الانفاق العام أو بدء اصلاحات اقتصادية هيكلية بدأت بالفعل في دول أخرى بمنطقة اليورو، وفي الوقت الحالي مازالت باريس ملاذا امنا نسبيا بتكاليف اقتراض قياسية منخفضة حتى رغم ارتفاع الدين العام إلى 90 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي. لكن المعنويات بالسوق يمكن ان تتغير سريعا كما حدث مع اسبانيا وايطاليا.

ويخيم الغموض على مستقبل ايطاليا. وتنتهي فترة رئيس الوزراء ماريو مونتي في ابريل نيسان المقبل وقد تسفر الانتخابات العامة عن ازمة سياسية أو حكومة ضعيفة غير قادرة أو غير راغبة في الاستمرار في مسيرته الاصلاحية، ومن غير الواضح أيضا إن كان دعم المركزي الأوروبي لاسبانيا بافتراض انها ستطلب المساعدة سيكفي لابقاء تكاليف اقتراض ايطاليا تحت السيطرة دون أن تضطر روما لطلب برنامج مساعدة خاص بها، وقال هولجر شميدنج كبير الاقتصاديين في برنبرج بنك "ازمة اليورو لم تنته بعد. إنها تأتي على موجات. مازال امامنا مخاطر كبيرة، وأضاف "لكن الحكومة والمحكمة الألمانيتين والبنك المركزي الأوروبي استطاعوا على مدى الاسابيع الست الماضية أن يجعلوا من المتوقع أكثر من ذي قبل أن تأتي الموجات القادمة أقل حدة من سابقاتها."

حالة كساد جديدة

فيما حدت الصادرات القوية من انكماش اقتصاد منطقة اليورو في الربع الثاني من هذا العام على الرغم من تراجع الاستثمارات والمخزونات والاستهلاك الخاص ما يشير إلى تراجع الناتج بشكل عام في عام 2012 بكامله، وأكد مكتب الاحصاءات الأوروبي يوروستات أن الناتج المحلي الاجمالي في 17 دولة تستخدم العملة الأوروبية الموحدة انخفض بنسبة 0.2 بالمئة على أساس فصلي. وعدل التراجع على أساس سنوي إلى 0.5 بالمئة من 0.4 بالمئة في تقديرات سابقة، وسحقت أزمة الديون التي بدأت في اليونان قبل نحو ثلاث سنوات جهود أوروبا للانتعاش من الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2009 ما قد يدفع بالمنطقة إلى حالة كساد ثانية في ثلاث سنوات. بحسب رويترز.

وقال جوست بوموان الاقتصادي البارز في بنك أيه.بي.ان امرو في أمستردام "الضعف هو الأساس... نتوقع انكماشا آخر في الربع الثالث لأن الطلب المحلي سيتضرر بسياسات الدعم المالي وارتفاع البطالة وتقييد شروط الائتمان وعدم التيقن المحيط بأزمة منطقة اليورو، وكان من الممكن ان تدخل منطقة اليورو بالفعل في حالة كساد حسب التعريف الفني لولا استقرار النمو في الأشهر الثلاثة الاولى من العام بعد انكماش بنسبة 0.3 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأخير من 2011، وقال اليوروستات إن انخفاض استهلاك الأسر خصم 0.1 نقطة مئوية من بيان الناتج المحلي الاجمالي الفصلي النهائي وخصم انكماش الاستثمارات والمخزونات 0.2 نقطة مئوية إضافية لكل منهما بالمقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، غير أن الصادرات القوية أضافت 0.6 نقطة مئوية والتي بعد خصم الأثر السلبي للواردات تركت 0.2 نقطة موجبة، ولكن مع تباطوء الاقتصاد الصيني ومواجهة الاقتصاد الأمريكي لصعوبات في تحقيق انتعاش مستدام لا يمكن المنطقة اليورو الاعتماد على الصادرات في الخروج من حالة التباطوء.

