العراق يحتاجنا جميعا لإعادة إعماره

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يتفق الجميع على ان العراقيين عانوا كثيرا من الحكومات القمعية التي تعاقبت على حكمهم، فمع الخيرات الكبيرة والوفيرة والمتنوعة التي تزخر بها ارضهم وطبيعة بلدهم، إلا أن الفقر والقهر والحرمان، غالبا ما يشكل الطبقات الاوسع من شعبه، فيما تتمتع القلية ممثلة بالطبقة الحاكمة وحاشيتها بخيرات العراق، من خلال السطو على السلطة بالقوة الغاشمة من خلال الانقلابات العسكرية، مع غياب تام للدستور ودولة المؤسسات المدنية.

مسؤولية الاعمار مشتركة

لا ينحصر هذا على زمن الحكومات القمعية، بل حتى بعد التغييرات الكبرى التي حدثت منذ نيسان 2003 لم يحظ العراقيون بالاهتمام المطلوب بل بالعكس هناك شحة في الخدمات الاساسية كالماء والكهرباء والشوارع وخدمات الصرف الصحي، فضلا عن استهداف المدنيين والضعفاء من لدن ارباب العنف والارهاب، حتى بدت منشآت البلد كالركام الذي يحتاج الى ازالة لتعلو من جديد المدارس والجامعات والمستشفيات والمجمعات السكنية في ظل نظام حكم منتخب ينبغي ان يخدم الناس لا أن يسلبهم حقوقهم.

لذا فالمسؤولية تقع على الجميع يتقدمهم المسؤول بطبيعة الحال، يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى محاضراته القيمة عن هذا الموضوع: (في حديث شريف مروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله أنه قال: - كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته-؛ فالمسؤولية هي تشريعٌ وحكمٌ وإحساس، كما يُفهم من هذا الحديث النبوي الشريف؛ فأما كون المسؤولية تشريعاً وحكماً، فهذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله، وأما كونها إحساساً فهذا يرتبط بنا نحن؛ فبأي قدر يحسُّ كل واحد منّا بهذا التشريع وبهذا الحكم؟).

لذا ليس هناك من هو مستثنى من هذه المسؤولية الجماعية، ولكن يبقى القائد والرئيس والمدير هو صاحب الصلاحيات والقدرة على تقديم الخدمات الافضل للجميع، علما لابد من تعاون جماعي متواصل، لان الاعمار يتطلب التعاون المشترك دون استثناء احد، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي حين يقول في محاضرته نفسها: (هذه المسؤولية، هي مسؤولية عامة الناس، ولكن في الوقت الحالي هي مسؤولية خاصة، وقسمٌ منها مسؤولية عامة بالنسبة لعراق اليوم والمستقبل.. فقد ابتلي العراق اليوم – رجالاً ونسـاءً وشيباً و شباباً – بأزمةٍ مزدوجة؛ فهو ومنذ خمسين عاماً ينتقل من أزمةٍ إلى أزمة، ومن أمر شديد إلى أمر أشد، ومن صعب إلى أصعب.. وفي الوقت الحاضر تضاعفت هذه الأزمة بالنسبة إلى كل فردٍ عراقي.. والجميع يعلم سواءٌ من طريق وسائل الإعلام العامة، أو من طرقهم الخاصة، أن العراق يمر بأوضاع معقدة جداً، لا يعلم مداها ومنتهاها إلا الله).

تفاقم ازمة الاعمار

على الرغم من مرور زمن طويل على الاهمال والنواقص الخدمية وغيرها التي يعاني منها العراقيون، إلا أن الازمة لا تزال تتفاقم بسبب ارث الاخطاء الادارية المتوارثة من حكومة الى اخرى، لاسيما الحكومات التسلطية التي ظلمت الشعب العراقي وزجت به في السجون والزنازين والاعدامات والتشريد وما شابه، اذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا الصدد: لقد (مضى أربعون عاماً ونيف، وهذه الأزمة مستمرة. هناك الكتب التي ألفت، والتقارير التي نُشرت، والأشخاص الكثيرون – رجالاً ونساءً – الذين تحرروا من معتقلات النظام الديكتاتوري، فتحدثوا عن المصائب العظيمة التي لاقوها في الأقبية والطوامير المرعبة، وأحياناً تخرج امرأة من المعتقل وتكتب، بعد مرور عدة سنوات، قصصاً عما جرى لها ولنساء أخريات على أيدي جلاوزة النظام الغاشم. في الواقع أنها قصص فضيعة ومهولة).

