مرسي والسياسة الخارجية... تكيف مر

 

شبكة النبأ: يسعى الرئيس المصري الجديد محمد مرسي والمحسوب على تيار الاخوان المسلمين الى تعزيز موقعة القيادي من خلال اتخاذ بعض القرارات المهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، حيث يقوم هذا الرجل وبحسب بعض المراقبين برسم سياسة خاصة  تهدف الى طمأنة الاعداء والاصدقاء في نفس الوقت لاجل تغير بعض موازين القوى في المنطقة، فهو يسعى الى اعادة مصر الى مركزها القيادي كأحدى اهم الدول العربية المساهمة بصنع الكثير من القرارات المصيرية، وهو ما ينكره البعض الاخر حيث يعتبرون تلك التحركات وتلك المساعي والتي بدأت من الداخل بعد اصدار اوامر التغير والاقصاء مسعى خطير لسيطرة جماعة الاخوان المسلمين على القرار المصري متهمين مرسي بانه رجل تابع لتنفيذ خطط و قرارت حزبية مؤكدين في الوقت ذاته ان مرسي ومن خلال تحركاته الخارجية يسعى الى تلميع صورة جماعة الاخوان التي لن تتوانا عن تقديم اي تنازل الى اي جهة كانت في سبيل البقاء وتعزيز سلطاتها، وفي هذا السياق قال الرئيس المصري محمد مرسي إن سياسته الخارجية ستقوم على "التوازن" وطمأن إسرائيل إلى عدم المساس بمعاهدة السلام التي أبرمتها مع مصر كما لمح إلى اتباع نهج جديد مع إيران ودعا حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد إلى المساعدة في الضغط عليه حتى يتنحى. وقال مرسي "مصر الآن دولة مدنية بالمفهوم الذي أوضحناه قبل ذلك.. الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة."

وأضاف مرسي الذي كان مهندسا وتعلم في الولايات المتحدة والذي بدا واثقا وحازما في قصره الرئاسي "العلاقات الدولية بين كل الدول مفتوحة والأصل في العلاقات الدولية هو التوازن. ونحن لسنا ضد أحد ولكننا نحرص على تحقيق مصلحتنا في كل الاتجاهات ولسنا أبدا طرفا في نزاع وإنما نريد أن نكون دائما طرفا في عملية متكاملة واستقرار للمنطقة وللعالم."

وتولى مرسي (61 عاما) السلطة بعد أن دفعت انتفاضة شعبية الرئيس السابق حسني مبارك للتنحي العام الماضي. وكان مبارك حليفا مخلصا للولايات المتحدة وضامنا لمعاهدة السلام التي أبرمتها مصر مع إسرائيل. ويشير تأكيد مرسي على التوازن إلى أنه يتطلع إلى دور موال للولايات المتحدة بشكل أقل وضوحا في المنطقة لكنه يسعى أيضا لطمأنة الحلفاء التقليديين.

وتصف جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي إسرائيل بأنها دولة عنصرية وتوسعية لكن مرسي استقال من الجماعة لدى توليه السلطة وتجنب اللغة الرنانة في حديثه. وأكد على موقفه بأن مصر مستمرة في الالتزام بالمعاهدات الدولية ومن بينها اتفاقية السلام التي أبرمتها مع إسرائيل عام 1979.

ودون أن يذكر إسرائيل بالاسم أشار إلى أنه ليس لديها ما تخشاه من حملة عسكرية جديدة أمر بها في شبه جزيرة سيناء بعدما هاجم مسلحون موقعا حدوديا مصريا وقتلوا 16 جنديا وحاولوا عبور الحدود ومهاجمة إسرائيل. وقال الرئيس المصري "مصر تمارس دورها الطبيعي جدا على أرضها ولا تهدد أحدا. ولا ينبغي أبدا أن يكون هناك أي نوع من أنواع القلق الدولي أو الإقليمي من وجود قوات للأمن المصري" مشيرا لانتقال قوات شرطة وجيش إضافية إلى المنطقة. وأضاف أن الحملة العسكرية التي تقوم بها مصر في سيناء تتم "باحترام كامل لكل الاتفاقيات الدولية." وتفرض معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية قيودا على انتشار قوات الجيش المصري في سيناء.