الالمان اكثر تشكيكا باليورو من الفرنسيين

على الصعيد نفسه افاد استطلاع نشرت نتائجه ان غالبية كبيرة من الالمان تعتبر ، على عكس الفرنسيين، ان اوضاعهم المعيشية كانت ستكون افضل بدون العملة الاوروبية الموحدة (اليورو)، واعتبر 65% من الالمان ان معيشتهم كانت ستكون افضل لو حافظت المانيا على عملتها "المارك" بدلا من اعتماد اليورو. بينما اعتبر 36% من الفرنسيين ان اوضاعهم المعيشية كانت ستكون افضل لو بقي "الفرنك" عملتهم، بحسب دراسة نشرتها مؤسسة برتلسمان الالمانية، كما اعتبر 49% من الالمان ان احوالهم الشخصية كانت لتكون افضل لو لم يتم انشاء الاتحاد الاوروبي. ويشاركهم الرأي 34% من الفرنسيين. اما بالنسبة للبولنديين فان، 28% ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون ان اوضاعهم كانت ستكون افضل بدون الاتحاد الاوروبي، واعتبر 37% من الالمان ان فرص العمل كانت ستصبح اكثر وفرة بدون الاتحاد الاوروبي، مقابل 35% من الفرنسيين الذين يوافقونهم الرأي و24% من البولنديين.بحسب فرانس برس.

في المقابل يرى 69% من الالمان ان الاتحاد الاوروبي يشكل مثالا يحتذى لبقية العالم، مقابل 56% من الفرنسيين و59% من البولنديين، واجرت مؤسسة برتلسمان الدراسة عبر الهاتف على عينة من 1001 الماني، و1004 فرنسيين والف بولندي بين 3 و8 تموز/يوليو 2012.

انهيار اليورو

على صعيد أخر أظهرت دراسة نشرت أن الخوف من انهيار مُحتمل لمنطقة اليورو يفوق المخاوف التقليدية لدى الألمان مثل صحة الفرد أو البطالة أو الكوارث الطبيعية، وفي الدراسة التي أعدتها شركة (R+V) للتأمين وعنوانها "مخاوف الالمان" عبر 73 بالمئة من الالمان عن خوفهم من تكاليف أزمة ديون منطقة اليورو وعواقبها على دافعي الضرائب واعتبر 65 بالمئة ان استمرار وجود العملة المشتركة يتعرض لتهديد، وفي الدراسة السابقة لعام 2011 عبر 70 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع عن القلق بشان تكاليف الأزمة على دافعي الضرائب واعتبر 60 بالمئة ان اليورو معرض للخطر، وقالت ريتا ياكلي رئيسة المركز الاعلامي بالشركة "في مواجهة هذا التهديد (انهيار منطقة اليورو) فإن جميع المخاوف الاخرى تتواري الي الخلفية."

وتمكن الاقتصاد الالماني من استيعاب اثار ازمة ديون منطقة اليورو بشكل جيد نسبيا مدعوما بصادرات قوية الي آسيا ومناطق اخرى اسرع نموا لكن بيانات واستطلاعات لمعنويات المستهلكين اشارت مؤخرا الي تباطؤ، واظهرت سلسلة استطلاعات للرأي ايضا استياء متزايدا بين الالمان من تكاليف الانقاذ المالي لليونان ودول اخرى مثقلة بالدين.

ونشرت دراسة (R+V) في نفس اليوم الذي كشف فيه البنك المركزي الاوروبي عن برنامج جديد لمشتريات للسندات الحكومية في دول منطقة اليورو التي تصارع ازمة الديون وهو مسار يعارضه بقوة البنك المركزي الالماني، وقال استاذ العلوم السياسية مانفريد شميت اثناء عرض التقرير "الخوف من الازمة الاقتصادية وفقدان المرء لثروته ثقافة متأصلة (في المانيا)... بسبب الخبرة المأساوية للتضخم الجامح. بحسب رويترز.

