ظاهرة الارهاب باسم الدين

ارتداد، وليس غزوا ثقافيا

نزار حيدر

ان ظاهرة الارهاب باسم الدين ليست غزوا ثقافيا من الخارج، ابدا، وانما هو بمثابة ارتداد ذاتي يستحضر التاريخ السيء للمسلمين والذي كتبته السلطة وبمساعدة وعاظ السلاطين وفقهاء البلاط والاقلام المأجورة التي كانت تعتاش في بلاط الحكام و (الخلفاء) الفاسدين، ما حول اسوأ النماذج واحقرها الى قدوة واسوة تحرض المجتمع على الاقتداء بها.

 لقد انتشرت في الآونة الاخيرة مقاطع مصورة على الشبكة العنكبوتية لعدد من فقهاء التكفير يتحدثون في خطبهم ومحاضراتهم، وبنشوة غير معهودة وارتياح ملفت للنظر، عن جرائم فضيعة ارتكبها (صحابة) ضد (صحابة) آخرين يندى لها جبين الانسانية، فضلا عن جبين الاسلام، والسعي لتسويقها كنماذج تحتذى في العلاقات الاجتماعية، خاصة مع الاخر، تعتمد العنف والارهاب، وذلك من خلال اعتبار ما فعله السلف من اعمال فضيعة (شريعة) اي دين، يمكن ان تتكرر اليوم في علاقة بعضنا مع البعض الاخر.

 ان هذا النوع من التوظيف السيء للتاريخ المخزي للمسلمين، والسعي لتسويقه كشريعة و(دين) يلزم على (المسلم) التعلم منه وتطبيقه في علاقاته مع الاخر، هو بمثابة ارتداد الى الماضي السئ، ما ينذر بتكرار التاريخ الاموي وما يحمل من عنف وارهاب واقصاء وتجاوز على الحقوق وسحق الكرامة والحرية واستغلال الدين لأغراض السياسة ولي عنق حقيقة الاسلام كدين سماوي يحث على بناء المجتمع السليم باعتماد القيم النبيلة مثل الرحمة والعطف والحب في العلاقات الاجتماعية.

 ان التاريخ متلبس في شخصية هؤلاء، ليبرروا به افعالهم الشنيعة ويكسبوها القدسية (الدينية) المزيفة.

 ولذلك، فليس من الغرابة بمكان ان نرى من على الشاشة الصغيرة كيف ان الارهابيين والتكفيريين يقطعون رؤوس ضحاياهم ويمثلون بجثث قتلاهم ويحرقون اجسادهم، وربما يطبخون عليها وجباتهم اليومية، عندما يظهر علينا احد فقهاء التكفير ليحدثنا عما فعله (سيدنا) خالد بن الوليد ب (سيدنا) مالك بن نويرة، عندما امر بقطع راسه بعد قتله وطبخ عليه طعامه ثم زنى بزوجته، معتبرا ذلك نموذجا يجب ان يحتذي به (المجاهدون) اليوم في حربهم ضد الاخر، لان فعلته (دين) يجب الاخذ به، على الرغم من اعترافه بان الخليفة الثاني احتج على خالد بفعلته هذه ووبخه في مجلس الخليفة الاول.

 ان هذه الطريقة من التفكير والتوظيف لأسوء ما في التاريخ الاسلامي لينذر بخطر الانجرار الى (شرعنة) العنف والارهاب، وهو امر خطير يجب ان يتصدى له كل المخلصين والحريصين على الاسلام وعلى المجتمع الاسلامي، بل وعلى العلاقات الانسانية التي يجب ان تسود بين ابناء المجتمع الانساني المترامي الاطراف، والا فان اموية ثانية ستنهض من قبرها لتحكمنا بأقسى انواع العنف والارهاب والقتل والتعدي على اعراض الناس.

 اننا اليوم امام خطر الفكر التكفيري الذي بدا يسود في مجتمعاتنا بشكل مرعب، وما يزيد من خطورته انه مدعوم هذه المرة ليس فقط من نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية ومن فقهاء البلاط والاعلام المضلل المدعوم بالبترودولار، وانما مدعوم هذه المرة من قبل عدد من دول العالم والتي تقف على راسها الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا، وهو ما اشار اليه رئيس وزراء روسيا قبل يومين، عندما قال بان الغرب يريد ان يصدر الديمقراطية الى بعض الدول العربية عن طريق تنظيم القاعدة، وهو الامر الذي اسميته انا في مقالة سابقة ب (ديمقراطية الارهاب).

 لقد ظل هذا الفكر التكفيري، والذي اعتمد منذ انطلاقته من نجد قبل قرابة (3) قرون، على قاعدتي (الدم والهدم) على حد قول مؤسسه محمد بن عبد الوهاب عندما بايعه كبير اسرة (آل سعود) ظل مصدر قلق للعرب والمسلمين، يحرض على القتل والعنف والغزو والتدمير، وتاليا التفجير والذبح، وهو اداة تدمير تحت الطلب يلجا اليها نظام القبيلة كلما استعصى عليه لي ذراع شعب من الشعوب، وكلنا يعرف جيدا ما فعله هذا الفكر بالعراق منذ اكثر من قرن من الزمن ولحد الان، وها هو اليوم يتحرك باتجاه مصر وتونس وليبيا وسوريا وغيرها من البلاد العربية، فنحن اليوم امام خطر محدق وعظيم اذا لم تنتبه له الشعوب العربية، والمجتمع الدولي بشكل عام، فاعتماده لتصفية حسابات وتمرير اجندات، ومن اي طرف كان، سيرتد عليهم ان عاجلا ام آجلا.