وعبر مسؤولون في إسرائيل عن قلقهم من تعزيز المدفعية الثقيلة المصرية في سيناء للقضاء على المتشددين.

ومعاهدة السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل منذ العام 1979 أفضت إلى قيام علاقات دبلوماسية وتجارية بين البلدين.. لكنها ووجهت بكثير من الانتقاد على المستويات الشعبية وفي أوساط المثقفين والساسة على المستوى المحلي المصري. بل إن الحالة بين البلدين باتت تعرف إعلاميا باسم "السلام البارد". وحسني مبارك نفسه لم يذهب إلى إسرائيل أثناء حكمه سوى مرة واحدة وفي ظل تكتم شديد لتقديم العزاء بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين عام 1995.

وبعد وصول قيادي من جماعة الإخوان المسلمين إلى مقعد رأس السلطة في مصر هل يتبنى مقولة أن للساسة في سدة الحكم حسابات مختلفة عن الساسة في المواقع الأخرى؟ الرئيس محمد مرسي تولى منصبه في 24 يونيو وأثبت في المرة تلو الأخرى أنه ليس رئيسا ضعيفا وأنه قادر على اتخاذ قرارات لم يكن المراقبون يتخيلون أن بمقدوره اتخاذها وأهمها الإطاحة برؤوس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتجريده من سلطاته.

رد الفعل على فوز مرسي في إسرائيل كان مترويا وبروتوكوليا. فعلى الرغم من أن مرسي شارك في وقت من الأوقات في تأسيس اللجنة الشعبية المصرية لمقاومة المشروع الصهيوني وكان عضوا في لجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية فقد بادر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس بتوجيه رسالة تهنئة له. وفي الرسالة أعرب بيريس عن أمله في "استمرار التعاون معي استنادا الى معاهدات السلام الموقعة بيننا قبل أكثر من ثلاثة عقود والتي التزمنا بالحفاظ عليها وتطويرها من أجل الاجيال القادمة من الشعبين".

وبعدها نسبت وكالة رويترز إلى مرسي قوله في رسالة إلى بيريس قوله "أتطلع إلى بذل أقصى جهودنا لإعادة عملية السلام في الشرق الأوسط إلى مسارها الصحيح من أجل تحقيق الأمن والاستقرار لكافة شعوب المنطقة وبينها الشعب الإسرائيلي." ولكن ياسر علي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية نفى تلقي الرئيس محمد مرسي رسالة تهنئة من الرئيس الإسرائيلي كما نفى قيام الرئيس المصري بإرسال أية رسالة إلى بيريس.

وكان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي قد بعث هو الآخر رسالة إلى مرسي لتهنئته بالفوز. وبعدها قال متحدث رئاسي مصري إن وزارة الخارجية المصرية تولت الرد على نتنياهو "لأنها المنوطة بهذه الاتصالات بالنظر إلى أن مصر دولة مؤسسات". الشيء ذاته تكرر بتهنئة بعث بها بيريس إلى مرسي لتهنئته بحلول شهر رمضان. والرد الذي نشرته وسائل الإعلام نقلا عن مكتب بيريس هو "تلقيت بعميق الشكر تهنئتكم على قدوم شهر رمضان المبارك". ولابد أن إسرائيل والولايات المتحدة تتفهمان أن من العسير على مرسي أيا كانت خلفيته الأيديولوجية أو خبراته السياسية السابقة أن يتعامل بسهولة وسلاسة في ملف العلاقات بين البلدين في مثل هذا التوقيت.