وكان يشير بشكل خاص الي معدلات التضخم الشديدة الارتفاع التي شهدتها المانيا في اوائل عقد العشرينات من القرن الماضي والتي هزت ثقة الالمان في مؤسسات البلاد وساعدت في تمهيد الطريق امام صعود أدولف هتلر الي السلطة في 1933، وعلى النقيض فإن الاستطلاع الذي نشر اليوم يظهر ان خوف الالمان من فقدان وظيفتهم تراجع الي 32 بالمئة وهو مستوى قياسي منخفض في حين بلغت المخاوف من حادث نووي 43 بالمئة بانخفاض قدره 11 نقطة مئوية عن العام الماضي عندما كانت ذكريات كارثة فوكوشيما في اليابان مازالت حية، ودراسة "مخاوف الالمان" تنشر سنويا وتستند الي آراء حوالي 2400 شخص.

الأدوات النقدية لا يمكنها حل الأزمة المالية

من جهته قال وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله إن على منطقة اليورو ألا تستخدم السياسة النقدية للتصدي لمشاكلها المالية وذلك بعد قليل من اعلان البنك المركزي الاوروبي خطط لشراء سندات حكومية في الدول المتعثرة في خطوة لاقت ترحيبا من ايطاليا وفرنسا، وقال شيوبله في مناسبة على شرف رئيس المركزي الأوروبي ماريو دراجي "لو بدأنا نسعى لحل مشاكل السياسة المالية من خلال الوسيلة المريحة المتمثلة في السياسة النقدية فستكون لدينا مشكلة"، وأضاف قائلا "البنوك المركزية لها استقلاليتها بما يجعل الطريق مغلقا امام الساسة لاستخدام الوسيلة المريحة المتمثلة في طبع النقود"، وفي وقت سابق من حصل دراجي على تأييد المركزي الأوروبي لاطلاق برنامج جديد لشراء السندات لتقليل تكاليف الاقتراض الحكومي في اسبانيا وايطاليا، في المقابل رحب رئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي بقرار المركزي الأوروبي لكنه لم يوضح إن كانت ايطاليا ستطلب من البنك المساعدة في خفض تكلفة اقتراضها. بحسب رويترز.

وقال مونتي "تمت اليوم خطوة مهمة للامام بعد قرار رئيس المركزي الأوروبي ماريو دراجي صوب حوكمة أكثر كفاءة في منطقة اليورو"، وأضاف أن من السابق لاوانه القول إن كانت الشروط المرتبطة ببرنامج شراء السندات الأوروبي ستمثل عقبة أمام طلب ايطاليا للمساعدة، وأشاد وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي برنار كازينوف بتحرك المركزي الأوروبي قائلا إن القرار يدعم العملة الأوروبية الموحدة، وقال كازينوف "قرارات المركزي الأوروبي مشجعة وتظهر خطا متسقا مع القمة الأوروبية التي عقدت في نهاية يونيو، وأضاف قائلا "يظهر ذلك رغبة في الابقاء على وحدة منطقة اليورو ودعم اليورو.

ازمة اليورو تهدد الاقتصاد الفنلندي

من جهة أخرى قال صندوق النقد الدولي في تقرير نشر ان ازمة اليورو تهدد الاقتصاد الفنلندي على الرغم من أسسه الصلبة، وقال التقرير ان فنلندا تستفيد من "أسس اقصادية قوية ومن ادارة سياسية سليمة" لكنها و"بصفتها اقتصادا صغيرا منفتحا وتابعا على الصعيد التجاري والمالي، ضعيفة امام التداعيات السلبية للازمة في منطقة اليورو"، ولفت صندوق النقد الدولي الى انه من الضروري "تعزيز الاشراف بين الدول و(وضع) اطر لحل للازمات ردا على زيادة الانشطة المصرفية عبر الحدود والدور المهم للمجموعات الدولية الكبرى"، وقال الصندوق ان وضع اطر اقليمية لحل الازمات بانتظار حل على المستوى الاوروبي، امر مرغوب فيه، وفي حين يسجل النمو الفنلندي تباطؤا، فقد تمت مراجعة التوقعات ما دل على انخفاضها. من جهة اخرى، يواجه البلد تحديات تتمثل في تقادم عمر السكان وتباطؤ الانتاجية، ورحب صندوق النقد الدولي بالتعقل الذي تتسم به السياسة الاقتصادية والمالية التي تهدف الى تحسين اختلال التوازنات الداخلية والخارجية والحفاظ على استقرار القطاع المالي وضمان استمرارية المالية العامة على المدى الطويل. بحسب فرانس برس.

