قامت الشبكة العربية للتمويل الأصغر في البلدان العربية – سنابل
بإصدار أحدث استبيان للتمويل الأصغر الإسلامي في المنطقة العربية حيث
قامت بجمع بيانات من 36 مؤسسة تمويل أصغر عربية كما يلي 12 مؤسسة من
السودان 7 مؤسسات من فلسطين و5 مؤسسات من اليمن و4 مؤسسات من العراق،
مؤسستان من الأردن، مؤسستان من لبنان، ومؤسسة من سوريا، وواحدة من مصر،
وواحدة من البحرين، وواحدة من المملكة العربية السعودية.
وقد تم جمع البيانات من كل من مؤسسات التمويل الأصغر التي تعمل
بشكل متوافق تماماً مع الشريعة الإسلامية وكذلك المؤسسات التي تعمل من
خلال نافذة لتقديم خدمات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية بدءً من
الربع الأخير من عام 2011 وحتى الربع الثاني من عام2012 وذلك بالتعاون
مع المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء(سيجاب) وبتمويل من الوكالة
الفرنسية للتنمية.
حيث وضح الاستبيان أن إجمالي محفظة 30 مؤسسة تمويل أصغر عربية تقدم
التمويل الأصغر الإسلامي هي 567467 عميل بإجمالي قيمة تقدر 226.27
مليون دولار في عشر دول عربية وبمقارنة محفظة تلك المؤسسات مع إجمالي
عدد عملاء التمويل الأصغر في منطقة الوطن العربي وقيمة المحفظة الوارد
ذكرهما بالتقرير العربي الإقليمي لعام 2010 (حيث أن إنحراف قيم المحفظة
العربية لا يؤثر في النتائج المقارنة) فنجد أن إجمالي المحفظة النشطة
لعملاء التمويل الأصغر في الوطن العربي في الربع الأول من 2010 هو3
مليون عميل بمحفظة قيمتها 1.59 مليار دولار مما يعني ان نسبة عملاء تلك
المؤسسات التي تضمنها الإستبيان ويتمتعون بخدمات التمويل الأصغر
الإسلامي هي تقريباً 19% من إجمالي عدد عملاء التمويل الأصغر العربي
وقيمة محفظة التمويل الأصغر الإسلامي هي تمثل 14.2% من إجمالي محفظة
التمويل الأصغر العربية.
وبتحليل أرقام الاستبيان نلاحظ أن عدد العملاء التمويل الأصغر
الإسلامي في السودان هو396940 بما يمثل تقريباً 70% من إجمالي عدد
عملاء مؤسسات الإستبيان كما يمثل عملاء التمويل الأصغر الإسلامي في
لبنان 59% من إجمالي قيمة المحفظة الخاصة بمؤسسات الإستبيان.
كما أن 47% من تلك المؤسسات هي مؤسسات غير حكومية و3% فقط منها هي
مؤسسات حكومية مما يدل على تدني تدخل الحكومات العربية لممارسة هذا
النشاط بشكل مباشر و15% فقط من تلك المؤسسات هي مصارف تجارية و9% من
تلك المؤسسات هي بنوك تمويل أصغر متخصص و23% من تلك المؤسسات شكلها
القانوني مؤسسات مصرفيه غير بنكية.
كما وضح الإستبيان الغياب التام للإسواق العربية الرئيسية للتمويل
الأصغر في تقديم خدمات التمويل الأصغر الإسلامي فنجد غياب الأسواق
المصريه والمغربية والتونسية وتلك الأسواق تمثل أكثر من80% من الحصة
المخدومة من عملاء التمويل الأصغر العربي.
على العموم هذا الاستبيان هو وثيقة لعرض النتائج المحققة من تلك
المؤسسات التي يتضمنها الإستبيان وهو يعبر بشكل أو آخر عن ضعف إنتشار
التمويل الأصغر الإسلامي في الدول العربية وعدم إقبال مقدمي خدمات
التمويل الأصغر التقليدي على تقديم خدمات التمويل الأصغر الإسلامي إلا
من رحم ربي فمؤخراً مثلاً تم الإتفاق بين جمعية رجال الأعمال
الإسكندرية وهيئة التمويل الدولية بأن تقدم الجمعية خدمات التمويل
الإسلامي بصيغة المشاركة والإيجارة وبشكل تجريبي بتمويل ذاتي من
الجمعية يتراوح بين 15-20 مليون جنية يخصص في المشاريع المتعلقة
بالإنتاج الألباني الجاموسي على أن تقدم الهيئة التمويل الدولية الدعم
الفني.
