نوافذ وشبابيك وتواصل

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: العين نافذة الروح، تخترق الاستار وتزيح المخفيات من قلق العذابات، باصرة، مبصرة، لها الضوء، والنور، وبها نبصر الشمس، ونطالع القمر، ومنها يشتق الشعاع، تسمية ووصفا لاشعة الشمس، والنور وصفا وتسمية لضوء القمر..والنوافذ هي عيون البيوت التي تطل على الشارع وعلى الدنيا باسرها.

والنوافذ ليس لها حصر او عد، فهي في الروح اكثر مما تستطيع ان تحيط به علما، وهي في الحياة التي نعيش ونحيا، اكثر من ذلك.

والنوافذ ايضا حالات متعددة فهي مغلقة باحكام او مواربة او مفتوحة، وفي في جدتها وحداثتها، في قدمها ورثاثتها تتعدد احوالها.

في حالة اغلاقها المحكم لا تكون ناظرا او منظورا اليك، فانت في رحم الداخل، داخل المكان وفضاؤه المغلق، تحتمي من الفضول وتحمي نفسك، لكنك في الاحتجاب خلف النافذة يحيط بك الغموض، وهو غموض يغري الاخرين بالتلصص عليه والرغبة في كشفه.

في حالة المواربة، انت بين حالتين، حالة الكشف الناقص وحالة التواري المتربص، منظورا او ناظرا اليك، لا تملك ولا يملك الاخرون الا انصاف المعرفة، فلا شيء مطلق او كامل، تحتفظ بالقليل من خصوصية يراها الاخرون متوارية خلف نافذة مواربة، وتراها انت كافية لدخول الضوء او الهواء.

في حالة النافذة المفتوحة، انت مشرع امام كل شيء، امام الضوء والهواء والمطر والنظر وغيرها مما تستطيع ان تحميك النافذة منه.. فيها يستحيل النظر الى تلصص، يحاول قراءة التفاصيل، فهو اخترق الحجب والمنع، ويطمح الى المزيد.

والشباك هي نفسها النافذة ولكن اضلعها الاربعة تكون متصلة ببعضها باجزاء خشبية او معدنية اما النافذة فهي كلمة اشمل لكل ما ينفذ من البيت غير الباب... وكلمة شباك فهي محصورة للنوافذ التي تتصل اضلعها الاربعه وجائت التسمية بفعل عملية التشبيك والتوصيل بين قوائم النافذة الاربعة.

في كتابه «شعرية التنافذ» الذي صدر عن دار أزمنة للنشر والتوزيع يحاول شاكر لعيبي، المقاربة بين قصيدة الشاعر الألماني ريلكه «النوافذ»، وبين قصيدة الشاعر بدر شاكر السياب «شباك وفيقة»، وتتبع نقاط الالتقاء بين هاتين القصيدتين، ضمن ما أطلق عليه لعيبي مصطلح "شعرية التنافذ". وقد تناول الباحث هذا المصطلح من ناحيتين، الأولى من حيث دلالة «الشباك/ النافذة» في الأدب العربي القديم، وما طرأ عليها من تحولات حتى بداية القرن العشرين، ودلالتها على التأثير الشعري المتبادل، واستفادة الشاعر من تجارب غيره من الشعراء (كأن التجارب الشعرية المختلفة نوافذ تطل على بعضها بعضاً، وتتأثر ببعضها بعضاً)، والناحية الثانية، من حيث دلالة «النافذة» كمفردة رديفة للشباك تكررت في قصائد ريلكه كما تكررت في قصائد السياب أيضاً.

وفي محاولته للتوثيق التاريخي لمفردة الشباك كدالة رمزية، يرى شاكر لعيبي أنه غالباً ما كان يجري التعاطي مع «الشباك» في الأدب العربي بوصفه محبساً وقفلاً مكوناً من الحديد، حيث ظل هناك برودٌ في معنى «الشباك» وغيابٌ لاستخدامه الرمزي في التراث العربي القديم، مشيراً إلى أن النافذة كمرادف للشباك هي كلمة مستحدَثة في اللغة العربية، حوّلت الشباك من مجرد حاجز حديدي إلى مغزى قيمي ومجازي ورمزي.

ويلفت الباحث إلى أن السياب، الذي ولد العام 1926، أي في العام الذي توفي فيه ريلكه، يبدو في شعره مأخوذاً بجميع الأشكال التي ترمز إلى الإطلالة على الخارج، الشبابيك، النوافذ، الشناشيل، الأبواب، والشرفات، حيث يبدو «شباك وفيقة» مرقباً من تلك المراقب التي كانت تنظر منها المرأة للعالم الخارجي بشكل أحادي الجانب، وعبره يمكنها مشاهدة العالم الخارجي من غير أن يسمح ـالشباك- للعالم أن يراها لتبقى في عزلتها وعتمتها المفروضة عليها قسراً.

ويشير الباحث إلى أن قصيدة السياب تُظهر النافذة بدلالتها التي تعبر عن الوحدة والتوحد والوحشة التي تعيشها المرأة، حيث تبدأ القصيدة بتسليط الضوء على التناقض الذي تشتمل عليه النافذة، فهي مطلّة، وفي الوقت نفسه معزولة، هذا التناقض بين الوحدة واللقاء هو العصب الذي يحرك القصيدة من طرف خفي، منتجاً بذلك مدخلاً لشعرية التنافذ التي تشغل بال الشعر المعني بالشبابيك والشرفات بشكل خاص.