واوصى الصندوق بزيادة احتياط رساميل المصارف تدريجيا وتركيز الجهود الضريبية على اجراءات ترمي الى تخفيف الزيادة المتوقعة على فاتورة الصحة. ومن المهم ايضا اصلاح سوق العمل وتحسين الانتاجية، وبحسب صندوق النقد الدولي، فان اجمالي الناتج الداخلي سيزيد بنسبة 0,6 بالمئة هذه السنة و1,4 بالمئة في 2013. وهذا اقل مما كان عليه في 2010 (+3,3 بالمئة) و2011 (+2,7 بالمئة)، وفنلندا هي اخر دولة في منطقة اليورو تحصل على افضل درجة في تصنيف الدين (ايه ايه ايه) مع احتمال حصولها على درجة "مستقر" من قبل وكالات التصنيف الائتماني الدولية الكبرى الثلاث.

18 مليون عاطل عن العمل

من جانب أخر قال محللون ان معدل البطالة في منطقة اليورو بلغ 11,3 بالمئة من اليد العاملة الفعلية في تموز/يوليو، وطاول 18 مليون شخص في رقم قياسي قد يتحطم في الاشهر المقبلة، وافادت الارقام التي نشرها المكتب الاوروبي للاحصاءات "يوروستات" الجمعة ان معدل البطالة مستقر مقارنة بشهر حزيران/يونيو. وكان رقم حزيران/يونيو خضع للمراجعة فتبينت زيادته من 11,2 الى 11,3 بالمئة، وعلى الرغم من ان المعدل لم يتغير، فان 88 الف شخص اضافي جاؤوا يضخمون لوائح طالبي العمل في غضون شهر، وقد بلغ عدد هؤلاء عتبة ال18 مليونا في منطقة اليورو، ومقارنة بتموز/يوليو 2011، فان عدد العاطلين عن العمل ارتفع بواقع 2,05 مليون شخص، وهو الشهر الخامس عشر على التوالي الذي يبلغ فيه معدل البطالة او يتجاوز عتبة العشرة في المئة في الاتحاد النقدي، وقال بيتر فاندن هوت من مؤسسة آي ان جي" ان "معدل البطالة بلغ 10,1 بالمئة قبل عام"، مشيرا بنوع خاص الى ارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب والذي انتقل في الفترة نفسها من 20,7 بالمئة الى 22,6 بالمئة، ولفت بن ماي من مؤسسة كابيتال ايكونوميكس ان "سوق العمل في اقتصاديات الدول التي تقوم على اطراف الاتحاد النقدي تبقى الاكثر ضعفا. فقد سجلت اسبانيا التي سجلت اعلى معدل بطالة في هذه المنطقة، زيادة تمثلت في رفع المعدل الى ما فوق 25 بالمئة للمرة الاولى"، وتسجل اسبانيا معدل بطالة من 25,1 بالمئة وتاتي بذلك قبل اليونان (مع 23,1 بالمئة بحسب اخر الارقام المتوفرة التي تعود لشهر ايار/مايو). بحسب فرانس برس.

