شبكة النبأ: يوم بعد آخر تتأكد حاجة
العالم الى السلم في ظل تغيرات متسارعة وهائلة تتعلق بالزيادة الكبيرة
في سكان الارض، وتعاظم قوة الردع النووي او التقليدي لدى العديد من
الدول، الامر الذي يجعل الانسان اكثر حاجة الى التوازن واعتماد الحكمة
في ادارة المصالح القومية للدول العظمى وسواها.
لقد اعلنت مصادر مطلعة ان الترسانة النووية التي تتواجد في كزكب
الارض تكفي لتدمير اكثير من سبعين مرة تدميرا كاملا بما عليها من
كائنات او مادة، هذا التوصيف المرعب ينبغي ان يدفع قادة العالم الى وضع
خطوات لاحياد عنها، تضبط بصورة محكمة استخدام السلاح وتوازن بين مصالح
الدول كافة، وذلك من خلال نشر الفكر السلمي الذي يقبل الآخر، ويحترم
الانسان بغض النظر عن طبيعة آرائه ومعتقداته وانتماءاته أيضا، بمعنى
أوضح يسعى المفكرون والمصلحون الى بناء الانسان المسالم والفاعل في آن،
ولن يتم هذا من دون تهيئة وتطوير (العقل الأخلاقي) الذي يحترم الآخرين
قبل نفسه ويحرص على مصالح الآخرين قبل مصالحه، ويدرِّب نفسه بإخلاص
وجدية على احترام الجميع بغض النظر عن درجة التقارب او الاختلاف معه.
نعم ان عالمنا اليوم يحتاج لعقول قادرة على رسم وتنفيذ سياسات اكثر
حكمة وعدالة، وبات البحث عن الوسائل الداعمة للسلم العالمي أمرا لا
يقبل التأجيل أو التلكّؤ، والسبب أن الدلائل والمؤشرات الواقعية تشير
الى تراجع وتدني درجات السلم العالمي، بحسب منظمات دولية معنية بهذا
الجانب، فالسلم العالمي يتراجع للسنة الثالثة على التوالي كما كشف ذلك
مؤشر السلام العالمي (GPI)، وهذا ما يؤكد تراجع الاهتمام الدولي بتحقيق
السلم نتيجة لازدياد الصراعات، وحماية المصالح بغض النظر عن الاضرار
التي قد تلحقها بالآخرين.
توجد دول عظمى، وأخرى متقدمة في الاقتصاد والسياسة ونظم الحياة كافة،
ويبدو ان هذه الدول بحكوماتها التي لا تعنيها سوى مصالحها القومية، لا
يعنيها شأن الانسان في دول وشعوب أخرى يأكلها الفقر ويسحقها الجهل
والمرض، الامر الذي يتسبب بظهور بؤر الاحتقان في أماكن متعددة من
العالم، مما يؤدي الى تدّني السلم على مستوى العالم، لهذا لابد أن يسعى
العالم المتقدم أولا الى صنع العقل الاخلاقي القادر على تحييد نزعات
التفضيل الذاتي لدى قادة وحكومات الدول الكبرى والمتطورة لاسيما
الغربية منها، من اجل التنبّه الجاد الى الشعوب الفقيرة، ثم العمل
الحقيقي على تقليص الفوارق الكبيرة بين الشعوب المرفّهة والشعوب
القابعة في مستنقعات الجهل والفقر والمرض وتدنّي مستويات الوعي
والتعليم وسوهما.
لذا لايصح لقادة العالم سواء كان سياسيا أو مفكرا او مصلحا او حتى
شخصا عاديا، أن يركن الى الصمت على تراجع السلم العالمي لثلاث سنوات
متتالية، ولا ينبغي التعامل مع هذه الظاهرة بالتغاضي، او التجاهل، او
اللامبالاة، ولابد للمعنيين أن يبحثوا بجدية عن الاسباب التي أدت الى
هذا التراجع، وهي معروفة على نحو عام، وجلّها يتركز في الصراعات
الدولية والاقليمية، والصدامات التي تنتج عن حماية المصالح، مقابل
الضمور المتواصل للدور الانساني الفاعل في نشر ثقافة الاحترام
المتبادل، وقبول الجميع بالجميع، والتمرّن المستمر على كبح نزعة
التفضيل الذاتي.
اوهذا احد اهم الاسباب التي تضاعف من مخاطر التطرف وتوالد بؤر
العنف عالميا، ولابد أن نمر على العراق في سياق الحديث عن السلم
والارهاب والتطرف في العالم، فهذا البلد المتوتر على الدوام، ظل يقبع
في أسفل قائمة الدول الأكثر عنفا لسنوات متتالية، حيث كان يحتل موقع
الدولة الاخيرة (153) في مؤشر حالة السلم العالمي، تسبقه بدرجة واحدة
الصومال (152) ثم السودان (151)، ولكنه يتقدم للمرة الاولى - هذا العام
2011 حسب المؤشر نفسه- بدرجة واحدة الى أمام ليصبح في المرتبة (152)
متقدما على الصومال التي انتقلت الى الدرجة الاخيرة بدلا منه.
وهذا ما يدعوا الحكومة الى مضاعفة جهودها الامنية والعمل على معرفة
الاسباب وتأشيرها ووضع السبل الكفيلة بمكافحتها، علما أننا نتفق جميعا
بأن معالجة تراجع السلم العالمي تتطلب جهدا عالميا، لا ينحصر بدولة او
بعدة دول مهما كانت مكانتها السياسية او الاقتصادية، او درجة تطورها،
بل ينبغي أن تكون هناك عقول وجهات دولية رسمية وأهلية، ذات توجهات
إنسانية مخلصة، تتصدى لمهمة السلم العالمي وتدفع بالعالم أجمع نحو
الانسجام، والتناقل الحضاري المعرفي، لكي يسود الحوار بدلا من التصادم،
والتفاهم بدلا من العنف، والقبول بدلا من الإلغاء، والاحترام بدلا من
التجاهل أو السخرية، ولن تتحقق مثل هذه الخطوات والاهداف من دون العقل
الاخلاقي القادر على قيادة العالم الى مرفأ السلام والتناغم المضطرد. |