 وبهذا الصدد ينبغي على الاسرة ان تنتبه الى خطر الفكر التكفيري الوهابي، لتعمل على تحصين وحماية ابنائها من الانجرار وراءه والوثوق والايمان به، فان ذلك هو الذي يحقق مبدا غسل الادمغة التي تعتمدها جماعات العنف والارهاب في تجنيد المغرر بهم الى صفوفها وفي خلاياها النائمة المنتشرة في كل مكان.

 وما يزيد خطورة الامر في الاسرة هو ان جل الفضائيات (العربية) واغلب الفضائيات (الدينية) باتت اليوم تتبنى نظرية تسويق هذا النهج بشكل او بآخر، فنراها، مثلا، تعمل وبكل ما اوتيت من قدرة وفن وقوة على تحويل القاتل والمجرم والذباح الى بطل (ديني) او وطني، ما يساهم في غسل ادمغة الجيل الناشئ الذي سيشب وفي ذهنه صورة (البطل) الذي ذبح ضحاياه او نسف بيوت الابرياء او فجر قنبلة او سيارة مفخخة.

 ان خطر الفكر التكفيري الوهابي لا يقل خطورة عن خطر المخدرات، بل هو اسوء منه، لان الفكر اذا ما تسلل الى عقل الانسان، خاصة اذا كان صغيرا، سيفسده فيبرر له افعاله الشنيعة وجرائمه الخطيرة، ولذلك فليس غريبا ان يتمثل الارهابيون بنماذج الجيش الاموي الذي قاتل سبط رسول الله (ص) في كربلاء، وافعالهم الشنيعة بحقهم وكأنهم نماذج تحتذى، فيسعى بكل ما اوتي من مهارة وخبث الى ان يكرر تلك الجرائم، وبدم بارد ضاحكا مستبشرا بالجنة ليتناول فيها العشاء مع رسول الله (ص) على حد زعمهم.

 ان كل ذلك سببه لا ابالية الاسرة ازاء ما يتابعه ويشاهده الابناء على الشاشة الصغيرة، ظنا منها بان مجرد كون القناة عربية او (دينية) يكفي لحماية الطفل من الانزلاق في متاهات الفساد او الانحراف، ناسية او متناسية بان الانحراف في العقل وتسميمه بالفكر التكفيري الوهابي اخطر مليون مرة من الفساد الاخلاقي، فالفكر المنحرف ينتج عقلا منحرفا، والاخير ينتج مجتمعا منحرفا يشيع فيه العنف والارهاب والقتل على الهوية والغاء الاخر، وكل ذلك مخاطر تهدد اليوم مجتمعاتنا اكثر من اي وقت مضى.

 ان على الاسرة ان لا تكتفي بدور المدرسة والنادي الاجتماعي والمسجد والحسينية في بناء الحصانة اللازمة للابناء من مخاطر الانحراف الفكري والثقافي والعقائدي، بل يجب عليها ان تتحمل مسؤوليتها بشكل كامل ودقيق ومستمر، وعليها ان تتذكر دائما وابدا بان اي دور آخر لبقية المؤسسات في المجتمع لا يعوض عن دورها في البناء السليم والسوي للابناء.

 عليها ان تراقب التغذية الفكرية والثقافية والعقائدية للابناء مراقبتها للتغذية الجسدية لهم، فكما انها تهتم بنوعية الغذاء الذي تطعمه للابناء فان عليها كذلك ان تهتم بنوعية الغذاء الفكري والثقافي الذي تطعمه لهم.

 ان على الاسرة ان تغذي الابناء فكرا سليما لا يلوث عقولهم بالعنف والتطرف والتكفير والالغاء، وان عليها ان تراقبهم عندما يتسمرون امام الشاشة الصغيرة لئلا يتغذون على الفكر التكفيري الوهابي الذي يغذي العقول على الكراهية والبغضاء والارهاب، من خلال تسويق نماذج تاريخية سيئة، كان يجب محاكمتها غيابيا على جرائمها الشنيعة بدلا من تسويقها كابطال ونماذج تحتذى.

 على الجميع ان يحذر من مغبة انتشار الفكر التكفيري الوهابي في مجتمعاتنا، وعلينا جميعا ان نتصدى له بكل الاشكال، على الاقل من خلال استهجانه ومقاطعته وعدم التبرير له والتعامل معه، لانه اذا انتشر في المجتمع، فسيقضي على كل امل في بناء المجتمع المدني ودولة القانون، بل انه سيحول مجتمعاتنا الى غابات من الوحوش تتقاتل فيما بينها على الهوية والانتماء، وهو بلا حدود ولا يميز احدا عن احد.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/أيلول/2012 - 22/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م