ثقافة الانسان... بين التجاوز والاعتدال

 

شبكة النبأ: الاعتدال لا يعني التخلي عن المبدأ، أو خذلان الحق، الاعتدال وسطية اخلاقية تراعي الحق وتدعو له بقوة، فيما ترفض الظلم بالادلة والاسانيد التي تقنع الجميع، فالتوازن والاعتدال سمة انسانية اخلاقية قبل ان تكون ثقافية اصلا، ولكن سنتفق على ان المثقف المتكامل لابد أن يتميز بسمة الاعتدال، ويحق الحق ويعترف به، حتى لو كان على نفسه وشخصه، ولكن نلاحظ أن ثمة حالة من التفكير والسلوك الخاطئ أخذت تتنامى وتلوح في الافق وبدأت تظهر في كتابات وتصريحات بعض المثقفين، تنم عن تدخل واضح للمثقفين في الدين والفقه، وهو أمر لايتعلق برسالة المثقف ولا بدوره الذي يتوجه نحو تعميق الثقافة الايجابية بين شرائح المجتمع الذي ينتمي اليه ويتحرك بين مكوناته.

ان المثقف حين يدعو الى فصل الدين عن السياسة، فهو بذلك يدعو بوضوح الى عدم تدخل الدين ورجالاته في السياسة، لكن المثقف نفسه يبيح لنفسه التدخل في الشؤون الدينية التي تعد من الامور الفقهية الخاصة التي لايستطيع المثقف فهم تفاصيلها كما هو الحال مع المختصين بها من علماء ورجال دين، لذا فإن ظاهرة تدخل المثقفين بما لا يدخل ضمن اختصاصهم هو أمر غير صحيح ولا ينم عن وعي تام بالوظائف المناطة بشرائح المجتمع ومكوناته، نعم هناك طبقة اطباء، واخرى للكادر التعلمي ومثلها للعمال واخرى للفلاحين، وغيرها، ترى هل يقبل المثقف للفلاح أن يتدخل بشؤون الثقافة وادارتها؟.

لذلك من باب اولى أن يقبل المثقفون عدم التدخل في شؤون غيرهم، خاصة اذا كان الامر يتعلق بالعلوم والفقهيات وما شابه، فالدين له رجاله المختصون به، يعرفون خفاياه وتفاصيله وتعاليمه واجتهاداته مما لا يعرفه المثقف لانه خارج اختصاصه.

لذا لا ينبغي للمثقف أن يحشر نفسه في امور لاينجح فيها بسبب عدم عائدتها له علميا، مثلما يطالب المثقفون رجال الدين خاصة بعدم التدخل بالسياسة، فالمثقف مثلا يبيح له التحدث عن مقبولية هذه الطقس الديني او ذاك من عدمها، ثم يعبر عن استهجانه لهذا الجانب او ذاك مما يؤدّى من طقوس وشعائر، من دون أن يعرف تأريخ هذه الطقوس واهميتها في تعميق الايمان لدى الناس، وخير مثال لنا هو الآية الكريمة التي تقول (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، وهكذا يعتقد المثقفون ان لهم الحق في الخوض في الدين والفقه ويمنعون رجال الدين عن التعاطي مع السياسة بل ويقولون علنا بضرورة فصل الدين عن السياسة.

هنا لابد من أن نعيد ونكرر بأن وظيفة المثقف ذات طابع ثقافي ورسالته ثقافية تنويرية واضحة، ولا ينبغي له أن يزج نفسه فيما لايعيه جيدا ولا يعرفه جيدا، لأن الفقه الديني له رجالاته وعلماؤه، كما أن الاجتهاد له علماؤه ايضا، في حين أن رجل الدين مطالب على نحو دائم بعدم التدخل بشؤون الثقافة والسياسة وسواهما مما يرى المثقفون انه ليس من اختصاص رجال الدين.

إن هذا التناقض الواضح في نظرة المثقفين للدين وللثقافة ولدور رجل الدين والمثقف لابد أن تتمخض عن اشكالية في التعامل بين المثقفين ورجال الدين، او بين الثقافة وبين الدين، لهذا نرى انه من الضرورة بمكان أن يتنبّه المثقفون الى حدودهم، وهي ليست حدود ثابتة بهذا المعنى الحدي، بل هي حالة فهم دقيقة لحدود الآخرين، وهذا يدخل في صلب المبادئ الثقافية التي تدعو الى احترام خصوصيات الآخرين وحدودهم، فالثقافة الانسانية مثلما نفهم لها فضاءات واسعة ومنفتحة، حين يتعلق الامر بتثقيف الناس على ماهو ايجاب ومثمر، على أن تتحدد هذه الفضاءات بعدم التدخل بما تجهله من الفقه الديني كونه كما ذكرنا ليس من اختصاص المثقف بل من اختصاص رجل الدين.

وهذه دعوة لتنظيم العلاقة في هذه المجال وجعلها حالة سلوكية منتهجة من قبل الجميع، وكلنا نتفق على أن الانسان ينبغي أن يطبق مايريده من غيره على نفسه اولا، لهذا نتمنى على المثقف ايا كان توجهه او انتماؤه أن يعرف اختصاصه التثقيفي بوضوح، وأن لايزج نفسه في مجالات لايفهم خفاياها وتفاصيلها كالفقه الديني الذي له مختصوه وعلماؤه كما ذكرنا. وهكذا فإننا مطالبون بملاحظة هذه الظاهرة، وينبغي أن نعمل معا على تحجيمها، والغرض من ذلك، تحقيق الفائدة للجميع بمن فيهم المثقفين ورجال الدين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/أيلول/2012 - 23/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م