والسؤال المطروح للمناقشة هو لماذا لا تنتشر خدمات التمويل الأصغر
الإسلامية في المنطقة العربية؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب تفهم
توجهات أضلاع مثلث العملية التمويلية وهم العميل والمنتج ومؤسسة
التمويل.
فعند فهم وتحليل سلوك الفئات المستهدفة في المنطقة العربية
وتوجهاتها نحو طلب التمويل الأصغر بالصيغة الاسلامية من عدمه فنجد في
مذكرة للمجموعة الإستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) والتي بعنوان (التمويل
الأصغر الإسلامي: سوق متخصصة ناشئة) أن الدراسات التي أجريت على تحديد
قوى الطلب على أدوات التمويل الأصغر الإسلامي تشير إلى أن ما يقرب من
ثلثي عملاء سوق التمويل الأصغر في العالم الإسلامي إما يصرون على أو
يفضلون التمويل الإسلامي.
فمثلاً قد أعلن ما يزيد عن 60% من منخفضي الدخل المشاركين في
الاستقصاء في قطاع غزة والضفة الغربية أنهم يفضلون ادوات التمويل
الاسلامية حتي وإن كانت اعلى تكلفة وفي الأردن أظهرت الدراسات التي
أجرتها الوكالة الأمريكية أن 32% من اولئك الذين اجريت معهم المقابلة
ذكروا اسباب دينية لعدم اقبالهم على الحصول على قروض من مؤسسة فينكا
الاردن وفي اليمن يطالب40% بالخدمات الاسلامية مهما كانت التكلفة وفي
سوريا ايضا كشف استقصاء ان 43% من المشاركين يرون ان الأسباب الدينية
هي اكبر مانع للحصول على التمويل الأصغر، خلاصة القول أن الفئات
المستهدفة تفضل الحصول على التمويل بالصيغة الإسلامية ويظل السؤال كما
هو فلماذا لا ينتشر التمويل الأصغر الإسلامي؟
وبتحليل الضلع الثاني في العملية التمويلية نجد أنه تم التركيز من
مقدمي خدمات التمويل الأصغر في المنطقة العربية على تقديمة بصيغة
المرابحة حيث يطلب العميل سلعة معينة للشراء التي يشتريها الممول
مباشرة من السوق ثم يقوم ببيعها بعد ذلك إلى العميل، بعد إضافة هامش
ربح ثابت مقابل الخدمة وهي في النهاية صيغة مرتفعة التكاليف فيشير نقاد
منتجات التمويل الإسلامي إلى أن تسعير بعض المنتجات التي عرضت على أنها
متوافقة مع الشريعة الإسلامية توازي أو حتى تتجاوز تسعير المنتجات
التقليدية فعلى سبيل المثال بعض المؤسسات التي تقدم المرابحة تبدو أنها
تقوم بالإلتفاف على الفائدة وتقدمها كتكلفة لهامش الربح أو كرسوم
إدارية وبالإضافة إلى ذلك ففي معظم الحالات لا تسمح المرابحة بوجود
غرامات يتحملها العميل عند تأخير سداد الأقساط المستحقة وهذا مهم جدا
لمؤسسات التمويل الأصغر للحفاظ على معدلات سداد مرتفعة، كما أن تقديم
المنتج الإسلامي بصيغة المشاركة يتطلب أن تدخل مؤسسات التمويل الأصغر
كمستثمر مما يعرضها لمخاطر الإستثمار ويطلب منها مراعاة المشروع وتقديم
الخدمات المختلفة له فمثلاً هي لا تشتري رأس من الماشية وتبيعه
بالإضافة الى هامش ربح كما في المرابحة ولكنها تقوم برعاية هذا الأصل
لإنها شريك ومالك فيه مع العميل هذا لو تم تقديم المنتج بصيغة المشاركة
مما يجعل مؤسسات التمويل الأصغر الموجودة فعلا في الوطن العربي وهي في
الغالب مؤسسات صغيرة لا تقدم على تقديم المنتج بصيغة المشاركة وتفضل
صيغة المرابحة.
ففي حقيقة الأمر فمؤسسات التمويل هي التي تتحكم في الصيغة المعروضة
وففي الغالب يقوم ادارات تلك المؤسسات بتقديم المنتج الأكثر ملائمه لها.