وربما تكتفيان مؤقتا بضمانات تعطى وراء أبواب مغلقة أو في أحاديث خاصة بعيدا عن وسائل الإعلام. وفي مقابلة أجراها مرسي مع وكالة رويترز ألح المحاوران على الرئيس كي يعلق بشيء من الاستفاضة في موضوع العلاقة مع إسرائيل أو أن يبوح بشيء مما يجري وراء الكواليس. وإذا أمعنا النظر في المقابلة التي نشرتها أصوات مصرية بالكامل نجد التالي:

 ستة أسئلة طرحها المحاوران المخضرمان من وكالة رويترز على مرسي بشأن إسرائيل ومصر والسلام لكنه لم ينطق كلمة "إسرائيل" ولو مرة واحدة. تهرب من الإجابة على سؤال بشأن زيارة إسرائيل أو استقبال مسؤولين إسرائيليين وبدلا من ذلك تحدث عن "السلام الشامل والعادل لكل شعوب المنطقة" وعن "السلام بمفهومه العادل المستقر.. علاقتنا الدولية تقوم علي هذا التوازن".

حاول المحاوران محاصرة مرسي بالسؤال تحديدا "هل ستستقبلون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مصر؟" لكن مرسي قال بهدوء إن مصر والشعب المصري يقرر علاقاته الخارجية بإرادة حرة.

بخصوص التنسيق مع إسرائيل في موضوع سيناء شدد على سيادة مصر على سيناء مع التأكيد على عدم السماح لأي طرف بالتدخل في الشأن المصري. قالها طبعا دون أن يسمي إسرائيل تحديدا. عند سؤاله عما إذا كانت هناك تعديلات على الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل تحدث عن الاحترام "لكل الاتفاقيات الدولية".

ويتضح من الحوار ومن حوارات سابقة أن الصيغة المعتمدة حتى الآن عند الإشارة إلى السلام مع إسرائيل هي أن الرئيس المصري جاء يحمل رسالة سلام إلى العالم. وبخصوص احترام اتفاق السلام مع إسرائيل يكون التصريح الرسمي المصري هو احترام "كل الاتفاقات الدولية" وغير ذلك من الصيغ الدبلوماسية.

في السياق ذاته قال وزير الخارجية الاسرائيلي افجيدور ليبرمان يوم انه يأمل ان يزور الرئيس المصري الاسلامي الجديد محمد مرسي اسرائيل قريبا ليؤيد بالأفعال كلماته المطمئنة. وقال ليبرمان القومي المتطرف في مؤتمر قانوني في تل ابيب "نأمل بالتأكيد في ان نرى الرئيس مرسي يستقبل ممثلين رسميين اسرائيليين في المستقبل القريب. نريد ان نراه يدلي بأحاديث لوسائل الاعلام الاسرائيلية. نريد ان نراه يزور القدس كضيف على الرئيس (شمعون) بيريس في اسرائيل." وقال ليبرمان ان كلمات مرسي المطمئنة سارة لكن عليه أن يبذل مزيدا من الجهد. بحسب رويترز.

وقال ليبرمان "أسعدني ان اسمع ما... ما قاله مرسي بشأن التزام مصر بالسلام مع اسرائيل واتفاقيات كامب ديفيد ومحاربة الارهاب. "انها رسالة بالغة الاهمية. لكن من يتحدث عن السلام والاستقرار يجدر به ان يفهم ان هذا لا يمكن ان يكون امرا مجردا وافتراضيا. فالسلام له ايضا أشكال ملموسة للتعبير عنه. السلام ليس توارد خواطر."

أول زيارة الى ايران منذ 1979

وصل الرئيس المصري محمد مرسي إلى طهران في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري لإيران منذ ثورتها الإسلامية في عام 1979. وأذاع التلفزيون الحكومي الايراني لقطات حية لاستقبال رسمي لمرسي بمطار مهرباد في طهران. وحضر الرئيس المصري قمة حركة عدم الانحياز.

وقطعت العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران عقب الثورة الايرانية بسبب تأييد مصر للشاه المخلوع وتوقيعها معاهدة سلام مع اسرائيل. ويرفض مرسي منذ اصبح رئيسا لمصر الخوض في مسألة هل سيجري تعزيز الروابط مع ايران لكنه اشار الى انه سينهج سياسة خارجية أكثر توازنا.