وبين الدول الاعضاء في منطقة اليورو تسجل النمسا معدل البطالة الادنى اي 4,5 بالمئة تليها هولندا مع 5,3 بالمئة والمانيا ولوكسمبورغ مع 5,5 بالمئة لكل منهما، وقال بيتر فاندن هوت ان "الفارق بين دول الوسط والدول القائمة على الاطراف كبير جدا"، وراى ان ذلك "لا يعتد به بالنسبة الى استقرار منطقة اليورو"، وبالنسبة الى مجمل منطقة اليورو، بقي معدل البطالة مستقرا مقارنة بحزيران/يونيو عند 10,4 بالمئة من اليد العاملة الفعلية، وهو رقم قياسي ايضا، وفي منطقة اليورو، توقع بن ماي ان "الاحصاءات حول عقود العمل تشير الى تراجع جديد في العمالة وسيزداد معدل البطالة اكثر"، وهذا الوضع تفاقم بسبب تسارع وتيرة التضخم الذي انتقل من 2,4 بالمئة في تموز/يوليو الى 2,6 بالمئة في اب/اغسطس، ولدفع الاقتصاد، تتجه الامال نحو عمل يؤديه البنك المركزي الاوروبي. ويتوقع المحللون ان يعمد هذا الاخير الى خفض معدل فائدته الرئيسية اكثر من الان وحتى نهاية العام، ومعدل هذه الفائدة يبلغ ادنى مستواه تاريخيا في الوقت الحالي وهو 0.75 بالمئة.

من يتخذ الخطوة الأولى؟

في سياق متصل يقول طرف "تفضل أنت أولا" فيرد الآخر "لا بل أنت أولا".. هكذا يدعو كل طرف الآخر للإقدام على اتخاذ الخطوة الأولى، وتقترب منطقة اليورو ببطء من التوصل إلى خطة جديدة لمعالجة أزمة الديون في ظل لعبة إقدام وإحجام بين الأطراف الرئيسية، وكانت أحدث مناورة في هذه اللعبة هي عرض البنك المركزي الأوروبي بالتدخل لشراء سندات من أجل خفض تكلفة الاقتراض على اسبانيا وايطاليا، فكل من الأطراف الرئيسية -وهي البنك المركزي والدول التي تتعرض لضغوط وألمانيا قائدة الاتحاد الأوروبي والحكومات التي تطبق بالفعل خطة انقاذ- ينتظر من الطرف الآخر اتخاذ الخطوة الأولى باتجاه تحمل عبء التكلفة، وتدور اللعبة نفسها كذلك بين البنك المركزي الأوروبي والمستثمرين في سوق السندات الذين قادوا منطقة اليورو التي تضم 17 دولة إلى حافة التفكك بسبب الافتقار للثقة في قدرة صناع القرار على التغلب على الأزمة، وحاول ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي تخويف المضاربين من المضاربة ضد اليورو بقوله إنه "لا رجوع عن الوحدة النقدية الأوروبية".

وتشير التوقعات إلى أن الأوضاع ستزداد سوءا في الأسواق بسبب التحدي السياسي وفي شوارع اثينا ومدريد قبل أن يتخذ إجراء حاسم منتظر في أواخر سبتمبر ايلول، وكانت اسبانيا وإيطاليا تأملان في أن يتدخل البنك المركزي الأوروبي لدعمهما على أساس أجراءات التقشف المطبقة بالفعل في البلدين دون الحاجة لتحمل الوصمة السياسية التي يمثلها التقدم بطلب لخطة انقاذ مالي، لكن البنك المركزي الأوروبي وهو الجهة الاتحادية الوحيدة القادرة على تدخل سريع وكبير أبدى استعداده للتدخل فقط إذا تقدمت اسبانيا أولا بطلب مساعدة وقبلت شروطا صارمة تتعلق بالسياسات والخضوع للرقابة وإذا قدمت حكومات منطقة اليورو أموالها من خلال تفعيل صناديق الانقاذ، وقال أحد صناع القرار البارزين في منطقة اليورو والذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر "يبدو أن الاسبان يعتقدون أن بامكانهم الحصول على مساعدة مجانية من المركزي الأوروبي دون شروط. وهذا ما كان ليحدث أبدا، وفتح رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي الباب الآن أمام طلب المساعدة قائلا انه سيتخذ القرار وفقا لما "أتصور أنه سيحقق مصلحة الشعب الاسباني" فور أن يعرف ما الذي قد يقدمه المركزي الأوروبي وبأي شروط.