وهكذا ليس هناك سوى تعلم الدروس من أئمة اهل البيت عليهم السلام وصبرهم على المآسي، لاسيما أن مأساة العراقيين تتضاعف باستمرار، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (والآن، قد تضاعفت مأساة الشعب العراقي، وفي الحقيقة أن هذه المأساة لها نظير في تاريخ الأئمة المعصومين سلام الله عليهم ؛ ولذا يجب علينا أن نأخذ الدرس من أئمتنا سلام الله عليهم، ونتعلم منهم، ماذا علينا أن نفعل؟ وما هو طريق الخلاص؟). وحول الايمان بالله وتصميم الانسان وارادته يؤكد سماحته على: (إن الإنسان الذي يكون الله سبحانه معه، ولديه التصميم والجدية، لا بد أنه سيوفق؛ إذ - ما كان لله ينمو-. وبالطبع، ليس معنى ذلك أن الطريق معبد، وأنه لا وجود لمشكلات ومتاعب؛ إذ إن رب أسرة من أربعة أو خمسة أفراد أو أكثر، تراه يصرف غير قليل من جهده وصحته، لأجل إدارتها على النحو المناسب، فكيف ببلد مثل العراق عانى عقوداً طويلة من العزل والإرهاب والبطش والتجهيل وما إلى ذلك، في ظل أعتى ديكتاتورية في العالم؛ فعندئذٍ، من البديهي القول بأن العراقي الذي عاش سنين متمادية في ظلام حالك، تطوقه الاحتياجات الكثيرة من كل الجهات).

أهمية الكتب والاصدارات

لاشك ان الجهل وتهميش الثقافة وقلة وعي الناس، لها دور كبير فيما يتعرض له العراقيون من سلب للحقوق، ومن نهب لثرواتهم من لدن الفاسدين والعصابات التي تهيمن على مقدرات البلد، لذا لابد من زيادة وعي الناس باطلاق الوعي ومضاعفة الصوت المثقف، اذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص: إن (عراق المستقبل يحتاج إلى الملايين من الكتب والمجلات الدينية، وإلى المدارس والحوزات العلمية، والخطباء والوعّاظ والمربين للعمل في هذا المجال. كما أن العراق بحاجة إلى المئات والمئات من المستشفيات والمراكز الصحية).

ويؤكد سماحته على اهمية الامساك بزمام المبادرة من لدن اهل العراق أنفسهم، لاعادة اعماره على المستويين المادي والمعنوي، اذ يقول سماحته: لذا (يلزمنا جميعاً أن نمسك بزمام المبادرة، ونعمل بنفس تلك الدرجة من المسؤولية التي نحسها بإزاء أسرنا وأبنائنا، لضمان مستقبل العراق).ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على الجانب المالي واهمية توفير الموار اللازمة لمواصلة الاعمار، حيث يضيف سماحته قائلا: إن (العراق يحتاج إلى المئات من صناديق القرض الحسن لإسعاف الملايين من المعوزين، الأمر الذي يحتاج إلى تخطيط وعمل سريع جداً؛ فهناك قد شمل الدمار والخراب كل شيء؛ القلوب والأبدان، فضلاً عن الأبنية والممتلكات).

وهكذا ينبغي ان تلتقي الجهود الفردية والجماعية، الرسمية والاهلية، كلها في مسار واحد يصب في قضية اعادة اعمار البلد، والتركيز على الجانب التثقيفي اولا، وزيادة الوعي لدى الناس، على أن يتم توفير الخدمات الاساسية للشعب، لانها مصدر راحته وقدرته على الابداع والانتاج الافضل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/أيلول/2012 - 25/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م