الانسان المتحضّر لا يلحق الأذى بالآخرين

شبكة النبأ: نسمع كثيرا عن السلوك الانساني اللطيف للمدخن في المجتمعات المتطورة، ومصدر اللطف يتأتى من شعور المدخن بالآخر الذي لا يعنيه التدخين بشيء وربما يمقته او قد يضره صحيا، في المقابل نسمع ونرى المدخن في مجتمعنا، وكأنه غير معني بالآخرين تماما، فالمهم لديه أن يمتّع نفسه هو اولا بالسيجارة، أما الآخرون فليس لهم الحق بالاعتراض على سلوكه هذا حتى لو تضرروا منه!!.

إن الاخلاق والسلوك الانساني يمنع منعا باتا إلحاق الاذى بالاخر، مهما كانت الاسباب، ولهذا ظهرت خطوات اجرائية رادعة في كثير من المجتمعات المتقدمة تحاصر التدخين وتحد منه ومن اضراره، ولكن تبقى المشكلة الاولى متمثلة بالاشخاص الذين لا يشعرون بغيرهم، إذ يظن عدد كبير ممن يتعاطون السجائر انهم عندما يدخنون في الاماكن العامة إنما يمارسون حريتهم وحقهم الشخصي، بعيدا عن التجاوز على حقوق الآخرين الصحية والذوقية وغيرها!!، لكن حقائق الامور تشير الى غير ذلك تماما، فحين يدخن شخص ما في حافلة لنقل الركاب او قطار او سيارة اجرة إنما يتجاوز في فعله هذا على حقوق الآخرين سواء عرف بذلك أم لا يعرف، وهو يتسبب بأضرار مرضية ونفسية وذوقية للاخرين سواء قصد ذلك أم لم يقصد، فلو قدّرنا أنه لا يعبأ بصحته وبالاضرار التي قد تلحق به جراء التدخين، فإنه لابد أن يفهم بأن السلوك ذاته لاينبغي أن ينطبق على الآخرين، أي أنه اذا أراد أن يسيء لصحته وذوقه، فليس مسموحا له أن يفعل الشيء نفسه مع الآخرين، وخاصة في الاماكن العامة، لقد أكدت الجهات المعنية بالتدخين واضراره ومساوئه المتوقعة على صحة الانسان على الخطورة التي يتسبب بها التدخين على صحة الافراد وعلى الصحة الجماعية ايضا، والجدير بالذكر أنّ التبغ يأتي في مقدمة ما يمكن توقيه من الأوبئة التي تواجهها الأوساط الصحية، بحسب منظمة الصحة العالمية.

لهذا السبب لا يجوز التعامل مع التدخين كعادة فردية تخص الشخص المدخن فقط، بل لابد من التعامل معها من لدن الجهات الرسمية الحكومية المعنية على انها داء يهدد الصحة الجماعية ولابد من اتخاذ الخطوات التي يمكنها كبح جماح التدخين، وهذا يتطلب فرض غرامات فورية على المدخنين في الاماكن العامة، بالاضافة الى سن قوانين رادعة وفورية تحد من هذه الظاهرة التي تحاول الدول المتحضّرة القضاء على اضرارها كليا، وغالبا ما يكون شعور المدخن مكرسا بحاجته للتدخين بغض النظر عن الاضرار والمساوئ التي تلحق بالاخرين.

لذلك لابد من الاشارة الى أن الجهات الرسمية قبل نصف قرن تقريبا كانت تتعامل بجدية مع التدخين والمدخنين، وقد وضعت قوانين وضوابط تحد من انتشار التدخين ونفذت هذه الضوابط على الارض، فلم يكن بإمكان راكب الحافلة او القطار أو سيارة الاجرة أن يدخن كما يشاء، كذلك كانت هناك محددات رادعة للتدخين في الاماكن العامة وفرض غرامات فورية على المخالف، لكن نلاحظ ان الجهات الرسمية المعنية تراجعت في دورها بمكافحة التدخين بعد عقود من الزمن وبعد أن اصبح التدخين يهدد ارواح الناس بجدية، وبدلا من تطوير ضوابط الردع ومضاعفة التوعية بمخاطر التدخين نلاحظ تراجعا ملحوظا في هذا المجال في الدول العربية والاسلامية، على العكس من الدول الغربية وبعض الدول الشرقية التي استطاعت أن نحد من خطر هذا الداء بقوانين صارمة كما هي الحال في اليابان مثلا، فيما تؤكد منظمة الصحة العالمية أنها خصصت يوما سنويا عالميا لمكافحة آفة التدخين لغرض تسليط الأضواء على الأخطار الصحية الناجمة عن تعاطي التبغ والدعوة إلى وضع سياسات فعالة كفيلة بالحد من استهلاكه. ويمثّل تعاطي التبغ ثاني أهمّ أسباب الوفاة على الصعيد العالمي (بعد فرط ضغط الدم)، فهو يقف، حالياً، وراء عُشر الوفيات التي تُسجّل في أوساط البالغين في شتى أرجاء العالم.

ولو اننا حاولنا رصد ومتابعة ظواهر التجاوز على الذوق والوضع النفسي والصحي للاخرين منقبل المدخنين، فإننا نستطيع أن نحصي يوميا عشرات من حالات التجاوز هذه، خاصة في وسائط النقل والشوارع والساحات العامة والمستشفيات وغيرها من الاماكن العامة، وعندما يحتج أحدهم على التدخين في مكان عام سرعان ما يصبح محط سخرية وتندر المدخنين وعدم مبالاتهم.

في حين يصمت حتى الذين لا يدخنون على مثل هذه التجاوزات ناهيك عن تقاعس الجهات المعنية الرسمية وغيرها عن القيام بدورها الصحيح والحازم في مواجهة خطر التدخين، لذا ينبغي على الحكومات والمنظمات الاهلية المعنية والافراد أن يتعاملوا بجدية مع خطر التدخين، وأن يجعلوا من هذا اليوم بداية لبرنامج سنوي لمكافحة التدخين بشتى الوسائل والسبل القانونية او الذوقية العامة وتحفيز الرأي العام وتدريبه على مقت ورفض هذه الظاهرة التي لا تنحصر أضرارها بالمدخنيين فقط بل تمثل تجاوزا يوميا متواصلا على حقوق الآخرين، ولعل ما يحدث من تجاوز في الاماكن العامة وحتى الدوائر الرسمية يشكل معيارا واضحا لعدم التعامل الجدي مع المدخنين الذين لا يراعون الآخرين حيث يتطلب الامر اجراءات قانونية وعرفية وسلوكي تحد من خطر التدخين على المدخن نفسه وعلى غيره من افراد المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/أيلول/2012 - 24/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م