وقال دبلوماسيون إن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي سعى إلى دفع راخوي في هذا الاتجاه عندما اجتمعا الأسبوع الماضي على الرغم من إدراكه لخطر ان تحصل مدريد على خطة انقاذ وهو ما سيدفع الاسواق للتكهن بأن إيطاليا ستكون التالية وتوجيه سهامهم إليها، وتناور المانيا أكبر مساهم في أموال انقاذ منطقة اليورو من أجل أن تقوم الأطراف الأخرى بدورها حتى لا تزيد التزاماتها المالية الاجمالية. فلا تريد المستشارة انجيلا ميركل أن تعود للبرلمان لتطلب المزيد من الأموال لخطط إنقاذ في عام ما قبل الانتخابات خاصة لليونان.والتزمت ميركل ووزير ماليتها فولفجانج شيوبله الصمت في عطلة مما شتت ضغوط الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي من أجل إجراء سريع لدعم ايطاليا واسبانيا. بحسب رويترز.

ولا يمكن لزعماء أوروبا القيام بالكثير حتى تعطي المحكمة الدستورية الألمانية الضوء الأخضر لآلية الاستقرار الأوروبية وهي صندوق الانقاذ الأوروبي الدائم يوم 12 سبتمبر. وتحرص الحكومة الهولندية المؤقتة كذلك على تجنب اي خطة انقاذ جديدة قبل الانتخابات العامة الهولندية التي تجرى في اليوم نفسه، ومن ناحية أخرى تأمل اليونان التي قد تستنفد أموالها الشهر المقبل أن يخشى زعماء العالم من أن يؤدي خروجها من منطقة اليورو إلى زعزعة الاقتصاد الأوروبي والعملة الموحدة فيعطوها مزيدا من الوقت لتنفيذ برنامج انقاذ ثان ويشطبوا المزيد من ديونها، وتسعى ايرلندا التي حصلت على خطة انقاذ عام 2010 إلى ضمان حصولها على الامتيازات التي تحصل عليها اسبانيا أو اليونان لتخفض تكلفة تصحيح أوضاع بنوكها، ويواجه دراجي قيودا خاصة به إذ ينظر البنك المركزي الألماني بشك إلى تحركاته. ومن أجل مصداقية المركزي الأوروبي لا يمكنه طباعة النقود دون شرط لدعم الحكومات المدينة، وتعرض البنك المركزي الأوروبي لانتقادات شديدة العام الماضي عندما تراجع سيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك عن الاصلاحات التي تعهد بها فور أن بدأ البنك المركزي في شراء السندات الإيطالية والاسبانية لخفض تكلفة الاقتراض، فاضطر دراجي للتطلع إلى المفوضية الأوروبية وحكومات منطقة اليورو لفرض شروط إصلاحات اقتصادية ومالية أكثر صرامة على أي مساعدات هذه المرة، وفضلا عن ذلك قال المركزي الأوروبي انه سيشتري سندات ذات آجال أقصر وهو ما يجعل المستفيدين تحت ضغط لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، والهدف من الخطة التي تتشكل ملامحها هو الإبقاء على مدريد وروما في أسواق المال بتكلفة محتملة بالنسبة لهما ولحكومات منطقة اليورو التي لا تكفي اموال الانقاذ الخاصة بها لتغطية الاحتياجات التمويلية لاسبانيا على مدى ثلاث سنوات ناهيك عن إيطاليا، ويظل البنك المركزي الأوروبي هو الجهة الوحيدة التي تملك القيام بعمل يفاجيء الأسواق. ولم يستبعد دراجي -وهو على علم بأوجه القصور في برنامجه السابق المحدود لشراء السندات- تدخلا أكبر بكثير هذه المرة قائلا ان التدخل سيكون "كافيا"، والحيلة في لعبة الاقدام والاحجام التي يلعبها المركزي الأوروبي ستكون أن يخيف أولئك الذين يضاربون ضد منطقة اليورو دون أن يخسر الدعم الألماني أو يريح الدول الأعضاء المتلقية للمساعدات من عبء تنفيذ الإصلاحات، وإشارة راخوي ربما تعني أن اللعبة بدأت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/أيلول/2012 - 2/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م