قمنا بتحليل جزء من توجهات وسلوك مؤسسات التمويل الأصغر في تقديم
منتج التمويل الأصغر الإسلامي ولكن في تقديري الشخصي أن أهم أسباب عدم
إنتشار التمويل الأصغر الإسلامي في الوطن العربي هو عدم الرغبة الجدية
للمؤسسات العربية الكبيرة الأساسية العاملة في صناعة التمويل الأصغر
وهم لا يتعدى عددهم على 15 مؤسسة تقريبا والتي تمثل محافظهم أكثر من
75% من محفظة الوطن العربي كله لتقديم هذا المنتج كمنتج أساسي مع
المنتج التقليدي الناجح، كما أنني بالحديث مع بعض القائمين على الصناعة
إكتشفت عدم إقتناعهم بصيغ التمويل الأصغر الإسلامي المطبقة ووجهه كثير
منهم انتقادات لاذعة لصيغ التمويل الأصغر الإسلامي المطبقة في الوطن
العربي كما أن تلك المؤسسات لن تقدم لتقديم خدمات التمويل الأصغر
الاسلامية إلا عن طريق توفير التمويل الخارجي أو بالتعاون مع المؤسسات
الدولية المانحة كما حدث في حالة الاتفاق بين جمعية رجال الاعمال
بالاسكندرية وهيئة التمويل الدولية.
مع ما سبق فإني ألاحظ في الفترة الأخيرة حراك وتوجهات الى انتشار
التمويل الأصغر الإسلامي ربما بسبب التغيرات السياسية الأخيرة ولكن
الأهم هو انتشار التمويل الأصغر الإسلامي وقد أفرد خبير التمويل الأصغر
في المنطقة العربية الأستاذ محمد خالد بعض الخطوات التي يجب أن يتم
إتخاذها من جميع الجهات المعنية بإنتشار التمويل الأصغر الإسلامي بعد
التفصيل في عدة مقالات له لموقع البوابة العربية للتمويل الأصغر في
مدونة بعنوان تحديات التمويل الأصغر الإسلامي بما يلي:-
1. أبحاث سوق أكثر شمولية: هذا لتحقيق فهم أفضل لحجم وشرائح الطلب
من جانب، ومحاولة طرح مجموعة من المنتجات التي تلبي هذا الطلب على نطاق
واسع من جانب آخر.
2. بناء القدرات: من الضروري بناء القدرات على كافة المستويات
لإطلاق الطاقات الكاملة للتمويل الأصغر الإسلامي. ولذا ينبغي بذل مزيد
من الجهود لتدريب مدراء مؤسسات التمويل الأصغر الإسلامية وموظفيها.
وهذا يشمل وضع دورات تدريبية وتدريب المدربين وتطوير مجموعة من
المستشارين الذين يمكنهم تدريب مؤسسات التمويل الأصغر وتقديم
الاستشارات لها.
3. تمويل التجارب الرائدة: على المستويات الصغرى والمؤسساتية، من
الممكن أن تلعب الجهات المانحة الدولية دورًا رئيسيًا في توسيع نطاق
فرص الحصول على التمويل بين فقراء المسلمين من خلال تمويل المشروعات
الرائدة التي تتيح فرصة لاختبار مختلف نماذج أعمال التمويل الأصغر
الإسلامي.
4. معايير التقارير المالية الدولية: يتعين على البنك الإسلامي
للتنمية وجهات وضع المعايير المالية الإسلامية (مثل IFSBمؤسسة النقد
العربي السعودي أو AAOIFI هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية
السعودية) النظر في وضع معايير التقارير المالية العالمية، المتوائمة
مع التمويل الأصغر، بهدف تعزيز هياكل الشفافية في قطاع التمويل الأصغر
الإسلامي على مستوى العالم. وتتطلب هذه الهياكل مبادئ توجيهية شاملة
للإفصاح تتعلق بالمبادئ المحاسبية للتمويل الأصغر، ومنهجيات تحديد
الأسعار، وعمليات الرقابة المالية، وأخيرًا خدمات التصنيف.
5. النقاط المرجعية: ينبغي على سوق تبادل معلومات التمويل الأصغر
(MIX) النظر أيضًا في إنشاء مجموعة جديدة في تقاريرها والشروع في
متابعة تلك المنتجات المقدمة وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، ومدى
انتشارها، ومتوسط حجم القرض/ الاستثمار، وما إلى ذلك، وهو ما يتيح
تكوين فكرة جيدة بمرور الوقت عن هذه المنتجات ومقارنتها بالمنتجات
التقليدية أيضًا.
الخلاصة أن النتائج المحققة والأرقام الفعلية للتمويل الأصغر
الإسلامي في الوطن العربي مازالت هزيلة وأن ما ينقص التمويل الأصغر
الإسلامي في المنطقة العربية ليس ابرام التعاقدات او الإتفاقات مع
الجهات الأجنبية لدراسة او تفعيل التمويل الأصغر الإسلامي إن ما ينقصه
هو القوة والهمة والايمان بضرورة تطبيقه من قبل القائمين على صناعة
التمويل الأصغر فكما نجح التمويل الأصغر التقليدي فلماذا لا ينجح
التمويل الأصغر الإسلامي؟. |