قراءة في اضطرابات الضفة الفلسطينية

د. إبراهيم أبراش

في ظني أن الاضطرابات التي تشهدها مدن الضفة الغربية وإن كان عنوانها الحالة الاقتصادية المزرية للشعب إلا أنها أعمق وأخطر من ذلك بكثير، إنها تعبير عن حالة اختناق ناتجة عن انغلاق الأفق والأمل أمام المواطنين وخصوصا أن أكثر من مسئول في السلطة وفي حركة فتح بما فيهم الرئيس أبو مازن بشروا بانهيار السلطة وبعجزها عن القيام بوظائفها – وللأسف كان خطابهم في هذا السياق تكتيك فاشل حيث لم يشكل حالة ضغط وإحراج لإسرائيل والغرب بقدر ما أساء للسلطة والقيادة -، إنها أزمة سياسية وأمنية وإستراتيجية، وليس عبثا أن تتساوق الأزمة المالية للسلطة والوضع الاقتصادي المتدهور للمواطنين مع انفلات أمني في أكثر من مدينة من مدن الضفة، ومع وصول المفاوضات والمصالحة لطريق مسدود مع تحريض ليبرمان على الرئيس وعلى السلطة، ومع مطالب حماس للرئيس بالتخلي عن السلطة. إذا وضعنا اضطرابات الضفة ضمن الوضع العام للمنطقة فإنه سيكون من السذاجة اعتبارها مجرد مظاهرات عادية لتحسين شروط المعيشة.

لسنا في وارد الدفاع عن سلام فياض وسياسته ولكن من الخطورة تحويل الدكتور سلام فياض لكبش فداء لأزمة ليس هو الوحيد المسئول عنها، فالدكتور فياض رئيس وزراء حكومة لسلطة لها رئيس يُعتبر بمقتضى القانون الأساسي رأس السلطة والمسئول الأول عنها، لأن النظام السياسي الفلسطيني ليس نظاما برلمانيا خالصا يكون فيه الرئيس شرفيا، بل ما زال نظاما رئاسيا. وفي نفس الوقت ومع افتراض أن فياض مسئولا عن الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة، هذا مع افتراض أيضا بأن الأزمة مالية واقتصادية فقط،، فهذه الأزمة ليست وليدة اليوم بل هي بمثابة طفح الكيل، إنها نتيجة تراكم سياسات ومراهنات خاطئة تراكمت عبر السنين دون حسيب أو رقيب، والسؤال أين كان الرئيس وكانت منظمة التحرير وحركة فتح مما يجري في الحكومة والضفة ومما يمارسه فياض وحكومته؟ ولماذا يتم حرق صور فياض فقط في المظاهرات ؟ وهل حركة فتح بريئة مما يجري؟ أم أن البعض في حركة فتح له دور في توجيه السخط الجماهيري إلى فياض لتصفية حسابات أو كجزء من معركة رئاسية مبكرة لإقصاء فياض كمرشح قوى لخلافة أبو مازن؟ وهل حركة حماس والقوى السياسية الأخرى بل إسرائيل أيضا بعيدون عن هذه الاضطرابات التي تشهدها الضفة؟.

لا شك أن الحياة المعيشية لأهلنا في الضفة المحتلة لم تعد تطاق وبالتالي من حقهم التعبير عن غضبهم ورفضهم من خلال مظاهرات واعتصامات وخصوصا أنهم يلمسون ترف وفساد نخبة تتعاظم كل يوم فيما الشعب يزداد بؤسا وفقرا، ويلمسون أو يسمعون عن رواتب وعقود وامتيازات خيالية للمؤتلفة قلوبهم المحيطين بفياض، ويسمعون ويشاهدون كبار الفاسدين أو المتهمين بالفساد يصولون ويجولون دون محاسبة حيث النائب العام واللجنة التي تم تشكيلها لمتابعة ملفات الفساد لا يتحركون إلا عندما يتعرض أحد الفاسدين للرئيس أبو مازن ولعائلته، ويُغفر للآخرين من الفاسدين ما داموا يحمدون ويسبحون باسم الرئيس وباسم فياض !.

ولكن... أن يخرج الناس ضد سلام فياض وحكومته وليس ضد إسرائيل، وان تُحرق صور فياض وليس صور نتنياهو أو موفاز أو أوباما، فهذا مؤشر خطير على تغير الأولويات عند الشعب الفلسطيني، من أولوية مواجهة الاحتلال باعتباره مسئولا عن كل مشاكل الشعب إلى مواجهة بين الفلسطينيين وبعضهم البعض، وهو تغير في الأولويات يضاف لما سبقه عندما أصبحت حركة فتح العدو الأول لحركة حماس والعكس صحيح، كما نخشى أن يكون لأطراف من داخل السلطة والمنظمة مصلحة في صناعة الأزمة الاقتصادية وإشغال الشعب بها للتغطية على الأزمة السياسية العميقة التي أشرنا إليها.

هذا التحول ستكون نتائجه خطيرة لأنه سيريح الاحتلال كثيرا حيث سينشغل الفلسطينيون بعضهم ببعض وهو أمر لم يكن بعيدا عن مخططي اتفاقية أوسلو، كما أنه سيضع الفلسطينيين على حافة فوضى ستؤدي لإسقاط السلطة، وفي ظل ضعف منظمة التحرير وحالة الانقسام فإن إسرائيل الطرف الوحيد الذي سيستفيد من انهيار السلطة وخصوصا أن الإدارة المدنية الإسرائيلية جاهزة منذ مدة وتمارس عملها دون اعتبار لوجود سلطة فلسطينية.

القول بأن الاضطرابات في الضفة يمثل بداية ربيع فلسطيني قول غير دقيق وقد يكون خطيرا، لأنه إذا قصدنا بالربيع الفلسطيني نسخة من الربيع العربي الذي انتهى بإيصال الإسلام السياسي إلى الحكم، فهذا حدث في فلسطين في منتصف يونيو 2007 عندما تم تمكين حماس من السلطة بتواطؤ عدة أطراف داخلية وخارجية، الربيع الفلسطيني الحقيقي هو خروج الشعب لمواجهة الاحتلال مباشرة، أو خروجه لمواجهة السلطة وإسرائيل معا وليس التوقف عند مواجهة السلطة والمطالبة بإسقاطها. وفي نفس الوقت يجب عدم التهوين من هذه الاضطرابات كما سبق وذكرنا واعتبارها مجرد ردة فعل على غلاء المعيشة. قرارات فياض وحكومته بالتراجع عن رفع أسعار بعض السلع وبعض الإجراءات الاقتصادية الصغير لن يحل المشكلة وإن كان قد يخفف حالة الاحتقان.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/أيلول/2012 - 28/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م