متى يتجاوز الساسة العراقيون خوفهم؟

 

شبكة النبأ: السياسة اداء فكري اداري يمكن أن يتعلمه الانسان عبر طريقين، الاول تنظيري حين يقوم بدراسة علم السياسة على نحو جاد وبعقل متفتح قادر على الاستيعاب، والثاني عملي، حيث يمكن للسياسي ان يتقن عمله بالتجربة والاحتكاك المباشر مع القضايا السياسية، وثمة الذكاء والدراية والفطنة والحكمة وربما الدهاء ايضا، اذ تجتمع هذه العناصر معا لتشكل شخصية السياسي وقدراته في التعامل مع السياسة.

هناك ارث قديم لا يزال يجثم على صدور السياسيين العراقيين، يمكن أن نسميه ظاهرة الخوف من الماضي التي لا تزال تهيمن على الأنشطة السياسية في العراق، فمنذ أن بدأت لحظة التغيير والشروع بتجريب المنهج التحرري، في ادارة شؤون العراق، حالة الخوف التي تلبّست السياسيين، وهم يحاولون بناء الدولة العراقية، وقد تبدو أسباب الخوف واقعية، وشاخصة على الارض، كما هو الحال مع أعداء التجربة السياسية الجديدة في العراق، ولكن ثمة حكمة تؤكد على أن فهم الوقائع، والنتائج، والاسباب، يبطل الخوف منها، ويدفع بمن يتضرر بها، الى الاجتهاد في معالجتها، والقضاء عليها.

وذلك من خلال فهمها، والتعامل معها بحكمة، ودراية، وتأن، يجعل نتائج النجاح مضمونة، فهل قام القادة السياسيون في العراق، بدورهم في التخلص من فوبيا الماضي، كي تسير عجلة السياسة في المسار الصحيح، أم أنهم تلكؤوا في هذا المضمار؟، إن النظر الى الوعاء الزمني الممتد من 2003 حتى الآن، يدلل على أن القادة السياسيين بدلا من أن يفهموا هذه الظاهرة جيدا، ويبحثوا في أسبابها ونتائجها، جعلوا منها بعبعا يهدد العملية السياسية، ويعمل على اجهاضها، بل لعلهم او بعضهم، ساعد المناهضين (من دون أن يقصد) على إعاقة التقدم السياسي، ونشر النهج التحرري القادر على بناء الدولة المدنية الناجحة، ولعل عدم قيادتهم لعمليات التغيير بالصورة الصحيحة، والمطلوبة، يقع في مقدمة الاسباب التي ساعدت على تعويق تقدم التجربة الجديدة.

إن المقصود بعمليات التغيير، هو الانتقال من المنهج الدكتاتوري وتوابعه، الى المنهج التحرري وآلياته، وهي معروفة تماما، لكنها تحتاج الى برامج مخطط لها سلفا، وتحتاج الى من يطبقها بالصورة الصحيحة على الارض، بمعنى أوضح، أن القيادات السياسية التي تتخوف من الجهات المعادية، كان عليها ان تقود عمليات التغيير بنجاح، وفق آليات مدروسة ومطبَّقة على نحو دقيق لايقبل الخطأ، ولا يمنح الثغرات التي يمكن للاعداء النفاد منها، واستغلالها لتعويق العجلة السياسية، وتحميلها بالاخطاء التي تجعل من سيرها متباطئا.

بل وقد توقفها من الحركة الى الامام، وهذا هو الهدف الاهم للجهات المعادية، والغريب أن واقع الحال السياسي، يشير الى اصطفاف بعض النخب السياسية مع فوبيا الماضي وادواته، من دون أن تتنبه هذه النخب لهذا الخطأ الجسيم، ولانعني الاصطفاف المقصود سلفا، بل الاصطفاف الناتج عن الخطأ في التعامل مع الآخرين في وادارة العملية السياسية، فحين تبرز مظاهر الاقصاء، والتهميش، والخوف من التغيير، بين هذه الكتلة او تلك، او بين هذا الحزب وذاك، وحين يتصاعد حس المؤمرة والخوف، بين هذه الاطراف التي تشترك في تشييد البنية السياسية الجديدة للعراق، وحين تنفصم وتتهدم جسور الثقة، بين اطراف العملية السياسية، فإن هذه الاسباب مجتمعة وربما هناك غيرها، ستصب من دون أن يعي ساستنا في صالح الأعداء، الذين يهدفون قبل غيرهم، الى تعطيل وهدم العملية السياسية برمتها.

إذن لابد أن تغادر النخب السياسية حالة الخوف من أعداء التجربة المتحررة، يرافق ذلك عمل دؤوب، لتطبيق وترسيخ المنهج الديمقراطي، حتى لو تطلّب الامر تقديم التنازلات التي قد تبدو كبيرة، نتيجة لأعباء الماضي أيضا، فالخوف من تجارب الماضي، ينبغي أن لايعمل لصالح أعداء الديمقراطية التي لاتزال هشة، ولم تترسخ بعد، في اطار دولة مؤسسات مدنية قوية، لايُخشى عليها من الرافضين لها.

فالمجال لم يعد متاحا لمن يخاف تبعات الماضي، الى الدرجة التي تجعل منه عاملا مدمّرا لتجربة العراق الجديدة، وينبغي أن يكون الجميع من نخب العراق السياسية مستعدين لحماية الديمقراطية، وتطويرها ودعمها بوسائل الاتفاق كافة، وليس صحيحا قط، أن يظل الخوف معششا في عقول، وافكار، وافعال قادتنا السياسيين، حتى نصل الى اليوم الذي تموت به تجربتنا، بسبب فوبيا الماضي ومنح الاعداء فرصة الانقضاض على التجربة المتحررة والقضاء عليها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/أيلول/2012 - 21/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م