تنمية الخطابة والكتابة

من فكر سماحة المرجع الشيرازي

عبدالكريم العامري

 

شبكة النبأ: قيل (لكل شيء آفة وللعلم آفات) هذا القول يؤيد الاعتبار العقلاني، أي أنه صحيح خارجا، فإننا نلاحظ في الواقع الخارجي أن نسبة كبيرة ممن بدأوا طريق العلم والدراسة بإصرار وإيمان لم يستمروا حتى النهاية، بينما النسبة الأقل هم الذين استطاعوا التغلب على المشاكل الكثيرة التي تحف طريق طلب العلم.

من بين اهتمامات السيد صادق الحسيني الشيرازي، موضوع تنمية عقل وفكر طالب العلم والكيفية التي يتم بها التطوير ولماذا؟ حيث يقول في محاضراته العلمية القيمة: إذا كانت المشاكل والعقبات في طريق العلم كثيرة فيما مضى، فإنها اليوم أكثر. فأكبر مشكلة في السابق كانت تتلخص بعدم وجود الكتاب، وكون الكتب مخطوطة، فكان طالب العلم الذي يريد أن يقتني كتابا، أمام خيارات متعددة: إما أن يستعير نسخة خطية أو مستنسخة ثم يقوم بنسخها من أول الكتاب الى آخره، أو أن يدفع ثمنا باهضا لشراء نسخة من الكتاب، وهذا لم يكن ميسورا لأكثر الطلاب، أو البحث عن متبرع بالثمن.

أما اليوم فبإمكان غالب طلاب العلوم الدينية شراء نسخة من الكتاب الذي يريدون دراسته. إذا يمكن القول: إن مشكلة صعوبة الحصول على الكتاب لم تعد اليوم موجودة.

إن كثيرا من مطالب أصول الدين يشعر الفرد ـ بل حتى كثير من أهل العلم ـ بالحاجة الى تعلمها سواء بالدراسة أو المطالعة أو المباحثة، وكذا الحال بالنسبة لكثير من الأحكام الشرعية.

كما أننا بأمس الحاجة الى تعبئة علمية لمعرفة كثير من الأحكام الشرعية وبالأخص تلك التي هي محل ابتلائنا، وهكذا الأمر في مقام الهداية والإرشاد وتعليم الأحكام، ومواجهة أصحاب الديانات والمذاهب الباطلة والأفكار المنحرفة. فهذا كله يعد من الواجبات العينية التي يجب على الفرد المسلم السعي لتعلمها.

لقد ورد في الحديث المأثور عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) قوله: (اطلبوا العلم ولو بالصين). تعلمون كم هي المسافة بين الحجاز والصين، ومدى صعوبة قطعها، خاصة في مثل تلك الأيام؛ وغايته الوصف بأبعد مسافة متصورة حينذاك، لما لطلب العلم من أهمية شرعية وعرفية في حياة الإنسان.

فلا يتصور أحد أن الموضوعات الإسلامية كلها علوم لا اقتضائية، فكثير مما يعبر عنه اصطلاحا بالأخلاق مثلا إنما هو من الواجبات، وضده من المحرمات. هنا تتبين أهمية العلم وكيف أن النوم مع علم خير من صلاة على جهل، لكن، يؤكد السيد المرجع الشيرازي بالقول: على طلاب العلوم الدينية أن يهتموا بهذين البعدين المهمين مبكرا. فكل الأنبياء والقادة والمصلحين يتمتعون بموهبة الخطابة، كما أنك قلما تجد عالما مبرزا لم يعن بالكتابة منذ شبابه. فالإنسان في شبابه أكثر قدرة على التركيز، والمجال مفتوح أمامه أكثر، والمشاكل التي يعاني منها أقل في الغالب، فغير المتزوج مشاكله أقل من المتزوج، والمتزوج أقل مشكلة ممن ليس عنده أولاد، وذو الولد مسؤوليته أقل من ذي الولدين.

وهكذا كلما يتقدم الإنسان بالعمر تقل الفرص أمامه وتكون مسؤولياته أكثر، لهذا ينبغي المبادرة الى تنمية هذين البعدين ـ الخطابة والكتابة ـ قبل فوات الأوان. وهاهنا واحدة من ما أفاضت به وأجادت عقليته المتنورة وروحه السمحة السيد صادق الحسيني الشيرازي، حيث نختصرها بثلاث نقاط جديرة بالاهتمام من شخصية عالية خبرت الحياة العلمية والعملية:

الأولى: تقبل النقد البناء

بعض الأشخاص يستاء لو وجه نقد لعمله أو إنتاجه، كما لو نبهّ على وجود أخطاء في كتابه أو أمور غير سائغة في خطابه، وبعض آخر وإن كان يتقبل النقد إلا أنه لا يأخذ به في تنمية قدراته، وهناك طائفة ثالثة تطالب الآخرين بالنقد وترحب به من أجل تطوير عملها.

حري بالإنسان أن يسمح للآخرين في نقده، ولا شك أنه يوجب استفادته من وجهات النظر الصحيحة المطروحة عليه، وذلك من خلال تنمية قدراته والتقدم في أعماله.

ثانيا: البحث عن مدرسين جيدين

إن الاعتماد على الأستاذ والاستفادة من خبرته وإرشاداته والتدرب لديه، يوجب الوصول الى الهدف بصورة أفضل وأسرع. ينبغي عدم اليأس بسرعة من الحصول على أستاذ جيد، فإنه: من جد وجد.

ثالثا: حفظ النصوص

فإن حفظ الأبيات الشعرية والمنظومات القصائدية في علم من العلوم الدراسية، فضلا عن الخطابة والتأليف يبقي ذكر المطالب في الذهن أكثر، فإنك حتى لو درست كتاب الشرائع ـ مثلاـ ودرّسته مرات، قد تنسى قسما كبيرا منه بعد مرور عشرين سنة، أما إذا حفظت منظومة فقهية الى جانب ذلك، فإن ما يبقى في الذهن سيكون أدوم، وهكذا الحال مع المواد الأخرى كألفية ابن مالك في النحو، وغيرها.

فحفظ أمهات المسائل والأصول والخطوط العامة حفظا جيدا بحيث يمكن للمرء استحضارها متى شاء، لابد أن ذلك سيعينه على أمره كثيرا.

إن ما ذكر من هذه المطالب، إذا عمل بها طالب العلم، استطاع، رغم كل المشاكل، أن يحصل على نتائج في الدنيا والآخرة، وعلى رأس تلك الأمور ذكر الله تعالى باللسان والقلب، أعني التوجه الدائم الى الله سبحانه وتعالى؛ ليطمئن بذكر قلبه ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب) سورة الرعد/ 28.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/أيلول/2012 - 16/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م