في الاحلام لا شيء من الخير يصيبك اذا كان في ما حلمت به نافذة واحدة او نوافذ متعددة..

فإذا شاهدت نوافذ في أحلامك فإن هذا يعني ذروة مشؤومة للآمال اللامعة. سوف ترى أغلى رغباتك وهي تغوص في اليأس. وستكون الجهود العقيمة مقدرة عليك. إذا رأيت نوافذ مغلقة فإن هذا يرمز إلى الهجران. إذا كانت النوافذ مكسورة فسوف تلاحقك شكوك تعيسة في إخلاص من يحبونك. إذا جلست في نافذة فإن هذا يدل على أنك ستكون ضحية حماقة. إذا دخلت منزلاً عن طريق النافذة فإن هذا يدل على افتضاحك وأنت تستخدم وسائل غير شريفة ظاهرياً. إذا هربت عن طريق نافذة فإن هذا يدل على أنك سوف تقع في مشكلة ستجعلك شراكها قريباً منها. إذا نظرت عبر نافذة وأنت تمر وظهرت لك أشياء غريبة فإن هذا ينبئ أنك سوف تخفق في مهنة اخترتها وتخسر احتراماً خاطرت من أجله بالصحة والاطمئنان.

ولعل أشهر النوافذ، هي نوافذ السجون، ونوافذ عربات السجن، تصبح بالنسبة للمساجين الرمز الوحيد للحرية، ويفضل الرسامون أن يرسموا يدين تقبض على قضبانها، حجمها مربع صغير، به قضبان متجاورة، عالية، يتسلل الضوء في النهار منها، قافزا فوق أسوار القيد، وفي المساء ينسحب الضوء رويدا رويدا مخلفا المساجين يتطلعون إلى النافذة الحديدية في أمل.

بالنسبة إلى الكثير من المساجين فإن شباك عربة السجن يظل هو الملاذ الأخير لهم، الباب الأخير الذي يفتح ناحية الحرية.

الشباك ابن شرعي للمشربية، الذين ذهبوا إلى القاهرة الفاطمية يعرفونها، والذين صلوا في المساجد القديمة يتذكرونها، والذين قرأوا ثلاثية نجيب محفوظ التي تدور في ثلاثينيات القرن الماضي تخيلوها جيدا.

سميت المشربية بذلك لأن بروزها كان يكثر هواءها فتوضع فيها قلل الماء للشرب، وهي تصنع من خرط دقيق من الخشب، واسم المشربية مشتق من الأصل "يشرب "، ويطلق على النوافذ المصنوعة من الأعمدة الخشبية الرفيعة المتشابكة وتتقارب القطع الصغيرة الدقيقة التي تتكون منها المشربية فلا يستطيع الجيران ولا المارة أن يروا ما بداخل البيت، لكنها تأذن في الوقت نفسه بمرور الضوء الخافت والهواء إلى الداخل، وفيها فتحات صغيرة يمكن فتحها أوقات الضرورة.

نوافذ الانترنت مختلفة تماما عن النوافذ الخشبية المسكينة، فنظام ال windows يفتح نوافذ من نوع مختلف، ونوافذ الشات في مقاهي الانترنت وفي البيوت، تؤكد أن مفهوم النافذة أصبح مختلفا.

النافذة هي التي ينفذ منها الضوء، وربما كان هذا سببا وجيها لتسميتها بهذا الاسم، والشرفة مأخوذة من الاشراف على الطريق أسفلها، والشبابيك هي التي غنى من أجلها محمد منير " شبابيك، الدنيا دي كلها شبابيك، دي عنيك، شبابيك " أما المشربية فقد ذهب زمانها مخلفا ذكريات جميلة لدى من عاشوه، وشرفات، وعيون على الشوارع كثيرة.

ما اكثر النوافذ في حياتنا.. انها لم تعد تقتصر على نوافذ بيوتنا ومكاتبنا وحجرات الدراسة.. ثمة منافذ كثيرة.. وبمسميات ومعانٍ عديدة.. في المطارات والاسواق والشركات والوزارات ودور العرض السينمائي والبنوك ومحطات الوقود والمطاعم ثمـة نوافذ او منافذ للبيع والشراء والتعامل مع الزبائن.

هي نوافذ صغيرة للتوصل واجراء مختلف المعاملات.. مثلما هناك ايضاً نوافذ ومنافذ للنجاة في القطارات والطائرات والبواخر وللسيارات ايضاً نوافذها التي تفتح وتغلق باليد او كهربائياً بالريموت كنترول.

ويتواصل مسلسل النوافذ ليشمل ادق تفاصيل حياتنا وليعبر بشكل فلسفي عميق عن اهمية النافذة كوسيلة للتواصل وطريقة للتعـامل واداة للتعبير والتعليم مثلما هو الحال في نافذة الكمبيوتر... ورغم كثرة هذه النوافذ التي قد تشعرنا بالحرية والاريحية لكن البشر مازالوا يشعرون ان هذا العالم خانقاً وضيقاً وبحاجة للمزيد والمزيد من النوافذ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/أيلول/2012 - 21/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م