ويقول محللون إن زيارة مرسي القصيرة تهدف إلى تفادي أي صد لإيران إلا أن تحسين العلاقات مع طهران في المستقبل القريب سيبعث برسالة خاطئة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي في تصريحات نشرتها الصحف المصرية ان الرئيس محمد مرسي لم يناقش اثناء زيارته لطهران اعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وايران. واكد ياسر علي في تصريح نشرته صحيفة الاهرام الحكومية ان "الاجتماع بين الرئيس محمد مرسي ونظيره الايراني أحمدي نجاد لم يتطرق الى مسألة رفع مستوى التمثيل او فتح سفارة".

وكان نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد الحيان اكد ان نجاد ناقش مع مرسي النزاع في سوريا "ووسائل رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين". واعربت ايران اكثر من مرة منذ اطاحة الرئيس المصري السابق حسني مبارك في 11 شباط/فبراير 2011 عن تطلعها لتطبيع العلاقات مع مصر.

وكان لهذه الخطوات الجريئة في الداخل انعكاسات في الخارج ولاسيما حضوره قمة حركة عدم الانحياز في 30 من اغسطس آب في طهران. ومع أن زيارة مرسي لطهران لم تستغرق إلا ساعات قليلة وكانت ظاهريا لتسليم رئاسة حركة عدم الانحياز لطهران فإنها لم تكن متصورة في عهد مبارك وكانت تعبيرا عن انفصال حاد عن الماضي. وحظيت الزيارة بمتابعة دقيقة من الغرب وفي الخليج وكلاهما يتوخى الحذر من طموحات إيران النووية التي تصر طهران على انها سلمية ولا تستهدف صنع قنابل.

وقال دبلوماسي غربي "نحن مطمئنون ومعجبون جدا بهذا النهج القوي. انه اشارة إلى حزم اكيد وثقة في السياسة الخارجية المصرية التي تأتي من وجود رئيس منتخب انتخابا ديمقراطيا." وشعر الدبلوماسيون في الخليج بارتياح مساو على ما يبدو. وقال سفير في القاهرة ان بلاده لم تشعر بالقلق من زيارة مرسي لأنه ذهب لتسليم رئاسة حركة عدم الانحياز لكنه استدرك بقوله "الشيء الأهم هو ان الرئيس مرسي ألقى كلمة قوية."

ويحتاج مرسي للحفاظ على علاقات وثيقة مع دول الخليج لأنها مصدر حيوي للمعونة الاقتصادية لكنه يتعين عليه بناء الثقة في منطقة يشعر فيها بعض المسؤولين بالقلق خشية أن يثير نفوذ الإخوان المعارضة في دولهم. ومما يبرز اهمية العلاقة لمصر قيام مرسي بأول زيارة خارجية له كرئيس إلى السعودية بعد اقل من اسبوعين من توليه منصبه. وتعهدت المملكة حتى الآن بتقديم اكثر من ملياري دولار لدعم الاقتصاد المصري الضعيف. وقال مبعوث خليجي آخر "نشعر ان مصر في عهد الرئيس مرسي تتحرك بخطى متوازنة مع الجميع. هذا سوف يستعيد تدريجيا الدور المحوري لمصر في المنطقة." بحسب رويترز.

وفي اطار هذه المحاولة لإعادة مصر إلى قلب المنطقة اقترح مرسي تشكيل مجموعة رباعية تضم السعودية وتركيا وإيران ومصر للمساعدة في حل الأزمة السورية. وفي حين تساند إيران دمشق تريد الدول الأخرى ان يتنحى الرئيس بشار الاسد. ووصف مصطفى كامل السيد استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الخطة بانها غير واقعية وغير عملية لأن المجموعة لا يمكن ابدا ان تتفق. لكنه قال ان ذلك ربما لا يكون الهدف الرئيسي من المبادرة. واضاف انها اشارة إلى ان مصر تود لعب دور نشط على الساحة الشرق الأوسطية وليس على الساحة العربية فقط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/أيلول/2012 - 23/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م